أفريقيا ومزاعم ثقافة العولمة والسياسات النيوليبرالية


كريبسو ديالو
2016 / 4 / 12 - 20:50     


في الماضي تم اغتيال أكثر من رئيس أفريقي أو تم الانقلاب عليه بعد إن رفض تنفيذ إملاءات خارجية أو توقيع اتفاقيات كانت ستقضي على شعبه أمثال ” توماس سانكارا، باتريس لومومبا، سامورا ميشيل،أمليكار كابرال، كوامي نكروما” وكان ينظر لهم الغرب علي انهم سبب معوقات تطور مجتمعاتهم واليوم وبعد أقتلاع جميع الرؤساء الذين طالبوا باستقلال اقتصادي وسياسي من المنظومة الرأسمالية العالمية وتثبيت دمي الاستعمار الحديث في سدة الحكم علي يد قوي الغرب وبعد إثبات فشلهم بعد 3 عقود من فقر وأضمحلال اجتماعي يلوم ويبرر الغرب بالترويج للأسطورة القائلة “بأن دول العالم الثالث فشلت اقتصادياً لأنها لم تكن منافسة وبذلك لابد الطلب على المزيد من الإصلاحات النيوليبرالية”” !!! ولكن هل هناك فرق بين الرأسمالية و النيوليبرالية ؟؟؟

أن جوهرية النيوليبرالية تمثل بشكل أحتيالي في إعادة توزيع الثروة والدخل بدلاً من توليد الثروة والدخل وقد تم ذلك عن طريق ممارسات “التراكم من خلال نزع الحيازة” وتتضمن هذه الممارسات تحويل كل شيء إلى سلعة وخصخصة الأرض والطرد القسري للطبقة العاملة والفلاحين وتحويل الأشكال المختلفة لحقوق الملكية (الملكية المشتركة أو الجمعية أو ملكية الدولة) إلى حقوق ملكية خاصة حصرية وطمس الحقوق في المرافق العامة وجعل قوة العمالة سلعة وإعاقة نمو الأشكال البديلة للإنتاج والاستهلاك بالإضافة إلى عمليات كولونيالية لمصادرة الأصول (بما في ذلك الثروات الطبيعية)

يتميز “التراكم من خلال نزع الحيازة” بثلاثة أشياء رئيسية هي:

1- الخصخصة والتسليع: تحويل الأموال العامة إلى شركات وسلع فالهدف الرئيسي لهذا المشروع هو فتح ميادين جديدة لتراكم رأس المال في مجالات كانت ولا تزال تعتبر خارج حدود حسابات الربحية المرافق العامة بكل أشكالها وأنواعها (المياه والاتصالات والنقل) والمنافع الاجتماعية (الإسكان والتعليم والرعاية الصحية والتقاعد) والمؤسسات العامة (الجامعات ومراكز البحوث والسجون) وحتى الخدمات الاجتماعية الضرورية لتحسين أحوال بعض الفئات الاجتماعية علي حساب فئات اخري خضعت للخصخصة إلى درجة معينة في جميع أنحاء العالم الرأسمالي وخارجه.

2-العمليات المالية: تميزت الموجة العارمة من الأعمال المالية التي انطلقت بعد عام 1985 بأسلوب المضاربة اللصوصي فقد ارتفع الحجم الإجمالي اليومي للتعاملات المالية في الأسواق الدولية الذي سجل ٢,٣ مليار دولار عام 1993إلى ١٣٠ مليار دولار بحلول العام 2001 وبلغ الحجم السنوي للتداولات عام 2001 مبلغ ٤٠ تريليون دولار بالمقارنة مع مبلغ ٨٠٠ مليار دولار اللازم لدعم التجارة الدولية وتدفقات الاستثمارات الإنتاجية وهكذا أتاح التحرر من تنظيم الدولة وتدخلها للنظام المالي أن يصبح واحداً من المراكز الرئيسية لنشاط إعادة التوزيع من خلال المضاربة والنهب واللصوصية والخداع.

3- إدارة الأزمات والتلاعب بها: وراء هذا الخداع الذي تتسم به التلاعبات المالية النيوليبرالية تكمن عملية أكثر عمقاً ينجم عنها نشوء “فخ الدَّيْن” الذي يشكل الوسيلة الأولى “للتراكم من خلال نزع الحيازة” خلق الأزمة وإدارتها والتلاعب بها على المسرح العالمي تطورت كلها لتصبح فناً جميلاً لإعادة توزيع مقصودة للثروة من الدول الفقيرة إلى الغنية كما حصل في المكسيك و توجو علي سبيل المثال وهذا ما بات تحالف وزارة الخزانة/وول ستريت/صندوق النقد الدولي خبيراً في تطبيقه في كل مكان.

و الأمر أيضآ لا يخلو من وجود تناقضات في النظرية العامة للدولة النيوليبرالية ويوجد تباين آخذ بالتبرعم والانتشار بين الأهداف العامة المعلنة للنيوليبرالية: سعادة الجميع ونتائجها الفعلية بالإضافة إلى ذلك يجب إلقاء الضوء على التناقضات الأخرى مثل:

1-السلطوية في تطبيق نظام السوق الذي لا ينسجم مع قيم الحريات الفردية وكلما ازداد توجه النيوليبرالية نحو الأولى تزايدت صعوبة حفاظها على الشرعية في مواجهة الثانية وازدادت أيضاً ضرورة أن تميط اللثام عن لونها المناهض للديمقراطية وهذا التناقض يوازيه انعدام متنام للتماثل في علاقات القوة بين الشركات والأفراد.

2- مع أهمية الحفاظ على وحدة النظام المالي ونزاهته واستقامة عمله إلا أن الفردانية اللامسؤولة لدى مشغلي هذا النظام تفرز تقلبات في المضاربات وفضائح مالية وعدم استقرار حاد وكان من شأن الفضائح المحاسبية وكذلك فضائح وول ستريت في السنوات الأخيرة أن قوضت الثقة ووضعت أمام السلطات التنظيمية مشكلات خطيرة حول كيف ومتى تتدخل على الصعيد الدولي أو المحلي.

3- على الرغم من أن فضيلة المنافسة توضع في المقدمة إلا أن الواقع يشهد تزايداً في ترسيخ سلطة احتكارات القلة أو الاحتكار الفردي أو السلطة متعددة القوميات داخل شركات متعددة الجنسيات وعدد قليل جداً من عمالقة الشخصيات الإعلامية المؤثرة يسيطرون على معظم تدفقات الأخبار التي صارت في معظمها دعاية صرفة تخدم مؤسسات معينة بالإضافة الى مشكلة “الاحتكار الطبيعي” فليس من المعقول أن يكون هنالك نموذج تنافسي في شبكات الصرف الصحي والكهرباء وسكك الحديد مثلاً.

4- على الصعيد الشعبي سرعان ما ينتج التنافر والتفكك الاجتماعي عن الاندفاع نحو حريات السوق وجعل كل شيء سلعة تباع وتشترى ولا بد من القول إن تدمير أشكال التضامن الاجتماعي يخلف فجوة واسعة جداً في النظام الاجتماعي عندئذ يصبح من الصعوبة بمكان محاربة أي شذوذ عن هذا النظام والسيطرة على السلوكيات العدائية للمجتمع مثل الإجرام والاستعباد الافتراضي للآخرين.

وما قالوه منظموا مؤتمر دافوس عام 1996 خير دليل على تلك التناقضات: “بهذا دخلت العولمة الاقتصادية مرحلة جديدة وهناك ردة فعل متصاعدة ضد آثارها وبخاصة في البلدان الصناعية تهدد بأثر مدمر للنشاط الاقتصادي والاستقرارالاجتماعي في بلدان عدة والحالة السائدة في هذه الديمقراطيات التمثيلية تدل على اليأس والقلق”.








وأخر نقطة أريد ان أشير أليها كيف أنجز التحول نحو النيوليبرالية ؟؟ ومن الذي قام بذلك؟

الجواب : في بعض بلدان العالم الثالث مثل تشيلي والأرجنتين في السبعينيات حيث وقع انقلاب عسكري تدعمه الطبقات العليا التقليدية والحكومة الأمريكية طبعآ أعقبه قمع عنيف لجميع أشكال التضامن والاتحاد داخل طبقة العمال والحركات الاجتماعية في المدن التي كانت تهدد سلطتها وإن أساليب التحول نحو النيوليبرالية شهدت تبايناً بين مكان وآخر باستخدام القوة العسكرية أحيانا كما في تشيلي أو باستخدام القوة المالية كما حدث في العمليات التي نفذها صندوق النقد الدولي في موزمبيق أو الكونغو ومن خلال الاستئثار بقيم حرية الفرد وجعل هذه القيم بمواجهة ممارسات الدولة في التدخل والتنظيم تأمل الطبقة الرأسمالية أن تحمي موقفها والنيوليبرالية هي الأكثر ملاءمة لهذه المهمة الأيديولوجية ولكن يجب دعمها باستراتيجية عملية تؤكد حرية خيار المستهلك ليس فقط بما يخص منتجات معينة بل وأيضاً فيما له صلة بأسلوب الحياة وطريقة التعبير والممارسات الثقافية.



فاللبرالية الجديدة تقتضي على المستويين السياسي والاقتصادي بناء ثقافة نيوليبرالية شعبية قائمة على السوق لاستهلاك تفاضلي متمايز وتحررية فردية وكان هذا هو التحدي الذي عملت الشركات والطبقة النخبوية على إنجازه بدهاء في الثمانينيات وبالرغم من كل ما يقال حول النيوليبرالية بصفتها الدواء الشافي للاقتصادات دول العالم الثالث كما قال البارحة اقتصادي ألماني يعمل في البنك الدولي لم يستطع الغرب من تحقيق مستويات عليا من الأداء الاقتصادي في الثمانينيات والتسعينيات وهذا ما يشير صراحة إلى أن النيوليبرالية لم تكن الجواب لصلوات وأدعية الرأسماليين ومن المؤكد أن التضخم تراجع وأسعار الفائدة انخفضت لكن هذا كله كان على حساب معدلات عالية للبطالة لأن كان وسطي معدلات البطالة في الولايات المتحدة ٥ر٧ بالمائة في عهد الرئيس ريغان وأكثر من ١٠ بالمائة في بريطانيا في ظل حكومة ثاتشر وكان من أثر التخفيضات في الخدمات الاجتماعية المقدمة من الدولة وفي الانفاق على البنية التحتية وأن تراجعت جودة المعيشة عند الكثير من المواطنين فكانت النتيجة الإجمالية مزيجاً غير ملائم من نمو منخفض ولا مساواة متزايدة في الدخل و أيضآ عقد الثمانينات كان ملكاً لأقصادات “النمور” الآسيوية التي شكلت مراكز متنافسة لتوليد طاقة الاقتصاد العالمي ونجاح هذه الدول في ظل غياب إصلاحات نيوليبرالية بالجملة يجعل من العسير القول بأن اللبرلة الجديدة أحرزت تقدماً على المسرح العالمي ومن هنا نستنتج حقيقة ثابتة في هذا التاريخ المعقد للبرلة الجديدة غير المنتظمة ألا وهي ذلك النزوع العام لزيادة اللامساواة والتفاوت الاجتماعي ولتعريض العناصر الأقل حظاً في أي مجتمع لرياح التقشف ولمصير التهميش المتزايد ومع أن هذا النزوع قد شهد تحسناً أحياناً هنا وهناك بفعل بعض السياسات الاجتماعية إلا أن آثاره على الطرف الآخر من الطيف الاجتماعي (الفقراء) كانت دراماتيكية ومذهلة فتركيز الثروة والقوة الموجود الآن في الصفوف العليا للرأسمالية لم يعرفها أحد منذ عشرينات القرن العشرين إنها جزء من عبقرية نظرية النيوليبرالية بأن تقدم قناعاً محبا للخير مفعماً بكلمات جذابة مثل الحرية والاختيار والحقوق يخفي وراءه الواقع المرير لعودة أو تأسيس سلطة الطبقة الواحدة محلياً وما بين الأمم وعلى نحو أكثر خصوصية في المراكز المالية الرئيسية لرأس المال العالمي.