أن تكون شيوعيا، فهو التزام يومي (الجزء السادس والأخير)


مرتضى العبيدي
2016 / 4 / 10 - 07:09     

البراغي (البولونات) الصغيرة الضرورية لماكينة الحزب

إنّ الحديث عن الرفاق الذين يقومون بمهمّات خصوصية في الحزب قليل، ويفسّر ذلك بالسرية الصارمة التي تحيط بنشاطهم الثوري، غير أنّ هؤلاء الرفاق يستحقّون كل الامتنان والتقدير من مجموع الحزب وخاصّة من القيادة. فهم يمثّلون قاعدة الارتكاز الضرورية لعمل الحزب التي بدونها يستحيل ضمان استمرارية النشاط الثوري اليومي.
خلال حفل في الكرملين وبعد انتصار السوفييت على ألمانيا النازية، ألقى الرفيق ستالين خطابا قصيرا ومفاجئا، كانت تحية أكثر منه خطابا، لم يكن يقصد قول أشياء خارقة للعادة ولا عبارات صعبة، بالعكس فإنّ ما قاله كان بسيطا ومألوفا ولكنه مليء بالعرفان الشيوعي والحرارة الثورية. كان يريد أن يرفع كأسا على نخب الذين لا يحملون أوسمة ولا يوجدون في مواقع قيادية، كان يريد إهداء تحية للرفاق المتواضعين الذين سمّاهم "البولونات" أو البراغي الصغيرة لآلة الحزب البلشفي الشاسعة والحكومة السوفييتية. قال ستالين: "هذه البراغي الصغيرة التي بدونها ما كنّا نساوي شيئا نحن القادة والماريشالات، ذلك أنّه لو افتقدنا واحدا منها لخسرنا كل شيء، أريد أن أشرب على صحّة هؤلاء الأشخاص البسطاء والمتواضعين الذين هم بمثابة البراغي الضامنة لسير آلتنا الكبيرة الاشتراكية في كل الميادين: علوم، اقتصاد، حزب... إنّهم آلاف وآلاف يكوّنون فيلقا لم يُكتب عنه إلا القليل ولكنه قاعدة ارتكازنا، إنّي أشرب على صحّة هؤلاء الأشخاص المتواضعين، الرفاق الذين يستحقّون تقديرا خاصّا".
إنّ هذا الثناء الذي عبّر عنه ستالين سنة 1945 على ملايين الرفاق دون أن يذكر اسما واحدا لا يمكن اعتباره ظرفيا وعابرا. كلاّ فهو ثناء بليغ الدلالة ومجعول لكي يبقى على مرّ الزمن، إنّها لعبارات غنيّة بمعانيها الماركسية اللينينية إذ تعبّر عن الحيوية الكبيرة لبلشفي قديم ومحنّك، فهي تختزل تعاليم ثمينة بروليتارية ثورية ذات مغزى إيديولوجي عميق من المناسب أن نتذكّرها دوما وأن نؤكّد على أهميتها التي لا تقدّر، وهذا مثال لينين للاعتراف بالقيمة الفائقة للنشاط البنّاء والضروري والذي لا مجال للاستغناء عنه للمناضلين المتواضعين.
إنّ تاريخ النضالات المستمرّة للحزب الشيوعي للبرازيل حافل بأمثال هؤلاء الرفاق المتواضعين والشيوعيين المناضلين والأبطال المغمورين. هؤلاء الرفاق هم الذين يربطون بين المناضلين، يترقّبون أوقات المواعيد، إنّهم المسؤولون عن أجهزة الحزب، هم الذين ينقّبون بحثا، هم المترجمون هم الراقنون، والمشتغلون بآلات الطبع، هم الذين يقومون بالمستحيل كي تصدر جريدة (الطبقة العاملة) بانتظام وتصل إلى حيث يجب أن تصل، هؤلاء الرفاق هم المناضلون المحترفون الأسخياء، وأصدقاء الحزب الذين يقدّمون خدماتهم للرفاق في الأوقات الصعبة، وينقذوهم من الموت في بعض الأحيان، إنّهم نقاط ارتكازنا، أولائك الذين يمكّنوننا من منازلهم وسياراتهم لتادية حاجيات الحزب المتعدّدة، إنّهم مراسلونا ومبعوثونا ورفاقنا المكلّفون بفتح جبهات لعمل الحزب، بحيث يكادون يلاقون دائما مصاعب جمّة ويتحمّلون جسيم التضحيات. وليس هؤلاء فقط بل أيضا رفاق آخرون كثيرون وكثيرون غيرهم، رجالا ونساء، شيوخا وشبابا، مرتبطون بألف مهمّة خاصّة يتطلبها النشاط الثوري متعدّد الأشكال للحزب. إنّنا لنتساءل: إن لم نعوّل على تفاني هؤلاء الرفاق وإخلاصهم، فكيف يمكن للقيادة المركزية وغيرها من القيادات الوسطى العمل في كنف السرية وفي بلد شاسع مثل البرازيل؟ ماذا يحدث للرفاق الذين قدموا من المدن أو من مناطق أخرى في البرازيل واستقرّوا بالأرياف التي لم يطؤوها من قبل وليس لهم أيّ فكرة عن أسرار الغابة الأمازونية مع الحطّابين أو الصيادين والفلاحين الذين يرافقونهم في مسيرتهم الطويلة ويسكنونهم أكواخهم البسيطة؟ كيف يمكن للقادة العسكريين لحرب العصابات بالأرياف التحرّك بنجاعة إن لم يستعينوا بهؤلاء الناس الذين يسكنون الغابة الأمازونية والذين علّموهم كيف يعيشون وسط صعوبات الغابة، وكيف يحصلون على القوت والمسكن وكيف يسيرون فيها دون حسّ؟ كيف يمكن لحزبنا الانغراس في المعامل وفي الريف وفي المدارس، في كل جبهات النضال الطبقي والقيام بنشاطه الثوري وهو يحيى في كنف السرية الصارمة من دون عمل هؤلاء الرفاق المتواضعين المتقن والمخلص والصبور، هؤلاء الذين يفتحون الطريق ويمهّدون الثنايا ويزرعون بذارنا الثوري وسط الجماهير؟ فلولا هؤلاء الرفاق لا يُتاح لأيّ قيادة حزبية أن تعمل بصورة عادية أو أن تكون ناجعة، وقد كان ستالين على حقّ حين قال إنّه من دونهم لا قيمة للقادة الذين يصبح من الصعب عليهم مواصلة النشاط اليومي للحزب وضمان استمرارية النضال الثوري. إنّنا نعرف أسماء البعض في حين لا نعرف غير الأسماء الحركية بالنسبة للبعض الآخر، أمّا الآخرون فيصعب التعرّف عليهم. لقد غادر الكثير من هؤلاء عائلاتهم ومن يّحبّون وكان عليهم أن يغيّروا عاداتهم للانخراط في العمل الصّامت وخفيّ الاسم للنضال الحزبي السرّي، وأمام الحياة الحزبية المثالية لجميعهم، يكون من واجبنا أن نثني عليهم بكلّ حبّ وإكبار. ولم يضحّ هؤلاء ببضعة أشهر بل بحياتهم كاملة، ولم ينحرفوا البتّة عن الطريق البروليتارية الثورية، بل وهبوا أنفسهم من أجل أداء مهامّهم بكل التفاني والشغف، والباعث على التأثّر والمثير للإعجاب حقّا. إنّك تراهم يباشرون النشاطات المليئة بالصعاب والمخاطر، يناضلون غير آبهين بحياتهم، ولم يكن لهذه أن يتخلّلها شيء من الترفيه أو الراحة نظرا لما تفرضه السرية الصّارمة من انضباط، ولا هي تعرف حسابا لمصلحة خاصّة أو طمعا أنانيا في ترقيات وألقاب وتشريفات. ولم يُتح لهؤلاء غير التمتّع بفرحة هادئة ، فرحة الشيوعي الحقيقي بالواجب المُنجز وغير المعلن، إذ الكثير منهم لا يشاركون في غير نقاشات سريعة ومتفرّقة ولا يظهرون حتّى في الاجتماعات الحزبية المضيّقة لأنّهم غالبا ما يكونوا مربوطين بواحد أو اثنين من الرفاق. لقد طُلب منهم الكثير باسم الانضباط الشيوعي، وقدّموا كل شيء للحزب من كلّ قلوبهم، وهم واثقون ومستعدّون في كل مرّة لتحمّل مهامّ أصعب في كنف العظمة الصامتة والسرية والثورية.
فعبر أحلك الفترات التي عرفها الحزب، كان الرفاق الذين يتحمّلون مهامّ خصوصية على غاية من اللزوم ولبّوا نداءات قياداتهم بسخاء شيوعي حقّ، لم يكن ذلك في مهمّات العمل السرّي فحسب بل أيضا في الصدامات العنيفة مع أجهزة القمع العسكرية والبوليسية حيث كان هؤلاء الرفاق دوما يقفون في الخطوط الأمامية للمعركة. لقد ساهم العديد منهم ماضيا في الإعداد للانتفاضة المسلّحة سنة 1935 وفي معارك الانتفاضة الشعبية لشهر نوفمبر، ومنذ مدّة أقرب، ساعدوا على إعداد المقاومة المسلّحة في الارقييا واشتغلوا مع الجماهير الفلاحية وناضلوا ببطولة ضمن قوى حرب العصابات. بالأمس كانوا واليوم هم مناضلون مقدامون في الإضرابات والمظاهرات أو في مواجهة العدو الطبقي داخل سجون الدكتاتورية، وكذلك هم في نضالهم المتفاني في المعامل والريف، بالأحياء والمدارس، وحيثما كانوا فقد عرفوا كيف يلازمون مواقعهم النضالية ويتصرّفون كشيوعيين حقيقيين. لقد مثّلوا السند الكبير لتطوير النشاط الثوري للحزب، بما في ذلك تضحيتهم بالنفس ببسالة مثالية ورفعة موجبة للعبرة. وإنّ أمثال هؤلاء الرفاق من مناضلي الحزب الذين تميّزوا داخل السجون وقاعات التعذيب لعديدون، ودون أن ينطقوا بكلمة أمام البوليس، فقد أصيب العديد لبقية حياتهم أو قُتلوا فماتوا ميتة بطولية، مبرزين من خلال إقدامهم وتضحيتهم كيف أنّه يمكن الحفاظ دائما على راية الحزب الحمراء عالية خفّاقة.
ومن دون معرفة أسمائهم، فإنّ الحزب الشيوعي للبرازيل ليعترف دائما بعظمة هؤلاء الرفاق الذين استطاعوا من خلال مُثلهم إثبات ما تعنيه القوّة المعنوية الكبيرة لقناعتهم الثورية العميقة وعظمة الانتماء إلى الشيوعية. هؤلاء الرجال والنساء الذين جسّدوا خلال حياتهم الوعي والمشاعر الحزبية هم بمثابة حلقات فولاذية بدونهم ما كان لتيّار الحزب أن يتواصل ويصلّب، إنّهم جنود الخفاء، وسيبقون في تاريخ حزبنا مصدر إلهام ومثالا يُحتذى به. يقول لينين، إنّه بدون حزم وتفاني وبسالة هؤلاء الأبطال المجهولين تستحيل الثورة الاشتراكية، وبدونهم لا تستطيع الجماهير تحقيق تحرّرها الكامل من كل أشكال الاستغلال والاضطهاد.
وحتى نبقى أوفياء لهؤلاء الرفاق الذين اضطلعوا ويضطلعون بمهمّات خاصّة، لهؤلاء الرجال والنساء البسطاء المتواضعين من مناضلي حزبنا، فمن العدل والسداد التأكيد على أنّ تلك المهامّ التي قد تبدو صغيرة، هي ليست ضرورية فحسب بل أيضا حيوية إطلاقا، لأنّهم بمثابة القطرات الصغيرة التي تكوّن سيل نضال الشعب الكادح الذي لا غنى فيه عن أيّ قطرة، فمهمّات هؤلاء الرفاق ذات قيمة ثورية كبيرة، القيمة العظمى التي يكتسيها العمل الشيوعي الحقيقي. إنّ شأن مهمّة ما وعظمتها لا يحدّدان بأهمّيتها الظاهرية، فكم مهمّة صغيرة مُعادة تكون حاسمة، وتتجمّع كافّة أعمال الحزب المختلفة والمتنوّعة في كيان واحد ألا وهو الحزب الذي هو نحن جميعا مجموعين، مناضلين وكوادر وسطى وقيادات عليا جنبا إلى جنب، مسؤولين عن مسير الحزب وعن كلّ خطوة مصمّمة يخطوها على الطريق المؤدية إلى انتصار القضية الثورية للطبقة العاملة. إنّ لهذا الفهم اللينيني قوّة الوحدة الحزبية الحديدية، غير القابلة للخلط التي ستقودنا حتما نحو انتصارات جديدة في مسيرتنا الطويلة ذات المعنى والأبعاد التاريخية.
إنّ تواصل حزبنا مردّه ليس انسجامه الماركسي اللينيني وصحّة خطّه الثوري والنمط الثوري البروليتاري لقادته فحسب، بل وكذلك العمل المُتفاني لمجموع الحزب. ففي آخر الأمر هو الذي يحوّل كلام القيادة وتوجيهاتها إلى واقع حي، تلك القيادة التي ينبغي أن تكون دوما التعبيرة الشرعية عن إرادة الحزب العليا طالما وقع احترام المبادئ والقواعد البروليتارية الثورية اللينينية للحزب. فإذا ما وضع المناضل نصب عينيه، في ممارسته اليومية، أنّه قطرة من نهر الثورة العظيم، ، بولونة ضرورية لآلة الحزب الكبيرة، بدونها لا يمكن أن تشتغل، وإذا ما أدرك كافّة القادة والمناضلين تمام الإدراك بأنّهم حيثما كانوا ومهما اختلفت مهامّهم في النضال، أجزاء ضرورية وثمينة من جيش الطليعة البروليتاري الماركسي اللينيني الذي سيبني مستقبل بلدنا، عندئذ سيتعاظم نضال حزبنا بدون حدود وسيسير قُدُما إلى الأمام وسيقود الطبقة العاملة والجماهير الكادحة بأكثر سرعة نحو انتصار الثورة الشعبية على طريق الاشتراكية فالشيوعية.
وباتّباع هذه المسلكية، يمكن لكلّ شيوعي أن يفكّر ويعمل ويحيا يوما بعد يوم كثوري بروليتاري متماسك ومصمّم ومخلص لقضية الحزب والطبقة العاملة، القضية التي لا بدّ أن تنتصر.
جانفي 1978
(انتهى)