المفلسون من الشيوعيين الماركسيين


فؤاد النمري
2016 / 1 / 17 - 17:12     

المفلسون من الشيوعيين الماركسيين

كتبنا مؤخراً نعجب من إفلاس شيوعيين ماركسيين، وها نحن اليوم نعيد الكتابة لنؤكد الإفلاس المروّع والإملاق الفكري الشديد لعامة الشيوعيين لأسفنا الشديد وليس من عجب فالإملاق الفكري كان من الأسباب الرئيسية لانهيار الإتحاد السوفياتي، حيث كان لينين في العام 1922 قد شكا من الفقر الفكري لقيادة الحزب وأعاد ستالين نفس الشكوى في العام 1938 وفي العام 1952 .
يستشيط غضباً هؤلاء المفلسون كلما تحدثنا عن أن الخدمات ليست منتوجاً رأسماليا طالما أنها لا تنتج قيمة أصلاً خليك عن فائض القيمة الذي هو الهدف الوحيد للنظام الرأسمالي والأساس الذي يقوم عليه . حجتهم في رفض انهيار النظام الرأسمالي هي أن الخدمات منتوجاً رأسمالياً وأن الولايات المتحدة الأميركية والخدمات تشكل أكثر من 80% من مجمل إنتاجها القومي ما زالت الدولة الرأسمالية الإمبريالية وليس الصين التي هي أكبر منتج للبضائع في العالم على الطريقة الرأسمالية . نحن نوافق على أن الولايات المتحدة الأميركية هي آخر قلاع الرأسمالية الإمبريالية لكن هذه القلعة انهارت بفعل تنطحها لمقاومة الشيوعية فكان انهيارها الفعلي في النهاية على يد الشيوعيين الفيتناميين، ففي غمرة حربها على فيتنام أعلنت أميركا عجزها عن تغطية عملتها الدولار مما تسبب في تهاوي سعر صرفه في الأعوام 72 و 73 و 74 وأرغم الإدارة الأميركية على تخفيض سعر صرف الدولار ثلاث مرات، وبدا واضحاً أن النظام الرأسمالي في حكم المنهار مما حدا بالدول الرأسمالية الخمسة الأغني (G 5) إلى عقد مؤتمر القمة في رامبوييه في باريس في 16 نوفمبر 1975 وإصدار إعلان يقول أن هذه الدول مجتمعة تتكفل بتغطية عملاتها وهو ما يعني أنها لا تملك الغطاء اللازم لعملاتها الأمر الذي يؤكد أن هذه الدول الرأسمالية لم تعد تنتج البضائع لا الذهب ولا غيره من البضائع . إنها لم تعد رأسمالية . هذا حقيقة إقتصادية غير قابلة للنقاش .
حصة الفرد الأمريكي من مجمل الانتاج القومي هي 54 ألف دولاراً كما في الإحصاءات الرسمية، منها 43200 دولاراً من الخدمات و 10800 دولارا من السلع . لكن الحقائق الأمريكية تقول أن الفرد الأمريكي يحتاج إلى سلع تزيد قيمتها على 13 ألف دولاراً لكن الإدارة الأمريكية لا تستطيع أن تتدبر 2200 دولاراً لتستكمل مبلغ 13 ألف اللازم للإنفاق على السلع . لذلك تضطر إلى الاستدانة من الخارج بالفائدة حيث يتعذر عليها تسوية العجز في السلع بالفائض من الخدمات لأجل أن تتقي شر الديون وذلك لأن الخدمات لا قيمة تبادلية لها . وهذا قول فصل في إنتاج الخدمات .

الشيوعيون المفلسون من أنصاف الماركسيين يرفضون رفضاً قاطعاً الإعتراف بأن الخدمات ليست منتوجاً رأسمالياً بحال من الأحوال بعيداً عن الرجوع إلى ماركس أو إنجلز وبالرغم من أن الخدمات بكافة صنوفها إنتاج بورجوازي حيث يتحقق في إنتاجها تقسيم العمل كاملاً ويتكامل إنتاج الخدمات فردياً، وبالرغم من أن الخدمات لا تنتج أية قيمة ، أو قيمة تبادلية فينتفي بذلك فائض القيمة وهو الشرط الأساسي للإنتاج الرأسمالي، وبالرغم من أن إنتاج الخدمات لا يتطلب رأسمالأً ولا أدوات إنتاج . بالرغم من كل ذلك فالمفلسون من الشيوعيين والماركسيين يصرون إصراراً مشبوهاً على أن الخدمات منتوجاً رأسمالياً شاء من شاء وأبى من أبى، فيتمظهر هؤلاء المفلسون بالحفاظ على المبادئ ـ مبادئ الإفلاس !!!

ماذا لو اعترف هؤلاء المفلسون بالحقيقة التي لا مراء فيها وهي أن الخدمات ليست منتوجاً رأسمالياً ؟
سيتبع ذلك بالطبع اعترافهم بأن الولايات المتحدة الأمريكية، وإنتاجها يتركز في الخدمات بنسبة 80%، ليست دولة رأسمالية إمبريالية وهو الإدعاء الذي تقوم عليه كل برامجهم السياسية بألوانها المختلفة . لئن غابت أمريكا الامبريالية والمشروع الأميركي الصهيوني الإمبريالي في المنطقة فأي حديث يبقى للحزب الشيوعي اللبناني يتسيّس فيه !؟ لا شيء، لا شيء على الإطلاق طالما أن قادته والمتقدمين من كوادره مفلسون ماركسياً . كارل ماركس لم يعمل على تفكيك النظام الرأسمالي فقط كما هو المانيفيستو الشيوعي في الجوهر بل عمل على بناء نظرية تحاكي التطور الاجتماعي في مختلف الأطوار والعصور . الماركسي المفلس ليس ماركسياً من قبلُ ومن بعدُ .

ما هو أغرب الغرائب أن أكبر الدول الرأسمالية مجتمعة في رامبوييه إعترفت بانهيار نظامها الرأسمالي ومع ذلك فإن قوماً من الشيوعيين والماركسيين لا يعترفون !! الدول الرأسمالية الأغنى الخمسة أعلنت عجزها عن تغطية عملاتها وهو الدلالة القطعية على انهيار نظامها الرأسمالي الذي كان بطبيعته يضيف يوميا ثروة جديدة إلى المجتمع الرأسمالي . فلو لم ينهر نظامها الرأسمالي لما انتهت عملاتها "الصعبة" إلى الانكشاف ولما اضطرت هذه الدول إلى الوقوع تحت عبئ المديونية الثقيل . العملية الرأسمالية تعود على صاحبها بنقود إضافية كل يوم فكيف يمكن تصور دولة رأسمالية مدينة بضعف مجمل إنتاجها القومي !؟

كل من ينكر انهيار النظام الرأسمالي العالمي في سبعينيات القرن المنصرم ليس ماركسياً وليس شيوعياً بالتالي على الإطلاق خاصة وأن انهيار النظام الرأسمالي في العالم جاء نتيجة حتمية للثورة الشيوعية وتطورها بقيادة ستالين . من غير الإعتراف بانهيار النظام الرأسمالي في العالم في سبعينيات القرن المنصرم لا يمكن بناء برنامج سياسي يحاكي الواقع .