لينين بطل الديمقراطية


طلال الربيعي
2016 / 3 / 7 - 21:14     

ادناه ترجمتي بتصرف ضئيل لمقال
Unearthing the real Lenin
المنشورة في صحيفة
Red Flag: A Voice of Resistance
https://redflag.org.au/node/5175
----------------
يتمتع لينين بسمعة سيئة. جثته المحنطة تٌعرض للسياح في موسكو كرمز لعبادة شخصية القيادات السياسية التي تميزت بها شمولية القرن ال20.

استنادا إلى ما تقوله معظم كتب التاريخ, فان إرثه يتميز بالعنف والقمع وازدراء نخبوي لقدرات وحقوق الناس العاديين.

لذلك يمكن أن تكون مفاجأة للبعض عند قراءة حياة لينين ان يكتشفوا انه أمضى معظم سنوات عمره كناشط مؤيد للديمقراطية, مما عرضه الى الاعتقال والنفي بسبب محاولاته لتحقيق الحرية السياسية فى واحدة من الدول الأكثر قمعا في العالم. لقد راهن بحياته ودخل التاريخ كمناهض للحرب، ومطالبا بوضع سياسات استراتيجية لمناهضة اهوال ووحشية الحرب العالمية الاولى التي لم يكن لها اي معنى.

لم تقتصر مهام لينين فقط على اشاعة السلام والمحبة والتفاهم. لقد كان ماركسيا ايضا: و هذا هو ما قاده الى كراهيه الظلم والحرب، وإيمانه بالطبقة العاملة.

ولذلك كان مفهوما ان تزدريه النخبة السياسية. في الحقيقة ان رؤيته للعالم استندت إلى قناعة لا تتزعزع بان اناس الطبقة العاملة العاديين لا يمكنهم فقط تغيير العالم، ولكن يمكنهم ايضا ادارته بأنفسهم.

لم تتركز اهتمامات لينين باشاعة السلام والمحبة والتفاهم فقط. لقد كان ماركسيا ايضا: وهذا هو الذي قاده الى معاداة الظلم والحرب، وإيمانه بالطبقة العاملة جعل، بمعنى ما، الحكام وقتها محقون باضطهاده. الملوك والجنرالات والزعماء فهموا وقتها، تماما كما فعل هو، ان انهاء الحرب والقمع السياسي يتطلب خوض معركة، وان اتتصار البشرية سيعني نهاية حكمهم. هذا هو السبب الذي حملهم على معاداته اثتاء حياته والافتراء عليه بعد وفاته. ولذلك من المهم بمكان فهم حياته واعماله بعد قرن لاحق.

بطل الديمقراطية
كانت روسيا كابوسا اثناء شباب لينين. الإضراب كان جريمة؛ تشكيل نقابة كان جريمة؛ نشر صحيفة دون إذن كان جريمة. الفلاحون العصاة كانوا يُجلدون. العمال الجامحون كانوا يقتلون. والنشطاء كانوا عرضة للضرب والتعذيب والنفي أو الشنق. ذٌبح بشكل روتيني اليهود والأقليات الأخرى. المجاعات تكررت. وحقوق التصويت كانت شبه معدومة. امتلكت إمبراطورية القمع شبكة متطورة وممولة تمويلا جيدا من الشرطة السرية والجواسيس، المبتزين, والجلادين لابقاء إمبراطورية القمع على قيد الحياة.


كان هذا هو النظام الذي أعلن لينين عداءه له. عندما كان عمره 17 عاما، نظّم مظاهرة تدعو إلى الحرية السياسية للطلاب. كنوع من العقاب, طُرد من الجامعة وتم نفيه. وهكذا بدأ نمط حياته بالتشكل كمُنظم لحركة ديمقراطية. تعرض بسبب ذلك للاخطار وشهد القمع والإيذاء. ولكن تفانيه تعمق كما اصبحت استراتيجياته أكثر خطورة وجدية.

اصبح لينين ماركسيا في غضون سنوات قليلة من الاحتجاجات الطلابية. وسعى الى تنظيم العمال في جماعات ثورية ناشطة. كان مفعما بالقناعة ان الطبقة العاملة هي مفتاح التغيير الاجتماعي. ووُضع تحت مراقبة الشرطة المستمرة وتعرض للاضطهاد, وسُجن ثم نُفي بسبب نشاطه. ولكنه استمر في تنظيم الحركة العمالية المؤيدة للديمقراطية حتى في المنفى من روسيا. وكانت تفرحه أية علامة تؤشر على ضعف الدكتاتورية الروسية, مما كان سيفسح المجال من اجل صراع مفتوح و"واقعي" من أجل بلوغ الحرية التي شارفت على الاقتراب.

في عام 1905، مع اقتراب الثورة الروسية الأولى، كتب لينين:
"إن الثورة تنتشر. بدأت الحكومة بفقد عقلها ... وان مطالب عمال سان بطرسبرج المتمردين -الدعوة الفورية لجمعية تأسيسية على أساس الاقتراع العام المباشر، وعلى قدم المساواة بالاقتراع السري- يجب أن يصبح طلب جميع العمال المضربين".

ان تعطش لينين لانتصار الديمقراطية، واستعداده للتنظيم والكفاح من أجل ذلك، يعني أنه، مثل العديد من الناشطين المؤيدين للديمقراطية قبل ومنذ ذلك الحين، أمضى وقتا في السجن، وطُرد ونفي من موطنه. ولكنه والمنظمة الاشتراكية التي قادها اصبحا اكثر تصميما للفوز بالحرية السياسية والاقتصادية, في حين ان النظام المعادي اصبح اكثر جنونا وعنفا.

وضع حد لجميع الحروب
لا تزال الحرب العالمية الاولى تُشكل واحدة من أكبر الأعمال الوحشية التي ارتكبت ضد الإنسانية من أي وقت مضى. لمدة أربع سنوات، غمر الكثير من بقاع العالم الغاز السام، وحُفرت فيها الخنادق ونٌصبت الأسلاك الشائكة, وحُطمت باطلاق نار الرشاشات وبالقصف المدفعي. وعشرات الملايين قُتلوا وشُوهوا. اكتسب مُحرك الرأسمالية الجانح نحو العنف العبثي نطاقا صناعيا ليستهلك قارات بأكملها.

فاقمت الطبقة الحاكمة، بما في ذلك في ما يسمى الديمقراطيات، عنفها الداخلي أيضا: حُبس المحتجون المناهضون للحرب وتم رميهم بتهمة التحريض على الفتنة والخيانة.

يتذكر الناس الحرب الآن بكونها كارثة لا طائل منها. لم تكشف الحضارة الأوروبية عن وحشيتها الهائلة من قبل بهذا الشكل من الوضوح. ولكن في ذلك الوقت، صفقت لها كل شخصية سياسية محترمة تقريبا في أوروبا، بما في ذلك أولئك الاشتراكيين "المعتدلين" الذين سعوا إلى احتلال موقع رسمي في المجتمع المهذب. وكان اتخاذ موقف ضد القتل الجماعي في كثير من الحالات امرا غير قانوني.

في وسط هذه الاجواء, ناضل لينين ليس فقط ضد الحرب، ولكن ايضا ضد النظام الذي جعل من الحرب امرا لا مفر منه. ودعى الناس ونظّمهم للتمرد ضد شراسة النظام المعادية للديمقراطية، والح على "ضرورة استخدام [الجنود] لأسلحتهم، ليس ضد إخوانهم عبيد الأجور في البلدان الأخرى، ولكن ضد ... الحكومات و الاحزاب في جميع البلدان".

عندما، في أثناء الحرب، بدأ الجنود من جيوش معادية ب "التآخي" مع بعضهم البعض (الدردشة، وتبادل الهدايا, ولعب كرة القدم بين الخنادق)، أعلن القادة العسكريون أن هذه الافعال ترقى إلى درجة الخيانة, وتم احيانا سجن المخالفين. كتب لينين بحماس كبير عن العصيان الموجه ضد العنف غير الديمقراطي والبغيض في وقته:
"(التآخي) هو الطريق إلى السلام ... لا يمكن سلوك هذا المسار من قبل الحكومات الرأسمالية او من خلال المتحالفين معها، فهو يعمل ضدها ... وهذا الطريق هو بداية تدميرالانضباط البغيض لثكنات السجون، انضباط وطاعة الجندي إلى ضباطه وجنرالاته، إلى رأسمالييه".

كان اعتقاد لينين بإمكانيات الطبقة العاملة هو ما حفزه لقيادة النضال من أجل الديمقراطية و ضد الحرب، وتشجيع المقاومة والتمرد ضد النخب أينما ظهرت. وكان هذا هو فحوى ماركسيته الأصيلة التي سمحت له لقيادة الثورة الروسية في عام 1917، وأخيرا الانتصار على حكومة موالية للحرب, وذلك من خلال موجة هائلة من المقاومة المنظَمة للطبقة العاملة.

لينين اليوم
وبعد قرن، الرأسمالية حتى الان لم تُهزم، ونحن لا نزال نعيش في عالم يحكمه روتين الحرب الوحشية. "الديمقراطية" هي مجرد خدعة. تُنفق المليارات سنويا على الطائرات المقاتلة والسجون ومعسكرات اللاجئين الجهنمية .

ان النضال من أجل الديمقراطية الأصيلة، ووضع حد للاضطهاد والعنف، وتشجيع العصيان والمقاومة، و الاعتقاد في قوة وإمكانات الطبقة العاملة, هي امورا خطرة بعرف الرأسمالية العالمية اليوم, كما كان عليه الحال اثناء حكم الاباطرة والقياصرة وقت لينين. هذا هو السبب في اعتبار حياة لينين بمثابة قصة رعب في أوساط (ما تسمى, ط.ا) السياسة المحترمة، واسباب ذلك يجب التحقيق فيها بجدية من قبل أي شخص يريد أن يناضل ضد الحرب والقمع والظلم.