تعطيل الحركة اليسارية، أي حركة يسارية، لصالح من؟ ولأجل ماذا؟.....10


محمد الحنفي
2016 / 4 / 19 - 11:39     

ضرورة قيام اليسار بالتمييز بين الدين الإسلامي، وبين أدلجة الدين الإسلامي:

وحتى يتاتى لليسار الذي تقوم أيديولوجيته على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، فإن على هذا اليسار، أن يميز في تعاطيه مع مواجهة الأصولية، والأصوليين، والظلامية، والظلاميين، وهيمنتهم على المجتمع المغربي، بين مستويين:

المستوى الأول: اعتقاد الناس بالدين الإسلامي، الذي يستحق من اليسار الاحترام التام، كباقي المعتقدات الأخرى، التي من حق الناس الاعتقاد بها، وفي إطار ضمان حرية المعتقد، ودون أن تتحمل الدولة المغربية مسؤولية فرض معتقد معين، أو فرض مذهب معين، من مذاهب ذلك المعتقد.

فتعدد المعتقدات تعتبر مسألة موضوعية، تدخل في إطار حرية الاعتقاد، التي تبقى مكفولة بحكم القانون، وانطلاقا من الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وفي إطار علمنة الدولة، والمجتمع، التي تعتبر مدخلا لحماية جميع المعتقدات، والحيلولة دون قيام دولة معينة، على أساس أدلجة أي معتقد. وبالنسبة إلينا، على أساس أدلجة الدين الإسلامي.

والمستوزى الثاني: أدلجة الدين الإسلامي، القائمة على أساس التأويل الأيديواوجي لمجمل الدين الإسلامي، ولمختلف نصوصه، حتى يصير الناس الذين لا يميزون بين حقيقة الدين الإسلامي، وبين أدلجة الدين الإسلامي، يعتقدون أن ما يقوم به مؤدلجو الدين الإسلامي، هو الدين الإسلامي عينه، مع أن الأمر يتعلق بالأمور الأيديولوجية، والسياسية، التي يمارسها المؤدلجون المنظمون في إطار أحزاب، وتوجهات تستغل الدين الإسلامي، أيديولوجيا، وسياسيا، لتحقيق أهداف سياسية، لا علاقة لها بالدين الإسلامي.

وهذا التمييز، بين هذين المستويين، صار شرطا لجعل المومنين بالدين الإسلامي، يحرصون على سلامة اعتقادهم بالدين الإسلامي، بعيدا عن الاستغلال الأيديولوجي، والسياسي، الذي يتصدون له، ويواجهونه، باعتباره تحريفا للدين الإسلامي. وما على اليسار الاشتراكي العلمي، إلا أن يسير في اتجاه التمييز بين المعتقدات، التي يعتقدها الناس، وبين استغلال تلك المعتقدات أيديولوجيا، وسياسيا، وبين الاعتقاد بالدين الإسلامي، وبين توظيف الدين الإسلامي أيديولوجيا، وسياسيا، وهذا الفصل الذي صار واجبا لعلميته، هو الذي يفرض إعلان اليسار لاحترامه، للاعتقاد بالدين الإسلامي، ولباقي المعتقدات الأخرى، ولإدانته لا ستهداف الدين الإسلامي، ولأي مذهب من مذاهبه، ولأي معتقد آخر، بالاستغلال الأيديولوجي، والسياسي، حتى لا يتحمل مسؤولية قبول استغلال المعتقدات، التي هي للناس جميعا، وحتى يسجل التاريخ، وأمام العالم، احترامه لكل المعتقدات، وعلى رأسها: الاعتقاد بالدين الإسلامي.

إن احترام المعتقدات، كيفما كانت، من أهم السمات التي يجب أن تسم اليسار، الذي تقوم أيديولوجيته على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، وإلا فإنه يسار تحريفي، لا وجود فيه لشيء اسمه احترام المعتقدات، التي يعتقدها الناس بإرادتهم، ولا دخل لأحد فيها.

وإذا أردنا تجاوز الصراع بين اليسار، وعامة المسلمين، الذين يعانون من التضليل الأيديولوجي، الناجم عن أدلجة الدين الإسلامي، فإن على اليسار الذي يبني أيديولوجيته، على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، أن يعمل على توعية المسلمين، بضرورة التمييز بين الدين الإسلامي كمعتقد، وبين أدلجة الدين الإسلامي كاستغلال أيديولوجي، يقود إلى الاستغلال السياسي للدين الإسلامي، حتى يدركو أهمية التمييز بين الدين الإسلامي، وبين أدلجة الدين الإسلامي، التي يعتمده المؤدلجون في تحريف الدين الإسلامي عن مساره.

ومعلوم أن الجماهير الشعبية الكادحة، عندما تمتلك الوعي بضرورة التمييز بين الدين الإسلامي، وبين أدلجة الدين الإسلامي، سيكون، ذلك الوعي، بمثابة مدخل لتراجع ازدهار الأصولية، ولتراجع هيمنتها على الجماهير المذكورة. وهو ما يعتبر بالنسبة لليسار، مبررا للاستمرار في استنهاض الجماهير، وجعلها توظف ذلك الوعي، لمضاعفة مواجهة الأصولية، وأدلجة الدين الإسلامي، ومحاصرة المؤدلجين، تعبيرا عن التحرر من أدلجة الدين الإسلامي، ومن المؤدلجين، ومن الأصولية، دون أن يعني ذلك: أن هذه الجماهير تخلت عن معتقداتها، بما فيها الاعتقاد بالدين الإسلامي.

وإذا كان من مهمة اليسار، مواجهة أدلجة الدين الإسلامي، ومواجهة مؤدلجيه، ونشر الوعي في صفوف ضحايا تضليل أدلجة الدين الإسلامي، فإن مهمته أيضا، أن يسعى إلى فرض الفصل بين الدين الإسلامي، والسياسة؛ لأن الجمع بينهما في تاريخ المسلمين، كلف المسلمين، وبلدان المسلمين، كثيرا، وأوصل إلى الحكم في هذه البلد، أو ذاك، من بلدان المسلمين، حكاما يمارسون استبدادا بشعا، وفسادا متنوعا بالدين الإسلامي.

فالجمع بين الدين، والسياسة، كلف شعوب أوروبا الكثير، وازهقت في إطاره الكثير من الأرواح، ولم تستقم أوروبا، ولم يستقم الحكم فيها، إلا بعد أن انفصلت السياسة عن الدين، وابتعدت الكنيسة عن التحكم في الأنظمة السياسية القائمة في أوروبا، وتحولت هذه الأنظمة القائمة في أوروبا، من أنظمة قائمة على أساس الاستبداد الديني، المستمد من أدلجة المسيحية، إلى أنظمة ديمقراطية، منذ قيام ما يسمى بثورة الإصلاح الديني في أوروبا، التي لم نستفد منها أي درس، ولم نسترشد بنتائجها في بلدان المسلمين، ومنذ قيام الثورة الفرنسية، الموسومة بالثورة البورجوازية، التي أزاحت نظام الحكم الإقطاعي عن البلدان الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا. وهو ما جعل الأمور السياسية في يد الشعوب الأوروبية، التي تقرر مصيرها بنفسها، بناء على سيادة الاقتناع بتوجه سياسي معين.

وفي بلدان المسلمين، وخاصة في البلاد العربية، نجد أن التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والأيديولوجي، وغياب الوعي بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وسيطرة الفساد، والاستبداد، واستمرار استعباد المسلمين، وهضم حقوقهم الإنسانية، وتكريس الاستغلال الهمجي: المادي، والمعنوي على المسلمين، قاد، ويقود إلى أجل قيام ثورة ضد الاستبداد، وممارسة كافة اشكال الفساد، باسم الدين الإسلامي، مع أنه لا توجد في دين الإسلام رهبانية، ولا يوجد ما يشبه نظام الكنيسة، ولا رهبانية في الإسلام كما يقولون.

وإذا كانت البلاد العربية، والعديد من بلدان المسلمين، قد عرفت حركات احتجاجية ضد الفساد، والاستبداد، فإن دول البلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين، تعرف، كذلك، قيام أحزاب، وتوجهات سياسية، على أساس أدلجة الدين الإسلامي، التي تكتسح صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، والأمية، والحالمة بأوضاع يوم القيامة، التي تصير لصالحها، حسب اعتقادها، في مقابل تقديم التضحيات الضرورية، لوصول مؤدلجي الدين الإسلامي إلى الحكم، ليتحقق على يدهم الحكم الإسلامي، الذي ليس إلا حكما لمؤدلجي الدين الإسلامي.

وهذه الاحتجاجات، التي صارت تعرف بالربيع العربي، لم تؤد إلى قيام أنظمة ديمقراطية بورجوازية، تفصل بين الدين والسياسة، بل إن سيادة، وهيمنة الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، هي التي وظفت، وتوظف تلك الاحتجاجات، من أجل الوصول إلى الحكم، بدعم من النظام الرأسمالي العالمي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الرجعية العربية، وفي مقدمتها دول البترودولار، وتركيا، من أجل أن تتحول الخريطة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، إلى أنظمة تشبه إلى حد كبير، الأنظمة التي كانت تنتجها الكنيسة في أوروبا.

وهذا التوجه الذي صار يسود في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، هو الذي حول المنطقة، برمتها، إلى منطقة للصراع الدولي، الموسوم بالحرب على الإرهاب، الذي اتخذ مستويين:

أولا: مستوى قائم على التضليل، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ورائها بلدان البيترو دولار، بقيادة السعودية، وقطر، ومعها دولة تركيا الأردوغانية، المستفيد الأول من سيطرة داعش على الحقول النفطية في العراق، والشام، والتي شكلت تحالفا واسعا لمحاربة داعش من الجو، ولكن بدل أن تقصف الداعشيين بالقنابل، صارت تمدهم بالسلاح، والعتاد، وشراء النفط بأبخس الأثمان، مقابل مدها بالمال، والسلاح، كما اثبتت التجربة ذلك، مما جعل الحرب على الإرهاب مجرد شعار للاستهلاك، والتضليل.

ثانيا: مستوى قائم على أساس الوضوح، وهو المستوى الذي تقوم فيه روسيا بقيادة تحالف واضح، بين روسيا، وسورية، وإيران، وبدعم من الصين، وكل الدول التي تحرص على الدولة الإرهابية: داعش، أو الخلافة الإسلامية كما صارت تسمي نفسها، والتي تفرعت عن تنظيم القاعدة، الذي استنسخته الولايات المتحدة في العراق، والشام، والذي تحول إلى رأس رمح مؤدلجي الدين الإسلامي، على المستوى العالمي، وخاصة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين. وفي هذا المستوى، نجد أن بلدان المسلمين، والبلدان العربية، وخاصة منها دول البيترودولار، أخذت تراجع حساباتها، بعد إنهاك التنظيمات الإرهابية في العراق، والشام، وبعد هذا التراجع الواضح الذي أصبحت تعرفه دولة داعش، وبعد تهديد دولة داعش لجميع الأنظمة العربية، وأنظمة بلدان المسلمين، عن طريق تفعيل خلاياها النائمة، في كل بلدان المسلمين، وحتى في أوروبا، وأميريكا، وأمريكا اللاتينية.