لم يفلحوا في اماتة لينين، أو حتى اماتته ثانية!


طلال الربيعي
2016 / 4 / 23 - 09:40     

كُتبت هذا المقال بماسبة ذكرى ميلاد لينين في 22 ابريل عام 1870 التي حلت مؤخرا.

بطبيعة الحال، عاش لينين وتوفي منذ فترة طويلة، لذلك يمكن للمرء أن يتساءل لماذا نكلف انفسنا العناء بالاهتمام به في عالمنا الحالي المختلف تماما. وتشمل الإجابات الجزئية ان الفقر والقمع والاستغلال؛ الهيكل غير العادل للثروة والسلطة, لا تزال هي صفات مميزة لعالمنا. الإمبريالية والتسلح والعنف هي كلها جزء من الرأسمالية التي قام لينين بتحليلها وكافح ضدها بكل ضراوة, وهي لاتزال تتحكم بوجودنا.

لا يعني هذا ان لينين كان محقا في كل شيء. لكن أفكاره قد تكون ذات صلة بتطوير فهمنا لتاريخنا وعصرنا.

تجادل مجموعة متميزة من مثقفي القرن الحادي والعشرين قي كتاب عنوانه Lenin Reloaded (1), بأن " لينين لا زال حيا!". فيتحدث فريدريك جيمسون في مساهمته مبتدءا بمذكرات ليون تروتسكي في عام 1932 "لمحادثة الحلم" مع لينين، ويمضي جيمسون في وصف كتابات لينين البالغة التأثير باعتبارها صادرة عن رجل يجهل حقيقة موته. وهنا أقتبس:
"انه يجهل موت تجربة اجتماعية هائلة أخرجها بمفرده الى حيز الوجود (والتي نسميها الشيوعية السوفياتية). انه لا يزال بكامل طاقته، وعلى الرغم من موته، وعلى الرغم من طعن الطاعنين من الاحياء بحقه واعتبارهم اياه مصدر الإرهاب الستاليني، والتقول عنه بكونه شخصية عدوانية مفعمة بالكراهية، وجنوحه إلى السلطوية وعشقه للاستبداد. ولكن لم يفلح كل ذلك القدح بحقه في اماتته، أو حتى اماتته ثانية. كيف يحدث ذلك، وكيف يمكن أن يكون، لِمَ يُفكر لينين انه لا زال على قيد الحياة؟" (2)

يبدو ان الدراسات والبحوث الفكرية التي يتضمنها الكتاب تعكس ما يحدث في واقعنا الاجتماعي والسياسي الأوسع. في عالم ما بعد 11/9. تضاءل دور الأيديولوجيات السائدة واضمحل تأثيرها تحت وقع الازمات السياسية والاجتماعية، الأزمات التي تولد جموع المتمردين الذين هم لربما على استعداد لرؤية أهمية جديدة في لينين. أصناف من المدارس المحافظة، الإصلاحية، الفوضوية، والأصولية (العلمانية وكذلك الدينية) حاولت، ولا تزال تحاول، انتشالنا من الازمات, ولكن يبدو أن العصر الذي نعيش فيه يصبح أكثر فظاعة. و يبدو من غير المرجح أنه سيتغير، بغض النظر عن مٌن يستلم الحكم في الولايات المتحدة او خارجها.

ما تعانيه وتفكر به وتشعره جماهير الشعب اليوم في ارجاء المعمورة يمنح افكار لينين تأثيرا ذا صدى متزايد و "سوقا" أكبر مما كان عليه الحال في السابق, كما يُظهر ذلك الدراسات الاكاديمية التي يحتويها الكتاب.

ان نقطة انطلاق لينين الاولى تتمثل في الترابط الضروري بين النظرية الاشتراكية وممارسة الطبقة العاملة والحركة العمالية. الطبقة العاملة تعتمد على بيع قدرتها على العمل من أجل العيش، وهي التي توفر ضروريات استمرار العيش للمجتمع البشري, وعدد افرادها في تزايد واصبحوا يشكلون الغالبية العظمى من سكان العالم. ومن المؤكد أن الغالبية العظمى من هؤلاء هم في البلدان الرأسمالية المتقدمة مثل الولايات المتحدة. هذه الفئة لا يمكن أن تهب على نحو فعال للدفاع عن مصالحها الفعلية والتغلب على مَن يقمعها، في رأي لينين، بدون تبني هدف الاشتراكية- النظام الذي يشترط الملكية الجماعية والتحكم من أجل تلبية احتياجات جميع الناس ديمقراطيا. جزء لا يتجزأ من هذا هو فهم أساسي للطبقة العاملة كما هي، وهذا الفهم يستوجب فهم التنوع الكبير للطبقة العاملة والتفاوت في تجربتها ووعيها .

وهذا يدعو إلى وضع نهج ثوري عملي يسعى للتواصل، بطرق جدبة، مع مختلف قطاعات واطياف الطبقة العاملة. أنه ينطوي على فهم لمقاربات مختلفة وأهداف متنوعة للوصول والتعامل مع عامل و آخر، أو بجماعة أو قطاع من العمال مع جماعة اخرى او قطاع آخر. وهنا يمكن الاستفادة بالكامل من أشكال مختلفة من الأدب التربوي والتحريضي، وتطوير أنواع مختلفة من الخطب والمناقشات، من أجل ربط الأصناف المختلفة من تجارب الطبقة العاملة مع بعضها البعض، والأهم من ذلك، المساعدة في بدء أو دعم أنواع مختلفة من النضالات العمالية. يجب ان تهدف قطاعات الطبقة الأكثر "تقدما" أو طليعة الطبقة العاملة لا لتضييق الأهداف او محدوديتها (كما يتجلى ذلك في "العمل النقابي الواضح والبسيط")، بل الى السعي لتوسيع التضامن الطبقي من اجل تحقيق القضية العامة, مكتسبة بذلك القدرة على جمع الطبقة ككل في النضال من أجل المصالح الجماعية.

هذا التوجه هو أساس معظم ما لدى لينين أن يقوله, ويشكل القاعدة لوجهات نظره الاساسية الأخرى التي يمكن لأحدنا أن يجدها في كتاباته الواسعة:
• فهم ضرورة الاستقلال السياسي للطبقة العاملة في الصراعات السياسية والاجتماعية، والحاجة إلى تفوقها (أو هيمنتها) إذا كان الاتتصار هدف نضالاتها-;-
• تصور متماسك للمنظمة على الصعيد العملي والديمقراطي والثوري-;-
• تطوير تكتيك الجبهة المتحدة، حيث يمكن لقوى سياسية مختلفة أن تعمل معا لتحقيق أهداف مشتركة، ولكن بطريقة السماح للمنظمات الاشتراكية ان تقدم وجهات نظر ثورية فعالة؛
• جدية الجهود الفكرية والعملية (وضرورة انعدام الدوغمائية أو "الطائفية") في الاستفادة من النظرية الماركسية-;-
• تحليل عميق للإمبريالية والقومية-;- و
• نهج أممي ثوري حيوي وفعال.

وأكد لينين (3) على ضرورة الدعم الاشتراكي النشط من قبل الطبقة العاملة لجميع الذين يعانون الاضطهاد. "وعي الطبقة العاملة لا يمكن أن يكون وعيا سياسيا حقيقيا ما لم يتم تدريب العمال على مقاومة جميع حالات الاستبداد والقهر والعنف وسوء المعاملة، بغض النظر عن الطبقة التي يجرى قمعها". وهذا يشمل قضايا حرية الرأي والتعبير والحرية الثقافية وحقوق الأقليات الدينية، وحقوق الجماعات العرقية والإثنية، وحقوق المرأة، والجنود، الطلاب، ومن الفلاحين. يجب أن ينظر العامل إلى اضطهادهم على انه متأتي, حسب لينين, من "تلك القوى الظلامية نفسها التي تقوم بقمعه وسحقه في كل خطوة من حياته." يجب أن يكون الثوري "منبر الشعب، الذي يكون قادرا على الرد على كل مظهر من مظاهر الاستبداد والقمع، ايما يظهر، وبغض النظر عن الطبقة أو الفئة المقموعة."

وبالتالي فإن "لينينية" لينين تنطوي على نهج من النضال والإصلاح الاستراتيجي الثوري، وجنبا إلى جنب مع هذا، فهو يتضمن فهما ثاقبا لتدفق النضال الديمقراطي نحو الثورة الاشتراكية. في قلب توجه لينين كانت هنالك "ضرورة ديمقراطية" تتشابك (على حد تعبيره) ب"النضال الثوري ضد الرأسمالية ومع برنامج ثوري وتكتيك ثوري مناسب لجميع المطالب الديمقراطية: جمهورية، ميليشيا، والمسؤولين المنتخبين من قبل الشعب، الحقوق المتساوية للمرأة، وتقرير المصير للشعوب، الخ ... مستندين على الديمقراطية القائمة بالفعل، وفضح عدم اكتمالها في ظل الرأسمالية، وتدعو إلى إسقاط الرأسمالية، ونزع الملكية البرجوازية كملازمة لا غنى عنها لإنهاء فقر الجماهير وتحقيق كامل لجميع أشكال الديمقراطية." (4)

بطبيعة الحال، فإن البرجوازية-الرأسماليين، أولئك الذين يملكون الشركات الكبيرة، والشركات متعددة الجنسيات التي تستغل كوكبنا، لديها قوة هائلة ويسعون قدر امكانهم الى منع إمكانية تحكم الشعب بالاقتصاد. وقوتهم لا يمكن الطعن بها والتغلب عليها الا من خلال تعلم منهجي ومستمر, وكذلك من خلال التحريض وتنظيم غالبية الطبقة العاملة. ولكن هذا لا يمكن ان يتحقق ما لم يتم تنظيم الثوار للعمل معا. ان تنظيم الثوريين في منظمة هو احد اساسيات اللينينية.

ولكن هنا أريد أن انطق بكلمة حذر. فنحن بحاجة إلى أن نكون واضحين بخصوص الاختلاف العميق بين "لينينية لينين" والاحتمالات الفورية التي نواجهها في سياق فعل هو، في بعض النواحي، مختلف نوعيا عن سياق سياسة لينين وقتها.

المنظمة البلشفية التي دعا لينين اليها هي جزء من تشكيلة الطبقة العاملة على مستوى عالمي واسع، وهي جزء من الحركة العمالية النامية، وجزء من ثقافة العمل الجذرية المتطورة التي احتضنت جماهير غفيرة من الشعب. ولكن يسار الولايات المتحدة والدول الرأسمالية المتقدمة الاخرى حاليا يظهر لنا ان محاولة خلق منظمة كهذه بعيدا عن هذا النطاق يحملها على الانحطاط وبناء "طائفة" سياسية، وذلك بالرغم من حسن النية, من قبل نشطاء المنظمة ويؤدي الى خلق عالم خاص بهم منفصل عن عالم الطبقة العاملة.

ان تطوير قطاعات واسعة، كبيرة عدديا وذات ثقافاة فرعية متنوعة, من الناس الواعين اجتماعيا الذين هم جزء من الطبقة العاملة, هو أمر ضروري لخلق الحزب الثوري الذي ساهم لينين في بنائه. وان تراكم نسبة كبيرة من النشطاء الذين هم جزء من الطبقة هو شرط مسبق لخلق هذا الحزب. وهذا لا يمكن ببساطة تحقيقه من قبل حفنة من الناس الذين يسعون ان يكونوا لينينيين (5).

و يبدو لي ان توليف هذه القضايا وقضايا اخرى ذات صلة سيكون محور الكثير من التفكير والمناقشة بين الناشطين في الفترة المقبلة. والكتاب المشار اليه هنا يشكل محاولة هامة في هذا الاتجاه .

المصادر:
1- Lenin Reloaded
https://www.dukeupress.edu/lenin-reloaded
2- Frederic Jameson, “Lenin and Revisionism,” in Sebastian Budgen, Stathis Kouvelakis, and Slavoj Zizek, eds., Lenin Reloaded: Toward a Politics of Truth (Durham, NC: Duke University Press, 2007), 60
3. Lenin and the Revolutionary Party (Amherst, NY: Humanity Books, 1993), From Marx to Gramsci: A Reader in Revolutionary Marxist Politics (Amherst, NY: Humanity Books, 1996), and Marx, Lenin and the Revolutionary Experience: Studies of Communism and Radicalism in the Age of Globalization (New York: Routledge, 2006
4- Lenin, “The revolutionary proletariat and the right of nations to self-determination,” excerpted in From Marx to Gramsci, 205–8
5- Lenin and the Revolutionary Party
http://www.amazon.com/Lenin-Revolutionary-Party-Paul-Blanc/dp/1608464644