مآثر:ستالين-بيريا ومفوضية(المسوخ)للشؤون الداخلية!!!(4)


ماجد الشمري
2015 / 12 / 9 - 21:09     

نال بيريا اعجاب ستالين،وتمكن من كسب رضاه،وخاصة،شدته ونزعته المتسلطة وقسوته،ولهفته واندفاعه المحموم لتسلق المناصب العليا،وتقربه المحسوب من"القائد"فصفات بيريا كانت متطابقة وقرينة لصفات ستالين!.
وما قربه اكثر،هو اطلاعه ومعرفته الدقيقة بأوضاع جمهوريات ماوراء القفقاز..
فقد عرف ستالين تاريخ بيريا السياسي الاسود،وشوفينيته تجاه القوميين الاذربيجانيين والارمن اثناء الحرب الاهلية،وعدائه السافر للاقليات هناك.
واعتبر ستالين سلوك واخلاقيات بيريا الميكيافيلية،والذرائعية،علامة ايجابية،واستعداد فطري للتنفيذ الاعمى لاقذر المهمات التي يكلف بها.
هذا ما دفع ستالين للاستعانة به كبديل ليوجوف السكير!.فأشخاص من نمط بيريا ونوعه،ولهم مثل هذا الماضي المشين،كوغد شوفيني متوحش،هم الاكثر طاعة واستجابة وحذر امام السلطة المستبدة،والتكيف لاداء كل الادوار بأقتدار وحزم..
ففيشنسكي ذلك المنشفي الوضيع السابق،والذي بيده القذرة وقع امرا بأعتقال لينين في تموز قبيل انتفاضة اكتوبر!هاهو الان كلبا امينا يهز ذيله لستالين ويخدمه بتفان واخلاص!.وايضا هو حال ميخليس المنشفي السابق،والذي ليس له مثيل في خنوعه ووفائه للقائد!..
وماترك انطباعا حسنا لدى ستالين،اضافة لكل ماذكرنا،وجعله متحمسا لضم بيريا لجهازه السلطوي،هو:التقرير الذي اصدره بيريا بعنوان:"حول تاريخ المنظمات البلشفية في ماوراء القفقاز"عام1935والذي ارضى نرجسية وغرور وخيلاء ستالين!لان بيريا كما هو متوقع ابرز في هذا التقرير دور ستالين المزعوم والمفبرك بنفاق في الحركة الثورية في القفقاز،ولمع من مكانته في تاريخ النشاط السياسي وبلشفة تلك الاصقاع!.لذلك وكمكافأة سعى ستالين لتعيين بيريا ك(سكرتير ثاني لمنطقة القفقاز)للحزب!وبعدها بقليل قفز الى منصب(السكرتير الاول)وايضا بأقتراح من ستالين!رغم اعتراضات قيادات تلك المناطق الحزبية على هذه الترقية،ولكن بيريا كان بلشفيا كبيرا ومناضلا صلبا كما صوره ستالين!وكما اعتقد ان بيريا هو من فرض النظام والاستقرار في ماوراء القفقاز!.
ومن جملة مايتذكره ستالين مصحوبا بأعجاب ورضى عن بيريا،هو ملاحظاته في الاجتماع العام للجنة المركزية في شباط(فبراير)وآذار(مارس)عام1937:
_كيف اعدتم ماردانيان بعد ان طردناه من الحزب؟.(هذا السؤال وجهه بيريا ليفدوكيموف سكرتير المنظمة الحزبية لمنطقة بحرآزوف والبحر الاسود).
وسأله ايضا:_كيف رفعتم أسيلوف بعد ان طردناه من الحزب؟.ويذكر ستالين بقية ملاحظات بيريا:_بناءا على اوامر الرفيق ستالين بالعمل بين الكوادر،تم كشف سبعة اعضاء من اللجنة المركزية للحزب في جورجيا،وعضوين من لجنة المدينة في تفليس.وفي عام1936 تم اعتقال1050من التروتسكيين والزينوفييفين".
انها واحدة من انجازات ومآثر بيريا ،وعجلة التنكيل والرعب بالكاد بدأت!.
ورغم ان بيريا بدأ حياته السياسية بالعمل الحزبي،الا انه كان يجسد بنموذجية شخصية عنصر الامن القمعي في نظام بيروقراطي مستبد بكل تجلياتها.لقد كان بيريا جلادا جاهزا حالما خرج للحياة!.هذا المسخ البشري المنحط،كان كثير المداهنة والتملق لستالين،وينفخ في نرجسية الزعيم،ويضخم في مزايا القائد الخارقة والعظيمة!.وكمثال على ذلك،نذكر حادثة تدعو للضحك،وكدليل على الانحطاط والبؤس الذي وصل اليه حزب لينين في زمن الاوغاد!.ففي احد جلسات ستالين التي فرضها على بطانته وجوقه المزمر:بيريا،وخروشوف،وفورشيلوف،وجدانوف،ومولوتوف،وكاغانوفيتش،وقبيل المؤتمر الثامن عشر للحزب،حيث اسرف الجميع بكيل المديح ،وابداء آيات الاعجاب،بتقرير ستالين الملهم،والذي سيلقيه في المؤتمر.لكن ستالين فاجئهم ممتعضا وهو يقول:_ان هذا النص الذي بين ايديكم قد الغيته،وانتم تهللون..والنص الذي سأقره مختلف تماما!.
وجم الجميع مذهولين ومحرجين،بحماقة ما قالوا،ولكن بيريا الداهية انقذ الموقف،بحضور بديهيته التي اكتسبها من مسح جوخ ستالين،رد بسرعة
:_يدكم واضحة،حتى في هذا النص.وان انتم غيرتموه،يمكننا تصور كم سيكون رائعا"!!.فالقائد العظيم لايخطيء ابدا،وهو دوما على حق،وحتى اخطاءه-حاشا ان تكون له اخطاء!-ليست اخطاء بل درر من الانجازات والمآثر الفريدة!!.
لم يكن بيريا يحمل شيئا من الحب تجاه ستالين قطعا،ولكنها الخشية والخوف من بطشه،مع التمتع بدفء السلطة تحت ظله!.
ومن اجل كسب المزيد من الثقة والحظوة والاهمية،كان بيريا يثير الشكوك لدى ستالين بمن حوله،ويضع علامات الاستفهام الكثيرة على اشخاص من قيادات وكوادر الحزب،ويزود بالوشايات والدس قدوته الرفيعة في الشر والقسوة..
في منتصف الثلاثينات لم يكن احدا يعرف شيئا عن بيريا،ومهاراته في التلصص والمراقبة والتحقيق،وكشف ماتخبئه المظاهر والضمائر!.
توافق تعيينه مفوضا للشؤون الداخلية مع صدور قرار اللجنة المركزية،ومجلس مفوضي الشعب في17/11/1938حول:"دور المدعين العامين في المراقبة والاعتقال والتحقيق"!._يبدو ان مايعنيه جوهر الاشتراكية حقا لدى "محاكم التفتيش" في الحزب هو :المراقبة والاعتقال والتحقيق والتعذيب والاعدامات والنفي لمعسكرات العمل،ولاشيء اهم من ذلك،فيالها من غاية نبيلة!،ويالها من وسائل انبل للوصول اليها!!!_.
بعد المؤتمر الثامن عشر حاول النظام الستاليني ان يضفي على سحنته البشعة شيئا من مساحيق العدالة التجميلية!.كمادة للاستهلاك الاعلامي الداخلي والخارجي،فقد رد الاعتبار لبعض الابرياء الذين حوكموا ظلما،وهم من الشخصيات العسكرية،وايضا بعض الشخصيات الاكاديمية والمثقفين والعلماء،مثل:غورباتوف،وتوبوليف،وكوروليوف،وغيرهم،وليس الامر صدفة !فالحرب كانت على الابواب،والجيش الاحمر في منتهى الضعف والانهاك بعد حملات التطهير والاعدامات الواسعة،لقادة الجيش،والتي جعلت منه جسما واهنا بلا رأس!.
كل هذا كان نقطة في بحر الذين اعدموا ،والموجودين في المعتقلات ومعسكرات الغولاغ!
وقد انتظر مئات الالوف الذين ظلوا قابعين في السجون انتهاء مدة عبوديتها ومعاناتها،انتظرت شيئا من العدل دون جدوى وكان انتظارهم طويلا لحين المؤتمر العشرين الذي فرج كربتهم،ولكن النظام بعد ستالين هو نفسه بقى مخلصا لماضية الستاليني فهو جزءا من تركته الثقيلة،فالخلف هو نتاج السلف ووريثه،وان كان اخف درجة،وبوجه مصبوغ بقناع جديد!..
هذا الحجم الهائل من انتهاك وظلم وابادة حيوات الناس،والاستبداد وخنق الحريات وسحق الحقوق،والتعسف الذي تعرض له بلاشفة شرفاء من الرعيل الاول،وحتى ستالينيون،وجماهير غفيرة من الشعب العامل،لايمكن تحميل مسؤوليته بعاتق اشخاص وافراد مثل:ياغودا،ويوجوف،وبيريا،بل كان متغلغلا في بنية النظام ومؤسساته السياسية والاقتصادية والايديولوجية،تربعت فوقها حفنة من بيروقراطيو الحزب والدولة،وقف خلفهم كاهنهم الاكبر،كمستبد شرقي،وهو من اطلق العنان لوحشية ضباع مسعورة التهمت حملان وارانب داخل حضيرة مغلقة!!.
لم يكن ستالين عديم الرحمة مع خصومه السياسيين فحسب،بل كان يعتبر اي وجهة نظر مغايرة لتصوراته وآرائه مهما بلغت من بساطتها او صوابها،هي تحريف وانتهازية ومعادية لمشروعه(الاشتراكي)لحد التخوين وتشويه السمعة السياسية والاخلاقية والابادة الجسدية!.
فشخصية ستالين المركبة والمهزوزة نفسيا،وافلاسه الوجداني،كان يفرض عليه ان يعد الطاعة المطلقة لشخصه كقيمة عليا،واهم من كل ترهات وقشور الليبرالية من حقوق انسان وحريات تعبير واختلاف رؤى وتنوع آراء،كما يؤمن هو!.
ولم ينتبه احد للخطر الداهم بتفرد ستالين السلطوي-لينين فقط انتبه لذلك بعد ستة اشهر من تعيين ستالين بمنصب الامين العام،لكن الموت عاجله قبل ان يستطيع التغيير،وحتى رسالته الى المؤتمر طواها النسيان وتجاهلها الجميع في حينه بعد هرجة الصراعات والمساومات والتكتلات ولم يلتزم بها او بتنفيذها احد،وتذكروها بعد فوات الاوان!-..
فلم تكن هناك مؤسسات ديمقراطية ومجالس تصنع القرار،ومنظمات جماهيرية و مجتمع مدني،وغير ذلك،تمنع او تعيق تغول وتكلس بيروقراطية السلطة التي زرعها ستالين،ونمت كعشب شيطاني كثيف.
وابتلعت تلك الفئة الضخمة من البيروقراطية الحاكمة كل الحزب والدولة والمجتمع
وجلست تنتظر الخراب المقبل!!!!!!!.
.......................................................
وعلى الاخاء نلتقي....