رد على منتقدي الدعوة للتضامن مع جمهورية كوريا الديمقراطية البطلة


مشعل يسار
2016 / 2 / 22 - 22:15     

بقلم ليونيد شكولنيكوف
ترجمة مشعل يسار

إثر نشر موقع "الحوار المتمدن" الذي نعتز به منبرا للرأي الحر، لا سيما بالنسبة إلى الشيوعيين الراديكاليين الثوريين الذين ينتمون إلى "حركة المحرومين" على الصعيد الإعلامي، مادتين إحداهما "بيان حول التفجير التجريبي للقنبلة الهيدروجينية في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية" (مشعل يسار - الحوار المتمدن-العدد: 5060 - 2016 / 1 / 30 - 21:10 - http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=502943
والثانية "لنفهم كوريا ولندافع عنها" - مقابلة حصرية مع سفير جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية – (مشعل يسار - الحوار المتمدن-العدد: 5067 - 2016 / 2 / 6 - 23:38 - http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=503923
ورد بعض التعليقات على كلتا المقالتين اخترنا منها ما ورد من أفكار تبدو لنا مغرضة وديماغوجية ومنساقة مع الدعاية البرجوازية المعادية لهذا البلد الصديق والشجاع في الدفاع عن استقلاله وحقه في اختطاط طريقه الخاص بخلاف موقف معظم قادة العرب ولا تنسجم مع المنطق السياسي المَسُوق في المقالتين ومع المنطق السياسي العام الذي أقله العودة إلى المثل القائل: "لا يفل الحديد إلا الحديد"!!!
ومما جاء في التعليقات:
فؤاد النمري:
- "من المؤسف حقاً أن الرفيق مشعل يسار لم يعِ بعد أن تصنيع الأسلحة النووية هو الباب الواسع للهروب من الاستحقاق الاشتراكي. فالبورجوازية الوضيعة السوفياتية هربت من نفس هذا الباب.
كان خروشوف قد تساءل لماذا نحتاج أسلحة نووية بعد أن نحرق العالم؟ وكان الرئيس اليميني الرجعي ريغان قد تساءل بالقول من هو ذلك المجنون الذي يفكر بحرب نووية؟"
- "مجمل الناتج القومي لكوريا الاشتراكية هو 15 مايار دولار وهي تعتبر من البلدان الأكثر فقراً
ومجمل الناتج القومي لكوريا الرأسمالية هو 1300 مليار دولار أي 86 ضعف انتاج كوريا الاشتراكية. المقارنة تعني أمراً واحداً فقط وهو أن كوريا الرأسمالية تعنى بتنمية الطبقة العاملة ومضاعفة أعدادها وهذا هو جوهر العمل الاشتراكي، أما كوريا الاشتراكية فتحاصر الطبقة العاملة وتعمل ضدها عن طريق صناعة الأسلحة كالقنابل الذرية والصواريخ وهي الأشهر في هذه التقانة.
- ليس غريباً أن يقابل صناعة الأسلحة المتطورة التخلف في الانتاج المدني الأمر الذي جعل عصابة خروشوف وجنرالات الاتحاد السوفياتي يلغون الخطة الخمسية الخامسة التي أقرها مؤتمر الحزب التاسع عشر في العام 1952. ....
- خروشوف..... عاد وتراجع فقال في تقريره للمؤتمر الحادي والعشرين عام 1959 .. إن حزبنا بقيادة ستالين فترة طويلة تمكن من التغلب على سائر الأعداء البورجوازيين والتروتسكيين والفوضويين وبنى لنا دولة اشتراكية عظمى نفاخر بها".
Sabah Abdulrazak
.... تضامننا ضد من يتعرضون للعدوان الامريكي لا يحتم علينا اضفاء صفات الشيوعية عليهم والاشتراكية على نظمهم حين تكون تلك انظمة وراثية تكرس عبادة الشخصة وتأليه القادة واشاعة استلاب قدسية الحاكمين وافضليتهم على المحكومين وتنتقل فيها السلطة من الجد للاب ومنه للحفيد وهلم جرا....

ولئن كان لي رد مقتضب على بعض هذه الأفكار، فقد رأيت أن أسأل أمين ومنسق جمعية "من أجل الاتحاد السوفياتي والحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي" في جمهورية بيلوروسيا الرفيق ليونيد شكولنيكوف، والجمعية المذكورة هي صاحبة البيان المذكور، رأيه في هذه الأفكار. وهذه ترجمة إجابته:

يسعدني أن أقول لك "رأيي" في "التعليقات" ذات الصلة ببيان منظمتنا حيث نرحب بتفجير القنبلة الهيدروجينية في كوريا الشمالية. وما يؤسفني فقط أن لا يكون لدي متسع من الوقت لإجابة أكثر تفصيلا.
كل الأفكار التي أوردتها، باستثناء العبارة الأخيرة حول أن ستالين "تغلب على سائر الأعداء البورجوازيين والتروتسكيين والفوضويين وبنى لنا دولة اشتراكية عظمى نفاخر بها" هي من العبارات المعهودة والممجوجة في الدعاية البرجوازية.
1- إن تصنيع الأسلحة النووية هو فعلاً "الباب الواسع للهروب من الاستحقاق الاشتراكي..."، ولكن فقط بالنسبة للامبريالية. فهي إذ حصلت بفضل نجاحات العلوم على الاسلحة النووية، تعمل على تطويرها للهيمنة عسكريا على العالم، وبالتالي لكبح خطر انتشار الاشتراكية عليها وعلى وجودها بالذات والقضاء على هذا الخطر، وعدم السماح بقيام ثورات اشتراكية جديدة و"المضي في بناء الاشتراكية" سواء في دول ومناطق محددة، أ و على الصعيد العالمي ككل ".
ففرض الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الامبريالية سباق التسلح، وخصوصا بالصواريخ النووية الأعلى كلفة، هو وسيلة لتدمير الدول الاشتراكية جراء التكاليف القسرية التي تفرض عليها للدفاع عن نفسها ووجودها على حساب التنمية الاجتماعية، واستثارة استياء العمال والكادحين، وبالتالي تقويض هذه الدول من الداخل. ومع ذلك، عادة ما تتمكن الاشتراكية من خلال التنظيم السليم للعمل الفكري من التعامل بسهولة مع مثل هذا التهديد. فبعد الحرب العالمية الثانية، بدا وكأن الاتحاد السوفيتي استنفد كل قواه مع حلول عام 1949، ولكنه استطاع ببذل أقصى الجهد والاستفادة من مزايا اقتصاد التخطيط الاشتراكي أن يقضي على احتكار الولايات المتحدة للقنبلة الذرية، وفي بداية الخمسينيات سبق الولايات المتحدة على اختراع القنبلة الهيدروجينية.
بالمناسبة، لو لم يحقق الاتحاد السوفياتي هذا الانجاز الاقتصادي والعسكري ولو لم يساعد جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، فضلا عن المتطوعين الصينيين، ولم يعمد إلى تغطيتها بمظلته النووية، لكان الوضع يبدو اليوم على غير ما هو عليه، في شبه الجزيرة الكورية أيضا. فالولايات المتحدة كانت ستستخدم في الحرب التي شنتها على كوريا الديمقراطية الشابة أعوام 1950-1953 الأسلحة النووية ضدها وضد الاتحاد السوفياتي، كما فعلت حتى من دون أي مبرر عسكري لذلك مع اليابان (كان قد تم إعداد جميع الخطط العسكرية لهجوم نووي على الاتحاد السوفياتي وكوريا الشمالية)، وكانت الهزيمة الاستراتيجية للاشتراكية ستصبح منذ ذلك الحين حقيقة واقعة.
اليوم، تمتلك كوريا الشمالية، إذ تقف بقوة على قدميها وتحمي استقلالها، سلاحها النووي من خلال سياسة "السونكون" الصحيحة التي تتبعها، وهذا من شأنه أن يضمن إحلال ضرر غير مقبول بالمعتدي، وهو، بالتالي، يشكل الضمانة القوية الوحيدة ضد الهجوم عليها، وهذا، وفق لينين، ما يجعل من أي هجوم على البلاد أمراً مستحيلاً .
الأمثلة العكسية: تخلي معمر القذافي (ليبيا شبه الاشتراكية)، وصدام حسين (العراق البرجوازي) بتفاخر عن الأسلحة النووية بأمل التصالح مع الإمبريالية وكسب رضاها، وليس هناك الآن لا هذه الدولة ولا تلك ولا قادتهما، ذلك أن الإمبريالية تعتبر أي تنازل لها اعترافاً بالضعف حقاً، ومن أجل اقتناص المزيد من الأرباح تستوعب وتلتهم مثل هذه الدولة الضعيفة مستخدمة القوة المسلحة. فأية تسوية مع الإمبريالية لا يمكن تحقيقها إلا إذا تعادلت القوى وتوازنت، وهو ما قامت بإنجازه كوريا الشمالية باختبارها القنابل النووية وإطلاقها الأقمار الصناعية.
أنا لا أعرف أمثلة في التاريخ على انتصار بلاد ما تمتلك أسلحة عفا عليها الزمن. وخير مثال على ذلك عدوان الأوروبيين الذين كانوا يمتلكون الأسلحة النارية على الهنود الحمر الذين لم يكن لديهم سوى القوس والنشاب. والنسبة نفسها هي اليوم بين الأسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشامل. وليس من قبيل الصدفة أن تحاول الإمبريالية لجم انتشار الأسلحة النووية في العالم على أساس معاهدة الحد من انتشاره، لأن هذا يعطيها ميزة حاسمة في مجال تسويق سياستها في السيطرة على العالم.
وليس من قبيل الصدفة أيضا انسحاب جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية من هذه المعاهدة لأجل أن يكون لها الحق في الحصول على الصواريخ النووية الخاصة بها، وبالتالي البقاء على قيد الحياة وحفظ خيارها الاشتراكي. وها هي كوريا الشمالية تقف اليوم بقوة على قدميها اقتصادياً، وهي التي بينت أنها قادرة على صنع الصواريخ النووية وتطوير فروع الاقتصاد الضامنة للنهوض برفاهية الشعب الكوري الشمالي على حد سواء.
وهكذا، فإن زعم أن "تصنيع الأسلحة النووية هو الباب الواسع للهروب من الاستحقاق الاشتراكي" زعم غير صحيح عند تطبيقه على دولة اشتراكية، فضلا عن زعم أن "البرجوازية الوضيعة السوفياتية هربت من نفس هذا الباب". فإن هذا إلا واحدة من الإفرازات الأيديولوجية الدعائية البرجوازية البحتة، المصوغة على الأرجح على أجهزة الكمبيوتر في الولايات المتحدة. فالأسلحة النووية في يد الدولة الاشتراكية ليست في الوضع الراهن في العالم باباً للهروب من بناء الاشتراكية، بل هي إجراء اضطراري لإنقاذ البلاد وتحقيق الخيار الاشتراكي لشعبها.

2- التضامن مع أولئك الذين يتعرضون لعدوان الولايات المتحدة، لا ينبغي أن يفرض علينا الاعتراف بالطابع الشيوعي والاشتراكي لأنظمتهم، في حين يسود هناك توريث السلطة من الأب إلى الابن، وهلم جرا، وعبادة الفرد... ".
هذه جملة كاملة من الكليشيهات الأيديولوجية للبرجوازية. وعلى وجه الخصوص، يرفض بعض قادة حزب العمل البلجيكي الذين يثرثرون عن الاشتراكية دعم هذا البلد الاشتراكي، بالاختباء وراء فكرة السلطة الوراثية في كوريا الشمالية، ويصب موقفهم بالتالي في طاحونة الرجعية العالمية.
أما نحن:
- فلا نرى أن أنظمة وقعت ضحية العدوان الإمبريالي مثل يوغوسلافيا وليبيا والعراق وأفغانستان وسوريا، هي أنظمة اشتراكية، فكيف لها بالأحرى أن تكون أنظمة شيوعية. وإذ نقر بأن كوريا الشمالية هي دولة اشتراكية، فلأن الدكتاتورية هناك (السلطة، الديمقراطية بأرفع درجاتها) ليست بدكتاتورية الرأسماليين، بل هي دكتاتورية الشعب الكادح من خلال دولته، من خلال طليعته (الحزب، القائد) ومن خلال الجمعيات الشعبية، ولأن كل الملكية الإنتاجية الرئيسية بصفتها ملكية للشعب كله، تنفذ تنمية مخططة ومبرمجة للاقتصاد ولجميع الشؤون الأخرى في الحياة الاجتماعية
- ونعتقد أن توريث السلطة من الأب إلى الابن في كوريا الشمالية ليس سوى الشكل الخارجي للسلطة الوراثية. أما مضمونها وجوهرها فهو هنا لا التوريث الفسيولوجي، ولا توريث الملكية، بل التوريث الأيديولوجي، وهذا يعني التقدم بثقة في طريق نظرية "جوتشي"، وهي صيغة من الصيغ الحديثة لعلم الحياة الاجتماعية (الماركسية اللينينية)، وسياسة "سونكون" التي هي سياسة الأولوية الاضطرارية المؤقتة للشأن العسكري. ومثل هذا التوريث للسلطة هو واحدة من السمات المميزة للخصوصيات الوطنية للشعب الكوري الذي يميل إلى أن يرى مناعة استقلاله وديمومة حركته في الطريق الاشتراكي الذي اختاره، في صلات القربى الطبيعية بين قادته الذين يحل أحدهم محل الآخر. وفي الوقت نفسه، نلاحظ ان كيم جونغ ايل - نجل كيم ايل سونغ وكيم جونغ أون - نجل كيم جونغ ايل، قبل أن تتم ترقيتهما إلى أعلى المناصب، كانا يتربيان على مدى عقود على يد ابويهما، وعلى يد المجتمع ككل كخليفتين موثوق بهما لا لوراثة العرش، بل لوراثة السياسة الشعبية إياها منهما؛
- نحن لنا نظرتنا حيال مسألة عبادة الفرد: فسلطة ونفوذ قائد الشعب في الدولة الاشتراكية يسميان بـ"عبادة الفرد" من قبل أعدائها من عداد منظري البورجوازية والمتبرجزين، على الرغم من أن القائد نفسه (ستالين، ومثله لينين) لم يكن يرحب بعبادة الفرد هذه، أو يفرضها، بل كان يكبح ويلجم بكل وسيلة ممكنة محاولات خلق عبادة الفرد من قبل المحيطين به، إذ تلمّس فيها خطرا، وسمى الأعداء هذا النفوذ عبادة للفرد من أجل إبعاد الشعب السوفييتي وكادحي كل العالم عن الستالينية، التي هي الماركسية اللينينية إياها في فترة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية على الصعيد العالمي. وباستخدام هذه الكليشيهات الأيديولوجية الغادرة استطاع العدو الطبقي تحقيق نصر استراتيجي، وإن لم يكن من الصعب التنبؤ بأنه مجرد انتصار مؤقت، على الاتحاد السوفيتي (فالانتقام السوفياتي الاشتراكي من قبل الشعب السوفياتي أمر لا مفر منه في شكل انتصار على الثورة المضادة التي انتصرت مؤقتاً)، وتمكن من إزالة الاتحاد السوفياتي كعقبة رئيسية في ذلك الوقت في طريق الهيمنة بالقوة على العالم. هذا الانتصار بالذات مكن الإمبريالية التي دخلت مرحلة العولمة الكاملة، وبدأت الانغماس في المغامرات العسكرية من دون عقاب من أجل الغرض المذكور. وهذا هو السبب في كون الشيوعيين السوفيت الحقيقيين الأصلاء اتخذوا نهج إحياء اتحاد سوفياتي متجدد، أي لينيني ستاليني، وليس خروشوفي غورباتشوفي، اتحاد خال من الجينات البرجوازية التي هي مثابة جينات تدمير له، لأن ليس سوى هذا يلبي المصالح والمطامح الوطنية للشعب السوفيتي المتعدد القوميات، والمصالح الأممية لكل الإنسانية الكادحة وكل البشرية بشكل عام، تلك التي وجدت نفسها أمام أحد خيارين: إما القضاء على الإمبريالية التي تحمل حتما الحرب أو الهلاك في أتون عراك نووي عالمي. والحق هنا مع الشيوعيين الكوريين المستندين إلى "الأعمدة الثلاثة" ألا وهي: الشعب (وهم يقصدون بالشعب الكادحين) والحزب والقائد. وكدليل على اتباعهم هذا الثالوث، يشير الشيوعيون الكوريون بالذات إلى التاريخ المأساوي للاتحاد السوفييتي الذي لم يكن يوجد فيه القائد النافذ المعترف له بعد رحيل لينين وستالين.
القضية مفهومة، فالكذبة باستبدال الهيبة الموضوعية والحب الذي يحظى به القائد بزعم اعتبارهما عبادة الفرد سهل فضحها:
فالاشتراكية لها خاصية لم تكن أبدا لأي تشكيلة اجتماعية سابقة: المجتمع الاشتراكي قادر على إدارة نفسه على أساس علمي، أي على استخدام ما قد أعطته الطبيعة للإنسان ألا وهو العقل من أجل تأمين بقائها وتطورها. ومع ذلك، تنضج الاكتشافات في أي علم من العلوم - وعلم الحياة العامة ليس استثناء - كلما دعت الحاجة إليها، بدايةً في ذهن إنسان فرد (قادر بفعل الصفات الشخصية البارزة التي يتمتع بها وبفعل الظروف على أن يصبح قائداً)، ثم في أذهان مجموعة متزايدة من الأشخاص (القادرين على إنشاء حزب نشط فعال)، وبعد ذلك فقط تصبح هذه بفضل جهود هذا الحزب ملكا للجماهير التي ارتقت إلى مصاف العمل الثوري الناضج موضوعياً بقيادة الحزب الثوري. فمن الصعب أن ننكر هذه الحقيقة في حركية الثورة الاشتراكية. كذلك كان الأمر في روسيا القيصرية: لينين، فالحزب اللينيني بزعيمه لينين، فالشعب الثوري يقوده الحزب المكتسب زعيمه في شخص قائد لهذا الحزب الذي أسسه. وكذلك كان في كوريا الديمقراطية الشعبية حيث بدأ كل شيء من أفكار شخص واحد فرد ومن الممارسة الثورية النشطة المتفقة معها (بداية تشكيل أيديولوجية جوتشي المتماسكة على أساس الماركسية اللينينية)، من الشاب كيم ايل سونغ. ثم تم تشكيل المنظمة الثورية التي أتاحت للشعب الكوري أن يتحرر من الحكم الاستعماري الياباني وأن يتخذ طريق الاشتراكية طريقا له. وقد نشأت في سياق الحرب المناهضة للاستعمار نشأة طبيعية ملامح سياسة الـ"سونكون" (أي أولوية الشأن العسكري) أيضاً.
وفي ما يتعلق بالسلطة الوراثية، فإنه ليس من الصعب استدعاء أمثلة لها ليس فقط في المجتمع الإقطاعي، ولكن أيضا في المجتمع البرجوازي (الهند - غاندي، الولايات المتحدة – بوش الأب والابن، الخ) وهذا كله يتعلق بشكل الحكم، وليس بجوهر النظام الاجتماعي القائم من وجهة نظر الطبيعة الطبقية للسلطة والاستئثار بالملكية الإنتاجية، وهو ما يشكل العصب الرئيسي والحاسم. فالسلطة الوراثية فى كوريا الديمقراطية توفر وتؤمن الاشتراكية، فيما السلطة الوراثية في الولايات المتحدة توفر وتؤمن الرأسمالية الاحتكارية.
الشيء نفسه ينطبق على مسألة "الدكتاتورية". فدرجة تركيز السلطة سواء في المجتمع البرجوازي أو في المجتمع الاشتراكي تعتمد على الظروف الخاصة السائدة. فعندما هاجم الاتحادَ السوفيتي الدكتاتورُ الفاشي الألماني هتلر (حسب التعريف الصحيح للرفيق غيورغي ديميتروف الفاشية هي الدكتاتورية الإرهابية للفئات الأكثر رجعية في الطغمة المالية)، تعين على الاتحاد السوفياتي بعد أيام قليلة وبالطريق الأكثر ديمقراطية (قرار السلطة العليا - مجلس السوفيات الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية) تركيز سلطة الدولة كاملة في يد لجنة الدفاع عن الدولة في الاتحاد السوفياتي برئاسة رئيسها يوسف ستالين. لذلك كان ستالين "ديكتاتوراً"، وإن حثته جيناته الاشتراكية حتى في حالة الحرب على الاعتماد باستمرار على المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي/ البلشفي /، والسوفيات الأعلى للاتحاد السوفياتي، ومجلس وزراء الاتحاد السوفياتي، وهيئة الأركان العامة للجيش الأحمر، الخ.
والآن لنلاحظ أن السلطة تقبض عليها كاملة في كوريا الديمقراطية، ولكن في ظل الاعتماد على كل المؤسسات الديمقراطية... لجنة الدفاع عن الدولة أيضا وعلى رأسها الرئيس الأول كيم جونغ أون. لماذا؟ لأن كوريا الشمالية هي في حالة حرب مع رأس المال العالمي الذي يسعى إلى تدمير جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، ، مثلما سعى هتلر في حينه إلى تدمير الاتحاد السوفياتي، أو على الأقل إلى حرفها عن الطريق الاشتراكي وتوحيدها عنوة مع جمهورية كوريا البرجوازية التي على رأسها حكومة متعاونة مع المستعمر.
ولنلاحظ هنا مرة أخرى أن هتلر لم يتمكن من الحصول على السلاح النووي، فيما رأس المال العالمي في شخص النخبة السياسية والعسكرية الامريكية وجميع دول حلف شمال الاطلسي وحتى الأمم المتحدة (حتى يومنا هذا لم تُلغ هيئة أركان قوات الأمم المتحدة المشتركة في كوريا الموالية للجانب الأمريكي) يملك مثل هذا السلاح. وليس لنا سوى استخلاص الاستنتاجات حول الحاجة إلى سياسة سونكون، بما في ذلك التفجيرات التجريبية للقنابل النووية وإطلاق الأقمار الصناعية، أي إلى هذا المكون من مكونات سياسة سونكون الذي يعني إنشاء قدرات صاروخية نووية لكوريا الشمالية وتطويرها تطويرا إلزاميا وشاملا. وهذا خاصة في ظل ميل حكم القلة الأوليغارشية في روسيا، المهتمة بوجود علاقات مع كوريا الشمالية، إلى تحويل الحاجات الموضوعية الجذرية لكوريا الديمقراطية إلى ورقة مساومة في اللعبة الدولية التي تلعبها مع رأس المال العالمي، وفيما الصين المجاورة القادرة والتي لا تمانع في فرض نظامها شبه الاشتراكي على كوريا الشمالية الديمقراطية الشعبية، ذهبت مذهب روسيا تقريبا في مغازلتها رأس المال العالمي. وهي إن تدعم جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، فمن أجل منع القوات الأمريكية في المقام الأول من الاقتراب من حدودها البرية ومنع ظهور قوة دفاع مضاد للصواريخ لدى الولايات المتحدة في شبه الجزيرة الكورية يمكنها أن تضرب مواقع في جميع أنحاء الصين تقريبا، أي أنها تدعم كوريا الديمقراطية أكثر لأسباب استراتيجية منها لأسباب واعتبارات أيديولوجية.
- 3- توردون الرأي التالي: "مجمل الناتج القومي لكوريا الاشتراكية هو 15 مليار دولار وهي تعتبر من البلدان الأكثر فقراً. ومجمل الناتج القومي لكوريا الرأسمالية هو 1300 مليار دولار أي 86 ضعف انتاج كوريا الاشتراكية. المقارنة تعني أمراً واحداً فقط وهو أن كوريا الرأسمالية تعنى بتنمية الطبقة العاملة ومضاعفة أعدادها وهذا هو جوهر العمل الاشتراكي، أما كوريا الاشتراكية فتحاصر الطبقة العاملة وتعمل ضدها عن طريق صناعة الأسلحة كالقنابل الذرية والصواريخ وهي الأشهر في هذه التقانة.
- ليس غريباً أن يقابل صناعة الأسلحة المتطورة التخلف في الانتاج المدني الأمر الذي جعل عصابة خروشوف وجنرالات الاتحاد السوفياتي يلغون الخطة الخمسية الخامسة التي أقرها مؤتمر الحزب التاسع عشر في العام 1952. .... ".
في هذا الصدد، يجب أن أقول ما يلي:
- ليس هناك إمكانية علمية مبدئية لتحليل الناتج المحلي الإجمالي لبلد اشتراكي وبلد برجوازي على أساس معايير موحدة، ولا سيما من دون أن نأخذ بعين الاعتبار الوضع الخاص والملموس الذي لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وللجمهورية الكورية (كوريا الجنوبية). فهذه المقاربة تؤدي فقط إلى هذه الدرجة من الاستنتاجات الخاطئة كنسبة الـ86 مرة. فلا يوجد مثل هذه النسبة، لا من قريب ولا من بعيد.
هناك نسبة معينة لصالح جمهورية كوريا الجنوبية يعطيها عاملان اثنان فقط هما:
- الإمكانات البشرية لكوريا الجنوبية، والتي تخلق الناتج المحلي الإجمالي، إذ يبلغ عدد سكانها ما يقرب من ضعف عدد سكان جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.
- ولكن العامل الرئيسي هو تلك المساعدة الهائلة التي يقدمها رأس المال العالمي إلى كوريا الجنوبية لأجل "سحب الكستناء من النار"، أي لأجل تدمير كوريا الديمقراطية من خلال محاربتها على يد شعب كوريا الجنوبية، وليس بواسطة الجيش الأميركي. ولهذا الغرض تتم تقوية الإمكانات الاقتصادية والعسكرية لجمهورية كوريا الجنوبية في كل شيء (مثلا في أوكرانيا، هم يقاتلون روسيا بأيدي الجنود الأوكرانيين، وفي الشرق الأوسط ضد سوريا البرجوازية وغيرها من الدول المماثلة لها، ولكن الساعية إلى اللحفاظ على سيادتها - بأيدي متطرفي الدولة الإسلامية داعش الإرهابية المصطنعة وغيرها من المنظمات المشابهة لها)؛ الاحتكارات العالمية، حتى قبل الحرب العالمية الثانية، اخترعت أساليب العولمة بحثا عن الأرباح الباهظة وأن تسود في العالم، فجاءت بهتلر إلى السلطة، وسلحته، وساعدته على الاستيلاء على كل الإمكانات الاقتصادية والعسكرية الأوروبية تقريبا، وووجهته ناحية الاتحاد السوفيتي، أي شرعت في تدمير أول دولة اشتراكية لا بأيديها بل بأيدي شعوب أوروبية أخرى من بينها الشعب الألماني (ايطاليا والمجر واسبانيا وغيرها)، فيما أخفت هي حقيقتها تحت ستار التحالف المناهض لهتلر، وكما قال الرئيس الأمريكي، بدأت مساعدة الاتحاد السوفييتي مع بداية نجاحات ألمانيا هتلر، ومساعدة هتلر مع بداية النجاحات السوفيتية. وفي نهاية المطاف أوصلت هذه الاحتكارات نفسها بنفسها إلى نهاية سياستها المنافقة ذات الوجهين، بعد أن شاركت في مسيرة النضال المظفر ضد هتلر، كيلا تفقد جزءا على الأقل من أوروبا التي راح يحررها دون هوادة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، خاصة أن الهدف الرئيسي للاحتكارات تحقق ألا وهو أنها أثرت بفضل الإمدادات العسكرية أيما إثراء إلى الحد الذي مكنها من أن تكون لا مجرد احتكارات عالمية منفردة، بل أن تنمو وتعظم لتصبح مثابة رأس المال العالمي السائد في العالم وفي المركز منه الطغمة المالية.
والآن هذا الوحش الامبريالي اكتسب سلطة اقتصادية على العالم، ودخل المرحلة النهائية (العالمية) من مراحل تطوره، وبدأ في تنفيذ الجزء الثاني من المهمة – أن يسود تماما على كوكب الأرض، محولا إمكاناته الاقتصادية السائدة في إلى سلطة سياسية على العالم عبر تدمير استقلال جميع الدول سواء كانت اشتراكية أو رأسمالية وفرض حكومات متعاونة على الصعيد العالمي، والقضاء على قادة المقاومة المدافعين عن سيادة بلدانهم جسديا، وأخيرا الاستيلاء على جميع الموارد الطبيعية وتلك التي هي من صنع الإنسان، وتحويلها إلى ربح له بنتيجة الاستغلال الفظيع اللامحدود للشعب العامل وجعله عبيداً، مع تنظيم تعداد جيش العاملين بواسطة الإبادة الجماعية وإدارته بوسائل التقنية والبيولوجية مثل الروبوتات.
هذه هي بالذات الطبقة العاملة التي "تضاعفها" الإمبريالية الأمريكية في كوريا الجنوبية من خلال حكومة كوريا الجنوبية المتعاونة معها، وضد مثل هذه "المضاعفة" تقف حكومة كوريا الديمقراطية في سياساتها الإنقاذية حيال طبقتها العاملة بما يلبي مصالح طبقتها هي العاملة والطبقة العاملة العالمية. وإن اتهام قيادة كوريا الديمقراطية بانتهاج سياسة تضييق حدود ورقعة الطبقة العاملة لهراء عار عن الصحة تماما. فهذه الطبقة العاملة "المحدّدة" و "والمضيَّقة" رقعتها في ظل الاستقلالية الاشتراكية وسياسة "عبادة الفرد باعتباره كإله"، بتأمينها هزيمة الولايات المتحدة في الحرب خلال أعوام 1950-1953 ، ارتقت ارتقاء من صنع يديها إلى الفضاء الكوني، إلى التكنولوجيا الحديثة، وإلى درجة عالية من الاكتفاء الذاتي الغذائي، على الرغم من كونها محرومة من الأراضي الخصبة وعلى الرغم من الحصار القاسي.
وفي ما يتعلق بتخلف الإنتاج المدني الذي أطلق شعب جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية العنان للتغلب عليه اليوم بقرار من حزبه الطليعي، فإنه نتيجة لا لسياسة الحكام الاشتراكيين لهذه أو تلك من الدول، بل لسياسة حكام الدول الإمبريالية العدوانية، التي لتدمير الاشتراكية راحت ولا تزال تهددها باستمرار بشن الهجمات العسكرية عيلها، مما اضطرها إلى إعطاء الأولوية لتطوير ما يسمى بـ"الصناعة "الثقيلة" على حساب "الصناعة الخفيفة" كأساس لتطوير مجمل الإنتاج وللدفاع الموثوق به: الإنتاج الصناعي والزراعي، وتجهيز الجيش بكل ما هو ضروري ليكون عند المستوى العصري. وقد اجتازت كوريا الديمقراطية اليوم هذه المرحلة، وحصلت على صناعة ثقيلة قوية واستطاعت المضي قدما في تطوير الإنتاج "المدني" على نطاق واسع، أي الصناعة "الخفيفة"، صناعة السلع الاستهلاكية.
أما في ما يتعلق بخروشوف، فيجب القول إن الوقت لم يكن قد حان بعد في عام 1952 لإلغاء سياسة أحقية تطوير الصناعة "الثقيلة" بسبب ضرورة صرف الوقت والجهد على التعجيل في لأم جراح الحرب العالمية الثانية، والأهم من ذلك على درء خطر شن حرب عالمية ثالثة على الاتحاد السوفيتي باستخدام الأسلحة النووية. لذلك جاءت سياسة خروتشوف في شأن إلغاء الخطة الخمسية الستالينية المذكورة لتشكل مكوناً من مكونات كل سياساته المعادية للستالينية في داخل البلاد وعلى الساحة الدولية.
ولمزيد من وضوح الرؤية نورد مثلاً آخر. لقد مهد ستالين أيضا الطريق بكشفه في كتابه الوصية "المشاكل الاقتصادية للاشتراكية في الاتحاد السوفياتي" القانون الاقتصادي الأساسي للاشتراكية لاستخدام هذا القانون من أجل تحقيق الشيوعية: رفع الملكية التعاونية، وهذا يعني الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، إلى مستوى الملكية العامة، ملكية المجتمع ككل، من خلال الشركات الوسيطة المملوكة من قبل الدولة كمثل محطات تأجير الجرارات والآليات الزراعية التي كانت تعقد مع التعاونيات الزراعية اتفاقات في شأن فلاحة الأرض وزرعها وجني المحاصيل الزراعية.
نيكيتا خروتشوف تصرف ببساطة: بمجرد أن اكتشف ستالين علميا تلك الوسيلة الفعالة للتحول إلى الشيوعية، قرر أن عليه لقمعها أن يفعل العكس أي أن يجهز على محطات تأجير الجرارات والآليات الزراعية، فتسلم كل ما لديها من آليات إلى المزارع الجماعية، ما عنى تعزيز الملكية الجماعية الفئوية وليس تحويلها إلى ملكية عامة (ولنلحظ، دون المساس برفاهية المزارعين، بل على العكس، بزيادتها).
وهكذا قطع خروتشوف الطريق على تحرك المجتمع السوفياتي نحو الشيوعية. وللغرض نفسه تم استبدال الخطة الخمسية الستالينية الأخيرة بالخطة الخمسية الخروشوفية. ولنلاحظ أنه في هذا الإطار بدأ وقف تنفيذ الخطة الستالينية الكبرى لتحويل الطبيعة، التي كان بدأ تنفيذها بنجاح، وسمحت بتأمين الغذاء ليس فقط للشعب السوفياتي، ولكن لما يقرب من نصف العالم في ظل تقدم البيئة، لا تدهورها.
ونحن ليس لنا أن نهتم بما إذا كان خروتشوف التروتسكي سابقاً "وكيل نفوذ" مباشراً لرأس المال العالمي أم مشترى من قبله كما غورباتشوف ويلتسين، أم أنه استرشد طموحاته الشخصية وكراهيةً ما شخصيةً لستالين. الشيء الرئيسي هو أنه اتخذ تدابير حاسمة وناجحة لصالح رأس المال العالمي بغية الحد من تطور الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي تبعا لقوانينها الداخلية. وقد جمِّدت الخروشوفية إلى حد ما في عهد بريجنيف، ولكنها أوصِلت إلى نهايتها الانهزامية في عهد غورباتشوف.
3- لقد تحدثتَ عن رأي يعيد الاعتبار لخروشوف ويقول بأن: "خروتشوف، رغم هرطقاته في التقرير الشخصي إلى المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي التي اتهم فيها ستالين بالدكتاتورية وعبادة الفرد..... عاد وتراجع عنها فقال في تقريره للمؤتمر الحادي والعشرين عام 1959 .. إن حزبنا بقيادة ستالين خلال فترة طويلة تمكن من التغلب على سائر الأعداء البورجوازيين والتروتسكيين والفوضويين وبنى لنا دولة اشنراكية عظمى نفاخر بها". وتسأل عما إذا كان هذا الكلام صحيحاً أم لا.
يمكنك معرفة ذلك من خلال قراءة تقرير خروشوف "مراقبة أرقام التنمية الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي في أعوام 1959- 1965" في المؤتمر الحادي والعشرين في 27 يناير 1959. هناك يقول:
"من خلال تنفيذ سياسة التصنيع والتجميع في الزراعة أنجز شعبنا، تحت قيادة الحزب ولجنته المركزية التي كان على رأسها ستالين لسنوات عديدة، تحولات عميقة. ومن خلال التغلب على جميع الصعوبات في طريقه، وكسر مقاومة الأعداء الطبقيين وعملائهم التروتسكيين والانتهازيين اليمينيين والقوميين البرجوازيين، وغيرهم، حقق حزبنا والشعب السوفياتي بأكمله انتصارات تاريخية، وبنيا مجتمعاً اشتراكياً جديداً "(وقائع المؤتمر الحادي والعشرين الاستثنائي للحزب الشيوعي السوفياتي. دار النشر الحكومية في مجال الأدب السياسي. موسكو. 1959. ص 4).
هذا التصريح هو نتيجة لتقلبات لا مفر منها حصلت في قيادة الحزب آنذاك بعد التخريب المعادي لستالين الذي قاده خروتشوف في عام 1956 في المؤتمر العشرين، وانعكاسٌ للصراع بين الستالينية ومعاداة الستالينية. ففي المؤتمر العشرين للحزب، قدم خروتشوف تقريره الاستفزازي من خارج جدول الأعمال، وبالتالي، دون النظر فيه من قبل هيئة رئاسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وإذا حكمنا من خلال حقيقة أن هذا التقرير نشر في الولايات المتحدة حتى قبل الإدلاء به في المؤتمر العشرين أو في لحظة الإدلاء به، يمكننا أن نستنتج أن عملية معاداة الستالينية برمتها قد تم تدبيرها في هذا المؤتمر من قبل وكالات الاستخبارات الغربية، أو بعد التواصل معها.
أما بالنسبة للمؤتمر الحادي والعشرين فالتقرير المفترض أن يدلى فيه كان من المقرر أن يناقش في هيئة رئاسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وهناك لم تكن قد استشرت آنذاك بعد معاداة خروشوف الصلبة للستالينية، لا سيما أن الحزبين الشيوعيين الصيني والألباني وبعض الأحزاب الأخرى في الحركة الشيوعية العالمية كانت ضدها، وهو ما كان يجب أن يؤخذ في الحسبان. وهذا ما استثار أيضا الاستشهاد بذاك القول الخجول جدا دفاعا عن ستالين في التقرير إلى المؤتمر الحادي والعشرين. ولكن التقلب ما بين القوى السليمة والقوى المعادية للستالينية في قيادة الحزب لم يدم طويلا. إذ في المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفياتي في 17 أكتوبر 1961، طلع خروتشوف في تقرير المحاسبة أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بالموقف الشامل نفسه في معاداة الستالينية الذي طلع به في المؤتمر العشرين. وكانت نتيجة ذلك اتخاذ المؤتمر في 30 أكتوبر 1961 قرارا "بشأن ضريح فلاديمير لينين"، نص على أن يتم إخراج النعش الذي فيه جثمان ستالين من الضريح ودفنه بحذاء جدار الكرملين. وابتدأت في جميع أنحاء البلاد أعمال تخريب وتهديم ضد النصب التذكارية لستالين.
وهكذا تمكنت الرجعية المحلية والدولية من عملية التخريب الإيديولوجي بتشويه سمعة الستالينية القاتلة بالنسبة لها وتصويرها بأنها ضد اللينينية بوصفها ماركسية الحقبة الأولى من الثورة الاشتراكية الظافرة، التي اخترقت بنيان النظام الرأسمالي على كوكبنا، علماً أن الستالينية ما هي إلا الماركسية اللينينية في حقبة التحول الثوري من الرأسمالية إلى الاشتراكية على الصعيد العالمي . وما يحصل في مكان ما من تخريب ضد النصب التذكارية للينين (على سبيل المثال، في أوكرانيا) ما هو إلا استمرار لأعمال التخريب نفسها التي تستهدف الاشتراكية وتهدف إلى إطالة أمد وجود الرأسمالية.
لذلك فإن أي محاولة لتبرئة خروشوف وتصويره شيوعيا، لا جدوى منها. فهو، إذا نظرنا إلى الأمر بموضوعية، مناهض للشيوعية في عبوة شيوعي مدبجة من أقوال ومن بعض الأفعال. ومثله كان لاحقا في قيادة الحزب والدولة غورباتشوف.
5- بعد ذلك، كتبت: "الشيوعيون الروس لا يزالون يحدون في مسيرة خروتشوف. وفي ذلك مقتل الشيوعية. فمتى يفطن الشيوعيون الروس للينين؟ !!!!!!!!!!!!!!! "

صاحب هذا القول على حق في جزء منه فقط: إذ ليس كل "الشيوعيين الروس" لا يزالون مستمرين في السير على خطى خروشوف. فقط الانتهازيون والشيوعيون الوطنيون (أو الشيوعيون القوميون) الذين بتوافقهم وتنافقهم مع الأنظمة المعادية للثورة يعملون على تأجيل الاستحقاق الثوري وموعد صد الردة. وما هو مدعاة للأسف أنهم كثر وأنهم، بفضل وسائل الإعلام البرجوازية، بارزون على الشاشة.
لا أستطيع أن أؤكد دقة الاقتباس، لكن لينين قال ذات مرة: إذا كان هناك الكثير من الأحزاب الشيوعية، فإن حزبا شيوعيا واحداً من بينها هو حزب صحيح فقط. وهذا الحزب الوفي والأمين لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية باق ويرزق حياً. إنه الحزب الشيوعي السوفياتي الذي حصل على اسمه في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي / البلشفي / في عام 1952، عندما كان ستالين لا يزال حيا يرزق وبمشاركته. وقد كان هذا الحزب هو الجهة المنظمة للاتحاد السوفياتي اللينيني وعصب نظامه السياسي. انه المكون الوحيد المتبقي من اللنظام الاجتماعي والسياسي السوفييتي بعد الانقلاب البرجوازي الكومبرادوري في موسكو في اغسطس/آب عام 1991.
الحزب الشيوعي السوفياتي تطهّر من المرتدين وانفصل عن الانتهازية ومنظماتها "الشيوعية" وجمع بين ظهرانيه القوى المؤمنة بالماركسية اللينينية وبالوطن السوفييتي الاشتراكي، ورمى بحسم في مزبلة التاريخ العداء للستالينية (الغى المؤتمر الثاني والثلاثون للحزب في 21 يوليو 2001 القرارات المناهضة للستالينية المتخذة في المؤتمرين العشرين والثاني والعشرين الحزب) ، ووضع كهدف استراتيجي للشعب السوفيتي مهمة إحياء السلطة السوفياتية كسلطة للعمال في تحالفهم مع الفلاحين العاملين والمثقفين الشعبيين، واستعادة الاشتراكية العلمية حقاً وكيان الدولة العام - الاتحاد السوفياتي.
إن لكل أمة الحق في دولة خاصة بها على أساس تقرير المصير. والشعب السوفياتي الذي يقاتل من أجل إحياء الوطن ليس استثناء. والنجاح في هذا الصراع ليست له فقط أهمية وطنية، ولكنه أيضا يتسم بأهمية عالمية من حيث مقاومة وصد التوسع العالمي لرأس المال العالمي وإقامة الاشتراكية وتثبيتها على هذا الكوكب الأرضي، وهي الخلاص الوحيد للبشرية وضمانة تطورها تطوراً تدريجيا.
ولشعب كوريا الديمقراطية أيضا الحق في دولته الاشتراكية، وللشعب الكوري بأكمله الحق في إقامة دولته الكونفدرالية المتحدة سلميا، دولة كوريو على أساس الوحدة الوطنية، كما أعلن من قبل القائد العظيم لهذا الشعب الرفيق كيم ايل سونغ. وهذه السياسة نفذت بشكل مطرد في ظل القائد العظيم الرفيق كيم جونغ ايل وينفذها خليفته الحقيقي والوفي الرفيق المحترم كيم جونغ أون.
كل ما سبق وقيل هو الخلفية العلمية والسياسية لبيان الجمعية العامة الجمهورية "من أجل الاتحاد السوفياتي والحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي" التي حددت هدفها، إذا قلنا باختصار، إحياء الاتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي.
وإن المناضلين من أجل الاتحاد السوفياتي من ضمن تقاليد الحركة الشيوعية السوفيتية ليدركون ليس فقط الأهمية الوطنية، ولكن أيضا الأهمية الدولية لنضالهم من أجل إحياء الاتحاد السوفياتي في ما يتعلق بالحركة الشيوعية العالمية. ومن المهم كذلك أن تدرك الحركة الشيوعية العالمية برمتها الحاجة إلى دعم نضال الشيوعيين السوفيت دوليا. وهذا الدعم يكمن، أولا وقبل كل شيء، في رفض دعم المنظمات الانتهازية في أراضي الاتحاد السوفياتي، المسمية نفسها شيوعية، ولكنها ليست كذلك.
وإن الثورة المضادة في الاتحاد السوفياتي ورأس المال العالمي ليدعمان خصيصا وحتى يشجعان التعددية التنظيمية عند الشيوعيين لأجل الحد، بفصل الشيوعيين بعضهم عن بعض، من حرارة النضال الثوري والاستمرار في الهيمنة.
هذا الأسلوب الذي يتبعه رأس المال العالمي ليست قادراً على تطبيقه على جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، حيث الاشتراكية بدلا من رأسمالية القلة الأوليغارشية، وحيث حزب العمل الكوري متراص الصفوف وله زعيم موثوق به، وحيث الشعب محتشد حول الحزب والقائد. لذلك تستخدم الإمبريالية هناك أساليب أخرى تخريبية - أساليب التخريب الإيديولوجي المفترض أن يحطم وحدة وتراص الحزب وأن يشوه صورة القائد، ويضعف بواسطة الأكاذيب والافتراءات الدعم الشعبي للحزب والقائد. ويكفي أن نذكر هنا الحملة العالمية المسعورة الهادفة إلى زرع الشكوك حول انتهاكات مزعومة لما يسمونه حقوق الإنسان في كوريا الشمالية. فهؤلاء السادة أخطأوا في العنوان لأن هذه الانتهاكات عليهم البحث عن مكان وجودها حقا وفعلا - في الولايات المتحدة وفي كوريا الجنوبية.
وإن تعليقات بعض الأشخاص على بيان منظمتنا غير الحكومية "حول التفجير التجريبي للقنبلة الهيدروجينية في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية" لتخفي بالذات هذا التخريب الإيديولوجي.
ولكن فيها بعضا من حقيقة وهو أن: "حزبنا بقيادة ستالين خلال فترة طويلة تمكن من التغلب على سائر الأعداء البورجوازيين والتروتسكيين والفوضويين وبنى لنا دولة اشنراكية عظمى نفاخر بها". فللأسف أن أجيال ما بعد ستالين من الشيوعيين السوفييت لم تتمكن من الحفاظ على هذا الانتصار: فالدولة العظمى دمرت من قبل الإمبريالية. والسبب الرئيسي لذلك هو الخروج على الستالينية، أي على الماركسية اللينينية في حقبة المواجهة الحاسمة بين الاشتراكية والرأسمالية على الصعيد العالمي، ومن هنا تشويه الاشتراكية تشويها لا مفر منه ونضوج العلاقات البرجوازية التي هي ذاتها فجرت البنية الفوقية الإيديولوجية الاشتراكية وبنية الدولة بفضل قوى الأثرياء الجدد المحليين والأجانب.
و نحن، بطبيعة الحال، لا نريد الشيء نفسه لشعب كوريا الديمقراطية، ونسعى إلى استعادة ثقة الشعب العامل السوفيتي بالحزب الشيوعي السوفياتي وإلى الوقوف في طليعة النضال من أجل الاتحاد السوفيتي.
مع خالص التقدير ليونيد شكولنيكوف L.Shkolnikov
مينسك. 14/02/ 2016.