مآثر: ستالين-بيريا ومفوضية(المسوخ)للشؤون الداخلية!!!.(11-الاخير)


ماجد الشمري
2016 / 1 / 29 - 20:41     

"كل شيء بلا جدوى:الروح اصيبت بالعمى،
ونحن ستأكلنا الديدان
ولم يبق حتى رماد
من الحقيقة الروسية على الارض..
-زيناييدا غيبيوس-

"ماكان بالامس ممتلئا سحرا ونبلا
ثمرة قرن من الافكار المختارة
يبهت فجأة،ويذبل ويتجرد من المعنى
كنوتة موسيقية،حذفت من سطورها العلامات والمفاتيح
فضاع من البناء مركز ثقلها السحري
فترنح صداه الى الابد".
-هرمان هيسه-



اورد الكثير من الباحثين والمؤرخين احصاءات عن اعداد ضحايا التطهيرات والتصفيات ابان حقبة ستالين ونظامه.ولم تكن ارقامهم دقيقة،فتراوحت بين افراط وتفريط!.
فالمناوئين بالغوا بالارقام وتجاوزوا المعقول!.والمؤيدون قلصوها لحد تافه،مع تبريرهم للقتل والاعتقال والتنكيل،والضحايا يستحقون ماتعرضوا له،فهم:اعداء الشعب!وجواسيس!وحونة!..الخ..
ولايمكن الجزم والقطع بالعدد الكلي والفعلي للضحايا،ولكنه يبقى بكل الاحوال قريبا من4،5و5،5مليون شخص تقريبا!_تلك الملايين كانت بشرا لاخراف او ماشية،وحتى لو كانت من الخراف فهذا يعد اسرافا احمق وهدر سفيه،فمابالك بالناس!!_.
ولكي نصل لرقم واقعي مقارب للحقيقة،لنقرأ جانبا من وثائق تلك الفترة:
"الى الرفيق ستالين:بناءا على اوامركم نتقدم لكم بمشروع قرار(مشروع قرار ليس في مجال الصناعة والاقتصاد او الخدمات طبعا،بل في مجال القمع والاعتقال والتنكيل وكم الافواه!!.م.ا)حول تنظيم معتقلات وسجون ومعسكرات ذات نظام صارم لاحتواء المجرمين الحكوميين الخطريين/18/2/1948-اباكوموف-كروغلوف"..
و:"الى الرفيق ستالين:وزارة الداخلية(وهذه التسمية جاءت بعد الغاء مصطلح:مفوضيات ومفوضين،والعودة او الردة الستالينية الى الالقاب والتسميات القديمة التي كانت تستخدم في النظام القيصري وباقي الدول البرجوازية:وزارات ووزراء،وهذا الالغاء تم بأمر من القيصر الجديد ابو الشعوب!!.م.ا)تقدم تقريرا عن الاوضاع والعمل الاجباري الجاري في معتقلات ومعسكرات العمل الاصلاحي لعام1947في1/1/1948_عدد المحتجزين_2799595شخصا،انشيء27معسكرا جديدا...1/3/1948/وزير داخلية الاتحاد السوفييتي/كروغلوف"..
27 منتجعا جديدا للترفيه عن المعتقلين ومن اجل راحتهم!!_.
وهذا طبعا لايشمل السجون العادية،فهوعن المعتقلات ومعسكرات العمل الاصلاحي ذات الخمس نجوم فقط!!.
وهذا تقرير اخر لتتضح الصورة:"الى الرفيق ستالين:وزارة الداخلية تقدم تقريرا عن الوضع والعمل في معتقلات ومعسكرات العمل الاصلاحي لعام1949في/1/1/1949عدد المحتجزين-2890275شخصا المعادون للثورة يشكلون29،7%عدد المحكومين اكثر من عشر سنوات496489 سجينا.انشيء معسكران خاصان مع نظام صارم للجواسيس والمخربين والارهابيين والتروتسكيين واليمينين والمناشفة والاشتراكيين الثوريين والفوضويين والقوميين والمهاجرين البيض(والشياطين والمارقين والناكثين والقاسطين والكافرين،الخ،فياللهول!! فهل بقى من احد لاتشمله لوائح الاعداء؟؟؟!!!.م.ا)..(معسكران خاصان تتوفر فيهما احتياجات المتميزين من المعتقلين وكان الله يحب المحسنين!!.م.ا)-المساحة المسكونة من قبل كل شخص في المتوسط1،8م/23/1/1950/كروغلوف"..وكما ذكرنا هذه البيانات والتقارير لاتتضمن السجناء في السجون العادية!.ما يلفت النظر هو:تحديد المساحة المخصصة لكل سجين ب1،8م؟!فهي اشبه بالقبور ولكن ليس للاموات بل للاحياء!فياللسعادة والغبطة للعيش تحت ظل "شمس الاشتراكية الرفيق ستالين!!.
وبحساب عدد السجون القديمة والجديدة سيكون عدد المعتقلين مابين3-4مليون شخص في عامي1948-1949 وبالمقارنة سيكون عدد السجناء في اعوام1937و1938مقاربا لهذا الرقم..
في تموز(يوليو)1946 ابلغ بيريا ستالين بأن معتقلات وزارة الداخلية تغص بالمعتقلين،ففيها اكثر من150الف سجين غير قادرين على العمل،وانهم يكلفون الوزارة نفقات كثيرة،لذا تقترح وزارة الداخلية اطلاق سراح المرضى بأمراض مزمنة ومستعصية بما فيهم المرضى العقليين والنفسيين".وافق ستالين ولكنه كتب مضيفا:"يستثنى المجرمون-الاعداء الخطرون المحكوم عليهم بالاشغال الشاقة"!.-150 الف سجين لايقوى على العمل اذا من المستحسن التخلص منهم ،فنفقاتهم من الخبز الاسود والبطاطا المتعفنة يكلف كثيرا!!.
-اي خطورة يشكلها المرضى العقليون والنفسيون والمعوقون المصابين بأمراض مزمنة ومستعصية لاشفاء منها على ستالين ونظامه،واذا كانوا مرضى بهذا القدر فكيف يمارسون الاعمال الشاقة المفروضة عليهم؟؟!!.لانعرف لينابيع الرحمة التي تتفجر من وجدان ستالين وتغمر المعتقلين بفيضها مصدرا؟!.فالقائد الحبيب لم يكن يكتفي بموت اعداءه فحسب،بل وكيف يموتون!!!.

الجلادون دوما نمورا شرسة على الضحايا عندما يكون سيف السلطة بحوزتهم!.ولكن ما ان يجردوا منه،حتى تراهم على حقيقتهم كفئران جبانة مذعورة تطلب النجاة!.هذا ماعرفناه مع يوجوف المسعور عندما ركع بذل طالبا الرحمة،وابدى الهوان والحقارة.فعله ا بنفس الاسلوب يضا بيريا عند اعتقاله!.كما ذكر ذلك موسكالينكو الذي اعتقله وشارك في محاكمته،ف:"عندما حكم عليه في23/12/1953جثا على ركبتيه عند اقدام اعضاء اللجنة الخاصة للمحكمة العليا الذين اجتمعوا في هيئة الاركان لمنطقة موسكو العسكرية،دموعه والتماساته المهينة للعفو والرحمة تدل،فقط على درجة حقارة هذا الانسان الذي سمح له ستالين بتدمير حياة آلاف الناس،ولكن كما لاحظ انجلز بفطنة:"لايمكن للانسان ان يهرب من مصيره،من تبعات افعاله التي لافكاك له منها""..
في ايام ستالين الاخيرة،نمت لدى بيريا الرغبة للاستيلاء على السلطة،وحدس ستالين ذلك،فقد تمكن بيريا من ابعاد اقرب المقربين من ستالين:فلاسيك،وبوسكريبيشيف،قبل موت"القائد".وفي العام الاخير قبل غروب"شمس الاشتراكية"!قتل بيريا الاطباء الذين كانوا يعالجونه!.ولكن كيفما مات "محبوب الشعب"بسكتة قلبية او سكتة بيرياوية!.يبقى امرا مرعبا:استيلاء بيريا على السلطة،لو نجح في مسعاه،وحقق غايته.فمنظومة السلطة التي كرسها ستالين ك"اوحد"كانت تسمح لديكتاتور قزم كبيريا ان يخلف ديكتاتورا اخر قضى نحبه ،ببساطة وسهولة!.فما كان مستحيلا ايام شباب النظام والحزب،وديمقراطية لينين وجماعية اتخاذ القرارات،اصبح ممكنا ومتاحا في ظروف الحكم البيروقراطي المستبد وفردية الامين العام!.وليست شجاعة تلك التي اظهرها تابعي ستالين المذعورين بعد موته،انما هو الخوف والهلع من احتمال سيطرة الغول الشرس بيريا على السلطة،فكانوا مبادرين وحاسمين في تقديمه كضحية على مذبح السيطرة!.فقد كانوا يدركون جيدا ان بيريا لن يتردد في تصفيتهم،لينفرد وحده بالزعامة،فهم اعرف من غيرهم بآلة القمع وبنية الجهاز،لانهم كانوا جزءا منه وفاعلين فيه!.
ومما ذكره موسكولينكو عن محاكمة بيريا ،انها جرت في مكتب عضو المجلس العسكري لمنطقة موسكو العسكرية،وتم الاستماع لقيادات الحزب الحاضرين:مالينكوف،خروشوف،مولوتوف،فورشيلوف،بولغانين،كاغانوفيتش،ميكويان،شفرنيك،وغيرهم.كل هؤلاء كانت ايديهم ملطخة بالدم مع ستالين وبيريا!.
ولكن..ويل للمغلوب!!!.
العطش للسلطة والتمسك بها مهما كان الثمن،ونظام شمولي خانق،وايديولوجيا طابور دوغماتية ،وثقافة الضبط والانضباط والوحدة القطيعية المتماثلة والموافقة والانصياع البيروقراطي المتحجر.كل هذا صنع بدعة الدسائس والمؤامرات والتخوين والاعداء الوهميين،والتنكيل والتصفيات،كان جزءا من ذلك الثمن!.
فالرغبة الجامحة للسلطة اقوى الرغبات،و"انا"المستبد ستكون بالضرورة فوق كل شيء.ومع هذه الصفحات السوداء من تاريخ كالح مقيت،تتناسل الاسئلة:لماذا وكيف حدث هذا؟!.لماذا وكيف ارتكبت تلك المجازر،وحمامات الدم لنظام زعم انه يسعى من اجل خير الانسان الشغيل،وتحريره من عبودية العمل والاضطهاد والاستغلال؟!.لماذا وكيف تغولت وتضخمت تلك القسوة وانتهاك القانون والحقوق،والتجاوز على حرية وكرامة الانسان،واشاعة الشك،وتعميم الارتياب،الذي كان محركا للقتل والتنكيل؟!.لماذا سقط الضحايا الابرياء بيد حفنة من القتلة والسفلة والاوغاد؟!.اين كانت تكمن سلطة وجبروت وقوة ستالين؟!.ذلك المسخ البشري الذي وضع الاساس لمأساة الشعوب السوفيتية الاكثر ايلاما وبؤسا،ودفع البلاد نحو هاوية السقوط المحتوم!.
لم يكن ستالين جبارا لولا آلته الامنية الضاربة،جهاز الدولة والحزب تحول الى جهاز امني بوليسي وتجسسي على كل مواطن،وادى دوره بكفاءة في قمع وارهاب جميع المواطنين،تلك الاداة المنفذة لارادته القاهرة،والتي بدونها هو لاشيء!.
تلك العلاقة المشوهة والصراعية بين النظام ومواطنيه في مجتمع مستلب يكدح ويعاني ومغلوب على امره،وخاضع لاخطبوط السلطة التوتاليتارية الغاشمة..
وبدلا من ان يكون"القائد"ولوياثانه في خدمة الشعب وللشعب،كان كل شيء من اجله هو:"التعظيم"و"الاعجاب"و"القداسة"و"الحب"..الخ.هذا التصحر الكلسي في رؤية العالم والمجتمع والفكر والسياسة هو الذي ادى لتحطم"المثل الاشتراكية"النبيلة،ذلك الحلم البشري الخالدلكل المستغلين والمستلبين من الاجراء الكادحين عبر العصور،تحول الى كابوس بفعل الممارسات الشنيعة المدمرة والخرقاء،كابوس كريه دميم منبوذ،حتى من قبل من هم عماد ومادة وغاية ذلك الهدف الاسمى!.قوة ستالين ونظامه كانت تكمن في التناقض بين الديمقراطية والحرية السياسية،وبين غاياته واساليبه الفاشية المقيتة،وتعامله مع الاخرين كطاغية مستبد يحتقر القيم السامية ويسخرمنها!.تلك القيم التي تشكل جوهر انسانيتنا،من:عدالة،واخوة،وحرية،وانسانية العلاقات بأنبل معانيها.
لانعرف اذا كان ستالين قد اطلع على تاريخ محاكم التفتيش الاسبانية؟!.
فهناك سمات مشتركة بينه وبين"توماس تروكيمادا"مفتش الديوان العام الكنسي الذي رمى بآلآلاف من الضحايا في المحرقة من اجل"طهارة الايمان"!.
وستالين نحر الملايين من البشر من اجل"طهارة بلشفيته"!!!..
....................................................................................
وعلى الاخاء نلتقي..