سفسطة سياسية ( مقتطف ) ف. إ . لينين


سعيد العليمى
2016 / 2 / 19 - 18:24     

ماكادت الثورة الروسية تبدأ لتوها , غير ان كل الملامح المميزة للثورات السياسية البورجوازية تتبين لنا بالفعل مكشوفة بوضوح . تقاتل الطبقات الدنيا , وتحصد الطبقات العليا ثمارالقتال . بينما تقع كل المعاناة المهولة على كاهل البروليتاريا , بوصفها طبقة , وعلى كاهل بعض المثقفين الشباب من اوساط البورجوازية . ان تسعة اعشار كل الحريات التى كسبناها جزئيا ( بالاحرى مساحات ضئيلة من الحرية ) تذهب للطبقات العليا من المجتمع , لهؤلاء الذين لايعملون . وبالرغم من القانون , هناك بما لايقارن حرية للكلام, والاجتماع , والصحافة فى روسيا اعظم مما كان هناك من عام او من عشر اعوام مضت , ولكن الصحافة البورجوازية والاجتماعات الليبرالية فقط هى التى تستفيد من ذلك الى الحد الذى يستحق الذكر . يشق العمال بحافزهم القوى نحو الحرية مغالق طرقهم نحو مجالات جديدة لم يكونوا ليظنوا انهم فاتحيها , ولكن هذا التسرب للعنصر البروليتارى , يبرهن اكثر مما يدحض , وجهة نظرنا . يتناسب عكسيا الاسهام النشط فى النضال السياسى مع الاستيلاء الفعال على ثماره . فكلما كان وضع طبقة ما مميزا ضمن البنية الاجتماعية الاقتصادية , كلما كانت العلاقة بين الحركة الشرعية وغير الشرعية ( اى , بين ماهو مسموح قانونا وماهو مناقض للقانون ) " مميزة". ان حركة البورجوازية الليبرالية , خاصة منذ 9 يناير , قد انتشرت على نطاق واسع بأشكال يحتملها القانون حتى ان الحركة الليبرالية غير الشرعية قد بدأت تتضاءل امام اعيننا بسرعة مدهشة . اما حركة الطبقة العاملة , رغم احياؤها فى واحدة من احرج المراحل , فى شكل مافوق " شرعى " ( تقديم عريضة من شعب بطرسبورج العامل الى القيصر ) الاانها تجد نفسها خارج القانون (محظورة ) تماما ومعرضة للانتقام العسكرى الفظ . بيد ان حركة الطبقة العاملة نمت اتساعا بما لايقارن , ولكن العلاقة بين ماهو شرعى وغير شرعى لم تكد تتغير فى صالح الاول .
من اين يأتى هذا الاختلاف ؟ من ان كامل البنية الاجتماعية والاقتصادية فى روسيا تطرح اكثر ثمارها لهؤلاء الذين يعملون اقل . ولايمكن فى ظل الرأسمالية ان يكون الحال على غير ذلك .انه قانون رأس المال , الذى يحكم الحياة السياسية مثلما يحكم الحياة الاقتصادية . ان حركة الطبقات الادنى تستنهض قوى ثورية , ترفع جموعا من البشر , الذين هم أول كل شئ قادرون على تمزيق هذه البنية العفنة بكاملها , ولأنهم بسبب اخر ليسوا مكبلين بهذه البنية بأى سمات لصيقة بوضعهم ولسوف يمزقونها بسرور . والاكثر , رغم انهم ليسوا واعين تماما بأهدافهم . مع ذلك فان هذه الجماهير قادرة على وميالة الى ان تمزق هذه البنية , لأن وضعها ميئوس منه , مادام القمع الثابت يدفعها لانتهاج الطريق الثورى , وليس لديها ماتفقده سوى الاغلال . هذه القوة الشعبية , البروليتاريا , تلوح مرعبة امام لوردات البنية العفنة لأن هناك شيئا ما فى وضع البروليتاريا ذاته يبدو مهددا . لهذا السبب , فان اى حركة للبروليتاريا مهما كانت صغيرة , ومهما كانت متواضعة فى البداية , ومهما كانت فرصتها ضئيلة , فانها تهدد بشكل حتمى ان تتجاوز اهدافها المباشرة وان تتطور الى قوة لاتتوافق مع كامل النظام القديم وتصبح مدمرة له .

ان حركة البروليتاريا , بسبب الخصائص الاساسية لموقع هذه الطبقة فى ظل الرأسمالية , لها ميل معلوم الى ان تتطور الى نضال كلى يائس , نضال من اجل الانتصار التام على كل القوى الظلامية للاستغلال والقهر . اما حركة البورجوازية الليبرالية فعلى العكس , ولنفس الاسباب ( اى بفضل الخصائص الاساسية لموقع البورجوازية ) لديها ميل نحو المساومة بدلا من النضال , نحو الانتهازية بدلا من الراديكالية , نحو الحسابات المتواضعة للمكاسب المباشرة الاكثر امكانا ورجحانا , بدلا من الرهان غير" اللبق " الجرئ المصمم على احراز الانتصار التام . ان من ينتوى النضال الحقيقى من الطبيعى ان يطلق كامل قواه , ومن يفضل المساومة على النضال من الطبيعى ان يلتفت الى ماهو امامه وان كان "فتاتا" , وسوف يميل فى افضل الاحوال , لارضاء نفسه به ( وفى اسوأ الاحوال , سوف يكون راضيا حتى بألا يكون هناك نضال على الاطلاق , اى , سوف يعقد سلاما دائما مع سادة العالم القديم ) .

* مقتطف : سفسطة سياسية , لينين , الاعمال الكاملة , المجلد الثامن , ص ص 425 – 432 , دار النشر للغات الاجنبية , موسكو , 1962 .