جهل النظرية باب إلى الانتهازية!


مشعل يسار
2016 / 5 / 5 - 21:42     

"الدفاع عن التعاون الطبقي، والتنصل من فكرة الثورة الاشتراكية ومن الأساليب الثورية للنضال، والتكيف مع النزعة القومية البرجوازية، ونسيان أن حدود الانتماء لقومية أو لوطن زائلة تاريخيا، وتحويل الشرعية البرجوازية إلى ما يشبه الصنم الذي يعبد، والتخلي عن وجهة النظر الطبقية والصراع الطبقي خوفا من إغضاب واستبعاد "الجماهير العريضة من السكان" (بمعنى البرجوازية الصغيرة) - هذه هي، بالطبع، أسس أيديولوجية الانتهازية" (لينين: "وضع ومهام الأممية الاشتراكية").
إنه لتعريف بسيط وغني بمضمونه للأسس الأيديولوجية للانتهازية تركه لنا فلاديمير لينين. ففي هذا التعريف، يمكننا أن نستشف على الفور موقف العديد من المنظمات والأحزاب السياسية المسماة "شيوعية". وليست الحركة الشيوعية اللبنانية والعربية بمنأى عن هذه المواقف التي عددها لينين في مؤلفه المذكور، بل اننا نشهدها يوميا في الأدبيات والتصريحات والخطب الحزبية. وقد أضحت مثابة مدرسة تربت عليها أجيال من الشيوعيين واليساريين منذ تحريفية خروشوف وأتباعه وبروز انتهازية وتحريفية اليسار الأوروبي الذي أخذ يتخلى تدريجيا منذ ستينيات القرن الماضي عن الماركسية اللينينية مذهباً ومنهجاً، واستفحالها خاصة بعد إطاحة الاتحاد السوفياتي. فما هو يا ترى السبب وراء انتهازية شخصيات معينة بل أحزاب بقضها وقضيضها تعتبر نفسها شيوعية؟ لعل على رأس الأسباب جهل النظرية الذي أجهز في نهاية المطاف على أكثر من حزب شيوعي. ويمكننا القول أيضا إن جهل النظرية قد دمر أيضا الاتحاد السوفياتي العظيم.

ومع ذلك، وبالرغم من التجربة المريرة، تجربة هلاك الاتحاد السوفياتي، ومن خلال رؤيتنا لما آل إليه نشاط الكثير الكثير من الأحزاب الشيوعية سابقا والتي لم يبق منها سوى الاسم، ما زلنا نسمع من أنصار الشيوعية سواء بين جيل الشباب أو بين كبار السن أن لينين قد عفا عليه الزمن، وأن ماركس أيضا أكل الدهر عليه وشرب وبات من مخلفات القرون الخوالي، كما يقولون، وأننا بتنا نعيش في زمن آخر، زمن غير ذاك الزمن!!! إذاً، ماركس ولينين شاخا، أما الدين مثلا فلم يشخ، وأنصاره المتعصبون بزدادون تعصبا وشعبيته مع انتصار الرأسمالية مؤقتا على الاشتراكية تعود رقعتهم إلى الاتساع. موقف الجهل هذا الذي يقفه في المقام الأول من يعتبرون انفسهم مع اليسار ومنه وفيه يزيد من إضعاف "الجسم" الشيوعي الضعيف أصلا بعد الصدمة المرضية المخيفة التي دهمته في التسعينيات من القرن الماضي. وقد آن الأوان لكي يخفف الكثيرون من الفُهَماء والأَلِبّاء من غلواء انجرافهم مع موجة التميّز في التفكير والاعتزاز بأن لهم رأياً مخالفاً، أن ينظروا إلى أنفسهم نظرة نقدية وواقعية، وأن يفهموا أن "مذهب ماركس هو الكلي الجبروت لأنه المذهب الصحيح" ولأنه العلم بعينه ولأنه نتاج إعمال العقل في دراسة المجتمع وتطوره، وليس مجرد اجتهادات شخصية لا ترتكز على حقيقة موضوعية.

ينبغي الاعتراف بأن ثمة إلى جانب عدم معرفة النظرية بجريرة الجهل عاملَ تعمّدِ خلق جو وكأن الحزب يمكنه أن يحرز النجاح من دون علم الأيديولوجية الماركسية اللينينية. هذه الممارسة ليست سوى النشاط المضاد للثورة وللمستقبل الاشتراكي الذي بات الذهاب إليه أكثر من ضروري بعد ما وصلت إليه الرأسمالية من استنفاد للطبيعة، ومن استهتار بحياة معظم البشر، ومن استجلاب للحروب المدمرة تصل إلى الحروب العالمية القريبة الآن من إمكان إفناء القسم الأكبر من المجتمع وإقصائه من رقعة امتلاك ثمارها واستغلال من تشغّله إلى أقصى الحدود أو استبعاد من بات زائدا عن اللزوم من العملية الإنتاجية والاستهلاكية وجعله هدفا للتهجير والقتل والتشريد والسحل.
وخير الأمثلة في هذا السياق أن أكثر قليلا من 14 عاما كان مضى بين تأسيس الحزب البلشفي وانتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية. بينما نرى مثلا الحزب الشيوعي الروسي، حزب زوغانوف الانتهازي الذي ما زال يعتبر نفسه الوريث الشرعي للبلشفية، يجر خلفه بلا جدوى أولئك المسنين السذج المفعمين بالحنين إلى زمن الاتحاد السوفييتي منذ أكثر من 25 عاما، وأن الأحزاب الشيوعية الأوروبية والكثير غيرها من الأحزاب الشيوعية في بلدان العالم الثالث، تلك التي تميزت إلى هذا الحد او ذاك بالميل إلى النزعة الانتهازية، لم تقم بأي ثورة وأي تغيير ذي شأن نحو الاشتراكية منذ ثورة أكتوبر وحتى اليوم رغم كلامها الكثير عن التغيير والديمقراطية والانتخابات النزيهة ورفضها لدكتاتورية الطبقة العاملة كمبدإ أساسي من مبادئ الماركسية كرمى لعين البرجوازية المتشدقة أبداً بتعلقها بالديمقراطية، ورغم انتقادها للبيروقراطية السوفياتية وكأن الدول الرأسمالية كانت أو هي منها براء، ورغم تعاطفها مع "المنشقين" السوفيات المظاليم المساكين القديسين. وهذا هو السبب في أن علينا أن ننظر بتمعن إلى تاريخ البلشفية نشوئها وصيرورتِها، حيث سنرى أن دراسة الماركسية كانت الأساس لبناء الحزب. فالقوة القيادية للحزب البلشفي اللينيني نُظِّمت وكانت تتألف حصرا من ماركسيين واعين.

فماذا يعطينا فهم هذه القضية؟ إنه يبين لنا أن من المستحيل خلق شيء ما من دون العلم والمعرفة، وهذا يتعلق بجميع مجالات حياتنا، إذ هل يمكنك من دون تخصص هندسي وخبرة فيه تمتد سنوات وسنوات أن تصمم وتبني بناية، أو من دون تخصص في الطب أن تشفي مريضا؟!!! فكيف بأشياء من مثل تنظيم وتشكيل البروليتاريا في طبقة، وإسقاط حكم الأوليغارشية، واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية. فالحركة الشيوعية لا يمكن تشبيهها بشيء من قبيل نادٍ للهواة ذي مشجعين وشارات مميزة لا أكثر. ونحن بحاجة إلى أن نفهم أن ليست ثمة أمثلة ناجحة أمامنا غير مثَل الحزب البلشفي الذي أسسه لينين ومن سار على خطاه.

"الجهل قوة شيطانية، ونخشى أن يضحي ذلك سببا في الكثير من المآسي الآتية" (ماركس).

"جهل النظرية سوف يدمرنا" (ستالين).