مغزى فوز اليسار ... في الانتخابات البرتغالية...؟؟


علي الأسدي
2015 / 11 / 18 - 20:14     

مغزى فوز اليسار ... في الانتخابات البرتغالية...؟؟

علي الأسدي

لقد أثمرت الانتخابات البرتغالية التي جرت الأسبوع الماضي الرابع من نوفمبر تشرين الثاني الحالي عن فوز التحالف الديمقراطي المكون من الاشتراكيين والشيوعيين وتكتل اليسار والخضر بأكثرية واضحة مطيحة بآمال يمين الوسط بتشكيل حكومة جديدة. حيث حصل التحالف الديمقراطي على 121 نائبا من مجموع 230 نائيا وهو عدد أعضاء البرلمان. فرئيس الحكومة المطاح به باسوس كويلهو الذي التزم بسياسة التقشف الصارمة رغم المعارضة الشعبية الواسعة من الحصول على أصوات كافية لتثسكيل الحكومة الجديدة. وبات من المؤكد ان التحالف الديمقراطي سيؤلف الحكومة البرتغالية الجديدة ، لكن رئيس الجمهورية اليميني أنيبال كافكو سيلفا الذي صعقه الخبر أصر رغم ذلك على عدم تكليف التحالف بتشكيلها فصرح قائلا أنه لن يسمح للتحالف اليساري بتشكيل الحكومة وسيطلب من رئيس الوزراء المستقيل بتشكيل حكومة أقلية. تصريح رئيس الجمهورية قد دلل على قصر نظر وسوء تقدير للواقع السياسي الجديد في البرتغال. فنتائج الانتخابات الأخيرة مثلت انعطافة تاريخية في الحياة السياسية لا تقل ثورية عن الحالة الثورية التي رافقت فوز اليسار اليوناني بالانتخابات البرلمانية التي جرت في وقت مبكر من العام الحالي في اليونان.

فرئيس الجمهورية اليميني أنيبال كافاكو سلفا يعرف جيدا ان ما صرح به مخالف للأصول الديمقراطية وبرغم ذلك اختار الخروج عن تلك الأصول ، لأنه ينسجم تماما مع ارادة ومصالح الأقلية الثرية الحاكمة ممثلة البنوك الكبرى ورجال الأعمال الذين يحرص على خدمتهم. وما أن سمعت الجماهير المؤيدة للتحالف الديمقراطي بقرار رئيس الجمهورية حتى توجهت الى مقر مكتب رئيس الوزراء المكلف باسوس كويهلو وطردته من مكتبه عندها تراجع رئيس الجمهورية عن قراره غير الدستوري وكلف عمدة لشبونة السابق السيد أنطونيو كافكا رنيس الحزب الاشتراكي وزعيم الاتلاف الفانز بالانتخابات بتشكيل الحكومة الجديدة. رد الفعل الجماهيري السريع وغير المتوقع عبر دون شك عن حركة ثورية واعية لم يحدث مثيلا لها في أوربا منذ أمد طويل وهي مؤشر يبعث على الأمل في النفوس بعد هيمنة اليمين على الحكومات الأوربية التي مثلت مصالح رجال الأعمال والبنوك الكبرى وتجاهلت بعناد ودون أي شعور بالمسنولية مصالح الطبقة المسحوقة التي زادت اجراءات التقشف من معاناتها .

لقد خاضت الأحزاب اليسارية الانتخابات تحت شعار رفض سياسة التقشف وايقاف خصخصة مثساريع الدولة وخفض أجور العمال والمتقاعدين التي سارت عليها الحكومات البرتغالية اليمينية السابقة منذ الأزمة المالية في أعوام 2008 و2009 وبخاصة بعد 2011 والتي ألقيت جميع أعباءها على الجماهير الكادحة في حين كوفء رجال المال والشركات الكبرى الذين تسببوا بها. فالجماهير البرتغالية تتذكر جيدا كيف كوفء أكبر البنوك في البرتغال وهو (Banco Espirit Santo ) بمبلغ 4،9 بليون يورو لانقاذه من الافلاس في وقت كان ينبغي ان يذهب ذلك المبلغ لمساعدة الصناعات البرتغالية الصغيرة والحرفية الذين دفعت بها الأزمة الى تسريح عمالها واعلان افلاسها. وكانت الكتلة اليسارية (Bloco de Esquerda ) وهي واحدة من القوى المؤتلفة في الحكومة الجديدة بقيادة السيدة جوانا مورتاغوا قد شنت حملة واسعة ضد الفساد كشفت فيها ضلوع حكومة كويهلو اليمينية في فضيحة ( بنك اسبريت سانتو ) ودور رنيسه التنفيدي ريكاردو سالغادو فيها. لقد عززت الجهود التي بذلتها السيدة موتاغوا في البرلمان المنصرف من موقع التكتل اليساري ومهدت لفوزه في الانتخابات الأخيرة.

ولهذا فان الفوز الذي حققه اليسار بدعم ومشاركة الشيوعيين له دلالات بالغة الأهمية في الظروف الحالية وبعد أكثر من ربع قرن على تفكك الاتحاد السوفييتي وانحسار الاشتراكية. حيث يتوقع ان تنتهج الحكومة الجديدة سياسة تدعم النثساطات الاقتصادية التي تتيح المزيد من فرص العمل وتعالج المشاكل الاجتماعية الناتجة عن سياسة التقثسف. لكن لا يجب أن نغرق في التفاؤل فتجربة استسلام اليسار اليوناني لسلطة المال الأوربية بعد فوزه الساحق في انتخابات كانون الثاني - يناير الماضي وتراجعه عن وعوده الانتخابية للجماهير الكادحة مازالت حية في الذاكرة. فالشعارات وحدها لم تكن ولن تكون معيارا للنجاح وتنفيذ الوعود بل العمل الجاد والمنجزات الفعلية هي التي تقرر مدى جدية وواقعية الشعارات. نقطة الضعف في التحالف الديمقراطي هي الحزب الاشتراكي فسجل هذا الحزب يذكر بعديد من المساومات على حساب مصالح الجماهير الفقيرة.

بنفس الوقت لايمكن الاستخفاف بالمصاعب التي ستواجه الحكومة البرتغالية الجديدة فالتركة التي خلفتها الحكومات اليمينية السابقة ثقيلة ومتعددة الوجوه ومعالجتها تتطلب انسجاما فكريا بين مكونات الاتلاف الحكومي ودونه لا يمكن اتخاذ الخطوات الجذرية لاصلاح الاقتصاد وتوحيد الموقف من سلطات الاتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي. فقد أعلن الحزب الشيوعي البرتغالي الذي له 17 نانبا في البرلمان الجديد ( هو نفس العدد الدي كان له في البرلمان السابق) انه أعد برنامجا مفصلا وسيقدمه للحكومة حول الاصلاحات الاقتصادية الجذرية لدراسته واتخاد الخطوات التي تراها مناسبة للتطبيق. وتزداد التكهنات بحلول أجواء ثورية كتلك التي شهدتها البرتغال عام 974ا بعد الاطاحة بديكتاتورية سالازار الفاشية. فهل سيتحقق الانسجام الفكري داخل قوى الاتلاف حول السياسات التي تخدم مصالح الجماهير الكادحة أم ستخضع لابتزاز مؤسسات الاتحاد الأوربي المنحازة للسوق وللأقلية الثرية المهيمنة على الحياة الاقتصادية..؟

للاجابة على هذا التساؤل ينبغي الانتظار قليلا فمازال الوقت مبكرا للحكم على تماسك الحكومة الاتلافية الجديدة في الالتزام ببرنامجها السياسي والاقتصادي. فالثقة التي أولاها الشعب البرتغالي لها تعتبر دون شك مصدر قوة لا يستهان بها فبالاعتماد عليها تهون الكثير من الصعاب. ولعل القوى المتحالفة على علم بأن كل أوربا تراقب خطواتهم وبخاصة الاسبان ، فالملايين منهم على موعد مع الانتخابات العامة بعد اسابيع من الآن فهل سخييبون آمالهم كما خيب اليسار اليوناني آمال الجماهير اليونانية الواسعة.
علي الأسدي