المفهوم الطبقي للثورة


عادل احمد
2015 / 12 / 21 - 01:24     

ان الثورة لا تحدث بسبب وجود احزاب او شخصيات سياسية في المجتمع. ولا تحدث بسبب عوامل خارجية بعيد عن التفاعلات والصراعات السياسية والطبقية. وانما هي تحصيل حاصل للعوامل الذاتية والصراعات الطبقية وبلوغ درجة يحتاج المجتمع فيها الى التغير النوعي في مكانة الطبقات والصراعات السياسية والاجتماعية القائمة. ان الثورة هي بلوغ المجتمع الى درجة الغليان في اوج نقاطها ولا تتحمل الطبقات السفلى سياسات واوضاع الطبقات الحاكمة واستمراريتها، وكذلك الطبقات الحاكمة ليس بمقدورها ادارة المجتمع على نفس الاطوار القديمة بسبب حيوية وتطور الطبقات والقوى المنتجة. ان المجتمع في ارتباط عضوي دائم مع الظروف وتطور القوة المنتجة ووسائل الانتاج الاجتماعية. ان التصادم في تطور القوة المنتجة مع الظروف والمناخ السياسي للطبقات الحاكمة ووصولها الى ذروتها، تخلق مناخا لا يتحمل طبقات المجتمع كافة مع الظروف القديمة ويحدث شرخا عميقا بين التوازنات والعلاقات الطبقية وتنفجر في نقطة معينة. ان الطبقات السفلى ليس بامكانها استمرار العيش في ظروف معينة ووصول السخط الجماهيري ووعيه الى درجة انه بامكانه قلب الاوضاع لصالحها، وحضور مطاليبها الى ساحة المواجهة مع الطبقات الحاكمة بشكل علني ومباشر وشامل، وكذلك في نفس الوقت ليس بأمكان الطبقات الحاكمة استمرار حكمها في نفس الظروف التي تغيرت فيها قوة وتوازنات الطبقات السفلى.
اذن الثورة نفسها تحدث بشكل موضوعي وبعيدا عن تدخلات الاحزاب وتتحدد عوامل حدوثها الصراعات وتطور التوازنات الطبقية المستمرة في المجتمع. ان الاحزاب السياسية لها تأثير قليل جدا او حتى معدوما في بداية الثورة، ولكن بعد حدوث الثورة فأن الاحزاب السياسية الرئيسية اي الاحزاب الاجتماعية هي التي تقرر مصير هذه الثورة. فعندما تحدث الثورة فان مسألة السلطة السياسية هي التي تحسم مصيرها ومسارها وافاقها. فكل طبقة من طبقات المجتمع تحاول حسم السلطة والصراع الطبقي والقوة لصالحها، وهذا يحدث عن طريق ممثل الطبقات وحركتها الاجتماعية اي احزابها السياسية. ان الطبقات السفلى تحاول فرض هيمنتها وسلطتها بقوتها الجماهيرية الثورية في ميدان الصراع بأشكال وانواع وسائل متنوعة، وكذلك تحاول الطبقات الحاكمة استرجاع سلطتها وقوتها بأي شكل كان، وحتى تحاول القيام بمساومتها السياسية مع الطبقات المتوسطة والقوى الاجتماعية الاخرى وجرهم لصالح الطبقات الحاكمة.
نرى اليوم هذا المفهوم للثورة قد تم تشويهه وخاصة في بلدان الشرق او ما يسمى ببلدان العالم الثالث. فان الطبقات البرجوازية الحاكمة تقوم بأنقلابات عسكرية او سياسية وتسميها بـ"الثورة". وكذلك تقوم بازاحة الحزب الحاكم والهيئة الحاكمة وتسميها بالثورة. او تقوم مجموعة بتشكيل القوة المسلحة بالضد من الدولة والهيئات الحاكمة وتسمي عمليتهم بالثورة والمسلحيين بالثوريين. وقد رأينا في العراق محاولات رؤساء العشائر في بداية القرن العشرين بالضد من الانكليز وتسميت حركتهم بالثورة، وكذلك تغيير النظام الملكي في العراق الى الجمهورية بواسطة جنرالات الجيش من نفس الحكومة في نهاية الخمسينات وسميت بالثورة، ناهيك عن الانقلابات المتتالية للاحزاب القومية والبعثية في النصف الثاني من القرن العشرين كلها سميت بالثورة. كذلك الذي يحدث الأن في سوريا والعراق واليمن وليبيا يتم تسميته بالثورة. بشكل عام كل تغيير في هرم السلطة في العالم الثالث يتم تسميته بالثورة، لكون في تلك المراحل يتم تداول السلطة بين الطبقة البرجوازية نفسها لا يتم عن طريق الانتخابات البرلمانية والعمليات الديمقراطية. ولكن في الغرب الديمقراطي لا يتم تسميت هذه الحركات بالثورة كما يطلق عليها في العالم الثالث.. لان السلطة يتم تداولها في البرلمانات الديمقراطية بين الطبقات البرجوازية الحاكمة. فتسمية الثورة في الغرب يطلق على الحركات الجماهيرية التي تريد قلب نظام الحكم بمجمله، كما حدثت في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في جميع انحاء اوروبا.
ان تقييم الوضع الثوري يتم بحثه ضمن نفس السياق التي تحدث فيه الثورة. كما وأن ليس كل احتجاج جماهيري او تظاهرات جماهيرية هي ثورية او يمكن بحثها ضمن الوضع الثوري. وحتى رفع شعارات ثورية لا يعطيء للحركات الجماهيرية دائما الصفة الثورية، وانما خصائص هذه الاحتجاجات وتفاعل الطبقات السفلى مع هذه المطالب والطريقة التي تتم فيها هي الصفة التي بأمكانها اعطاء الصفة الثورية لتجمع ما او احتجاج معين. والامثلة في زمننا الحاضر هي الثورة التونسية والمصرية والظروف التي خلقت فيها الثورة هي ثورية، والمطالب تم بحثها بتدخل الطبقات السفلى وخاصة الطبقة العاملة والجماهير الكادحة. ان الوضع الثوري يأتي بمعنى الظروف التي تحاول فيها الطبقات السفلى اي الجماهير العمالية والمحرومة بفرض مطاليبها عن طريق توازن في قوتها، وتواجدها في الاحتجاجات بدرجة من الاستعداد السياسي للمواجهة مع الطبقات الحاكمة وبأفق مستقل تقريبا ووجود درجة من الوعي الاجتماعي. ان هذه الخصائص هي التي بأمكانها تحديد المد الثوري وليس الحضور الميداني فقط. ان الوضع الثوري مرتبط بالصراع الطبقي ودرجة من النضوج والاستعداد السياسي للطبقة الثورية. رأينا في سوريا وليبيا كيف تحول الاحتجاج الجماهيري الى حركة رجعية بعيد عن اية ارادة للطبقات السفلى.
ان استخلاص الدروس والتجارب في الاحداث الاخيرة في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن، تضع الطبقة العاملة والاشتراكيين امام حقائق بأن لا ينقادو وراء كل احتجاج الجماهيري ويسموه بالثورية. كما وأن تجربتي الثورة في كل من مصر وتونس تضعنا امام واقع حاضر، وهو أن عدم وجود احزاب اشتراكية وعمالية منتظمة وقوية سيكون مصير حسم الثورة بأتجاه الافق البرجوازي سهل جدا. ان التحزب الاشتراكي العمالي في مرحلتنا الحالية ضروري جدا ويجب ان نفهم هذا الدرس في عملنا السياسي.