التغيير الاجتماعي اليوم محاورة بين نعوم شومسكي وستيفن ديوريل

نعوم تشومسكي
2005 / 11 / 22 - 10:34     

11 نوفمبر 2005.
ستيفن: بروفسور شومسكي، كنت طوال أربعين عاما حتى الآن صوتا رائدا في النضال السياسي والعدالة الاجتماعية. بعد هذه المشاركة لحوالي نصف قرن في الحركة التحررية، كم تغيرت الأشياء؟

شومسكي: التغيير لا يأخذ أبدا خطا بيانيا صاعدا. إنه يمضي للأمام من بعض الأوجه، ويتراجع في البعض الآخر. لو أخذنا الجانب الإيجابي فقط، كانت هناك زيادة ملموسة جدا في المستوى العام للتحضر في المجتمع، ونرى ذلك في أبعاد وأبعاد. الاهتمام بحقوق الانسان قد تزايدت بشكل هائل وأصبح لها العديد من المكونات. حقوق المرأة، على سبيل المثال، حصلت على الحماية بطريقة أبعد من تلك التي كانت عن حق منذ 40 عام مثلا. حقوق الأقليات هي الآن مصانة أكثر، رغم أن هناك مسافة كبيرة عليها أن تقطعها.

على الناحية الأخرى، هناك ردة. كانت ردة سريعة جدا، بدأت في أوائل السبعينات، وكانت عبر مدى الطيف كله. ليست هي ما نسميه "ليبرالية" ولا "روح محافظة"، مهما كانت تعني تلك الأسماء، ولكن عبر مدى طيف النخبة كان هناك اهتمام عميق بالتأثيرات التي تدعو للديموقراطية والتحضر التي سادت الستينات. هذا هو السبب في أن الستينات يتم تدريسها أو تسجل على أنها كانت عصر المشاكل أو عصر بداية انبعاث الخطأ. المشاكل كانت هي أن البلاد قد أصبحت ديموقراطية أو حرة زيادة عن اللزوم. كانت فعليا "أزمة للديموقراطية"، وهو ما كان يعني ديموقراطية زيادة عن اللازم جدا.

انفجرت أعداد أعضاء جماعات الضغط في واشنطن بالضبط في السبعينات في محاولة للتأكد من أن التشريعات مسيطر عليها بشكل حازم، وإنها تناسب تماما أجندة البزنس. انتشار مراكز خبرة استراتيجية لليمين الجديد، مثل معهد المشروع الأمريكي، حاولت السيطرة على مدى الأفكار التي يمكن السماح بها. كانت هناك حملات مكثفة للاستيلاء على محطات الإذاعة وتحويل اتجاه محطات التلفزيون الى اليمين.

حتى النظام المالي العالمي قد تغير، حتى بات يسمح لتدفقات الرأسمال الحرة، والتي لم يكن يسمح بها في الفترات التي سبقتها. ولقد كان مفهوما جيدا للاقتصاديين أن أحد تأثيرات ذلك هو تقييد مدى الخيارات الديموقراطية. هذا النظام المالي العالمي يعطي المستثمرين بشكل جوهري القدرة على التصرف كما لو أنهم كما يسمون أحيانا "مجلس شيوخ تخيلي". يستطيعون تمرير احكام بإيقاف سياسات البلاد و، إذا لم تعجبهم تلك السياسات، يمكنهم تدمير اقتصاد البلاد.

هناك علامات عديدة على تحرك نحو دولة سلطوية أكثر قمعية وهو ما يحدث مع إدارة بوش في صورة متطرفة. إنهم يسمون أنفسهم محافظين، ولكن تلك إهانة لنزعة المحافظين. إنهم سلطويون رجعيون يمينيون. إنهم يريدون دولة قوية جدا يسيطرون بها على الحياة الشخصية، وعلى عالم الاقتصاد وعلى المجتمع الدولي، ويستخدمون القوة لو كان ذلك ضروريا لتحقيق ذلك. وليس هناك فكر محافظ في ذلك.

ستيفن: ذهبت لواشنطن من أجل تجمع لمائة ألف شخص للاحتجاج على الحرب. معظم المحتجين كانوا يطالبون بانسحاب فوري للقوات الأجنبية من العراق. على العكس، إغلبية السياسيين يخبروننا أننا لا نستطيع الانسحاب الآن ولو فعلنا ذلك لعرضنا العراق الى نوع من الحكم الديني الذي يمكنه أن يضرب بجذوره هناك. أريد أن اسمع أفكارك حول ذلك.

شومسكي: مهما كان رأيك في صدام حسين، لقد كانت حكومته حكومة علمانية. الآن من المرجح جدا أن تكون هناك سلطة دينية بشكل واسع. ما هو اكثر من ذلك، من المرجح أن تلك السلطة الدينية سوف تتوجه نحو إيران. هناك علاقات وطيدة بين الجنوب الشيعي وبين إيران. كثير من قادة الشيعة أتوا من إيران. آية الله السيستاني، وأغلبية القيادة الدينية الشيعية والميليشيا الرئيسية في الجنوب، كتائب بدر، هم مدربون ومسلحون من إيران.

قد كان تأثير الغزو الأمريكي وما يزال تدمير المجتمع. في أكتوبر الماضي، أدق تقديرات لدينا هي أن حوالي 100 الف من الناس قد قتلوا. والآن تسير الأمور نحو الأسوأ. مستوى سوء التغذية قد تضاعف. مستوى سوء التغذية عند أطفال العراق بلغ نفس مستواه عند أطفال بوروندي. ماذا يريد السكان؟ منذ يومين، طالب الحزب الشيعي الرئيسي أن يبقى الجنود البريطانيون في قشلاقاتهم. السكان السنة من الواضح أنهم يريدون خروج القوات الأمريكية. جماعة الصدر هذه أعلنت أنها تريد مغادرة الأمريكيين. لدى البرلمان مفوضية للسيادة القومية، أو شيء من هذا القبيل، ولقد دعوا، على ما اعتقد بالاجماع، الى جدول زمني صارم للانسحاب.

ستيفن: قرأت مؤخرا خطابا ألقاه رئيس فنزويلا هيوجو شافيز. كانت يتحدث فعليا عن كتابك، الهيمنة أو البقاء؛ كان يمتدحه كعمل عظيم من أعمال الأدب المناهض للإمبريالية. لذا نعرف أن شافيز من المعجبين بك بشدة، ولكني اتعجب إذا كنت أنت من المفتونين به. ما رأيك في الثورة البوليفارية؟

شومسكي: مرة أخرى، السؤال المثير ليس هو ما رأيي فيها، أو ما رأيك أنت أو ما رأي جورج بوش في الثورة البوليفارية. السؤال هو، ما رأي الشعب الفنزويلي فيها؟ وعلى ذلك، نمتلك دليل. رغم العداء الشديد الذي تكنه الميديا، والعداء من طبقات البزنس ومن الولايات المتحدة، قد كسب شافيز الانتخابات والأستفتاء واحدا بعد الآخر بأغلبية ساحقة.

هناك استطلاعات للرأي في أمريكا اللاتينية بواسطة مؤسسات لاستطلاعات الرأي هناك، وهي كلها توضح كثيرا. ما تظهره هذه الاستطلاعات هو انهيار في الإيمان بالديوقراطية في تقريبا معظم أنحاء أمريكا اللاتينية، ليس بسبب أن الناس لا تحب الديموقراطية، ولكن لأن الناس لا تحب السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي جاءت مصاحبة للديموقراطية، والتي كانت مؤذية. هناك استثناءات قليلة. فنزويلا هي واحد من تلك الاستثناءات.

الأثرياء وذوي المكانة والحظوة يكرهونه. من ناحية أخرى، اغلبية السكان هي فقيرة جدا، ودائما ما تكون مستبعدة عن ثروات البلاد الهائلة. هذه الثورة البوليفارية، مهما كان رأيك أو رأيي فيها، هي تصنع فعليا شيئا ما من أجل الفقراء وعلى ما هو ظاهر هم يستجيبون لها. لذا التأييد الهائل لشافيز في الأحياء العشوائية الفقيرة والعداوة العظيمة في الشقق الفاخرة في بيليكان تعطيك تخمينات صحيحة عن ذلك.

ستيفن: احمل إليك سؤالا من البروفسور جون أوكونر من جامعة ولاية كونيكتكت الوسطي: لسنوات كان منطقك في الحوار أن نظامنا المذهبي، ونظامنا الدعائي، كان كاسحا لدرجة أنه كان من الصعب أن نرى فرص التغيير الاجتماعي الجدي. كيف تشرح لنا ظهور حركة العدالة الكوكبية ضد النيوليبرالية؟

شومسكي: لم أقل أبدا أن ذلك يمنع التغيير الاجتماعي. في الحقيقة، أنا لم أقل أبدا أن ذلك يمنع التفكير المستقل. ما كنت أناقشه هو طبيعة النظام الدعائي. هناك سؤال منفصل نسأله حول تأثير هذا النظام الدعائي.

في حالة نظام الولايات المتحدة الدعائي، السؤال الأول هو سؤال سهل نسبيا لنبحثه. يمكنك دراسة المنوال الذي عليه الدعاية. لدراسة تأثيرها على السكان هو أمر أكثر صعوبة بكثير وسوف تكون دراسة ذاتية لحدود كبيرة. عموما، أعتقد أن الاستنتاج سوف يكون أنه، وسط القطاعات الأكثر تعليما، من المحتمل أن الدعاية سوف تكون فاعلة جدا، وهو الأمر الذي لن يكون مدهشا لأننا جزء من ذلك. إنهم يصوغون الدعاية. السكان عامة، على ما اعتقد، هم خليط. ما تميل الدعاية لصنعه هو أن تجعل الناس يرتابون، ويتشتتون، ويكرهون المؤسسات، ويعتقدون أن لا شيء صحيح.

بمصطلحات الاتجاهات العامة والمعتقدات، لدينا دليلا مكثفا عن اتجاهات الولايات المتحدة. يظهر هذا الدليل بشكل مثير أن كلا الحزبان السياسيان ووسائل الإعلام هم الى اليمين بشكل بعيد عن السكان عامة في قضية تلو الأخرى. لهذا الحد، لم يكن النظام الدعائي فاعلا. لذلك، من هذه الخلفية فإنك تجد أشياء مثل حركة العدالة الكوكبية.