الماركسية وحمالو الاسفار


مالوم ابو رغيف
2016 / 1 / 22 - 17:34     

غالبا ما لا يفرق بعض الماركسين عند حديثهم عن القيمة الفائضة، بين السلعة كمنتج مادي وبينها كــ (قوة عمل) ، فهم يعتقدون ان فائض القيمة تحققه السلعة المنتجة وليس قوة العمل. ان هذا الخلط الفاضح بين قوة العمل وبين السلعة صعّب عليهم ادراك ان القيمة جهد انساني مبذول للانتاج وليس السلعة نفسها، وما السلعة الا حاملا ماديا للقيمة في سوقها البضائعي، وانها، اي القيمة، تتحول الى مردود ملموس في عملية تبادل القيم(بضاعة مقابل نقود) لكنها، اي القيمة تبقى مخزونة في السلعة حتى لو لم تتحول الى بضاعة كجهد انساني يعادل الوقت الضروري اجتماعيا لانتاجها.
هذا الخلط في عدم ادراك جوهر القيمة هو سبب تشدقهم الساذج بان عمال الخدمات لا يحققون فائض للقيمة، مع ان عامل الخدمات يعرض قوته عمله في سوق العمل مثلما يعرضها العامل البروليتاري، وان قيمة قوة عمل البروليتاري لا تختلف عن قيمة قوة عامل الخدمات اذ ان كلاهما انسان يحتاج لنفس ضرورات الحياة، الاكل والشرب والسكن التسلية والثقافة والعلاج وغيرها وفق شروط المجتمع المعين المعاش.
ان حمالي الاسفار الذين تعودوا على ثقافة التلقين الببغاوي، ولجهل منهم، يتفقون مع الرأسمالين في اهمال قوة العمل كسلعة والتركيز على السلعة الرأسمالية بانها هي التي تحقق الربح، وهذا ما يتناقض مع جوهر التحليل الماركسي.
فاذا كان للسلعة قيمة استعمالية، هي في حقيقتها قيمة خدمية، تدفع المشتري لاقتنائها، وقيمة تبادلية.
القيمة التبادلية للسلعة هي:
تكاليف انتاجها + قيمة العمل غير مدفوع الثمن الضروري اجتماعيا لانتاجها.
فان القيمة التبادلية لقيمة قوة العمل هي:
مجموع تكاليف حياة الانسان العامل الاساسية(لفترة معينة، يوم او اكثر) وفق ظروف وشروط حياة مجتمع معين. ( لاحظ ايضا بان القيمة الانسانية العامة في سوق التبادل الرأسمالية مهملة تماما، اذ الرأسمالي لا يدفع الا لادامة قوة العمل للفترة المقبلة، وعليه فمن لا يعمل لا يأكل)
ولها (اي لقوة العمل) قيمة استعمالية، فما هي الخدمة الاستعمالية التي تقدمها قوة العمل للراسمالي والتي تدفعه الى شرائها؟

انها وبكل بساطة تنتج قيمة اخرى هي اكبر قيمة من مجموع تكلفتها او قيمة شرائها، وهي ما تسمى بـ القيمة الاضافية التي تذهب كليا الى جيب الرأسمالي كارباح صافية.
ان ابسط الامثلة على ذلك هي الشجرة المثمرة، فهي تحتاج الى ماء وسماد وعناية لادامتها على قيد الحياة، لكنها تنتج ثمار عند بيعها ستكون قيمتها اكثر من مجموع الاموال المنفقة عليها لابقائها على قد الحياة.
واذا ما عدنا الى عمال الخدمات، فانهم:
يعرضون انفسهم في سوق العمل.
وان رب العمل يشتري منهم قوة عملهم.
وان قوة عملهم لها قيمة تبادلية ولها قيمة استعمالية.
وان القيمة الاستعمالية لقوة عملهم لا تخلف عن القيمة الاستعمالية لقوة العمل للبروليتاري، فكلاهما(القيمة الاستعمالية لعامل الخدمات وللبروليتاري) جهد انساني مبذول للانتاج.
وان القيمة الاستعمالية لعامل الخدمات، تخلق قيمة هي اكبر من قيمة قوة العمل اي اكبر من تكاليفها التي دفعها رب العمل.
وان سعر الخدمة هو القيمة التبادلية وهو:
تكاليف الانتاج + قيمة قوة العمل( تكاليف حياة الانسان العامل الاساسية وفق ظروف وشروط حياة مجتمع معين) + قيمة قوة العمل غير مدفوع الثمن، وهو الربح.
هناك سؤال اخر يطرحه حمالو الاسفار مفاده ان عمال الخدمات لا يخلقون ثروة، وان النقود تنتقل من من جيب الزبون الى جيب صاحب العمل.
بالطبع هذا تساؤل مضحك، اذ ان الزبون الذي يشتري خدمة او الذي يشتري سلعة مادية سيدفع من جيبه وفي كل الحالتين ستنتقل النقود من الزبون(المشتري) الى جيب صاحب العمل او الى الرأسمالي، وفي كل الحالتين سيدفع الرأسمالي وسيدفع البرجوازي الصغير او صاحب العمل ضرائبا للدولة، وان مجموع الضرائب المستحصلة هي ثروة الدولة.
حمالو الاسفار يجهلون ان الثروة هي جهد جميع المواطنين المبذول للانجاز، اكان هذا الانجاز يتجسد في سلعة مادية او سلعة خدمية او ثقافية او فنية او حتى تنظيمية. كذلك يجهلون ان سوق الخدمات الكبير يشير ايضا الى رقي المجتمعات، اذ انها، اي الخدمات اصبحت من ضرورات الحياة واحد مكونات قيمة قوة العمل، ذلك ان سوق العمل يتطلب عمالا مهرة وليس عمالا بسيطين.
ان حمالي الاسفار لايفقهون ايضا لماذا تركيز ماركس على الطبقة العاملة دون بقية الطبقات الاجتماعية الاخرى ، فهم يعتقدون بان هذا التركيز مرده بان الطبقة العالمة هي الطبقة الوحيدة التي تصنع الثروة. وهذا محظ هراء وسذاجة متناهية. ان تركيز ماركس على الطبقة العاملة ليس له علاقة با لثروة، انما لانها( في الدولة الرأسمالية) ستستمر على العيش بنفس الظروف القاسية ان لم تثور وتغير شروط الانتاج، بينما الطبقات الاخرى متغيرة ومتبدلة وفي عملية استقطاب دائم، صعودا او هبوطا. فعمال الخدمات قد يصبحون برجوازيين صغارا بشرائهم لورشات العمل، والمزاعون قد يمتلكون الحقول ويتحولون الى ملاك، وهذا ما يعرف بالتذبذب البرجوازي اي النزوع الى الملكية الخاصة لوسائل الانتاج.
اما العمال فانهم يبقون عمالا ولا يمكنهم شراء المصانع والمعامل ولا تراودهم نزعات الملكية الخاصة لوسائل الانتاج.
ان الوسيلة الوحيدة لتغيير شروط العمل هي الثورة البروليتارية. ولان الطبقة العاملة هي الاكثر استغلالا وحرمانا، ولانها لا تملك شيئا لتخسره غير اغلالها وليس من صفاتها ملكية وسائل الانتاج الخاصة، لذلك عندما تتحرر وتثور ستحرر بقية الطبقات معها. ان ذلك يعني ان الماركسية ذو شمول انساني وليس حصري على الطبقة العاملة كما يقول حمالو الاسفار.