الخطأ القاتل للاشتراكيات العربية


جاسم محمد كاظم
2015 / 12 / 24 - 13:07     

وجدت الاشتراكية طريقها إلى ارض العرب بعد انتصار أكتوبر الظافر وما تلاه من ظهور الاتحاد السوفيتي وانتصاره الساحق في الحرب العالمية الثانية واشتعال ثورات التحرر الوطني في العالم بدئا بانتصار ماو تسي تونغ في الصين وهوشي منة في جنوب شرق اسيا .
وانتشار المد الأحمر إلى دول أميركا اللاتينية وهكذا حقق التاريخ نبوءة لينين بانتصار الشعوب المضطهدة (بالفتح) وقطع شرايين الإمداد للدول الرأسمالية التي بدأت تتهاوى حصونها المنيعة .
وما أن حل العقد الخمسيني حتى بدأت الثورة تضرب في ارض العرب تسيدت مصر الساحة بعد انتصار يوليو وبروز جمال عبد الناصر كزعيم للتحرير وتبع ذلك انتصار تموز الظافر بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم في العراق وثورة اليمن وانتصار الثورة الجزائرية بقيادة بن بلا وظهور الفاتح الليبي على الساحة وانبثاق الثورة السودانية .
ظهرت الأحزاب الشيوعية في هذه الفترة إلى العلن بعد معاناة شديدة من القمع والاضطهاد من قبل السلطات الملكية التي حشدت سلاح الدين مع الجيش والبوليس كما في وزارات علي جودة الأيوبي وجميل المدفعي الذي حرم الانتماء للأحزاب الشيوعية في عهدة وكانت تهمة الانتماء تعني الإعدام والموت واعتبر الفكر الاشتراكي فكرا هداما يجب محاربته بكل الوسائل كما وصفة نوري سعيد .

أصبحت الدول العربية في غضون عقد كامل من ثوراتها قوى هائلة وحواضر للعلم والثقافة تهدد كيان كل الملكيات البالية بالزوال في زمن كانت دول الخليج لا تزال مشايخ قبلية بسيطة يحكمها شيوخ يجلسون في بيوت الشعر لا توجد فيها حتى جامعات وكليات متخصصة ولا تعرف معنى التعليم المهني والتكنولوجي .
وبدل أن تسير هذه الاشتراكيات إلى الإمام لتستفيد من حركة التاريخ لتعزيز القوى العمالية وتطوير الصناعة وسحق الطبقات البرجوازية والطفيلية بما يخدم مصالح الطبقة العاملة التي هي بالأساس حجر الزاوية الرئيسي للاشتراكية وتقدمها وانتصارها وتربط نفسها بمصدر الحركة الاشتراكية العالمية في ذلك الوقت الاتحاد السوفيتي فإنها سلكت الطريق المعاكس وارتدت الخاكي العسكري واعتمدت على حكم الجيش والنخب البرجوازية المقيتة فقط في أول أخطائها المميتة ليتسيد العسكر الساحة بدءا بجمال عبد الناصر إلى أذياله عبد السلام عارف وإتباعه من حافظ أسد وأتباع المشير السلال فالقذافي حتى هواري بومدين .
وبدل الاتحاد مع القوى الشيوعية والوطنية لتكوين اتحادات ديمقراطية وقوى تقدمية سلكت طريق هذه الاشتراكيات الخطأ الثاني المميت المتمثل بمحاربة الفكر الشيوعي الذي لولاة لما وصل هؤلاء الجنرالات إلى سدة الحكم فأبيدت الأحزاب الشيوعية في بلاد العرب عن بكرة أبيها في مذابح رهيبة وقامت هذه السلطات بدئا بجمال عبد الناصر إلى أذنابه كعبد السلام عارف بحملات دم ضد القوى الوطنية الأخرى ودعمت موقفها المخزي بالاتحاد مع قوى الظلام الدينية والأحزاب الإسلامية وهكذا وضع هؤلاء الجنرالات رقابهم في حبال الدين ولصوصه وقوى الظلام ممن لا يعرفون من الدولة سوى سرقة مواردها بتأويل النص .
استغلت الدول الاستعمارية هذه الفجوات كثيرا ولعبت على هذه الحبال وقامت بتدبير المؤامرات مع رجال العسكر واستبدالهم كل حين بانقلابات دموية رهيبة .
وقبل أن تتحد هذه الدول الاشتراكية مع بعضها البعض ضد أعدائها التقليديين في اتحادات اشتراكية رصينة وتحمي نفسها بأحلاف عسكرية ومواثيق اقتصادية تنموية و ثقافية فأنها حاربت بعضها البعض من اجل الزعامة وتسيد الأضواء فأصبح جمال عبد الناصر عدو الكل لمجرد الاختلاف البسيط فانضمت مصر عبد الناصر إلى جانب شيوخ الكويت ضد مطالب الزعيم عبد الكريم قاسم ووضع جمال عبد الناصر نفسه بجانب القوى الامبريالية ضد الاشتراكية العراقية الناشئة وأرسل قواته مع القوات البريطانية لمحاربة القوات العراقية .
وهكذا أضحت مصر تلعب الأدوار الخيانية ضد التجارب الثورية ومأوى لكل المتمردين والخونة .
واستمر مسلسل المهازل للاشتراكيات العربية وصراعها مع بعضها البعض فتحاربت مصر عبد الناصر مع القوات الليبية في بداية العقد السبعيني وأعلنت حالة العداء العراقي السوري على أشدها طيلة عقدين من الزمن رغم أن نفس الحزب بمبادئه الاشتراكية يحكم البلدين .
ولم تجد سوريا بدا من الانضمام إلى إيران في حربها ضد العراق وأصبحت المخابرات الإيرانية تعمل من الأراضي السورية وأرسل القذافي كل صواريخ الأرض ارض إلى إيران التي تعاني الحصار لضرب بغداد رغم أنة تخرج من الكلية العسكرية العراقية .
وشنت الصحف في كل هذه البلدان حملات تسقيط وتشويه مابين بعضها البعض.
بداء مسلسل العد التنازلي لهذه الاشتراكيات بالتهاوي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية فانقلبت هذه السلطات الاشتراكية رأسا على عقب كما في العراق الذي دخل مجال الدين ومدارة بالحملة الإيمانية والرجوع إلى فقهاء الدين وإطلاق يدهم في الشارع و انضمت سوريا إلى التحالف الدولي ضد العراق بعد غزوة للكويت ودخلت القوات السورية ارض العراق مع القوات الأميركية واتحدت سوريا رسميا مع مصر و دول الخليج بحلف إستراتيجي عسكري بعد إعلان دمشق الشهير .
حفرت هذه الاشتراكيات العربية قبرها بيدها دون أن تعلم العواقب لأنها لم تقرءا التاريخ جيدا وتتعص من دروسه البليغة وتميز مابين الصديق والعدو حين حاربت بعضها البعض أولا وسحقت القوى الوطنية والأحزاب الشيوعية وانهارت رويدا رويدا مثل قطع الدومينو أمام الجيوش الغازية من مشايخ الخليج بدئا بالعراق مرورا بليبيا حتى مصر وسوريا والجزائر إلى اليمن والسودان.
وكان من غباء قادتها الشديد أنها لم تطالع حتى كتب الأمثال العربية المليئة بالحكمة على السن الحيوانات والتي يقول فيها احد الثيران الغبية للأسد حين هم بقتلة :-
(اُكِلت يوم اُكِل الثور الأبيض )

////////////////////////////////////////
جاسم محمد كاظم