مدخل إلى المادية الجدلية (1)


خليل اندراوس
2016 / 1 / 9 - 11:43     

نحن نعيش في عصر امبريالي تسوده سياسات واستراتيجيات فرض الهيمنة الامبريالية على العالم وخاصة الشرق الأوسط من خلال تمزيق دول المنطقة ونهب ثروات بلاد وشعوب المنطقة خدمة للرأسمالية العالمية والصهيونية العنصرية وأنظمة الاستبداد العربي

في عصرنا الحاضر هناك الكثير من الكتاب والفلاسفة بعيدون كل البعد، أو لا يدرسون، أو يشنون حملة حقيقية ضد الفكر الماركسي والفلسفة الماركسية وخاصة ضد المادية الديالكتيكية.
ومنهم من يطرح علاجًا أو دراسة لمكافحة هذه الظاهرة الاجتماعية مثل ظاهرة الفقر أو عدم المساواة والتي يريد ان يقوم بحلها وحده أو الفوارق الاجتماعية أو الصراع الطبقي، أو أزمات المجتمع الرأسمالي بدون معرفة أو حتى دراسة المادية الديالكتيكية الماركسية وحتى منهم من يدعي بأنه ينتمي إلى هذه الفئة أو ذلك الحزب اليساري أو حتى الشيوعي وهناك طروحات وممارسات تحريفية نموذجية للمفاهيم الماركسية وحتى طروحات مشوشة أو رجعية.
وللأسف الشديد فقط قبل عدة أيام قام احد رجالات الدين والسياسة والمقاومة بتحليل الصراع في الشرق الأوسط إلى صراع بدأ من أيام "الحسين" بدلا من ان يركز بأننا نعيش في مجتمع معاصر يختلف كلية عن أيام الحسين، فنحن نعيش في عصر امبريالي تسوده سياسات واستراتيجيات فرض الهيمنة الامبريالية على العالم وخاصة الشرق الأوسط من خلال تمزيق دول المنطقة ونهب ثروات بلاد وشعوب المنطقة خدمة للرأسمالية العالمية والصهيونية العنصرية وأنظمة الاستبداد العربي. هذا الطرح غير المدروس والبعيد كل البعد عن مفاهيم المادية التاريخية وفهمنا الموضوعي لحقائق عصرنا تلتقي مع مفاهيم الرجعية الاسلاموية وخاصة السعودية التي حولت الصراع في منطقة الشرق الأوسط، الى صراع بين السنة والشيعة، خدمة لمصالح الامبريالية والصهيونية، ومصلحة الاستبداد في قطر والسعودية وتركيا.
كل من يتابع الدراسات الفلسفية المعاصرة ومثل على ذلك دراسات هانتنغتون حول "صراع الحضارات" أو فوكويا حول "نهاية التاريخ"، ومن يحمل مفاهيم تحويل الصراع في منطقة الشرق الأوسط إلى صراع ديني يصل إلى نتيجة واضحة وهي بان هذه الطروحات بعيدة عن الموضوعية والعلمية وبعيدة عن الفهم المادي التاريخي لعصرنا.
فالمبادئ لا تكون صحيحة إلا بقدر ما تتطابق مع الطبيعة والتاريخ.
أما الفكر والنظرة المثالية ومنها الدينية والتي تقلب رأسًا على عقب العلاقة الفعلية وتبني العالم الفعلي من الأفكار، بما في ذلك الأفكار التي درست في الفاتيكان أو الأزهر أو النجف.
في هذه الظروف المعقدة والمأساوية المجتمعات العربية بحاجة إلى تعميق الفكر والفلسفة الثورية الماركسية المادية التاريخية الجدلية، ونشرها وتعليمها لجماهير الشعب الواسعة وخاصة الطبقة العامة، وتعميق تواصل الأحزاب الثورية الشيوعية مع هذه الجماهير لكي تحمل هذا الفكر الثوري وتسعى من خلاله إلى إعادة التنظيم وتطويعه وضم فئات اجتماعية مختلفة بما في ذلك من البرجوازية الصغيرة لكي تنخرط في العمل والنضال الثوري حاملة الفلسفة الثورية ألا وهي المادية التاريخية الجدلية ولا يمكن ان نفهم هذه الفلسفة إلا إذا أدركنا الفكرة الكامنة خلفها.
ومفهوم الفلسفة الكامن خلف تأكيدنا ان الحزب السياسي أو الطبقة – لأن الحزب أي حزب دائمًا هو الممثل السياسي لطبقة ما – يحتاج إلى ان يضع ويتبنى فلسفة محددة خاصة به.
والفلسفة الماركسية الجدلية التاريخية هي التفسير الشامل والأكثر عمومية لطبيعة العالم ولمكان البشرية ومصيرها فيه، أي نظرتنا العامة والشاملة إلى العالم.
لكل إنسان فلسفة خاصة به يحملها ويدافع عنها حتى ولو لم يعرف قط كيف يناقشها. فكل إنسان يتأثر بالأفكار الفلسفية حتى لو لم يضعها هو لنفسه، ولو لم يكن في مقدوره صياغتها فبعض الناس مثلا يعتقدون ان هذا العالم ليس سوى "وادٍ للدموع" وان حياتنا فيه ليست سوى تحضير لحياة أفضل في عالم آخر أفضل.
ومن هنا فإنهم يؤمنون بان علينا ان نتحمل كل ما نتعرض له بجلَد، دون ان نكافح ضده، وان نفعل كل ما يمكننا من خير لإخوتنا من البشر وهذا نوع من الفلسفة أو النظرة العامة للعالم.
وثمة من يعتبر العالم مكانًا لتحقيق الثراء، ويرى ان على كل امرئ ان يهتم بنفسه وهذا نوع آخر من الفلسفة..
وإذا اعتبرنا ان فلسفتنا هي النظرة العامة إلى العالم، فستبرز أمامنا مهمة بناء هذه النظرة بشكل منظم وبالتفصيل وتحويلها إلى نظرية متماسكة حسنة الصياغة، محولين المعتقدات والمواقف الشائعة الغامضة إلى مذاهب منظمة بدرجة أو بأخرى. وهذا ما يقوم به كل دارس وخاصة الفلاسفة.
وحين وضع الفلاسفة نظرياتهم المختلفة المادية منها أو المثالية كان لهم تأثير واسع جدًا على جماهير واسعة جدًا من الناس العاديين، ومن هنا يتأثر كل امرئ من الفلاسفة بطريقة أو بأخرى حتى لو لم يقرأ أو يتعمق بمؤلفات هؤلاء الفلاسفة. يكفي ان نذكر ما يفعله الفكر "الوهابي" في عالمنا العربي اليوم من عودة سلفية رجعية تمزق الأمة العربية والدين الإسلامي، خدمة للحلف الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي السعودي. ومن خلال المفهوم المادي الجدلي للتاريخ نستطيع القول بان المجتمع أي مجتمع دائمًا منقسم إلى طبقات – وقد انقسم إلى طبقات دائمًا منذ انحلال المشاعية البدائية، أي طوال الفترة التاريخية التي ينتمي إليها تاريخ الفلسفة – فان مختلف الأفكار الجارية في المجتمع تعكس دائمًا نظرات مختلف الطبقات ومن هنا نستطيع ان نستنتج ان مختلف مذاهب الفلاسفة تعبر دائمًا أيضًا عن نظرة طبقية، فهي ليست في الواقع إلا البناء المنسق والصياغة النظرية لنظرة طبقة ما، أو بتعبير أفضل لايديولوجية طبقة معينة. ففلسفة صراع الحضارات تخدم طبقة رأس المال العالمي الذي يسعى إلى تبرير سياسات الهيمنة والسيطرة الامبريالية على العالم. والايديولوجية الصهيونية تحمل وتمارس وتبني المشروع الاستيطاني الكولونيالي في فلسطين التاريخية وتسعى هذه الايديولوجية لفرض الهيمنة على مقدرات وثروات شعوب المنطقة والفكر الوهابي الرجعي الدينيـ يُقسِّم الأمة العربية إلى طوائف وانتماءات تقضي على مقدرات الأمة العربية والقومية العربية، لذلك تعاني منطقة الشرق الأوسط من هذا التحالف الايديولوجي الرجعي الدنس – لا بل مجمع الشياطين فها هو اردوغان الذي كان متأثرًا جدًا بالحكم الوهابي السعودي، الذي قام بإعدام 47 شخصًا بينهم الشيخ نمر النمر، هذا النظام أي السعودي الذي يعطي للملك وعائلته سلطته المطلقة الاستبدادية الرجعية على مقدرات الشعب السعودي، في هذه الأجواء يتمنى الرئيس التركي نظام حكم مركزي "وإقامة نظام رئاسي في شكل ممتاز وهناك أمثلة في العالم وعبر التاريخ وسترون المثال في ألمانيا هتلر". هل يوجد هناك جهل سياسي رجعي تخريبي على تركيا والمنطقة، أكثر واسوا من هذا الفكر. هل هذا الفكر هو الفكر الذي يجمع بين الإخوان والنازية. وهنا نرى ما يجمع هؤلاء أي السعودية وتركيا مع الولايات المتحدة، حيث قال احد سفراء أمريكا السابقين دان سيمبسون "إن تحليل موقف الآخرين من الولايات المتحدة في نهاية عام 2015، يدفعني إلى استنتاج اننا امة القتلة داخل بلادنا وخارجها" ويقول "لن يسود السلام على وجه الأرض ما لم نفعل ذلك (أي سحب القوات الأمريكية من الدول الأجنبية التي تتواجد فيها هذه القوات).. دعونا لا نكون قتلة". نعم النظام الامبريالي العالمي والصهيونية العنصرية وأنظمة الاستبداد في تركيا والسعودية وقطر – هم قتلة وشياطين عصرنا الحالي – عصر الامبريالية العدوانية وعملائها، والتي تسعى إلى فرض الهيمنة الرأسمالية – هيمنة السوق "الحرة" المتوحشة على العالم اجمع وفرض سياسات واستراتيجيات هيمنة القطب الواحد الامبريالي الأمريكي وعملائه على العالم.
فكل فلسفة هي فلسفة طبقة. فالناس والطبقات لا يستطيعون ان يفكروا في عزله عن المجتمع، وبالتالي في عزله عن المصالح الطبقية والصراع والمعارك الطبقية التي تسود المجتمع. (يتبع)