ماذا نفعل ب-رأس المال- ما بعد الرأسمالية؟


سعيد زارا
2016 / 3 / 19 - 08:01     

1- رأس المال التحفة الكاملة و الذائعة الصيت.

حكاية ماركس بقصة اونوريه بالزاك "التحفة المجهولة" كانت تعكس قلقه الدائم في أن يقدم ,لمن ناداهم بان يتحدوا, لعمال العالم و طلائعهم تحفة كاملة, دليلا كاملا للتفاصيل الدقيقة للاقتصاد الرأسمالي, بل مفتاح سر تطور المجتمع البشري, ليس للطبقة العاملة فقط و إنما لكل البشرية بما فيها البورجوازية فتحرير الطبقة العاملة من قيود الإنتاج و العبودية الصدئة هو تحرير لكل الإنسانية جمعاء و تخليصها من براثن الغرائز الحيوانية و مرض الأنا البورجوازية.

أراد ماركس لتحفته رأس المال الكمال كما أراد فرنهوفر للوحته . كان ماركس يدرك تماما أن الطبقة العاملة تحتاج في كفاحها اليومي ضد الاستغلال إلى سلاح فكري و علمي قوي يرعب و يذعر البورجوازية في عرشها. لذلك اخذ على عاتقه و رفيقه انجلز مهمة إعداد و توجيه البروليتاريا في نضالها. كان دائما مرتبطا بتطورات الوقائع الحثيثة, فكلما أضفى رتوشا ظهرت له في الواقع جوانب أخرى تفرض عليه رتوشات عدة, تماما كما كان يعمل الرسام فرنهوفر الذي قرر أن يسافر إلى مجموعة من الدول من اجل لوحته. ماركس من القلائل الذين جمعوا بين أفكارهم و ممارستهم, فقد كان يمارس أفكاره حيث يصعب الفصل بين ممارسته و أفكاره كنشاطين حميميين.

تأخر ماركس سنتين بعد موعد نشر رأس المال, كان دائما قلقا بكمال تحفته, كلما اقترب موعد النشر هم إلى المراجعة, فقد راسل ناشره يقول :" سوف لن أطبع الكتاب من دون مراجعته مرة أخرى...", لم يتردد ماركس في تعلم اللغات الأجنبية, قرأ شكسبير بتمعن ليغوص في الانجليزية و رحل إلى عاصمة مهد الرأسمالية لمعاينتها مباشرة, و كانت الروسية بالنسبة إليه ضرورية لفهم نظام ملكية الأرض هناك و ألقى بنفسه في المسالك الوعرة للرياضيات, فقد كان الجبر مسكنا لآلامه و مبعثا لراحة البال و كان يقول بان العلم لا يتحسن إلا باستعمال الرياضيات, و في مدارات الفضاء سبح ليتعلم الفلك, و كل ذلك من اجل كمال ما ينشره للعموم. كما كان يفعل فرنهوفر إزاء لوحته : "وا أسفاه! ظننت للحظة أن عملي قد انتهى؛ لكنني بالتأكيد كنت خاطئا في بعض التفاصيل، ولن يرتاح بالي حتى تنقشع شكوكي. لقد قررت السفر وزيارة تركيا واليونان وآسيا باحثا عن موديلات، كي أقارن لوحتي مع الطبيعة بأشكالها المختلفة".

كان قلق ماركس من قلق فرنهوفر . فالرسام العجوز ,في قصة بالزاك المليئة بالسخرية, بعد أن انتهى من لوحته التي قضى فيها عشر سنوات و التي اعتقد أنها اللوحة المثلى التي تعكس الواقع آتى بصديقيه ليسمع منهما رأيهما بخصوص التحفة, فكان أن تفاجأ برأيهما المنافي لما كان يتوقعه, انهار فرنهوفر و بكى محدقا إلى لوحته : " لا شيء! لا شيء! وقد عملت عشر سنين". طرد الفنان صديقيه و احرق ورشته التي تضم كل أعماله. صرح ماركس لرفيقه انجلز ساخرا بعد أن طالبه بقراءة قصة بالزاك "التحفة المجهولة" انه يخشى أن يكون مصير كتابه رأس المال مصير تحفة فرنهوفر.

خرجت التحفة إلى الوجود بعد مخاض عسير, ذاع صيتها بين عموم الطبقة العاملة و غيرها في أنحاء العالم حتى قال انجلز إن رأس المال هو "إنجيل الطبقة العاملة". لم يلن ماركس يوما للمشاعر الإنسانية رغم إحساسه المرهف اتجاه الأوضاع المأساوية التي كانت تعيشها البروليتاريا, بل كان إعلانه للشيوعية نتيجة لبحث علمي بعيد عن الرغبات و الميولات الأنانية.

من داخل قارة علم التاريخ التي افتتحها خلص ماركس إلى أن الصراع الطبقي و تبعا لدرجة نمو قوى الإنتاج سينتهي إلى دكتاتورية البروليتاريا التي لا تشكل بدورها إلا مرحلة انتقالية إلى مجتمع لا طبقي.

ألوان تحفة رأس المال كشفت على نمط الإنتاج الرأسمالي فنزعت عنه الحجاب لتخترق ثناياه و تسبر أغواره تماما كما يعلم الله ما بذات الصدور. كتاب رأس المال أتاح للطبقة العاملة و طلائعها الأوفياء أن يرصدوا حركة كل عناصر نمط الإنتاج الرأسمالي, كل عنصر على حدة و كل واحد في علاقاته بالعناصر الأخرى.


يتبع