أن تكون شيوعيا، فهو التزام يومي (الجزء الخامس)


مرتضى العبيدي
2016 / 4 / 6 - 23:27     

المقاييس اللينينية في انتقاء الكوادر

إنّه لشرف عظيم أن يكون المرء مناضلا شيوعيا، وإنّه لشرف أكبر أن يكون كادرا في الحزب، ومن الواضح كون هذه الوضعية تمثّل ارتقاء فعليا سواء في مضمار ممارسة الصلاحيات الحزبية أو في المسؤولية عن مصيره، فتتعاظم صلاحيات الرفيق ومسؤولياته ويزداد انشغاله بالحفاظ على نقاوته الشيوعية، ولهذا السبب بالذات، تكتسي مسالة انتقاء الكوادر خطورة حاسمة بالنسبة لحياة الحزب وضمان التطوّر والاستمرار للعمل الثوري في كلّ الظروف وحتّى في أشدّها معاكسة، وقد قال لينين بأن الرئيسي في عمل الحزب في ميدان التنظيم هو انتقاء الكوادر، وعلّق ستالين على ذلك بقوله "إنّها لفكرة عبقرية". كان الانقياد بها من قبل البلاشفة يُعدّ واجبا مقدّسا، ولم ينفكّ يذكّر في المؤتمرات والندوات والاجتماعات العامة للجنة المركزية بالأهمية القصوى لهذه الفكرة ويحدّد المعايير اللينينية في انتقاء الكوادر. وأكّد الرفيق ديمتروف في المؤتمر السابع للأممية الشيوعية، كقائد شيوعي من الطراز البلشفي، أكّد بمنتهى الحزم ضرورة اعتماد كافّة الأحزاب الشيوعية للمقاييس اللينينية في اختيار الكوادر، واكتسب حزبنا وهو يستوحي هذه المقاييس تجربة ثابتة يحاول إثراءها باستمرار.

خمسة مقاييس لينينية
يجب أن نميّز من بين المقاييس اللينينية خمسة أساسية:

أولا: تفان عميق في خدمة قضية الطبقة العاملة وإخلاص لا متناه للحزب

إنّ هذا المقياس مبعثه القناعة الراسخة بالدور الذي لا يعوّض البروليتاريا وحزبها كقوّة قائدة من أجل انتصار الثورة الشعبية المؤدّي إلى الاشتراكية. متى وكيف يمكن إثبات هذا التفاني وهذا الإخلاص؟ لا يمكن أن يحدث ذلك عبر المحادثات الشخصية ولا بالتصريحات أثناء اجتماعات الحزب لأنّ أقصى ما يمكن حدوثه هنا تقديم أفكار والتعبير عن مشاعر، تقديم وعود والتزامات شفوية، والمهمّ هو تجسيد ذلك في الممارسة العملية يوما بيوم وعبر تعرّجات مرحلة مطوّلة من نشاط الحزب. فلكي نعرف جيّد المعرفة كلّ رفيق، ينبغي متابعة ومراقبة مواقفه وسلوكه في خضمّ الصراع الطبقي كما في العمل السرّي، وخاصّة منه النشاط الحزبي الذي يتطلب حزما شيوعيا متواصلا وجهدا دائما وتضحية كبيرة ولو بالنفس. كما تجب مراقبة الرفيق أثناء مواجهته للقمع العسكري والبوليسي، وإنّه من الأهمية بمكان أن يتحلّى أعضاء الحزب كافّة بيقظة تامّة وشجاعة فائقة وعزّة نفس وهم يواجهون أشقّ الاستنطاقات وعمليات التعذيب الأكثر وحشية. إنّ سلوك الشيوعي داخل السجون وأمام المحاكم العسكرية والمدنية، ينبغي أن يكون واحدا. ففي مواجهة الأعداء الطبقيين للبروليتاريا والحزب، يمكن التأكّد من استعداد الشيوعي المعنوي ومن تحديد المعالم الحقيقية لشخصيته، فحيثما تجد حبّا لقضية الطبقة العاملة وإخلاصا للحزب، لا بدّ أن تجد حقدا قاتلا تجاه الذين يُخضعون الشغالين للاستغلال الفظّ والاضطهاد الوحشي ويجعلونهم يرزحون تحت نظام رجعي طاغية، حقدا تجاه الذين يطلقون العنان لممارسة اضطهاد وحشي ضدّ الشيوعيين فارضين على الحزب النضال في أشدّ ظروف السرية. إنّ تربية الحقد الطبقي ضدّ أعداء البروليتاريا والحزب وشحذه باستمرار ليُعتبر واجبا مقدّسا لدى كلّ شيوعي وثوري وطلائعي وماركسي لينيني، ولا تظهر مزايا الشيوعي وخصاله، نقاط ضعفه وتردّده أو حتّى انهياره الكامل إلاّ في النضال، من خلاله يتجلّى تفانيه وإخلاصه اللامتناهي لقضية الثورة. فبقدر ما يشقّ الصراع، ويشتدّ الامتحان يرتفع سلّم القيم والأخلاقية التي يضع فيها الشيوعي نفسه. وبقدر ما يكون الرفيق شجاعا وحازما، يتعاظم شعوره بالاعتزاز ويكون أقدر على مواجهة الصّعاب والصمود أمام الحرمان والبلاوي وتحمّل التضحيات التي تتطلّبها منه مصلحة الحزب. أن تكون شيوعيا يعني أنّك لا بدّ أن تفهم كأوّل واجب لك ضرورة التصرّف دائما بانسجام تامّ مع مصلحة الحزب وأهدافه العليا وأن تعتبر ذلك جزءا من كيانك، وبهذه الطريقة فقط، يمكن أن نعرف مدى امتلاك الرفيق لإمكانيات فعلية تخوّل له شرف الانتماء إلى كوادر الحزب مهما كان مستوى القيادة الذي يوكل إليه، ولن نُسرف أبدا في التأكيد على أنّ الأمثلة الجيّدة التي يقدّمها المناضل عبر نشاطه الحزبي أو في حياته الخاصّة هي تعبيرة ذات معنى بعيد بالنسبة لانتقاء كوادر الحزب على النحو اللينيني.

ثانيا: الإخلاص والاستقامة والصدق للحزب

هذه الميزات الثلاث وثيقة الارتباط الواحدة بالأخرى، وتؤلّف الروح العالية لدى الشيوعي وصلابة البنية المعنوية للبروليتاري الثوري. فحين يدرك عضو الحزب قيمته ويستشعر ثمانتها، ينشأ من داخله حافز طبيعي لاتخاذ هذه المسلكية، فإنّ الوعي بالمصالح العليا للحزب والشعور بالواجب تجاهه يدفعان المناضل إلى التحلّي بالاستقامة والإخلاص والصدق, قال لينين في معرض حديثه عن الإخلاص: "إنّ الإخلاص في السياسة أو في مجال العلاقات البشرية هو التطابق الذي لا تشوبه شائبة بين ما يقوله المرء وما يفعله". فإذا كان لينين نزّل هذا التنزيل متطلّبات الإخلاص في دائرة العلاقات السياسية بصورة عامّة، فيجب أن يكون ذلك في العلاقات الحزبية أشدّ، ويتطلّب الحزب نفس الشيء بالنسبة للاستقامة والصدق. فأن تقول شيئا وتقوم بغيره وأن تعمل على إخفاء سلوك مشين وأن تهوّل من قيمة العمل الذي تنجزه أو أن تقدّم نظرة خاطئة عن الوضعية الحقيقية، كلّ هذه التصرّفات غير شيوعية، وكل موقف أو إعلام غير مطابق للواقع أو محرّف لا يمكن أن يكون إلا مضرّا بمصلحة الحزب وسببا في الخسائر. لا حقّ للشيوعي مهما كان الظرف في إخفاء الحقيقة عن الحزب أو تزويرها ومهما كانت المسألة، تخصّه أو تخصّ رفيقا آخر، فإنّ مثل هذا السلوك ليس جديرا بالإنسان الشيوعي، دليل على أنّ صاحبه غير مخلص للحزب ولا لنفسه لأنّه قادر على الإيهام بما ليس واقعا والكذب على حساب القضية التي اختار بصفة طوعية النضال من أجل نصرتها وأقسم على الإخلاص لها. لا يمكن بحال من الأحوال أن يفكّر الشيوعي في مسائل عامّة تفكيرا سليما إلى حدّ ما وهو يحافظ في نفس الوقت داخل نفسيته وأخلاقيته بدرجة أو بأخرى على بعض سمات الروح البورجوازية الصغيرة والبورجوازية مثل الكذب والخداع واللؤم والخيانة والجبن. إنّها صفات سلبية تماما ومُضرّة دائما بمصالح الحزب، وإنّ الرياء ليس فضيلة ولكنه انحطاط. لا يُخفي الشيوعي شيئا من حياته ومن سلوكه ومن نشاطه داخل الحزب، ولا يخشى أن يقول كلّ ما يفكّر فيه ويشعر به وكلّ ما فعل أو حدث له إذ ليس لديه مصالح خاصّة يدافع عنها، إذن على الشيوعي أن يتكلّم بكامل الصراحة والدقّة ومن دون أدنى مراوغة ولا إضمار.
وإنّ أقلّ ما يمكن أن يتطلّبه الحزب من كل عضو من أعضائه هو أوّلا وقبل كل شيء الاعتزاز بانتمائه إلى الشيوعية. فإذا ما تحوّل الإخلاص والاستقامة والصدق للحزب إلى حوافز واعية في مسلكية الشيوعي، فإنّ هذه الخصال الرائعة تبرز عبر كافّة مجالات حياته الفكرية ونشاطه العملي، داخل الحزب وفي الحياة الخاصّة، وفي كلّ لحظة وظرف.

ثالثا: أن يكون المناضل الحزبي على أمتن صلة بالجماهير

فباعتبار الحزب هو الطليعة المنظّمة الماركسية اللينينية والمتقدّمة سياسيا من الطبقة العاملة، ينبغي أن لا يتأخّر عن أن يكون حميم الارتباط مع الجماهير، ارتباطا لا يقبل الانفصام، من خلال خلاياه المنغرسة في المراكز "العصبية" للنضال الطبقي. إنّ الحزب هو الطليعة الثورية المتماسكة للبروليتاريا، بالتحديد لأنّه لا ينفكّ يعمل على جرّ الجماهير العمّالية والفلاحية وسائر الشعب للنضال من أجل افتكاك السلطة السياسية وتحقيق الانتصار للثورة الشعبية والاشتراكية. ولذا يجب أن تشعر الجماهير وأن تدرك بأنّ الشيوعيين يأتون دائما في الصفّ الأوّل من معاركها، ولا يكون تحمّل هذه المسؤولية يصورة عملية ونشيطة إلا عبر المساهمة الحيّة والفعّالة داخل منظماتها والمعرفة المستمرّة لمشاعرها ومطامحها وحالتها الذهنية ومدى استعدادها للنضال، وعبر قدرتنا على استشارتها في المسائل التي تمسّ مصالحها والاستماع إليها، وقدرتنا على تربيتها والتعلّم منها والدفاع المستميت والمخلص عن مطالبها، باحثين عن أحسن السبل لإعداد وتطوير وتوجيه حركاتها الاجتماعية وأعمالها في كل المجالات وعلى كافة المستويات، وعبر اهتمامنا بمعرفة تقاليدها النضالية وتجاربها الثورية هادفين من وراء ذلك إلى استخلاص الدروس القيّمة ونشرها للتمكّن من دخول معارك طبقية جديدة. كما يبرز ارتباطها بالجماهير في القدرة على تقديم شرح مقنع للخط الثوري للحزب من أجل كسبها إلى مواقفه السياسية والإيديولوجية ومساعدتها على إنجاز تجربتها الخاصّة. وأخيرا يتجلّى في الدّأب المتفاني حتّى تعترف بهم كقادة لها وحتى يقع كسب أصلب مناضليه وأوفاهم وأكثرهم تمتّعا بحبّ وتقدير عمّال المعامل وفلاحي التعاضديات وطلاّب المدارس، كسبهم إلى صفوف الحزب، وقد قال ديمتروف في هذا الصدد: "إنّ سلطة قادة منظمات الحزب تبرز قبل كل شيء في اعتراف الجماهير بهم كقادة لها والتعرّف من خلال تجربتها الخاصّة على كفاءتهم وقدرتهم في اتّخاذ القرار وما يتحلّون به من روح تفان في النضال."

رابعا: قدرة المناضل على التوجيه الذاتي واتخاذ المبادرات في كل الظروف وعدم الخشية من تحمّل مسؤولية أخذ القرارات

إنّ الشيوعي وخاصّة إذا برهن بعد على خصال الكادر القيادي ينظّم حياته ويعمل دوما من أجل المصلحة العليا للحزب والثورة. فهو يسعى باستمرار لكي يثبت قدرته على المبادرة ولا يتردّد أبدا في اتّخاذ القرارات وهو دائم الاستعداد ويملك من الجرأة لتحمّل مسؤوليته، يواجه أعقد المشاكل ويكلّف بإنجاز المهمّات وأكبر الواجبات دون أيّ اشمئزاز، ولا يجوز للشيوعي البتّة التصرّف حسب المقولة التالية: "أنا لا أعمل إلاّ ما يُطلب منّي" وخصوصا إذا كان على الرفيق أن يعمل بمفرده ودون تلقّي توجيهات أو الخضوع لمراقبة مباشرة، فإنّه لا ينبغي له أن تفتر همّته ويسقط في السلبية، بل بالعكس عليه أن يكون أشدّ مع نفسه وأن يفعل المستحيل من أجل أن يُنجز كل يوم شيئا يخدم مصلحة الحزب. وإذا ما فقد صدفة صلته بالحزب، فهو يواصل إنجاز المهمّات الموكولة إليه ولن يكتفي بها بل ينخرط في أداء مهامّ أخرى حزبية إذ أنّ راحته الكبرى هي إنجاز مهامّه كاملة وعلى أفضل وجه. ويسعى الشيوعي إلى المحاسبة بما أدّى من واجبات ويأمل في أن تُقيّم أعماله التقييم الصّائب. إنّ الشيوعي الجيّد هو الذي لا يفقد صوابه ولا يشتكي ولا ينهار في الأوقات الصعبة وزمن التقلّبات ولكنه يظلّ واثقا متفائلا، وهو الذي لا يتباهى ولا يغترّ بالنجاحات والانتصارات، لكنه يحافظ على رصانته وحيطته ويبقى همّه الرئيسي هو البرهنة على مثابرته الراسخة في تطبيق قرارات الحزب أو عبر نشاطه وسط الجماهير. وكلّما وجد الشيوعي نفسه وحيدا أمام ضرورة حلّ إشكالات النضال الثوري، وشعُر بثقل المسؤولية الحزبية المناطة بعهدته تطوّر ونضُج بصورة أسرع لمهامّ أخرى أرقى.

خامسا: روح انضباط من الطراز اللينيني

أن يتحلّى المناضل بروح الانضباط يعني أنّه يُخضع مصالحه الشخصية بصورة غير مشروطة للمصلحة العليا للحزب، وأنّه يحترم ويطبّق بصورة غير مشروطة مقرّرات الأغلبية وينفّذ بإخلاص ما تعهّد بمسؤولية أدائه. أن يكون المناضل من الطراز البلشفي يعني أنّه لا يفرّق بين أقواله وأفعاله وأن يتحلّى بطبع بروليتاري صلب ويتصرّف على الدوام بشجاعة عالية وقوّة إرادة لا تتزعزع، أن يناضل كل يوم بعناد وحزم وشغف من أجل قضية الثورة والاشتراكية، القضية التي يجسّدها الحزب. إنّ التحلّي بروح الانضباط تعبير عن الفهم الواضح لكون نظام الحزب لا يقوم على قاعدة الإرادات الفردية بل على مبدأ خضوع المناضل للمنظمة والأقلية للأغلبية، ولكون هذا النظام هو التعبيرة عن وحدة الإرادة ووحدة العمل الثوريين اللتين ينبغي أن يميّزا الشيوعيين كمناضلين ماركسيين لينينيين. أن يكون المناضل من الطراز البلشفي يعني الصلابة الإيديولوجية البروليتارية الدائمة في النضال من أجل الماركسية اللينينية ضدّ أيّ رهط من أرهاط التحريفية والانتهازية، واللاهوادة في النضال من أجل استيعاب وتكريس الخط الثوري للحزب، وضدّ كافّة النزعات اليمينية واليسراوية، هذا هو الطابع الثوري البروليتاري المتماسك في الصراع الطبقي والبسالة وروح التضحية التي لا تثنيها أصعب المحن. إنّه شعور المسؤولية إزاء مصالح الحزب والانشغال الدائم بالجمع بين معرفة ما ينبغي فعله من ناحية والنضالية والإقدام اللذين لا يتزعزعان من أجل تحويل قرارات الحزب وتوجيهاته إلى منجزات ملموسة وحيّة. وهذه الخصال الشيوعية الثمينة تُصقل عبر النشاط الحزبي والتجارب الصعبة. غير أنّ سداد استراتيجية الحزب وتكتيكه الماركسي اللينيني وبالتالي عمله الثوري تجعل نضج المناضل أسرع، وإنّ روح الانضباط لشرط هامّ لتطوير النشاط الحزبي وجعله مثمرا في كل أوجه الصراع الطبقي. وتزداد قيمة هذا المبدأ مع ازدياد صرامة السرية التي يجد حزبنا نفسه مجبرا على دفع العمل الثوري في ظلّها ومع ازدياد المهام المطروحة للإنجاز صعوبة. إنّ روح الانضباط والطراز البلشفي للكوادر يرفعان من فعالية واكتمال النشاط الثوري للحزب ومن نضالية هذا الأخير وتماسكه في النضال، إنّهما يشكّلان شرطين أساسيين لإحراز نجاحات جديدة أكبر.

كوادر صهرتهم الروح الحزبية

وُجد في حزبنا انشغال دائم وينبغي أن يتواصل من أجل تحسين طرق انتقاء الكوادر، ولكن من الضروري أن تقودنا في ذلك معايير لينينية صارمة حتّى تكون المصالح الحقيقية للحزب فوق كل اعتبار إطلاقا. وتعلّمنا اللينينية كما تعلّمنا تجربة حزبنا أنّ مجال الخلط والاشتباه كبير عندما نسعى إلى انتقاء الكوادر على قاعدة الميل العاطفي أو الصداقة الشخصية والانطباع الحسن الحاصل من الوهلة الأولى عن هذا الرفيق أو ذاك. ويحصل نفس الشيء عندما نفضّل رفيقا ما لسبب وحيد هو أنّه يتقن الكتابة بأسلوب أدبي أو يجيد الخطابة، وقد يكون إنسانا فاقدا للروح العملية تماما، وهو أمر قد يجرّ إلى اختيار رفاق يتميّزون بانعزاليتهم وجمودهم المذهبي تحت غطاء من الجملة الثورية وذلك على حساب آخرين يملكون مؤهلات سياسية وعملية فعلية، مسؤولين ومبدعين، وأحيانا قادة جماهيريين يُحضون بحبّ خاصّ.
فإذا كانت هناك مشكلة حزبية تستوجب كامل اليقظة، فهي مسألة انتقاء الكوادر. ولهذا السبب يتحتّم دائما إيلاء ترقية الكوادر المختبرين، وبصورة مميّزة البروليتاريين منهم، اهتماما خاصّا حتّى ولو لم ينجح هؤلاء النجاح الكلّي في أداء مهامّهم الأولى، حتى ولو لم يتملكوا بعد المعارف النظرية اللازمة ولا التجربة الكافية في مجال العمل القيادي، ذلك أنّ قيمتهم الفعلية تكمن في كونهم يحملون في صلبهم صلابة الثوريين البروليتاريين الحقيقيين وأحاسيسهم وعقليتهم وتواضعهم وروحهم الرفاقية. يقول ستالين إنّ في حياة الحزب البلشفي غالبا ما وجدت حالات يكون فيها على رأس منظمات حزبية هامّة عمّال منقوصو الإعداد النظري والسياسي ولكنهم يبرزون كقادة مقتدرين ويمتازون على كثير من المثقّفين المفتقرين إلى الحسّ الثوري الضروري. ويضيف "من الممكن في البداية ألاّ تسير الأمور على أحسن ما يرام مع القادة الجدد ولكن ذلك ليس بالأمر القاتل، فيكفي أن تعترضهم عقبة أو عقبتان لكي يصلحوا أخطاءهم ويتحمّلوا قيادة الحركة الثورية. إنّ القادة لا ينزلون من السماء جاهزين ، إنّهم يُصهرون في سيرورة النضال."
يقينا أنّ هناك دائما فوارق في المنبت والتكوين والمعارف والتجارب والطّباع ما بين الكوادر، ولكن لا مناص من أن توجد صفات مشتركة تميّزهم كثوريين بروليتاريين، وهذه الصفات المشتركة ينبغي أن تكون قبل كل شيء الصلابة الإيديولوجية والمقدرة السياسية والمؤهلات العملية وخاصّة الروح الحزبية، الروح الحزبية دائما في المقام الأوّل، التي يعبّر عنها موقف طبقي فعّال وفي خدمة أوسع الجماهير وتخليصها من التأثيرات البورجوازية، وتوضيح التحالفات الطبقية في النضال من أجل افتكاك السلطة السياسية، والكفاح المستميت ضدّ التحريفية وكلّ أرهاط الانتهازية. ولهذا بالذات يقول لينين: "علينا أن نعمل بكلّ ما أوتينا من قوّة وأن نكون شديدي اليقظة حتى لا تقتصر الروح الحزبية على الكلام وإنّما تتعدّاه إلى الفعل." إنّ القيمة الفعلية للكوادر تثبت عندئذ بهدي تحلّيهم بالروح الحزبية عبر سلوك ثوري متماسك تُترجم عنه أعمال مشرّفة، دائمة الانسجام مع المصالح العليا للنضال في سبيل النصر للثورة والاشتراكية، للمُثل الجميلة والنبيلة للشيوعية.
ديسمبر 1977
(يتبع)