أن تكون شيوعيا، فهو التزام يومي (الجزء الرابع)


مرتضى العبيدي
2016 / 4 / 3 - 01:47     

أهمية وراهنية سياسة صحيحة في مجال الكوادر

تكتسي مسألة الكوادر أهمية حيوية من أجل أن يمكن للحزب اكتساب حياة خصبة وأن يكون له عمل متواصل ومتماسك. وأصبح لزاما علينا المزيد من العناية بهذه المسألة في الوقت الذي يُفرض فيه على الحزب، وهو يواجه أوضاع السرية الشديدة، تطوير نشاط ثوري دؤوب ومتعدد ومتنوّع في كل مجالات الصراع الطبقي، وتقديم الحلول المناسبة للمشاكل السياسية المستجدّة والمباشرة، وأن يعرف دائما كيف يتصدّر المبادرة السياسية للجماهير.
فبدون الكوادر القادرين على تحمّل مسؤولية مقرّرات الحزب ومهمّاته وتطبيقها بسرعة وسداد، تصبح أفضل مقرّرات الحزب وأصحّ مهمّاته مهدّدة بالبقاء حبرا على ورق وتؤول إلى الإهمال.
إنّ أدنى إخلال باليقظة الشيوعية في مسألة الكوادر وأيّ ثغرة هما أبواب مفتوحة للوصوليين والمتردّدين وذوي الوجهين لتمكينهم من التسرّب بالحيلة إلى الحزب الذي لا بدّ أن يلحقوا به الضرر إن عاجلا أم آجلا.

المباديء البلشفية في سياسة الكوادر

لا يمكن البحث بصورة سليمة في هذه المسألة إن لم تقُدنا منطلقات لينينية دقيقة، ولذا لا بدّ أن نفهم حاجتنا المطلقة إلى سياسة كادرية سديدة وإلى تطبيقها تطبيقا محكما.
لقد اكتسب حزبنا خبرة غنيّة وحقّق انتصارات فعلية ولكنه ارتكب أخطاء أيضا كانت ضئيلة كلّما أحسن تطبيق المبادئ البلشفية في سياسة الكوادر. وإنّه لمن المفيد التأكيد على المبادئ الأساسية لضبطها، وكان وضعها في المقام الأوّل الرفيق ديمتروف تلميذ لينين وستالين المخلص خلال المؤتمر السابع للأممية الشيوعية سنة 1935. وبالاعتماد على هذه المبادئ، يمكننا تقييم تجاربنا الإيجابية والسلبية تقييما صائبا واستخلاص التعاليم الثورية الضرورية لتجنّب الأخطاء والتحسين المتواصل لنشاط الحزب. فما هي هذه المبادئ وكيف نفهمها بالنظر إلى الحاجات الفعلية للحزب ولمتطلّبات خطّه؟

أوّلا: معرفة الكوادر بعمق إذ أننا لا نعرفهم عادة بما فيه الكفاية:

فقد تكون لدينا في عديد الأحوال فكرة جزئية أو سطحية عن الكثير منهم، إلاّ أنّ معرفة شاملة كاملة للكوادر ضرورية بصورة مطلقة كي لا تحصل لنا مفاجآت سيّئة يمكننا تجنّب حدوثها.
تعلّمنا تجربة الحزب أنّه كلّما كانت معرفتنا للأعضاء أجود، اكتشفنا مناضلين يتمتّعون بخصال شيوعية ثمينة لم ننتبه إليها من قبل البتّة، تمّ ومن ناحية أخرى لم يكن بغير هذه الطريقة تخليص الحزب من العناصر التي تسيء له إيديولوجيا وسياسيا لأنّها في الواقع تنكر المصالح الطبقية للبروليتاريا.
ويعلّمنا ستالين أنّه لا يمكننا مراقبة كوادر الحزب مراقبة سليمة ما لم نتعرّف عليهم بصورة دقيقة في كلّ مظاهر حياتهم الحزبية، وعلى قاعدة أفعالهم وليس أقوالهم فقط أو تصريحاتهم ووعودهم. ومن وجهة النظر البروليتارية الثورية، لا يجوز البتّة السماح للكوادر بإخفاء الحقيقة عن الحزب أو تشويهها مهما كانت المشكلة، فالكذب عليه يُعدّ من أفدح الأخطاء التي يرتكبها شيوعي في حياته. إنّ الصفات الأخلاقية للشيوعي لا يمكن أن تكون شيئا آخر يختلف عن الصدق والاستقامة والإخلاص للحزب. فإذا توفّرت لدينا هذه النظرة الواقعية فإنّنا نفهم بسهولة حاجتنا إلى دراسة دقيقة بالمجهر البلشفي مثلما كان يقول ديمتروف، حتّى نتبيّن نقاط ضعفهم ونقاط قوّتهم وكذلك من أن نعرف مدى استعدادهم لتقديم حياتهم في سبيل الحزب. وهكذا نستطيع معرفة واقع كلّ رفيق وما يمكن له أن يكون وتصوّر أكبر وأصغر مساهمة يمكن أن يقدّمها حاضرا أو مستقبلا لفائدة قضيّة الحزب والطبقة العاملة.

ثانيا: ترقية الكوادر بصورة حكيمة:

وحتّى تكون سليمة، فإنّ هذه الترقيات لا يمكن أن تتمّ بالمناسبات وعلى عجل بل على العكس من ذلك، يجب أن تخضع إلى عناية كبيرة وروح مسؤولية عالية، وبالتالي يتحتّم الاعتماد ـ كقاعدة ـ على النشاط اليومي للكادر وسط الحزب ووسط الجماهير، لا على نشاطه المتفرّق، على صلابته أوقات الشدّة وإخلاصه في تنفيذ مهمّات الحزب، وحنكته ويقظته في العمل السرّي وفي المزج بينه وبين العمل العلني، إخلاصه للحزب أمام أجهزة القمع ومدى تشبّعه بالروح الأخوية والرفاقية الشيوعية تجاه رفاقه، وتصرّفه خلال التحرّكات الجماهيرية والصّيت الذي يُحظى به لدى الجماهير. فإن نحن اعتمدنا هذا الأسلوب لترقية كوادر الحزب، فالنتيجة تكون عموما إيجابية، ولكن إذا نحن حدنا ولو قيد أنملة عن هذه المقاييس الصحيحة، تكون التأثيرات دائما سلبية ومُضرّة بالحزب.

ثالثا: الكادر المناسب في المكان المناسبّ

إنّه لأمر أساسي العمل على وضع كل كادر في المركز والمكان الأنسب لا لقدراته الحالية فحسب، بل أيضا بالنظر إلى إمكانياته الفعلية حتى يجد نفسه في ظروف تتيح له تنفيذا أفضل للمهامّ الحزبية وتطويرا أيسر لمؤهّلاته السياسية والعملية. إنّ استخدام الكوادر في مواقع غير مواتية لهو خطر ينبغي تجنّبه اتّقاء لنتائجه السلبية دوما، سواء على مستوى الحزب أو الرّفاق، ومن الضروري التزام السلوك الواقعي الذي يرى أنّه لا كمال لأحد وأنّ الشيوعي كغيره يعيش دائما عملية تحوّل متواصلة، مثلما تعلّمنا الحياة. علينا أخذ المناضل كما هو ومحاولة اكتشاف الاتجاه الرئيسي لتطوّره دون تهويل أو تقليل من خصاله وعيوبه. وإنّه لهامّ وضروري دفعه إلى تطوير خصال المناضل الشيوعي واكتساب أخرى جديدة وذلك بإقناعه في نفس الوقت بضرورة النضال لتجاوز عيوبه. ومن ناحية ثانية لا يمكن أن ننسى أنّ مراقبة منتظمة وغير عرضية لسلوك الكوادر وممارستهم يوميا، لإرادتهم الرّاسخة في التعلّم باستمرار وتحسين النضال، لاستعدادهم كي يُخضعوا مصالحهم الشخصية لمصالح الحزب العليا دون قيد أو شرط، وتفانيهم وصدقهم وإخلاصهم للحزب، هذه المراقبة لا مناص منها كأمر وثيق الارتباط بمسألة الاستخدام السديد للكوادر.
علينا قبل كلّ شيء ألاّ نغفل عن تعيين أصلب الكوادر وأنشطهم وأكثرهم تفانيا وقدرة على اتّخاذ المبادرة ووثوقا في المواقع الإستراتيجية للحزب ومراكز نشاطه الأساسية ولإنجاز المهمّات الأصعب. فإنّ هذه المواقع تتطلّب وجود مناضلين متملّكين لخطّ الحزب وذوي تجربة سياسية، وأهلية لأخذ القرارات، وروح عملية، يعرفون كيف يتصرّفون بطلاقة في ظروف السرية، ويحذقون التحرّك وسط الجماهير كي يكسبوا محبّتها ويصبحوا قادتها المحترمين. ولن يكون توزيع الكوادر سليما سديدا إلاّ عندما يشعر كل واحد أنّه في الموقع الذي يمكّنه من إعطاء أقصى ما لديه من أجل الحزب، والمساهمة باستخدام أفضل مؤهّلاته في النشاط الثوري للحزب. ينبغي تفحّص هذه المقاييس ببالغ اليقظة داخل حزبنا لأنّنا مجبرون على النضال في أحلك ظروف السرية ولأنّ مسؤولياتنا كطليعة ثورية ماركسية لينينية للبروليتاريا البرازيلية تتعاظم يوما بعد يوم. وأمام هذا الواقع يبدو بديهيّا أنّ مسألة توزيع الكوادر أو نقلهم إلى مكان آخر تتطلّب اهتماما خاصّا، سواء بالنظر إلى مسؤولياتهم في الحزب أو إلى شتّى المسائل المتعلّقة بأمن كلّ رفيق وبأمن نشاط الحزب. وإنّه لخطأ فادح أن نضع رفيقا في مهمّة لا قدرة له على النجاح فيها، أو السماح بعمل أفقي في ظروف السرية القصوى أو هتك قوانين العمل السرّي، إذ لا يجوز أن يعرف كل رفيق إلا من يتطلّب نشاطه اللقاء به. وتتضافر مع هذه الظروف جملة من الصعوبات الحقيقية ، مادية وعملية الخ... والتي لا تتحمّل قرارات مرتجلة بل تتطلّب البحث فيها بجدّية حتّى يجد كل مشكل الحلّ المناسب له.

رابعا: المساعدة المطلقة للكوادر

مهما كانت نوعية المناضل، فهو دائما في حاجة إلى توضيحات إيديولوجية وسياسية وحزبية، مدقّقة ومركّزة. وبهذا الصدد، على الكوادر أن يوافوا الحزب بتقارير ضافية عن التجارب المُراكمة من طرفهم في النشاط السرّي وفي الرّبط المحكم والملائم بينه وبين النشاط العلني وذلك بصورة منتظمة، حتّى يتمكّن من التحكّم في هذا الفن الصعب الذي يتطلّب يقظة شيوعية عالية وانتباها خاصّا وروحا خلاّقة. كما ينبغي أن يكون شغلنا الشاغل هو تمكين الكوادر من التطوّر المتواصل حتى يصبح بمستطاعهم إضفاء توجّه سديد وحيوي على عملهم الحزبي. وعلى نفس النحو، فإنّ الكوادر يستشعرون الحاجة إلى مراقبة القادة لنشاطهم المراقبة المنتظمة والأخوية لتصحيح أخطائهم ونواقصهم وتجنيبهم هفوات كان يمكن تلافيها,

خامسا: السهر بجدّية للحفاظ على الكوادر

إنّه لضروري أن نولي اهتماما خاصّا للغاية بالظروف التي يعيش فيها كوادر الحزب: ظروف حياتهم وعملهم، وذلك بتتبّع حالتهم الذهنية وأوضاعهم الشخصية وبالتعرّف على شواغلهم وحاجاتهم الحقيقية بما في ذلك مشاكلهم العائلية. يجب أن يُعامل الرفاق كرفاق وهم في حاجة إلى ذلك ولا يجوز البتّة أن يُعاملوا بجفاء أو احتقار ولكن دائما بأخوّة ومحبّة. كل كوادر الحزب في حاجة إلى حرارة الرّوح الرفاقية الشيوعية التي بدونها قد يشعر الرفيق بصعوبة الحفاظ على الاندفاع والقوّة الضروريين لتطوير نشاطه الحزبي باستمرار، والذي هو صعب ويتطلّب دائما الحماسة والحيوية والتفاني. كما يجب أن يكون لدينا الحسّ اللازم الذي بواسطته نُقدم على نقل الكادر من مركز ومن مكان لآخر في الوقت المناسب عندما تفرض الظروف ذلك أو حيث يتمكّن الرفيق من البذل أكثر وأحسن. إنّ شعورنا بالمسؤولية في الحفاظ على الكوادر يفترض السهر والانتباه إلى كل المشاكل العويصة الخاصّة بالتنظيم المناسب للعمل السرّي. إنّه عمل من نوع خاص ولا يمكن أن يكون ذا فعالية ما لم نحرص على التطوير الدائم والتجويد المستمرّ. فأدنى إخلال باليقظة الشيوعية أو أيّ عاهة روتينية، أو أي نوع من النزوع المحافظ قد يسبّب خسائر فادحة للتنظيم الحزبي ويُلحق جسيم المضارّ بالكوادر والمناضلين.

الكوادر هي كنز الحزب

إنّ التحليل الجدّي للمبادئ البلشفية الأساسية في مضمار السياسة الكادرية السليمة يبيّن إمكانية استخلاص دروس قيّمة من تجربة حزبنا السلبية والإيجابية نحن اليوم في حجة إليها. ولكن إلى حدّ الآن لا يمكننا القول أنّ كل الحزب ولا حتّى كافّة قيادته واعون تمام الوعي بالأهمية القصوى لهذه المسألة وبراهنيتها الدّائمة، وللأسف فالأمثلة لا تنقصنا عن سوء التقدير لأهمية مسألة الكوادر. وإنّ المواقف الاحتقارية أيضا ليست بنادرة، وكحزب له خصائص نضالية مميّزة، انخرط قادته ومناضلوه دوما وبكلّ بسالة في النّضال، والعديد منهم ضمن الخطوط الأمامية لشتّى العمليات الاحتجاجية والتحرّكات، فإنّ جهاز القمع العسكري والبوليسي يشنّ مطاردة فعلية لرفاقنا، ويعتقلهم ويمارس ضدّهم أبشع ألوان التعذيب، ويزجّ بهم في السجون السنين الطوال ويغتالهم. وأمام هذه الظروف الصعبة، يتحتّم علينا أن نتعلّم كيف نحافظ على كوادرنا ولكن أيضا كيف ننتقي ونرقّي ونوزّع ونساعد باستمرار الكوادر الجدد. يُقدم على صفوف حزبنا شبّان مفعمون بالروح الكفاحية والإمكانات الثورية ولكن بلا تجربة سياسية ولا حذق للعمل السرّي، فهم يتطلّبون بالتالي عناية خاصّة. نحن نعلم أيضا أن كلّ واحد من كوادر الحزب غالبا ما يجد نفسه يواجه مشاكل سياسية وحزبية جديدة تكون دائما صعبة، وتتطلّب منه الاعتماد على نفسه لحلّها، وهذه الحالات تتكاثر في ظروف السرية الدقيقة وتستوجب قدرة على المبادرة المتواصلة وقدرة أكبر على اتّخاذ القرارات وتحمّل المسؤوليات في قيادة النشاط الحزبي، وإنّ جملة هذه الأسباب تُكسب مسألة الكوادر أهمية وراهنية جدّ كبيرتين بالنسبة للحزب الذي ينبغي عليه أن يعيها جيّد الوعي.
إنّ ممارسة حزبنا ما تزال بعيدة عمّا قاله ستالين من كون "عنايتنا بالكوادر يجب أن تُعادل عناية البُستاني بنبتته المفضّلة" ومن "اعتبار الكوادر أثمن كنز في حوزة الحزب". إنّ هذه التعاليم الثمينة ترتبط بشرط لا يقلّ أهمية والمتمثّل في تقييم الكوادر باعتماد مقاييس واقعية وليس انطلاقا من رغبتنا، باعتماد المقاييس البروليتارية الثورية ذات الصرامة اللينينية. إنّ كامل الحزب مدعوّ إلى الأخذ بتعاليم ستالين هذه كشيء أساسي حتّى يتمكّن دائما من إيجاد أسلم الحلول لهذه المسألة المحدّدة لمستقبل نشاطه في كافّة ساحات الصراع الطبقي.
نوفمبر 1977
(يتبع)