هزيمة اليسار في الانتخابات بفنزويلا

محمد لعنيبي
2016 / 1 / 30 - 05:51     

هزيمة اليسار في الانتخابات بفنزويلا
حلم الحديقة الخلفية لأمريكيا يستيقظ


بعد 16 سنة من عمر الثورة بتأطير اليسار وقيادة هوغو تشافيز، ثم خلفه نيكولاس مادورو -الرئيس الحالي-، التي جعلت من فنزويلا تجربة رائدة بأمريكا اللاتينية من تجارب تحرر الدولة الوطنية، وحقق فيها الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي انتصارات انتخابية متوالية، استيقظ أنصار تيار الثورة على هزيمة اليسار في انتخابات 8 دجنبر مقابل انتصار اليمين، الذي يقود تحالف المعارضة "طاولة الوحدة الديمقراطية".

لقد حقق تحالف المعارضة انتصارا انتخابيا كاسحا بحصوله على 112 مقعدا من مجموع 167 مقعدا في الجمعية الوطنية، برلمان فنزويلا، ومباشرة بعد الإعلان الرسمي عن نتائج صناديق الاقتراع خيم الكثير من التوجس على الساحة الفنزويلية ، تحول إلى حذر وتخوف مع ترويج اليمين وحلفاؤه وأنصاره لفكرة التشكيك في التزام اليسار الحاكم بمقتضيات النتائج الانتخابية، فاندلعت تصريحات قيادات اليمين في هذا المنحى، وصرحت ليليان تينتوري القيادية زوجة قائد الجناح المتشدد في اليمين : " لقد انتصرنا بفرق شاسع، ولكننا لانعلم ما الذي ستفعله الحكومة، فهي لاتريد الاعتراف بهزيمتها ".

لم يتأخر اليسار في الرد في محاولة منه لإطفاء فتيل التوتر في مناخ متوتر أصلا، بفعل الأزمة الاقتصادية، فأعلن الرئيس مادورو، الذي خلف تشافيز على رأس الدولة، في خطابه عقب الانتخابات : "جئنا بأخلاقياتنا وأدبياتنا للاعتراف بهذه النتائج وقبولها، ولنقول لفنزويلا إن الدستور والديمقراطية انتصرا، وإن الحرب الاقتصادية انتصرت".

وعلى خلاف فكرة "الصدمة " لنتائج الانتخابات، التي شحذ لها الإعلام الموالي والتابع للرأسمال الدولي جرائده وفضائياته ومواقعه لتسويقها على أوسع نطاق، يبدو أن هزيمة الاشتراكي الموحد الفنزويلي لم تكن مفاجئة بالنسبة للمهتمين والمطلعين على السياق الاقتصادي الاجتماعي التي جرت فيه انتخابات 8 دجنبر، حيث أفاد لويس ليون مدير معهد "داتا أناليسيس للاستطلاع"، في تصريح، له لبعض قنوات الإعلام أن المصوتين - الذين بلغت مشاركتهم نسبة 74,25 في المائة من 19,5 مليون ناخب يحق لهم التصويت – ليسوا مع المعارضة، لكنهم صوتوا لصالحها تصويتا عقابيا ضد مادورو لتحميله مسؤولية الأوضاع الاقتصادية المتردية. والواقع أن السياق الذي أطر الانتخابات تميز بتدهور الاقتصاد الفنزويلي على نحو غير مسبوق أ، فآلاف الشركات والمصانع والمعامل أغلقت أبوابها وسرحت عمالها إثر تعرضها للإفلاس، بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية التي عصفت بفنزويلا نظرا لتراجع عائدات البترول، مصدر الدخل الرئيسي للاقتصاد الفنزويلي، بعد تدني أسعار النفط إلى حوالي 34 دولار للبرميل الواحد، مما أدى إلى ارتفاع كبير جدا في التضخم، وأصبح المواطنون الفنزويليون لايجدون في الأسواق البضائع الغذائية والدوائية الأساسية، مثل الأرز واللحوم والمضادات الحيوية، بل إن فناجين القهوة افتقدت في المقاهي. وتعمق الاستياء الشعبي من الأوضاع الاجتماعية بفعل انتشار الجريمة وحرب العصابات، والسيادة النسبية للعنف، التي كان قتل سياسي معارض أحد تجلياتها،، علما أن الحكومة نفت أن يكون لها علاقة بالموضوع.

وكان المثير للانتباه أن المواد الغذائية الأساسية المفقودة أوالنادرة سرعان ما ظهرت في الأسواق بوفرة، مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، ولعل هذا جزء مما قصده مما قصده الرئيس مادورو بإشارته إلى "انتصار الحرب الاقتصادية"، مما يفهم معه إلى أن الثورة المضادة استيقظت بشكل أكثر تنظيما، وأنه عاد عبر تحالف المعارضة ليعلن انتصاره فيما سمته بعض التحليلات "الحرب الطويلة" لاستعادة مصالحه التي لا تستقيم إلا على أرضية تحويل فنزويلا إلى "حديقة خلفية" للرأسمال العالمي برعاية وسهر الولايات المتحدة الأمريكية.

في سياق الانتباه إلى أن الثورة دخلت شوطا ثانيا من الصراع هو الصراع المؤسساتي، الذي أصبح واقعا بعد سيطرة اليمين على الجمعية الوطنية بأغلبية مريحة، كان أول إجراء قام به اليسار بعد يومين من إعلان النتائج الانتخابية

هو استقالة الوزراء من الحكومة بطلب من الرئيس مادورو، وتشكيله حكومة جديدة ، عين فيها الخبير الاقتصادي والسوسيولوجي "لويس سالاس" وزيرا للاقتصاد المنتج، مهمتها الأساسية – حسب خطاب التعيين الذي ألقاه مادورو – هي القيام ب "حركة عمل جديدة مع الشعب لمواجهة الوضع الاقتصادي الخطير"، ثم أقدم الرئيس على إصدار مرسوم يمنحه صلاحية تعيين رئيس ومدراء المصرف المركزي المؤسسة المسؤولة عن إدارة السياسة النقدية بفنزويلا.

أما تحالف المعارضة فما إن تولى مهامه التشريعية بالجمعية الوطنية، حتى بادر إلى الهجوم على اليسار الحاكم مكن خلال ثلاثة إشارات، المطالبة برحيل الرئيس مادورو، العمل على سحب صور تشافيز وبوليفار من مبنى الجمعية، ثم إعادة ثلاثة نواب جدد ينتمون إليه سبق أن علقت محكمة القضاء العليا عضويتهم، ومع رفض "يوسداد كابيلو" رئيس كتلة نواب الاشتراكي الموحد الاعتراف بهم، دخل الصراع في دوامة مواجهة أقرب إلى أزمة دستورية. وكما كان متوقعا، دخل البيت الأبيض على خط مؤازرة حلفائه في ائتلاف المعارضة، عبر إدلاء وزير الخارجية بتصريح يتهم فيه الحكومة الفنزويلية بمحاولة عرقلة أشغال البرلمان، بل إن روبرت ممينيدر عضو العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وراعي مشروع قانون فرض العقوبات على فنزويلا سنة 2014 طلب في رسالة من البيت الأبيض اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع حكومة مادورو مم سماه "تعطيل الانتقال السياسي البناء" في فنزويلا.

بانتصار اليمين وسيطرته على البرلمان دخل مسار الثورة منحى تراجعيا يصعب التكهن بمستقبله، وما يمكن استخلاصه هو أن الحرب الطويلة بين الجديد والقديم، بين الثورة والثورة المضادة دخلت شوطا جديدا من الصراع، عنوانه مرحلة ثورة بحكومة يسارية وبرلمان يميني، مما يجعل هوامش سوء التقدير أو سوء التدبير حاسمة في حقل الصراع الفنزويلي. ومن حسن حظ الثورة أن تيار أنصار تشافيز مازال قويا في السلطة التنفيذية وفي الجيش والشارع، لذلك لم يكن غريبا أن يظهر فلادمير بادرينو وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة على حلبة الصراع، ويدين محاولة المعارضة سحب المعارضة لصورتي وبالتالي رمزية تشافيز وبوليفار بطل الاستقلال اللاتيني الأمريكي من مبنى البرلمان، ثم يعلن مساندة الجيش لمادورو باعتباره – حسب خطاب له في 8 يناير "الرئيس أعلى سلطة في الدولة، ونحن نجدد ولاءنا المطلق ودعمنا غير المشروط له".