متى يقبل الاشتراكيون الارهاب الفردى؟


محمد مجدى عبدالهادى
2005 / 11 / 16 - 12:12     

فى مقالته "لماذا يرفض الماركسيون الارهاب الفردى؟"أكد ليون تروتسكى لا جدوى الارهاب ،بل و ضرره فى معركة التحرير ،مؤكدا أنه لا يحرك الجماهير ، بل يسكنها ؛نتيجة الامتصاص المستمر لغضبها ، و لدفعها الى احضان الوهم بامكانية مجىء المخلص الذى ينقذها ،دون ان تشارك هى فى معركة تحررها ،هذا من جهة
و من جهة اخرى ،فان هذا الارهاب يعطى المبرر للسلطات الحاكمة لممارسة مزيد من القمع ، و تقليل المساحة-او الهامش-المتاحة للمارسة السياسية،و هو ما يعودعلى قضية الجماهير بأبلغ الضرر
و قد تابعه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فى تأييد هذه الرؤية فى رحلة بحثه عن العمل الايجابى الذى يخدم به وطنه و أمته ،قبل ثورة 23 يوليو ،حتى وصل الى الحقيقة التى أضاءت له الطريق و التى أكدت له ذات الرؤية ،بعد ليلة من السهاد -ليلة محاولته و رفاقه اغتيال احد رجال العهد الملكى-قضاها متسائلا حول مدى جدوى الاغتيال السياسى الذى كان ينتويه هو و رفاقه فى ذات الليلة ،بل و مدى جدواه عموما ، و حقيقة علاقته بالغاية التى ينشدون الوصول اليها ، و مدى خدمته لها ،فطرح على نفسه السؤال التالى :
:اننا نحلم بمجد امة،فما هو الأهم :أيمضى من يجب ان يمضى ام يجىء من يجب ان يجىء؟،ثم أجاب على نفسه:"بل المهم ان يجىء من يجب ان يجىء"
و هكذا وصل عبد الناصر الى ذات الرؤية ،بتجربته الخاصة ،و لا شك فى انها رؤية سليمة ، لا ينازع فى صحتها احد
لكن ألا يحكم الواقع و المنطق ايضا بأن لكل قاعدة استثناء ،فكون الارهاب الفردى عمل غير مجدى ،هل يمنع كونه فى بعض الاحيان -و فى ظل بعض الظروف-شديد التأثير ، بل و ربما كان تأثيره نافعا؟
المؤكد ان العمل الارهابى قد يكون مؤثرا ،بل انه كثيرا ما لعب دور المفجر لتناقضات كامنة ،ولكن تأثيره او عدم تأثيره يتوقف على الظروف العامة و الخاصة المحيطة به ،و بالتالى فهو و ان كان مؤثرا فى بعض الاحيان ،فهذا يتوقف على الظروف المحيطة ،فلا يجوز فصله عن هذه الظروف و اعطاؤه اهمية خاصة،
فلا يجوز مثلا الزعم بأن اغتيال الارشيدوق فرنسيس فرديناند ولى عهد النمسا ،كان سببا لقيام الحرب العالمية الاولى ،كما يفعل بعض مؤرخى البرجوازية ، بل هو بالأحرى مجرد مفجر لها ، قد يكون عجل بقيامها ، لكنه لا شك لم يكن و لا يمكن ان يكون سببا لها ، خصوصا و ان اسبابها المتمثلة فى تناقضات النظام الامبريالى معروفة و مؤكدة للجميع ،فلا يكون لهذا الاغتيال من قيمة سوى تفجير هذه التناقضات-بالمشاركة مع عوامل اخرى-،و تقديم مبرر لشن حرب
و من هنا بالذات نخرج بالأستثناء الذى نقصده ، فالظرف المحيط هو الذى يحدد مدى تأثير العمل الارهابى ،كذا يحدد نوعية هذا التأثير من حيث هو ايجابى النتائج ام سلبياها ،اضافة الى تحديد مدى و حدود ايجابية او سلبية العمل الارهابى
فاذا كان العمل الارهابى -فى الغالب-سلبى النتائج فى الظروف العادية ،او عديم الجدوى فى احسن الاحوال فى ظل سيادة هذه الظروف ،فمن المؤكد ان هذا العمل قد يعطى نتائج ايجابية فى ظل الظروف الاستثنائية ، و نقول (قد يعطى) ،انطلاقا من ان طبيعة هذه الظروف الاستثنائية نفسها ،و الملابسات المحيطة بها ،هى التى تحدد طبيعة نتائج هذا العمل الارهابى
و قد كان الثوريون الشعبيون و الفوضويون فى روسيا و غرب اوربا يؤكدون اهمية العنف و الارهاب البطولى الذى تمارسه القلة الثورية الباسلة فى تحريك جماهير الشعب و استثارتها من جهة ،و تفتيت و تفكيك المؤسسات القائمة من جهة اخرى
و الخطأ فى رؤية هؤلاء الثوريون هو اعتقادهم فى عمومية اسلوبهم ،و ليس استثنائيته ،فهذا الاسلوب لا يحقق غرضه فى الظروف العادية ،بل يأتى بنتائج عكسية فى الغالب ،بينها تروتسكى فى مقالته المذكورة فى اول المقال
فهذا الاسلوب استثنائى ،لا يترك اثرا ،و اثرا ذى قيمة ،الا فى الظروف الاستثنائية ، كما ان ايجابية نتائجة تتوقف على حسن استخدامة و توظيفه ،و ذلك بمراعاة الظروف المحيطة ،و التخطيط و التنظيم الملائم
و لقد سبق و اشار لينين الى احد اهم صور الارهاب الفردى ،و هو الاغتيال السياسى ،فأرجعه الى فعل المثقفين ،و قلقهم الطبقى الحاد ،و تعجلهم النتائج ،و استعلائهم و عدم صبرهم على العمل الدؤوب وسط الجماهير ،و أكد ان الارهاب الفردى عموما لا يصلح بديلا للنضال الجماعى الذى تشترك فيه كل الطبقات ذات المصلحة فى التغيير ، خصوصا انه عمل فردى فى الغالب ، لا يرتب اثارا ذات بال ،اللهم عندما تكون الأمة حبلى بالثورة ، و على وشك الانفجار
و هو ما يؤكد صحة ما سبق و أكدنا عليه من امكانية الاستفادة من اسلوب الارهاب فى الظروف الاستثنائية-فهنا مثلا تتحقق رؤية الثوريون الارهابيون-و التى اشار اليها لينين و حددها بظروف الوضع الثورى ،اذ يصبح عندها هذا الارهاب شديد الاهمية فى عملية نقل الوضع الثورى من حالة الامكان الى حالة التحقق -بشروط معينة-،كذلك نقل الحالة السياسية عموما من الوضع الثورى الى الانتفاضة و الثورة ذاتها ، فيلعب دوره ،الذى سبق و اشرنا اليه فى بداية هذا المقال، كمفجر للتناقضات الكامنة فى بطن الواقع ،كى تنفتح الجدليةالتى تتضمن هذه التناقضات ،ليقوم الارهاب هنا -مثله مثل وسائل اخرى-بعبء النقلات الكيفية ،اثر التركمات الكمية ،باعتباره من صور الفاعلية الانسانية-شرط ذاتى-التى تساهم فى التغيير
و اذا تحدثنا بصورة ملموسة اكثر ،فان العمل الارهابى اذا تزامن مع وضع ثورى ،و فى التوقيت المناسب -أى التوقيت المناسب تاريخيا و سياسيا بالأساس-فانه يفتت الكتله المعادية للثورة ، التىتزداد تناقضات مفرداتها فى هذه الظروف اساسا ، اما اذا لم تتحقق شروط التوقيت هذه،فقد ياتى هذا العمل بنتائج عكسية -و غالبا ما يحدث هذا-،فبدلا من تفتيت الكتلة الرجعية و تفكيك مؤسساتها القائمة،تتوحد ضد الجماهير التى لن تستجيب لأى عمل الا فى الوقت الذى يناسبها ،و قد ينتهى الامر بتصفية الوضع الثورى ،و امكاناته فى المستقبل القريب ،مخلفا مدا رجعيا ،و انهيارا فى الجبهة التى تجمع قوى الثورة و الجماهير على المستويين المادى و المعنوى
لهذا فكما سبق و اكدنا ، فان هذا الاسلوب لا يترك اثرا ايجابيا الا اذا كان متلائما فى توقيته و ممارسته عموما مع الظروف المحيطة ،بحيث يحقق الغرض المنشود ،و هو ما يترتب عليه نتيجة هامة ، هى ان هذا الارهاب لن يكون فرديا فى جوهره ،حتى و ان كان كذلك فى مظهره ،فلا يجوز تركه للمارسة العشوائية ، بل يجب ان يكون محططا و منظما ، أى ان ممارسته بدءا من توقيته و اهدافه ،و ليس انتهاءا بوسائله ،يجب ان تكون مدروسة دراسة كافية وافية ، تراعى الظروف المحيطة ،و تحدد الاهداف بدقة ،و تأخذ الآثار الجانبية بالأعتبار ،دراسة لا تغادر صغيرة و لا كبيرة الا أحصتها ، فالارهاب كشعلة النار ، قد نحرق بها اعداءنا أو تحرقنا ، قد نفتح بها الطريق أو نحرق كل شئ