ثلاث رسائل حول الحب والجنس والتقاليد - كارل ماركس


سعيد العليمى
2023 / 9 / 21 - 11:33     

مقدمة
إقترح على الصديق آرام كركورى ترجمة هذه الرسائل التى لم أصادفها خلال إطلاعى على مؤلفات ماركس . ويبدو فيها ماركس الأب معبرا عن بعض آراءه فى الحب والجنس والتقاليد بمناسبة عينية هى علاقة ابنته لاورا بمن سيصبح زوجها فى المستقبل وأحد قادة الشيوعية الفرنسية وهو بول لافارج . لقد تعرض ماركس لظروف مالية قاسية نزلت به فى احيان كثيرة الى حد العيش ماتحت حد الكفاف . فى وقت لم تكن فيه المرأة غير البروليتارية الكادحة قد نزلت ميدان العمل . كما أن الحركة النسائية الثورية كانت تطرح اولى براعمها الباكرة . وعلى ذلك فلابد من قراءة وفهم الموقف فى الرسائل فى السياق العينى المحدد . فلم يكن ماركس بصدد ابداء رأى فى قضايا الحب والجنس والتقاليد مجردة وانما فى علاقة بول ولاورا فى وقت وسياق محددين . وجدير بالذكر ان نشير الى انهما اى بول لافارج ولاورا ماركس قد عاشا حياة نضالية حافلة . وقد كان للأول بعض الاسهامات النظرية تجلت فى كتابات حول " من اين تأتى الافكار المجردة " و " تطور الاممية " و " النزعة العاطفية البورجوازية " و " الحق فى الكسل " وغيرها الكثير . وكان قد قرر بالإتفاق مع لاورا ان ينهيا حياتهما اذا مابلغا سن السبعين قبل ان يفقدا حسهما بالحياة وحتى لايصبحان عبئا على احد . وقد فعلا ذلك فى الموعد الذى حدداه . وفى 3 ديسمبر 1911 وقف لينين على قبر بول ولاورا وعبر عن احترامه لبول لافارج " بوصفه رجلا ممن اتصفوا بالنبوغ والعمق فى الدعوة للأفكار الماركسية " و " بشخص لافارج يتحد فى اذهان العمال الاشتراكيين الديموقراطيين الروس عهدان " العهد الذى هبت فيه شبيبة فرنسا الثورية والعمال الفرنسويون باسم الافكار الجمهورية للانقضاض على الامبراطورية ، وذلك العهد الذى قامت فيه البروليتاريا الفرنسية تحت قيادة الماركسيين بنضال طبقى حازم ضد النظام البورجوازى برمته ، استعدادا للمعركة الاخيرة ضد البورجوازية فى سبيل الاشتراكية ." ( خطاب القى باسم ح ع ا د ر اثناء دفن بول ولاورا لافارج – الاعمال المختارة فى عشر مجلدات – المجلد الثالث ص ص 544 – 545 ) .

من خطاب إلى بول لافارج ( فى لندن ) – بالفرنسية فى الأصل –
لندن ،13 أغسطس ، 1866
عزيزى لافارج :
إسمح لى بإبداء الملاحظات الآتية :
1 - إذا أردت أن تستمر فى الإتصال بكريمتى ( لاورا ) فلابد ان تكف عن سلوكك ب " التغزل " بها . فأنت تعلم جيدا انه ليس هناك وعد بالزواج بعد ، وما يزال الأمر إحتمالا . وحتى لو كنت خطيبها من الناحية الرسمية ، فلاتنس أن هناك أمورا كثيرة معلقة ترتبط بالموضوع . ان عادة العلاقة الحميمة للغاية غير ملائمة هنا بما يغنى عن الذكر حيث يتعين على المحبين أن يعيشا هنا متسمان بالطهر فى نفس المكان لفترة قد تطول بالضرورة تحت إغراءات قوية . وخلال حقبة جيولوجية إستغرقت أسبوعا ، لاحظت التغير فى سلوكك مصدوما . وفى رأيى ، يتم التعبير عن الحب الحقيقى بالتحفظ ، وبالتواضع ، بل وحتى بالخجل من جانب المحب إزاء محبوبه ، وليس بتطرفات مزاجية أو تودد سابق لأوانه لأبعد حد . حين تطلق مزاجك الكريولى ( يقصد ماركس دماءك الحارة حيث تشير لفظة الكريولى للشخص الفرنسى المختلط عرقيا بالأسبانى أو الزنجى – المترجم العربى )، فإننى أعتبر أن من واجبى أن أقف بين مزاجك وبين ابنتى بحسي الصحى السليم . إن لم تكن قادرا على إظهار حبك لها فى شكل يتفق مع أعراف لندن فمن المنصوح به أن تحبها من بعد . وليس على أن أسترسل أكثر .
2 – وقبل أن تستقر علاقتك بلاورا تحديدا ، فلابد أن تتضح لى تماما أحوالك الإقتصادية . إبنتى تعتقد أننى أعلم عن أمورك . وهى مخطئة فى ذلك . فأنا لم أتحدث فى هذه الأشياء لأنه فى رأيى انه كان واجبك انت ان تقوم بالمبادرة . أنت تعلم أننى ضحيت بكل ثروتى من أجل النضال الثورى . ولست آسفا على ذلك . على النقيض تماما . اذا كان على ان ابدأ حياتى من جديد فسوف افعل نفس مافعلت . ولكننى لم اكن لأتزوج . وبقدر إستطاعتى فإننى أريد أن أحمى إبنتى من نفس الصخور التى تحطمت عليها حياة أمها . وبما أن هذه المسألة لم تكن لتصل أبدا الى هذا الحد الا بسبب سلبيتى ( ضعف من جانبى ! ) وبدون الأثرالذى كان لصداقتى لك على موقف ابنتى ، فإن مسؤولية شخصية ثقيلة تقع على عاتقى . وفيما يتعلق بظروفك الحالية ، بنوع المعلومات التى لم اسع اليها وانما تناهت الى مصادفة فهى ليست مطمئنة . ولكن دعنا نترك ذلك . بالنسبة لوضعك العام ، فما أعلمه أنك مازلت طالبا ، وبسبب حادثة لييج ( 1 ) فإن مسارك المهنى فى فرنسا قد تحطم جزئيا ، كما أنك مازلت تفتقر لمعرفة اللغة الانجليزية – وهو شرط لازم لتأقلمك فى انجلترا – وان فرصك كلها اشكالية فى افضل الاحوال . وقد تبين لى من ملاحظتك انك لست مجتهدا بطبيعتك ، بالرغم من النشاط الحماسي العرضى ونواياك الطيبة . فى ظل هذه الظروف فانك مضطر للإعتماد على الآخرين لمساعدتك فى انشاء حياة مشتركة مع ابنتى .وانا لااعرف شيئا عن اسرتك . وحتى ان كانوا يعيشون حياة هانئة ، فلايعنى هذا انهم مستعدون لأن يتحملوا أية تضحيات من اجلك . اننى لااعرف حتى كيف يشعرون بشأن زواجك المقترح . من الضرورى بالنسبة لى واكرر ، ان يتوفر لى توضيح ايجابى لكل هذه الاسئلة ( 2 ) . ويتبقى ، لواقعى صريح مثلك الا يتوقع منى ان اتصرف بشكل مثالى حينما يتعلق الامر بمستقبل ابنتى . ووضعى مثلك يريد ان يقضى على الشعر ، لن يرغب فى ان يصنع شعرا على حساب طفلتى .
3 – حتى استبق اى تفسير زائف لهذه الرسالة الفت انتباهك الى حقيقة انه – اذا ماشعرت باغواء فى ان تتزوج اليوم – فانك لن تنجح . فسوف ترفض ابنتى . وانا سوف احتج . كان عليك ان تنجز شيئا فى الحياة قبل ان تفكر فى الزواج ، وسوف يتطلب هذا فترة اختبار طويلة لك وللاورا .
4 – سوف اقدر لك ان بقيت هذه الرسالة سرا بيننا . واننى لفى انتظار ردك .
كليا لك
كارل ماركس
هوامش
1 – حضر لافارج فى اكتوبر 1865مؤتمرا عالميا للطلاب فى مدينة لييج ، وبسببه اوقف هو وجملة من الطلاب عن الدراسة فى الجامعات الفرنسية .
2- انظر الرسالة التالية ، من ماركس لانجلز ، 23 اغسطس 1866 حول قبول لاورا كعروس لبول .
الرسالة الثانية
الى فردريك انجلز ( فى مانشستر )
لندن ، 23 اغسطس ، 1866
عزيزى فرد :
اليوم بضع كلمات فقط . جرى ترتيب الامر مع لافارج ( 1 ) الى حد ان الرجل العجوز ( 2 ) كتب الى من بوردو ، طالبا منى منح لقب الخاطب لابنه وقد صرح لى بملاءة وضعه الاقتصادى . وبعيدا عن ذلك ، فقد تم الإتفاق على ان يجتاز لافارج الشاب امتحان الدكتوراة فى لندن ثم فى باريس قبل ان يفكر فى الزواج . وها قد سوينا الأمر . ولكنى اخبرت الكريولى ( المقصود بول المندفع ذو الدم الحار – المترجم العربى ) امس انه ان لم يكن بمقدوره ان يتحكم فى نفسه وفق قواعد السلوك الانجليزية فإن لاورا سوف تسرحه بلا صخب اضافى ( 3 ) وهو ماينبغى ان يدركه تماما . او لن يتمخض عن الامر شئ . انه شاب جيد لاقصى حد ، ولكنه طفل مدلل ، وله طبيعة طفولية .
لقد صرحت لاورا انه قبل ان تخطب رسميا فلابد من ان تحصل على موافقتك .
هنا وهناك تظهر بدايات بثور جديدة وسرعان ماتختفى ، ولكنها تجبرنى على ان احدد ساعات عملى .
خالص تحياتى الى ليزى ( 4 )
سلام
لك
كارل ماركس
هوامش
1 – خطوبة بول لافارج للاورا ماركس . فى 13 اغسطس 1866 ، كتب ماركس الى انجلز : " لقد كتبت اليوم رسالة طويلة بالفرنسية حيث اخبرته اننى لابد وان اتلقى معلومات ايجابية عن حالته الاقتصادية قبل ان تتواصل الامور ( مع لاورا ) اوان تتطور اكثر ."
2 –فرانسوا لافارج هو والد بول
3 – انظر الرسالة الاولى ، من ماركس الى لافارج ، 13 اغسطس ( وليس 22 اغسطس كما يصرح ماركس ) 1866 .
4 – ليديا بيرنز
الرسالة الثالثة
الى لاورا ماركس ( فى هاستينجز )
لندن ، 28 اغسطس ، 1866
عزيزتى كاكادو
تلقيت خطابك ، ولم يكن غير مفتوح ، مادام كان عليه ان يمر خلال اصابع ايدى الامبراطور ( 1 )
لقد كان رأيى دائما انه حتى تعطى " تعليمك "اللمسات الاخيرة فمازلت فى حاجة لمدرسة داخلية . سوف تكون غاية فى الفائدة .
( لقد تركنى الفارس ذو الوجه الحزين فى ركن بيته ) 2 . وقد ارتعش قلبه الى حد كبير قبل ذلك ، وقد بدا انه يحتمل انفصاله عنى بلامبالاة بطولية بالاحرى .
امنياتى الطيبة الى جينى . 3
ارفق طيه 5 جنيهات ، وسوف ارسل الباقى الاسبوع الثانى .
العجوز ، المتواضع لك
سوف تبدأ ماما حملتها الخاصة غدا او بعد غد . كانت هناك حاجة لدفعة كبرى حتى تنطلق .
هوامش
1 – اسم تدليل لزوجته
2 – بول لافارج
3 – الإبنة جينى