الخدمة والسلعة في اقتصاديات اليوم


جاسم محمد كاظم
2016 / 1 / 27 - 13:11     

الخدمة والسلعة في اقتصاديات اليوم
كثر الحديث عن الخدمة مثلما يقول كاظم الساهر في إحدى أغانية ..كثر الحديث عن التي أحبها ..
ومن خلال قراءتي للردود والكتابات المنشورة والتي تعبر عن رأي البعض الذي مازال يعيش في زمن ما قبل الحرب العالمية الأولى فينظر إلى مقدمي الخدمات بنفس التسمية القديمة " برجوازيين ".
مع العلم إن البرجوازي في اللغة تسمية اشتقت من المكان وهي تعني ساكن المدينة الذي يمتهن الإشغال الحرة البدائية في بدايات تأسيس المدن الأوربية وهو يختلف جذريا عن مقدم الخدمات اليوم وليس أكثر من ذلك لتصبح هذه الكلمة مثل العار حينما يعبر عنها البعض .
وبنظرة موجزة إلى اقتصاد اليوم في آخر المناهج التدريسية على مستوى الدراسات العليا ونزولا إلى مستوى الأسواق من خلال عملنا كتدريسي لإدارة الأعمال وخبير تسويق لبعض الشركات المنتجة للبضاعة الدوائية .
حين نكتب عن الخدمة ومقدميها وكيف تكون و ما شكلها ؟ يجب أن نكون متخصصين جدا لكي نعرف كيف نعبر عن هذه الطبقة أو الشريحة الكبيرة جدا من الموظفين .
لا تشبه صناعة اليوم صناعة الأمس بأي شكل من الأشكال لا في المصنع ولا في عدد أو نوعية العاملين .
شكل عالم القرن الحادي والعشرين قطيعة تامة مع بقية العوالم الأخرى وكأنة عالم مختلف بكل المقاييس بعد التطور الهائل في قوى الإنتاج وقفزتها السريعة في عقود قليلة لتغير شكل العالم وتقلبه رأسا على عقب .
ظهرت الخدمة وتطورت مع تطور قوى الإنتاج وأصبحت الخدمة مرافقة للبضاعة وتسير بالتوازي معها فلا يمكن للبضاعة من الوصول إلى آخر المطاف إلا امتطاء ظهر الخدمة في مختلف الأنظمة الاقتصادية سواء الاشتراكي أم الرأسمالي .
تسير البضاعة بخط من المصنع أو المنتج إلى محلات الجملة ثم التجزئة فالي المستهلك النهائي وهي في كل لحظة تحط في مجال الخدمة .
تبدى بخدمات النقل التي تتنوع بتعددها الهائل من السفن العملاقة ومن يعمل عليها في أعالي البحار إلى القطارات ومحطاتها الهائلة وكم العاملين في مؤسسات النقل إلى السيارات والطائرات التي تستخدم في نقل المواد سريعة التلف . وحتى ظهور خدمة النقل بالأنابيب لبعض المنتجات النفطية وغيرها .
وتأتي وظيفة الخزن و الأماكن الكبيرة وخدمات التبريد لبعض البضائع التي يجب أن تحفظ في ظروف خاصة لا يستطيع توفيرها إلا بعض المتخصصين ثم تأتي خدمات ما بعد البيع لبعض المنتجات مثل تبديل بعض الأدوات أو خدمات الصيانة وخدمات التشغيل .

وتشكل مرحلة خدمات التسويق والبحث عن الأسواق الملائمة للبضاعة المرحلة المهمة جدا من مراحل تصنيع البضاعة وهي الغرض التي صنعت من أجلة وتكون هذه الخطوة صعبة وتحتاج من الشركة المصنعة جهدا عاليا من الكفاءة يعتمد على الاختصاصيين في مجال البحث عن الأسواق المتشابهة والمختلفة .المحلية والإقليمية أو العالمية ومسحها إضافة إلى دراسة ومعرفة كل العوامل الثقافية والخصائص الاجتماعية والعوامل الديموغرافيه لهذه الأسواق المحلية والعالمية من اجل الحصول على أعلى نسبة مبيعات للبضاعة من خلال معرفة الفئات العمرية للقاطنين .الديانة . مستوى المعيشة .الدخل القومي . الثقافة الاجتماعية .دور المرأة في المجتمع .نوعية الأعمال.مستوى التعليم إضافة إلى اللغة ومشتقاتها ولهجاتها وعدد المتكلمين بها .
فمن غير المعقول أن تكون البضاعة المسوقة للسوق العراقي هي نفسها المسوقة للسوق السويدي أو الدانمركي .
يقول الأخ مالوم بان لينين وصف طبقة الموظفين والسياسيين بأنهم براز المجتمع وهذا يصح على ذلك الزمن لكونهم فئة قليلة جدا مرتبطة بالسلطات القمعية وهم اذرع تلك السلطات .
لكن عالم اليوم اختلف جذريا عن عالم الأمس لم تكن في عهد لينين مستشفيات متخصصة ضخمة مثلما هي الآن ولم يكتشف بعد ال ANTI BIOTIC المضادات الحيوية لان الكسندر فلمنج اكتشف البنسلين عام 1929 ولم يعرف عقار البنسلين كمضاد يزرق في الجسم إلا بعد الحرب العالمية الثانية ولم يعرف العالم بعد فصائل الدم ونقل السوائل للمريض عن طريق الوريد وكان الجرحى يموتون بالغنغرينا لأبسط الجروح التي كانت تعالج بالخل أو حامض السلساليك أسيد فقط .
ولم يعرف التخدير الموضعي والكلي وتبديل صمامات القلب وزرع الكلية والكبد وفتح الأمعاء وإزالة الأجزاء التالفة .
ولو كانت الخدمة الطبية مثلما هي اليوم لأطال الزمن بعمر لينين كثيرا جدا ولما رحل وهو بعمر الشباب من ابسط العوارض الصحية .
ولم تكن في عهد لينين الخدمات الهندسية المتنوعة ومصانع الاسمنت والحديد كما هي اليوم ولم يعرف العالم الخرسانة المسلحة وكيف أغرقت الأرض بالاسمنت والحديد وبنيت الجسور .
قلصت الأتمتة والتكنولوجيا الحديثة عدد العاملين كثيرا وألغيت الكثير من الوظائف التي أصبحت تقوم بها الآلة وحدها وأصبح دور العامل أشبة بالخدمي لمراقبة عمل الآلات وصيانتها.
وذهبت كلمة العامل أو البروليتاري مع الريح في عالم اليوم وشطبت من قاموس الاقتصاد السياسي لان كل المهن اليوم تعتمد على الكفاءة والمعلومة والتدريس الجامعي وأصبح من حق أي شخص التعليم من عمر ال6 سنوات إلى آخر المطاف الجامعي .
ينسى ماركسيو الأمس هذه الخطوة المهمة في الحياة بان التعليم أصبح إلزامي ومجاني في كل دول العالم الرأسمالية منها والاشتراكية لكل الجنسين ليخرج الفرد يمتلك شهادة تؤهله للعمل في المصانع كمهندس . فني اختصاص .فني ماهر في المصانع المنتجة للبضاعة طبيب . صيدلي. مدرس . فني . تقني محاسب . بايلوجي. كيمياوي. فيزيائي .طيار .مهندس طيران . باحث متخصص . أساتذة جامعات .موظفي الاتصال .الخ من الأعمال .
وللملاحظة البسيطة فأن حملة شهادة البكلوريوس في العراق اليوم يتعدى ال4 ملايين شخص من مجموع السكان .
ولهذا فان عالم اليوم الصناعي المنتج للبضاعة لا يمكن له الاستمرار بأنتاجة البضاعي إلا بالترافق مع عالم الخدمة ولهذا تسير البضاعة مع الخدمة بالتوازي وتكون المؤسسات الخدمية في الدول الرأسمالية مملوكة للمؤسسات الصناعية .

أذن فقطاع الخدمة مردود اقتصادي وشريان حيوي سواء في دول الرأسمال أو في الدول الاشتراكية لا يختلف عن قطاع الصناعة تسمى كوادرهما معا موظفين ومنتسبين في ملاكات الدولة الحديثة اليوم .
بقي أن نقول أن معظم قادة الأحزاب الشيوعية المحلية منها والعالمية وكوادر مكاتبها السياسية ولجانها المركزية هم من طبقة مقدمي الخدمات ويندر جدا وجود عمال غير مؤهلين في هذه التشكيلات التي تؤكد على الصناعة وإقامة المجتمع العمالي . .

///////////////////////////////////////////
جاسم محمد كاظم