تعليقا على بعض النقاط فى - عاشت اللينينيّة ! - و - إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعية العالمية -


ناظم الماوي
2015 / 11 / 19 - 21:36     

تعليقا على بعض النقاط فى " عاشت اللينينيّة ! " و " إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعية العالمية "


" كان ماركس قبل كل شيء ثوريا "
( إنجلز ، " خطاب على قبر كارل ماركس " )
-------------------
" الإنتهازية هي تضحية المصالح الأساسيّة من أجل مكاسب مؤقتة و جزئية "
(لينين،" خطاب فى مؤتمر الملاكات النشطة فى منظمة موسكو للحزب الشيوعي الروسي( البلشفي ) " – ذكره " عاشت اللينينية ! " ).
------------------------
على الشيوعيين أن يكونوا مستعدين فى كلّ وقت للتمسّك بالحقيقة ، فالحقيقة ، أيّة حقيقة ، تتفق مع مصلحة الشعب . و على الشيوعيين أن يكونوا فى كلّ وقت على أهبة لإصلاح أخطائهم ، فالأخطاء كلّها ضد مصلحة الشعب .
( ماو تسى تونغ ، " الحكومة الإئتلافية " ، 24 أبريل - نيسان 1945 ، المؤلفات المختارة ، المجلّد الثالث ).
------------------------------

كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية .
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005).



المقدّمة :
فى كتاب شادي الشماوي " نضال الحزب الشيوعي الشيني ضد التحريفية السوفياتيّة 1956-1963، تحليل و وثائق تاريخيّة "، نعثر على معلومات دقيقة و مفيدة كثيرة و كثيرة جدّا . فمن ناحية ، يمدّنا هذا الكتاب القيّم بوثائق تاريخيّة كانت و لا تزال من أهّم وثائق الجدال الكبير الماركسي- اللينيني - الماوي ضد التحريفيّة السوفياتية فى خمسينات القرن الماضى و ستّيناته و لم تنل حظّها من الرواج على نطاق واسع على الصعيد العربي ، لا بل نالت التشويه و الإفتراء عليها من جهات عديدة ومنها الذين يدّعون الماركسيّة – اللينينيّة و حتّى الماركسية - اللينينيّة - الماوية . و من الناحية الأخرى ، يربط بين الماضى الوضّاء للشيوعية الماوية الثوريّة و بين حاضر الحركة الماوية العالمية و التقييمات النقديّة من وجهة نظر شيوعية ثوريّة لتلك الوثائق التاريخية .
و بالإمكان طبعا قراءة وثائق هذا الكتاب من عدّة زوايا . فمن أراد التثبّت من مواقف معيّنة تاريخيّا ، يجد فى الكتاب ضالته و من يرغب فى عقد مقارنة بين ما قيل إفتراءا عن المواقف الماويّة من التحريفيّة السوفياتية ، لا سيما من قبل الخوجيين بأصنافهم و " البلاشفة " بتلويناتهم ، لن يعوزه قدر هام من المعلومات التى لا ريب فيها و لا شكّ . و الذى يتطلّع لدراسة تطوّر المواقف و التحاليل الماوية فى خمسينات القرن العشرين و ستّيناته و سبعيناته و بعد ذلك إلى يومنا هذا ، سيستفيد أيّما إستفادة من ما يضعه الكتاب بين يديه من معطيات تاريخيّة ثابتة . و الذى يرنو إلى الإطلاع على نقد الماويّين للوثائق الماوية الصينيّة المتضمّنة فى كتاب شادي الشماوي و ربّما دراستها ، يعثر على ما يسرّه .
بإختصار ، يمكن للقّراء و الباحثين و الناقدين قراءة هذا الكتاب من جوانب متنوّعة و متباينة لكن قائمة على حقائق موثّقة ، لا على أوهام أو إفتراءات مقصودة لتشويه الروح الشيوعية الثوريّة للماويّة بما هي مرحلة ثالثة من الماركسية – اللينينيّة – الماويّة التى تطوّرت أكثر اليوم على أيدى بوب أفاكيان و صارت الخلاصة الجديدة للشيوعية شيوعية اليوم الأكثر تقدّما و رسوخا علميّا.
أمّا نحن ، فى هذا المقال ، فسنسعى بإقتضاب شديد إلى تركيز جملة من الأفكار الهامة التى تساعدنا اليوم فى محاربة التحريفيّة و الدغمائيّة صلب الحركة الماوية خاصّة و الحركة الشيوعية العربيّة و العالمية عامة و فى نشر الشيوعية الثوريّة سلاحا نخوض به كفاحا فى سبيل تغيير العالم تغييرا ثوريّا غايته الأسمى ليست أقلّ من الشيوعية على الصعيد العالمي .
1- التحريفية هاجمت اللينينية و تهاجمها و ستظلّ تهاجمها :
" إنّ إنتصار اللينينيّة قد هلّلت له شعوب العالم أجمع ، و فى نفس الوقت لا يمكن إلاّ أن يستثير حقد المستعمِرين و جميع الرجعيَين . و قد شنّ المستعمِرون ، لإضعاف نفوذ اللينينيّة و شلّ الإرادة الثوريّة للجماهير الشعبيّة ، أشدّ الهجمات و الإفتراءات بربرية و حقارة ضد اللينينيّة ، و أكثر من ذلك ، إشتروا و إستغلّوا المتذبذبين والمرتدّين داخل الحركة العمّالية، و وجّهوا هؤلاء لتشويه و تمييع تعاليم لينين . و عند نهاية القرن التاسع عشر ، عندما هزمت الماركسية مختلف الإتجاهات المعادية لها ، و إنتشرت بإتّساع فى الحركة العمّالية ، و إحتلّت مكان الصدارة ، قام المحرّفون الذين كان يمثّلهم برنشين بتحريف تعاليم ماركس تلبية لحاجات البرجوازية . و الآن حيث أرشدت اللينينية الطبقة العاملة و جميع الطبقات و الأمم المضطهَدة فى العالم ، فى المسيرة ضد الإستعمار و جميع أنواع الرجعيين ، و أحرزت إنتصارات كبرى ، قام المحرّفون المعاصرون الذين يمثّلهم تيتو بتحريف تعاليم لينين( أي التعاليم الماركسية العصرية)، تلبية لحاجات المستعمِرين . " ( " عاشت اللينينية ! " ).
اللينينية تطوير خلاّق و مبدع للماركسية و هي المرحلة الثانية فى تطوير علم الشيوعية . و فى الماضي سعى أعداء الشيوعية إلى تشويه اللينيني و تمييعها فإدعى البعض من المتمركسين أنّها تتعارض و الماركسية و زعم آخرون أنّها متطرّفة و " دكتاتورية " . و روّج المحرّفون المعاصرون وصولا إلى يوم الناس هذا إلى أنّ اللينينية " لا تلائم العصر " . و طبعا مثلما حاول أعداء علم الشيوعية أن يستغلّوا مقولات و أفكار لماركس و يقتلعوها من إطارها و سياقها ليعارضوا بها اللينينيّة كذلك فعل الخوجيّون مع لينين الذى عملوا على جعله معارضا لماو تسى تونغ بينما ماو تسى تونغ هو المتمّم لعمل لينين و المطوّر للماركسية – اللينينيّة إلى مرحلة ثالثة .
و كي يمرّروا خطوطهم التحريفية و الإصلاحيّة ، يضطرّ المحرّفون للشيوعية إلى مهاجمة اللينينيّة بصفة مباشرة أو بصفة غير مباشرة . وقد يدّعى البعض تبنّيها فى الأقوال و يهاجمها فى الأفعال . و يضطرّ إضطرارا الكثير من التحريفيين إلى التعويل على الإنتقائيّة بمعنى إنتقاء و إخيار بعض المقولات اللينينيّة و التنكّر إلى الأخرى ليطلوا أنفسم بطلاء لينيني و هم فى الواقع يشوّهونه أشدّ التشويه . إلاّ أنه بالنسبة لمن يدرس موضوعيّا وبعمق اللينينيّة يكتشف أنّ مبادئها الصحيحة الواردة فى أمّهات أعمال لينين تقف بجلاء ضد التحريفيّة و الإصلاحيّة .
و بما أنّ المبادئ اللينينيّة ثوريّة ، ليس حاضرا فقط بل أيضا مستقبلا ، سيعمد المحرّفون لعلم الشيوعية إلى مهاجمة اللينينيّة بشكل أو آخر ، فى فترة أو أخرى ، لذلك على الماركسيين – اللينينيين – الماويين و لا سيما أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية أن يبذلوا قصارى الجهد للدفاع عن اللينينيّة بما هي جسر بين الماركسية و الماوية و جزء لا يتجزّأ من علم الشيوعية المتطوّر أبدا .
2- تحطيم الدولة القديمة و تشييد دولة جديدة ثوريّة خطّ فاصل بين الماركسيين و الإنتهازيين و التحريفيين :
" إذا كانت الكومونة ستدمّر فمعنى ذلك أنّ النضال سيؤجّل فقط . إنّ مبادئ الكومونة خالدة لا تفنى و ستعرض هذه المبادئ نفسها مرّة أثر مرّة أخرى حتى تتحرّر الطبقة العاملة ".( " خطاب لماركس حول كومونة باريس ".)
فما هو أعظم مبادئ الكومونة اهمّية ؟ إنّه ، طبقا لما قال ماركس ، إنّ الطبقة العاملة لا تستطيع مجرّد الإستيلاء على جهاز الدولة القائم و إستخدامه لأغراضها الخاصة . و بكلمة أخرى ، إنّ على البروليتاريا ان تستخدم الأساليب الثوريّة للإستيلاء على سلطة الدولة و أن تسحق الجهاز العسكري و البيروقراطي للبرجوازية و تقيم ديكتاتورية البروليتاريا لتحلّ محلّ ديكتاتورية البرجوازية . وأي شخص ملمّ بتاريخ نضال البروليتاريا يعلم أنّ هذه المسألة الأساسيّة على وجه التحديد، هي التى تشكّل الخطّ الفاصل بين الماركسيين من جهة ، و الإنتهازيّين و المحرّفين من جهة أخرى ..." ( " عاشت اللينينية ! " دار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن 1960 ) .
هذه الكلمات دبّجها مؤلّفو " عاشت اللينينيّة ! " سنة 1960( الفصل الثاني من كتاب شادي الشماوى المشار إليه أعلاه ) ليعيدوا إلى أذهان الشيوعيين عبر العالم الدرس المحوري الذى إستخلصه ماركس من الكمونة . و يذهب ما أطلق عليه الماويّون الصينيّون " أعظم مبادئ الكمونة أهمّية " مباشرة ضد الخطّ التحريفي السوفياتي . فقد سعت التحريفيّة المعاصرة و على رأسها التحريفيّة السوفياتيّة إلى إهالة التراب على هذا المبدأ القائل بضرورة تحطيم الدولة القديمة و إنشاء دولة جديدة تخدم المصالح العاجلة و الآجلة للطبقات الشعبيّة والثورة البروليتارية العالمية و الهدف الأسمى ، الشيوعية على النطاق العالمي ؛ و إلى تعويضه بالنظريّة الإستسلامية للإنتقال السلمي إلى الإشتراكية .
و قد شدّد لينين فى " الدولة و الثورة " التشديد كلّه على هذا المبدأ الماركسي و لو تهاون البلاشفة فى تبنّى هذا المبدأ و تكريسه لما حدثت الثورة البلشفية ، ثورة أكتبر 1917 فى روسيا . و بيّن التاريخ أنّ ما من ثورة بروليتاريّة جدّت فى القرن العشرين إلاّ و وضعت هذا المبدأ موضع الممارسة العمليّة فى حين أنّ من تخاذلوا و وضعوا هذا المبدأ جانبا و بالتالى حرّفوا الماركسية – اللينينيّة سقطوا فى الإصلاحيّة و باتوا شاؤوا أم أبوا خدما لأعداء الثورة البروليتارية العالمية .
و فى أيامنا هذه ، لا تزال مهمّة إلحاق الهزيمة بالتحريفيّة و الإصلاحية المهيمنتين على الحركة الشيوعية العالمية و منها العربيّة ورفع راية هذا المبدأ الشيوعي من أوكد مهام الشيوعيين الثوريين حقّا ، قولا و فعلا . أنظروا حولكم سترون عديد الفرق المتمركسة التى تدّعى زورا وبهتانا أنّها ماركسية وهي لا تخجل من طعن الماركسيّة فى القلب و تتنازل عن هذا المبدأ .
وقد زوّر الكثير من المتمركسين أعظم دروس كمونة باريس ليحوّلوها ، من منظور ديمقراطي البرجوازي باتوا يتبنّونه عمليّا دون التصريح العلني بذلك ، إلى الإنتخابات المباشرة للموظّفين و إمكانيّة عزلهم ، و ليحاولوا تقديم الكمونة التى لم تعمّر سوى شهرين و نيّف على أنّها أرقى من تجربة الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي زمن لينين و ستالين و تجربة الإشتراكية فى الصين الماوية . و قد بلغ الأمر أن تنازلت حتّى فرق تزعم تبنّى الماويّة عن هذا المبدأ الشيوعي بإسم التكتيك و المرونة و ما إلى ذلك من ترهاتها التحريفية و الإصلاحية .
لذا يملى علينا الواجب الشيوعي الثوري أن نسلّط الضوء مجدّدا على هذا المبدأ و كلّما سنحت الفرصة و فرضت ذلك مجريات الصراع الطبقي و صراع الشيوعيّات و الشيوعيين الحقيقيين ضد أرهاط التحريفية و الإصلاحيّة التى خرّبت الحركة الشيوعية من الداخل .
3- مسألة سلطة الدولة و دكتاتورية البروليتاريا :
" إنّ المسألة الأساسيّة فى جميع الثورات هي مسألة سلطة الدولة . فقد أظهر لينين بصورة شاملة و نفاذة أن المسألة الأساسيّة فى الثورة البروليتارية هي ديكتاتورية البروليتاريا . و ديكتاتورية البروليتاريا التى تقام بواسطة سحق جهاز الدولة لديكتاتورية البرجوازية بالوسائل الثوريّة هي تحالف من نوع خاص بين البروليتاريا و بين الفلاّحين و جميع الشغّيلة الآخرين . إنّها إستمرار للنضال الطبقي بشكل آخر فى ظلّ ظروف جديدة ، و هي تتضمّن نضالا دائبا ، دمويّا و غير دموي ، عنيفا و سلميّا ، عسكريّا و إقتصاديّا، ثقافيّا و إداريّا ، ضد مقاومة الطبقات المستغلّة ، و ضد العدوان الأجنبي و ضد قوى و تقاليد المجتمع القديم . و بدون ديكتاتورية البروليتاريا ، و بدون حشدها الشغّيلة حشدا تاما فى هذه الجبهات لخوض هذه النضالات التى لا يمكن تجنّبها بعناد و إصرار ، لا يمكن أن تكون هناك إشتراكية و لا يمكن أن يكون هناك إنتصار للإشتراكية ."
غالبا ما تعرّضت " دكتاتوريّة البروليتاريا " إلى الهجوم المسعور ليس من الإمبريالية و الرجعيّة وحسب و إنّما أيضا من التحريفيين الذين تنكّروا لها على أنّها مقولة تجاوزها العصر الذى يتطلّب الديمقراطية ( و يقصدون الديمقراطية البرجوازية ) . و ترافق ذلك التنكّر طبعا بإلغاء ضرورة إستيلاء البروليتاريا و حلفاؤها على سلطة الدولة لتشييد دولة و مجتمع جديدين غايتهما الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي . أنظروا يمينا و شمالا و شرقا و غربا ، سترون المتمركسين مكتفين بالعمل فى إطار الدول القائمة التى يقودها رؤساء أو ملوك ...
و يوجّه المقتطف أعلاه ضربة أخرى إلى التروتسكيّة حيث يدافع عن دكتاتوريّة البروليتاريا مثلما فعل لينين ، على أنّها " تحالف من نوع خاص بين البروليتاريا و بين الفلاّحين و جميع الشغّيلة الآخرين " .
و اللافت هنا أنّ فى الفقرة المقتطفة أعلاه ثمّة إستمرار و قطيعة ، إستمرار فى إعتبار المجتمع الإشتراكي مثل لينين مجتمعا طبقيّا . و فى نفس الوقت يمثّل ذلك قطيعة مع فهم ستالين للإشتراكية منذ أوساط ثلاثينات القرن العشرين على أنّها مجتمع لا يتضمّن سوى طبقتين هما العمّال و الفلاّحون و فئة الإنتلجنسيا . و من هنا ينطوى المقتطف إيّاه على خطوة جديدة فى تطوّر الفهم الماوي للإشتراكية سيتعمّق فى السنوات التالية و فى خضمّ الثورة الثقافيّة البروليتارية الكبرى بالصين 1966- 1976 . والصيغة التى شملت هذا التطوير هي" إنّها إستمرار للنضال الطبقي بشكل آخر فى ظلّ ظروف جديدة ، و هي تتضمّن نضالا دائبا ، دمويّا و غير دموي ، عنيفا و سلميّا ، عسكريّا و إقتصاديّا ، ثقافيّا و إداريّا ، ضد مقاومة الطبقات المستغلّة ، و ضد العدوان الأجنبي و ضد قوى و تقاليد المجتمع القديم ".
4 - عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية :
" و حول الخصائص التى تميّز عصرا ما قال لينين :
" ... نحن نتكلّم هنا عن العصور التاريخية الكبرى ، ففى كلّ عصر كان هناك ، و سيكون هناك ، حركات منفصلة جزئية إلى الأمام أحيانا و إلى الوراء أحيانا أخرى ، و كانت هناك ، و ستكون هناك ، إنحرافات مختلفة عن النوع العادي و السرعة العادية للحركات . و نحن لا نستطيع أن نعرف سرعة تطوّر مدى نجاح بعض الحركات التاريخيّة فى عصر ما ، و لكنّنا نستطيع أن نعرف ، و أن نعرف حقّ المعرفة ، أيّ الطبقات تحتلّ المكانة الرئيسية فى هذا العصر أو ذاك ، و تقرّر محتواه الرئيسي و الإتّجاه الرئيسي لتطوّره ، و الميزات الرئيسية للوضع التاريخي فى ذلك العصر إلخ . و على هذا الأساس فقط ، أي بإعتبار ، أوّلا و قبل كلّ شيء ، الخصائص الأساسيّة المميّزة " لعصور " مختلفة ( و ليس أحداثا منفردة فى تاريخ بلدان منفردة ) نستطيع رسم تكتيكاتنا بصورة صحيحة..." . ( " تحت علم الآخرين " )
إنّ مسألة العصر هي كما يشير لينين هنا ، مسألة ما هي الطبقة التى تحتلّ المكانة الرئيسية فيه و تقرّر فيه محتواه الأساسي و إتجاهه الرئيسي فى التطوّر .( " عاشت اللينينيّة !" )
" لقد أكّد لينين أنّ الإستعمار هو رأسمالية إحتكارية طفيليّة أو متعفّنة محتضرة ، و أنّه المرحلة الأخيرة من مراحل تطوّر الرأسمالية ، و لهذا فإنّه عشيّة الثورة البروليتارية . و يمكن الوصول إلى تحرّر البروليتاريا عن طريق الثورة فقط و ليس عن طريق الإصلاح بالتأكيد . و على حركات تحرّر البروليتاريا فى البلدان الرأسمالية أن تتحالف مع حركات التحرّر الوطني فى المستعمرات و البلدان التابعة ، و هذا التحالف يمكنه سحق تحالف المستعمِرين مع قوى الإقطاع و الكمبرادور و الرجعية فى المستعمرات والبلدان التابعة ولهذا فإنّه سيضع لا محالة حدّا نهائيّا للنظام الإستعماري فى العالم أجمع ." ( نفس المصدر السابق )
هنا يربط لينين بين الإمبريالية و الثورة البروليتاريّة العالميّة . و بكلمات أخرى ، عصرنا لا يزال عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية كوحد أضداد ، كتناقض بين السائد ، الإمبريالية ، و نقيضه الثورة البروليتارية . و يمضى هذا ضد المتمركسين التحريفيين و الإصلاحيين الذين تنكّروا للثورة البروليتاريّة العالميّة و أضحوا لا يتحدّثون سوى عن عصر الإمبريالية و كأنّها نهاية التاريخ و ليست كما يقول لينين " عشيّة الثورة البروليتاريّة " و إن تحدّثوا عن الثورة البروليتارية فيلقون بها فى غياهب المستقبل غير المحدّد ولا يربطون بين واقعهم الآني و هذه الثورة البروليتاريّة العالمية. وثمّة رهط آخر من المحرّفين للشيوعية يمارس الإنعزاليّة و القوميّة يغرق إلى العنق فى متاهاتهما و يتناسى البعد الأممي البروليتاري لأيّة ثورة بروليتاريّة حقيقيّة .
و مثلما ورد فى كلام الماويين الصينيين ، يؤكّد لينين ، تتشكّل الثورة البروليتارية العالمية من تيّارين متكاملين هما " حركات التحرّر الوطني " و " حركات تحرّر البروليتاريا " و كلاهما يناضلان من أجل " سحق تحالف المستعمِرين مع قوى الإقطاع والكمبرادور والرجعية فى المستعمرات و البلدان التابعة ".
و يستدعى وضع حدّ " نهائيّا للنظام الإستعماري فى العالم أجمع " تحالف التيّارين . و هذه صيغة أخرى من صيغ الجبهة العالمية المناهضة للإمبريالية و الرجعيّة التى تختلف و تتضارب مع تكتيك الجبهة العالميّة ضد الفاشيّة التى ناقشنا مطوّلا فى أماكن أخرى ( مثلا كتاب " آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم الشيوعية " و كتاب " لا لتشويه الماوية و روحها الشيوعية الثوريّة : كلّ الحقيقة للجماهير " ) و التى مثّلت أحد أهمّ الأخطاء التاريخيّة للحركة الشيوعية العالمية .
5 - حزب شيوعي ثورة بروليتاريّة أم حزب تحريفي إصلاحي فى خدمة الإمبريالية و الرجعيّة :
" لقد إعتبر لينين إنشاء البروليتاريا حزبها السياسي ، حزبها الثوري الحقيقي الذى ينبذ الإنتهازيّة نبذا تاما ، أي حزبها الشيوعي ، أمرا ذا أهمّية رئيسية إذا ما أريد للثورة البروليتارية أن تتحقّق ولديكتاتورية البروليتاريا أن تقام و تتوطّد . و الحزب الشيوعي هذا متسلّح بنظرية المادية الديالكتيكية و المادية التاريخية الماركسيّتين . و برنامجه هو تنظيم البروليتاريا و جميع الشغيلة المضطهَدين من أجل النضال الطبقي و إقامة حكم البروليتاريا والمرور عبر الإشتراكية للوصول إلى الهدف النهائي وهو الشيوعية . و على هذا الحزب السياسي أن يرتبط بالجماهير إرتباطا وثيقا ، و يعير أهمّية كبرى لمبادراتها الخلّاقة فى صنع التاريخ ، و عليه أن يعتمد بصورة وثيقة على الجماهير فى الثورة ، و كذلك فى البناء الإشتراكي و الشيوعي ."
منذ عقود الآن ، برزت تيّارات تشكّك فى ضرورة الحزب الشيوعي الثوري كطليعة تعمل من أجل إنجاز الثورة و المضيّ قدما صوب الشيوعية . فظهر تيّار فوضوي يعدو إلى المجالس العمّاليّة دون قيادة حزب بروليتاري و صداه لا يزال يتردّد إلى اليوم بفعل خيانات الأحزاب المتمركسة – ضمن عديد الأسباب الأخرى – فى الوطن العربي مثلا . كما إزدهرت منذ سبعينات القرن الماضي ، فكرة الجبهات عوض الأحزاب لا سيما فى أمريكا الجنوبية و فى التجربة الفلسطينية .
هذا من جهة و من الجهة الأخرى تشكّلت عدّة أحزاب إدّعت أنّها شيوعيّة و الشيوعية منها براء إذ هي ليست " أحزابا ثوريّة حقيقيّة تنبذ الإنتهازية " ب هي العكس تماما ، أحزاب إصلاحيّة تتمرّغ صباح مساء فى الإنتهازية و هي منتشرة فى أقطار الوطن العربي وهي طبعا لا تعمل على " تحقيق الثورة " و " إقامة دكتاتورية البروليتاريا و توطيدها " بل تمدّ يد العون للقوى المأبّدة للوضع السائد و تتجاهل كلّيا دكتاتورية البروليتاريا أو تعدّها مقولة عفا عليها الزمن . و نظرتها للعالم نظرة أبعد ما تكون عن المادية الجدلية فتجدها أحيانا " مسلمة " القيادات و براغماتيّة السياسات و ديمقراطية برجوازية الغايات . نلفيها لا تناضل من أجل الشيوعية بل ضد الشيوعيين و الشيوعيّات الحقيقيين خدمة لأعداء الشيوعية من إمبرياليين و رجعيين. و الأمثلة على ذلك كثيرة فى الأقطار العربية و عبر العالم .
6- العنف الثوري و العنف الرجعي :
" ما هو العنف ؟ لقد قال لينين الكثير حول المسألة فى كتابه " الدولة و الثورة ". إنّ ظهور و وجود الدولة بحدّ ذاته هو نوع من أنواع العنف . لقد أورد لينين التوضيح التالي الذى جاء به إنجلز:
" تألّف هذه السلطة لا من مجرد رجال مسلّحين ، بل و من ملحقات ماديّة كالسجون و المؤسسات القسريّة من جميع الأنواع ..."
و يعلّمنا لينين أنّ علينا أن نرسم خطّا مميّزا بين نوعين من أنواع الدولة يختلفان فى طبيعتهما : دولة ديكتاتورية البرجوازية و دولة ديكتاتورية البروليتياريا ، و بين نوعين من العنف يختلفان فى طبيعتهما : العنف المعادي للثورة و العنف الثوري ، فطالما كان هناك عنف معاد للثورة فمن المحتّم أن يكون هناك عنف ثوري لمقاومته . و من المستحيل سحق العنف المعادي للثورة بدون عنف ثوري . إنّ الدولة التى تمسك بزمام السلطة فيها الطبقات المستغِلّة هي عنف معاد للثورة ، هي قوة خاصة لقمع الطبقات المستغَلة لمصلحة الطبقات المستغِلة. و قبل أن يمتلك المستعمِرون قنابل ذريّة و أسلحة صاروخية ، و منذ أن إمتلكوا هذه الأسلحة الجديدة ، كانت الدولة الإستعمارية دائما قوّة خاصة لقمع البروليتاريا فى الداخل و شعوب مستعمراتها و أشباه مستعمراتها فى الخارج ، و كانت دائما مؤسسة للعنف على هذا الشكل، و حتى لو أجبر المستعمِرون على عدم إستخدام هذه الأسلحة الجديدة فستبقى الدولة الإستعماريّة، بطبيعة الحال ، مؤسّسة إستعمارية للعنف طالما لم يطح بها و لم تستبدل بدولة شعبيّة ، بدولة ديكتاتورية البروليتاريا فى ذلك البلد ." ( نفس المرجع السابق )
عادة ما تتكرّر على مسامع المتابعين لتصريحات المتمركسين معزوفة " معاداة العنف " دون تمييز هل انّ العنف الذى يتحدّثون عنه عنف ثوري أم عنف رجعي بينما اللينينيون الحقيقيّون يفرّقون بين الإثنين و يقفون مبدئيّا و دون تردّد مع العنف الثوري ضد العنف الرجعي الذى يندّدون به . و يطمس المتمركسون جوهر الدولة العنيف و بكلامهم عن معاداة العنف بشكل عام يطمسون حقيقة أن الدول القائمة تمارس العنف الرجعي طوال الوقت و أنّ مهمّتها و جوهرها هو ممارسة العنف بأشكال مختلفة و متعدّدة و متفاوتة حسب تطوّر الصراع الطبقي خدمة للرجعيّة و الإمبريالية ضد القوى و الطبقات الثوريّة أساسا و أحيانا حتّى الإصلاحيّة أو الرجعية .
من يضع نفسه ضد العنف مطلقا ، يشرّع لعنف الدول القائمة و يقبل به و فى نهاية المطاف يسانده و لا يدعو و يكرّس ما يجب تلبية لضرورة العنف الثوري الجماهيري و المنظّم و الدكتاتورية ضد الطبقات الإمبريالية و الرجعية المحلّية و العالمية و من ثمّة لا يناضل من أجل دكتاتورية البروليتاريا و الهدف الأسمى الشيوعي لمجتمع خالى من الطبقات .
و تتّخذ حدّة العنف الرجعي أشكالا متنوّعة و درجات حسب متطلّبات الطبقات الرجعية و مصالحها و قد يبلغ هذا العنف درجة شنّ الحروب و منها الحروب الأهليّة و " كما أوضح لينين ، " الطبقات الرجعية نفسها هي البادئة دائما فى إستخدام العنف ، و إشعال الحرب الأهلية ، و هي البادئة فى " وضع الحراب فى جدول الأعمال" ". ( "خطّتان للحزب الديمقراطي الإجتماعي فى الثورة الديمقراطية " – ذكره " عاشت اللينينيّة ! " ).
" إنّ الحرب هي أكثر أشكال التعبير عن العنف حدّة . و أحد أنواعها هو الحرب الأهليّة ، و النوع الآخر منها هو الحرب الخارجية . و العنف لا يعبّر عنه دائما بالحرب ، وهي أكثر أشكاله حدّة ، ففى البلدان الرأسمالية تكون الحرب البرجوازية إمتدادا لسياسة البرجوازية فى الأوقات العادية ، بينما يكون السلم البرجوازي إمتدادا لسياسة البرجوازية زمن الحرب . و البرجوازيون يروحون و يجيئون دائما بين الشكلين ، الحرب و السلم ، لإستمرارهم فى حكم الشعب و من أجل نضالهم الخارجي . ففى الوقت الذى يسمّى وقت سلم ، يعتمد المستعمِرون على القوّة المسلّحة لمعاملة الطبقات و الأمم المضطهَدة بأشكال من العنف مثل الإعتقال و السجن و الحكم بالأشغال الشاقة و التذبيح إلخ ... بينما يقومون فى الوقت ذاته بإستعدادات لإستخدام أكثر أشكال العنف حدّة - الحرب - لقمع ثورة الشعب فى الداخل ، و لممارسة النهب فى الخارج ، و للتغلّب على المنافسين الأجانب ، و لكبح الثورات فى البلدان الأخرى ، أو يلجأون فى وقت واحد إلى السلم فى الداخل و إلى الحرب فى الخارج ." ( " عاشت اللينينيّة !" )
7- النضال ضد التحريفيّة نضال لا هوادة فيه :
لقد علّمنا لينين أنّ النضال ضد الإمبريالية يمرّ حتما بالنضال ضد الإنتهازية . و فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ، يمرّ النضال ضد الإمبريالية والرجعية بالنضال ضد الإنتهازية اليمينيّة واليسارية. وهو نضال لا مفرّ منه و لا هوادة فيه و يجب خوضه بوعي تام ، و ليس فحسب فى ظلّ الدول الإمبريالية و الرجعيّة و إنّما كذلك فى ظلّ الدول الإشتراكية و داخل صفوف الحزب الشيوعي نفسه . و الفكرة الأخيرة المعبّرة عن حقيقة عميقة من حقائق نظريّة و ممارسة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا قد طوّرها ماو تسيى تونغ خاصة فى خضمّ الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى فى الصين 1966-1976 وهي من أهمّ تطويراته لعلم الشيوعية التى إرتقت بالماركسيّة – اللينينيّة إلى مرحلة جديدة ثالثة هي الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة المتطوّرة أبدا و روحها الثوريّة المتقدّمة اليوم طوّرتها و تعبّر عنها الخلاصة الجديدة للشيوعية لبوب أفاكيان .
واعين لخطر التحريفيّة و إمكانيّة تحويلها للأحزاب البروليتارية إلى أحزاب برجوازية و تحويل الشيوعيين إلى برجوازيين ديمقراطيين أو برجوازيين وطنيين و إلى خدم للإمبريالية و الرجعية ، كتب الماويّون الصينيّون فى رسالتهم ذات ال25 نقطة ، " إقتراح ..." ، ضمن النقطة العاشرة :
" و أثناء قيادة النضالات المباشرة قيادة فعّالة ، ينبغى للشيوعيين فى البلدان الرأسمالية أن يربطوا هذه النضالات بالنضال من أجل المصالح الطويلة الأمد و العامة ، و يعلّموا الجماهير بروح ثورية ماركسية لينينية ، و يرفعوا دون إنقطاع وعيها السياسي و يضطلعوا بالواجب التاريخي للثورة البروليتارية . و إن لم يفعلوا ذلك ، وإن إعتبروا الحركة المباشرة كلّ شيء و حدّدوا تصرّفاتهم تبعا لكلّ حالة منفردة و حصروا أنفسهم فى الأحداث اليوميّة و ضحّوا بمصالح البروليتاريا الأساسية ، فإنّ ذلك هو الإشتراكية – الديمقراطية قلبا و قالبا .
إنّ الإشتراكية – الديمقراطية هي إتجاه إيديولوجي برجوازي . و قد أشار لينين منذ وقت بعيد إلى أن الأحزاب الإشتراكية – الديمقراطية هي فرق سياسية للبرجوازيين و عميلتهم فى حركة الطبقة العاملة و سندهم الإجتماعي الرئيسي . يجب على الشيوعيين فى كلّ وقت أن يرسموا خطّا فاصلا واضحا بين أنفسهم و بين الأحزاب الإشتراكية - الديمقراطية حول القضية الأساسية للثورة البروليتارية و ديكتاتورية البروليتاريا ، و يصفّوا النفوذ الإيديولوجي للإشتراكية – الديمقراطية فى الحركة العمّالية العالمية و فى وسط شغّيلة العالم . و لا شكّ أبدا أنّه يجب على الشيوعيين كسب الجماهير الواقعة تحت نفوذ الأحزاب الإشتراكية – الديمقراطية و كسب العناصر اليسارية و الوسطى فى داخل الأحزاب الإشتراكية – الديمقراطية ، تلك العناصر التى ترغب فى معارضة الرأسمال الإحتكاري المحلّي و سيطرة الإستعمار الأجنبي..."
وفى النقطة 12 :
" و إذا إنزلق الشيوعيون فى طريق الإنتهازية فإنهم سيصبحون وطنيين برجوازيين و يصبحون ذيولا للمستعمرين و البرجوازيين الرجعيين . "
8- وحدة تيّاري الثورة البروليتارية العالمية :
ورد فى النقطة الثامنة من " إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعية العالمية " ( دار النشر باللغات الأجنبية – بيكين 1963 ؛ الفصل الثالث من كتاب شادي الشماوي " " نضال الحزب الشيوعي الشيني ضد التحريفية السوفياتيّة ، تحليل و وثائق تاريخيّة ") :
" إنّ الحركة الوطنية الديمقراطية الثورية فى هذه المناطق و حركة الثورة الإشتراكية العالمية هما التيّاران التاريخيّان العظيمان فى عهدنا الحاضر .
إنّ الثورة الوطنية الديمقراطية فى هذه المناطق هي جزء هام من الثورة البروليتارية العالمية المعاصرة.
...
إنّ الطبقة العاملة فى البلدان الرأسمالية الأوروبية و الأمريكية لا يمكن أن تحرّر نفسها إن لم تتّحد مع الأمم المضطهَدَة و إن لم تحرّر تلك الأمم . لقد أصاب لينين عندما قال :
إنّ الحركة الثورية فى البلدان المتقدّمة تصبح فعلا أكذوبة محضة إذا لم يتّحد عمّال اوروبا و أمريكا فى نضالهم ضد الرأسمال إتّحادا وثيقا تاما مع مئات و مئات الملايين من عبيد " المستعمرات " الذين يضطهدهم الرأسمال.( 1- " المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية " . " مؤلفات لينين الكاملة " ، المجلد 31.) "
و تؤكّد هذه الجمل على الترابط بين تيّاري الثورة البروليتاريّة العالمية فالثورة الديمقراطية الجديدة / " الوطنيّة اليمقراطية الثوريّة " فى المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات ، بصريح العبارة " جزء هام من الثورة البروليتارية العالمية المعاصرة " – طبعا إذا كانت بقيادة البروليتاريا و حزبها الطليعي والإيديولوجيا الشيوعية ، شأنها فى ذلك شأن الثورة الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية - الإمبريالية . و أي فصل بين التيّارين لا يخدم سوى الإمبريالية و الرجعية .
وفى واقع اليوم ، ثمّة لدى حتّى من يدّعون رفع راية الماويّة من يفصلون عمليّا بين التيّارين و يسوّقون للإنعزاليّة و الأفكار القوميّة و من يجعلون من الماويّة صالحة وحسب للبلدان المستعمرة و شبه المستعمرة و المستعمرات الجديدة فيطعنون فى الظهر علم الشيوعية و مرحلته الثالثة الماويّة التى تطوّرت أكثر روحها الثوريّة على أيدى بوب أفاكيان لتصير خلاصة جديدة للشيوعية . و هناك فى البلدان الرأسمالية الإمبريالية ايضا نزعة شوفينيّة طالت و تطال حتّى مدّعى الشيوعية . و هذه من الإنحرافات عن الطريق الشيوعي الثوري وجبت تعريتها و النضال ضدّها و إلحاق الهزيمة بها .
9 - الحزب البروليتاري و البرجوازية الوطنية و قيادة الثورة :
نقرأ فى النقطة التاسعة من " إقتراح ..." :
" و ينبغى للبروليتاريا و حزبها أن يوحّدا على أساس التحالف بين العمّال و الفلاحين جميع الفئات التى يمكن توحيدها و أن ينظّما جبهة متّحدة واسعة ضد الإستعمار و أتباعه . و من أجل تعزيز و توسيع هذه الجبهة المتّحدة من الضروري أن يحتفظ الحزب البروليتاري بإستقلاله الإيديولوجي و السياسي و التنظيمي و أن يصرّ على قيادة الثورة .
...
و إنّ البرجوازية بصفة عامة فى هذه البلدان ذات طبيعة مزدوجة . فعندما يجرى تشكيل الجبهة المتّحدة مع البرجوازية ينبغى للحزب البروليتاري أن يتبع سياسة الإتّحاد و النضال فى آن واحد . و ينبغى أن يتّبع سياسة الإتّحاد مع البرجوازية طالما كانت تميل نحو التقدّمية و معادية للإستعمار و الإقطاع و لكن ينبغى أن ينتهج سياسة النضال ضد ميولها الرجعية ، ميول المصالحة و التواطء مع الإستعمار و القوى الإقطاعية ."
من جديد ، يشدّد هذا المقتطف على أنّ للبرجوازية الوطنية فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة و المستعمرات الجديدة " طبيعة مزدوجة " . و هذا فى حدّ ذاته ردّ آخر على الخوجيين بأصنافهم الذين زوّروا الأطروحات الماويّة بشأن هذه البرجوازية . و مثال ما حدث فى الصين تاريخيّا ، و ليس فى ذهن التحريفيين الذين يخرجون بمثاليّة لا يحسدون عليها طبخات من عنديّاتهم على أنّها حقائق تاريخيّة ، يفنّد التهافت ضد الماويّة . فحينما مالت البرجوازيّة الوطنيّة الصينيّة " نحو التقدّمية و معاداة الإستعمار و الإقطاع " تحالف معها الحزب الشيوعي الصيني و حينما سلكت سياسات " رجعيّة و مصالحة للإمبريالية و متواطئة معها و مع قوى الإقطاع ، لم يناضل ضدّها الشيوعيّون الصينيّون بقيادة ماو تسى تونغ فقط بل حاربوها بالسلاح و إنتصروا عليها و على الإمبريالية العالميّة و خاصة الأمريكية التى كانت تدعمها . و إنتصار الثورة فى 1949 بعد حرب أهليّة ضد تشانكاي تشاك المدعوم أمريكيّا أفضل دليل على ذلك.
و نقف قليلا عند فكرة أنّه من واجب الحزب البروليتاري أن يحتفظ بإستقلاله الإيديولوجي و السياسي و التنظيمي و خاصة عند " يصرّ على قيادة الثورة " . نقف لحظة لنشير إلى أنّ عديد الأحزاب التحريفيّة تغضّ النظر عن هذه الضرورات فقد رأينا أحزابا تتخلّى عن الإستقلاليّة الإيديولوجيّة و تتبنّى غالبا بصفة غير معلنة الديمقراطيّة البرجوازية بتنوّعاتها و تقدّمها على أنّها الشيوعية و إلى أنّ الكثير من القوى المحسوبة على الشيوعية و الشيوعية الثوريّة منها براء تتحالف مع الطبقات الرجعيّة القائمة و مع الإمبريالية العالمية و أيضا مع القوى الأصوليّة الإسلاميّة الفاشيّة وهي للإمبريالية عملاء و للشعوب و النساء أعداء و تفرّط فى إستقلاليّتها السياسيّة و الإيديولوجية . و لا تستغربوا أن تجدوا قادة أحزاب تقول عن نفسها شيوعية يعلنون إسلامهم كما حصل مع قائد حزب العمّال التونسي على سبيل المثال .
قد أصاب عدم فهم " يصرّ على قيادة الثورة " بعض مدّعى تبنّى الماويّة فى مقتل . فلطالما تذيّلت مجموعات تزعم تبنّى الماويّة للأنظمة السوريّة و الليبيّة إلخ بدعوى وطنيّتها و خدمة الجبهة ضد الإستعمار و الصهيونيّة مفرّطة فى المبادئ الشيوعية و فى الإصرار على العمل على قيادة الثورة و فى إستيعاب حقيقة تغلّب الجانب الرجعيّ لهذه البرجوازيّات عليها منذ عقود و حقيقة أنّ هذه البرجوازية صارت تحوّلت هي ذاتها إلى نقيضها ، إلى برجوازيّة كمبرادوريّة / بيروقراطية .
مثل هؤلاء و غيرهم لم يستوعبوا ما كتبه ماو تسى تونغ فى " حول الديمقراطية الجديدة " و فحوى الثورة الديمقراطيّة الجديدة بقيادة البروليتاريا و كيف أضحت الثورة الديمقراطية بقيادة البرجوازية قديمة و غير ممكنة فى عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكية . و قد فصّلنا المسائل المتّصلة بهذا الموضوع فى كتابات لنا سابقة منها كتابنا الأخير " لا لتشويه الماوية و روحها الشيوعية الثوريّة : كلّ الحقيقة للجماهير " و كتاب " ضد التحريفية و الدغمائية ، من أجل تطوير الماويّة تطويرا ثوريّا " .
وبالرغم من تحذيرات الماويين منذ ستّينات القرن العشرين، لا يزال عدد من الذين يعدّون أنفسهم ماويّين اليوم واقعين فى أسر القومية و يفتقرون بشكل ملموس إلى النظرة الأممية البروليتارية :
" و فيما يختصّ بالمسألة القومية فإن نظرة الحزب البروليتاري إلى العالم هي الأممية لا القومية . و فى النضال الثوري يؤيد الحزب البروليتاري القومية التقدمية و يعارض القومية الرجعية . و يجب عليه دائما أن يرسم خطّا فاصلا واضحا بين نفسه و بين القومية البرجوازية و لا ينبغى له أبدا أن يقع أسيرا لها . " ( " إقتراح ... " )
و أيضا لم يستوعب المتمركسيون و منهم رافعو راية الماويّة لإسقاطها ما أعرب عنه ستالين بصدد الأممية البروليتارية و العلاقة الجدليّة بين الجزء و الكلّ ، بين الثورة فى بلد واحد و الثورة البروليتارية العالمية :
" فعندما حارب ستالين فى عام 1925 دعاة التصفية الذين كان يمثّلهم التروتسكيون و الزينوفيافيون ، أشار إلى أن إحدى المميّزات الخطيرة لنزعة التصفية هي :
"... فقدان الثقة بالثورة البروليتارية العالمية ، و فقدان الثقة بنصرها . و موقف الريبة و التشكّك إزاء حركة التحرّر الوطني فى المستعمرات و البلدان التابعة ... و العجز عن فهم المطلب الأولى للأمميّة الذى يقضى بأنّ إنتصار الإشتراكية فى بلد واحد ليس نهاية فى حدّ ذاته ، بل هو وسيلة لتطوير و تأييد الثورة فى البلدان الأخرى". ( المجموعة الكاملة لمؤلفات ستالين ، المجلد 7 ).
و أضاف :
" إن هذا هو طريق القومية الضيّقة و التحلّل ، طريق التصفية التامة للسياسة الأمميّة للبروليتاريا ، لأنّ الناس المصابين بهذا المرض يعتبرون أن بلدنا ليس جزءا من الكلّ الذى يطلق عليه الحركة الثورية العالمية و لكن يعتبرونه بداية و نهاية هذه الحركة ، معتقدين أنّه تجب التضحية بمصالح جميع البلدان الأخرى فى سبيل مصالح بلادنا." (نفس المصدر السابق )
( ذكره " مدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد " ، دار النشر باللغات الأجنبية ، بيكين 1963 ؛ الفصل الرابع من كتاب شادي الشماوي المشار إليه أعلاه )
10 – لا بدّ من حزب شيوعي ثوري :
جاء فى النقطة الأخيرة من " إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعية العالمية " بشأن الحزب الشيوعي الثوري التالى ذكره :
" إنّ التجربة البالغة الأهمية التى جنتها الحركة الشيوعية العالمية هي أن تطوّر الثورة و إنتصارها يرتكزان على وجود حزب بروليتاري ثوري .
لا بدّ من وجود حزب ثوري .
لا بدّ من وجود حزب ثوري مبني على أساس النظرية الثورية و الأسلوب الثوري للماركسية اللينينية .
لا بدّ من وجود حزب ثوري يعرف كيف يمزج بين حقيقة الماركسية اللينينية العامة و بين الأعمال المحدّدة للثورة فى بلاده .
لا بدّ من وجود حزب ثوري يعرف كيف يربط القيادة ربطا وثيقا بالجماهير الواسعة من الشعب .
لا بدّ من وجود حزب ثوري يثابر على الحقيقة و يصلح الأخطاء و يعرف كيف يباشر النقد و النقد الذاتي .
مثل هذا الحزب الثوري فقط بوسعه أن يقود البروليتاريا و الجماهير الواسعة من الشعب لهزيمة الإستعمار و عملائه و يكسب النصر التام فى الثورة الوطنية الديمقراطية و يكسب الثورة الإشتراكية .
و إذا لم يكن حزبا ماركسيّا لينينيّا بل حزبا تحريفيا ،
و إذا لم يكن حزبا طليعيا للبروليتاريا بل حزبا يسير خلف البرجوازية ،
و إذا لم يكن حزبا يمثّل مصالح البروليتاريا و جميع جماهير الشغيلة بل حزبا يمثّل مصالح الأرستقراطية العمالية ،
و إذا لم يكن حزبا أمميّا بل حزبا قوميّا ،
و إذا لم يكن حزبا بوسعه أن يستخدم عقله و يفكر لنفسه بنفسه و يحرز معرفة صحيحة لإتجاهات الطبقات المختلفة فى بلاده نفسها ، عن طريق البحث الجاد و الدراسة ، و يعرف كيف يطبّق حقيقة الماركسية اللينينية العامة و يمزجها بالأعمال المحدّدة لبلاده ، إذا لم يكن هكذا ، بل كان حزبا يردّد كالببغاء كلمات الآخرين ، و ينقل الخبرة الأجنبية دون تحليل ، و يندفع هنا و هناك إستجابة لعصا إرشاد اشخاص معيّنين فى الخارج ، فإنّ حزبا كهذا يصبح خليطا من التحريفية و الجمود العقائدي و كلّ شيء ما عدا المبدأ الماركسي اللينيني .
من المستحيل تماما على حزب كهذا أن يقود البروليتاريا و الجماهير الشعبية الواسعة إلى شنّ نضال ثوري و أن يكسب الثورة و أن يؤدّي الرسالة التاريخية العظيمة للبروليتاريا .
إنّ هذه مسألة على جميع الماركسيين اللينينيين و جميع العمّال الواعين طبقيّا و جميع الطليعيّين أن يفكّروا فيها تفكيرا عميقا . "
للقيام بالثورة البروليتارية العالمية ، نحتاج إلى أحزاب شيوعيّة ثوريّة تضطلع بمهام الطليعة الشيوعية الثوريّة لتخوّل للجماهير الشعبيّة بأن تصنع التاريخ و للبروليتاريا أن تؤدّي رسالتها التاريخيّة العظيمة أي تحرير الإنسانيّة من كافة أنواع الإضطهاد والإستغلال الجبدري و الطبقي و القومي و إيجاد مجتمع شيوعي عالمي خالى من الطبقات . فى غياب الحزب الشيوعي الثوري لم تنجح أيّة ثورة بروليتاريّة حقيقيّة و بوجوده يمكن المضيّ قدما فى الإعداد للثورة و خوض الصراعات اللازمة و تاليا بعد ظفر الثورة فى الحفاظ عليها و تدعيمها و جعلها قاعدة للثورة البروليتارية العالمية .
و هنا لا يسمح المجال بنقاش جميع النقاط التى عدّدها " إقتراح ..." و غيرها من النقاط المتّصلة بالحزب لذلك نكتفى بقول بضعة كلمات عن " لا بدّ من وجود حزب ثوري يثابر على الحقيقة و يصلح الأخطاء و يعرف كيف يباشر النقد و النقد الذاتي ." لعلّ متتبّعى كتاباتي لاحظوا الإصرار الذى أبديته و لا أزال على نشر مقولات لينين و ماو تسى تونغ و بوب أفاكيان بصدد المثابرة على الحقيقة و إصلاح الأخطاء و مباشرة النقد و النقد الذاتي ذلك أنّ من الآفات التى خرّبت و لا تزال تخرّب الحركة الشيوعية العالمية و منها الحركة الشيوعية العربيّة سلوك من يعدّون أنفسهم شيوعيين سلوكا مثاليّا أو ميتافيزيقيّا أو براغماتيّا تجاه الحقيقة و قد شخّص بوب أفاكيان فى سياق الخلاصة الجديدة للشيوعية التى تقدّم بها مرضا عضالا ألمّ و لا يزال يلمّ بالشيوعيين و الشيوعيّات ألا وهو التعاطي البراغماتي و " الحقيقة السياسية " . و قد طال هذا الإنحراف الماويين أنفسهم والأمثلة على ذلك كثيرة فى المقالات الجداليّة بخصوص الخلاصة الجديدة للشيوعية سواء منها العالمية أو تلك التى ألّفناها .
و فى ما يتعلّق بالنقد و النقد الذاتي ، نحيل القرّاء على العدد 21 / ديسمبر 2014 من " لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة ! " الذى يتطرّق فيه مقال " فرق اليسار التحريفية و إغتيال روح النقد الماركسي الثورية " لإغتيال التحريفيين و الإصلاحيين للنقد و النقد الذاتي عوض إعتمادهما خبزا يوميّا كما أوصى لينين و أوصى و يوصى الماويّون الحقيقيّون ، الشيوعيّون الماويّون الثوريّون.
خاتمة :
بمستطاع الدارس للوثائق التاريخيّة التى ألقينا عليها نظرة عجلى أن يتناولها من عدّة زوايا و قد إصطفينا زاوية إبراز بعض الأفكار المفيدة فى الصراع المحتدم الدائر عالميّا و عربيّا ضد التحريفية و الدغمائية و من أجل نشر علم الشيوعية و قمّة تقدّمه اليوم الخلاصة الجديدة للشيوعية و تطويره خدمة لتغيير العالم تغييرا ثوريّا بإتجاه الهدف الأسمى للشيوعيات و الشيوعيّين ألا و هو الشيوعية على الصعيد العالمي . و لعلّنا بما قمنا به نلهم غيرنا لدراسة تلك الوثائق التاريخية من زوايا أخرى أو نحثّه على التوغّل فى المسائل موضوع الجدالات العالمية و العربيّة راهنا و أهمّها تلك المتّصلة بالخلاصة الجديدة للشيوعية بما هي سلاح لخوض كفاح الثورة البروليتارية العالمية و التقدّم بها .
وفى هذا السياق ، ننبّه من جديد الرفيقات و الرفاق و الباحثين عن الحقيقة إلى " واجب التمييز بين الحقيقة و الزيف فيما يتعلّق بالخلافات التى نشأت فى الحركة الشيوعية العالمية..." و إعتماد الحقائق و" الإقناع عن طريق التعليل "( " إقتراح ..." ) المادي الجدلي و العلمي .
==============================================================