هجوم إرهابي فى باريس ، عالم من الفظائع و الحاجة إلى طريق آخر


شادي الشماوي
2015 / 11 / 17 - 21:01     

هجوم إرهابي فى باريس ، عالم من الفظائع و الحاجة إلى طريق آخر
جريدة " الثورة " ، 15 نوفمبر 2015
Revolution Newspaper | revcom.us
" ما نراه فى نزاع هنا هو الجهاد من جهة و ماك العالمية / ماك الحرب من جهة أخرى و هو نزاع بين شريحة ولّي عهدها تاريخيا ضمن الإنسانية المستعمَرة و المضطهَدة ضد الشريحة الحاكمة التى ولي عهدها تاريخيا ضمن النظام الإمبريالي . و هذان القطبان الرجعيان يعزّزان بعضهما البعض ، حتى و هما يتعارضان . و إذا وقفت إلى جانب أي منهما ، فإنك ستنتهى إلى تعزيزهما معا .
و فى حين أنّ هذه صيغة مهمّة جدّا و حيويّة فى فهم الكثير من الديناميكية التى تحرّك الأشياء فى العالم فى هذه المرحلة ، فى نفس الوقت ، يجب أن نكون واضحين حوا أي من " هذين النموذجين الذين عفا عليهما الزمن " قد ألحق أكبر الضرر و يمثّل أكبر تهديد للإنسانيّة : إنّه الطبقة الحاكمة للنظام الإمبريالي التى عفا عليه الزمن تاريخيّا ، و بوجه خاص إمبرياليّو الولايات المتحدة .
( بوب أفاكيان ، " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ؛ 1:28 )
---------------------
فى 13 نوفمبر 2015 ، جدّت هجمات متزامنة عبر باريس أودت بحياة على الأقلّ 129 إنسانا . و يبدو أنّ داعش – الحركة الإسلاميّة المسلّحة الرجعيّة المسيطرة الآن على أجزاء من سوريا والعراق – قد " تبنّت " هذه الهجمات . و كان الضحايا من الناس العاديّين الذين كانوا بمقاهي يتناولون الأكل و الشرب أو يشاهدون مباراة كرة قدم أو يتجوّلون فى الشارع . كانوا من كافة ميادين الحياة و من فرنسا و من بلدان أخرى عبر العالم . لا يمكن لطبيعة القتل الإعتباطي المروّع – بما فى ذلك مجزرة فى حقّ 89 إنسانا حوصروا فى بهو حفل موسيقى لفرقة روك – لا يمكن إلاّ أن يراد منه إيجاد جوّ إجتماعي من الفوضى و الرعب . و قد تمّت الهجمات بوضوح عن عي بأنّ ذلك سيعدّ من طرق فرنسا و الولايات المتّحدة على أنّه تبريرا مفترضا لجولات جديدة من القمع والحرب . و بشكل لا لبس فيه يجب أن ندين الفظائع الوحشيّة لهجمات باريس .
و فى نفس الوقت ، صرّح الرئيس الفرنسي بأنّ ما حصل " عمل حربيّ " وأنّه سيردّ " بلا رحمة " . و ينبغى أن نكونواضحين . هذا التهديد الصادر من فرنسا – و الطرق التى إتّخذها هذا الهجوم من موجات فى الحياة السياسيّة فى الولايات المتّحدة منذ حدوثه – نذير سوء كبير . فهذا يعنى تقريبا بشكل أكيد شيئا واحدا : المزيد من الحرب و الهجمات العسكريّ فى الشرق الأوسط تقوم بها فرنسا و القوى الأوروبيّة الأخرى والولايات المتّحدة نفسها ، بما يودى بحياة المزيد من الناس و ينتج المزيد من المهاجرين لينضافوا إلى تماما الملايين الذين يبحثون الآن بيأس عن البقاء على قيد الحياة و الذين عادة ما يفقدون حياتهم فى خضمّ هذه السيرورة .
و كذلك ستشتدّ و تتصاعد الديناميكيّة الكابوس التى يجد فيها أنفسهم بلايين الناس سجناء .
عالم من الفظائع :
و مجدّدا ، ينبغى أن نكون واضحين : لقد كانت غاية هجوم باريس التقدّم بأجندا رجعيّة بنشر الإرهب . لقد كان وحشيّا وغير عادل و فظيعا .
و كذلك كان وحشيّا و غير عادل و فظيعا قذف الولايات المتّحدة بالقنابل لمستشفى أطبّاء بلا حدود فى أفغانستان فى 3 أكتوبر – وهو عمل مقصود صادر عن إرهاب دولة – الذى حطّم مستشفى الناس فى أمسّ الحاجة إليه و تسبّب فى قتل أكثر من عشرة من أطبّاء متحلّين بالشجاعة إلى جانب المتطوّعين منحولالعالمو المرضى الأفغانيّين . و منذ 2001 ، أدّى غزو أفغانستان و إحتلالها إلى وفاة عشرات آلاف المدنيّين . و نجم عن غزو الولايات المتحدة و إحتلالها للعراق – وهو البوتقة التى تشكّلت فيها داعش و ظهرت – بصفة مباشرة قتل عشرات الآلاف و " بصفة غير مباشرة " قتل مئات الآلاف الآخرين .
و كذلك كان وحشيّا و غير عادل و فظيعا التفجير الإرهابي الذى تبنّته داعش ، فى حيّ شسعي فقير فى بيروت بلبنان ، فى 12 نوفمبر 2015 . لقد إستهدف حيّا حيث للقوى الإسلاميّة التى تحالفت مع الحكومة السوريّة و إيران و روسيا قاعدة مساندة – فأصابت القنابل و قتلت عشرات المدنيّين . و قد نتج عن الحرب المتعدّدة الجوانب بين القوى الرجعيّة المتصارعة فى سوريا 250 لف قتيل و أكثر من 12 مليون غادروا بيوتهم إلى مخيّمات لاجئين أو إلى الرحلة المضنية و الخطيرة من الإضطهاد فى معسكرات إعتقال فى أوروبا .
و كذلك كان وحشيّا و غير عادل و فظيعا قذف حفل زفاف فى اليمن بالقنابل فى 8 أكتوبر من قبل النظام السعودي المسلّح و المدعوم من طرف الولايات المتّحدة . و كانت تلم المرّة الثانية فى غضون شهر واحد تمطر فيها طائرات الجات المقاتلة السعوديّة الموت على حفل زفاف فى اليمن – و هذه المرّة قتلت 30 شخصا . و فى أواخر سبتمبر ، أصابت قذائف الروكات السعوديّة حفل زفاف آخرفى اليمن متسبّبةفى قتل 130 شخصا . و تستهدف السلطة الإرهابيّة السعوديّة المدنيّين فى المناطق أين تهيمن القوى المناهضة للسعوديّة . و قد خاض السعوديّون الحرب منذ الصائفة فى اليمن مستعملين القنابل العنقوديّة التى زوّدتهم بها الولايات المتّحدة – وهي سلاح ممنوع فى غالبيّة مناطق العالم – لقتل آلاف المدنيّين ، بمن فيهم مئات الأطفال .
يجب أن يوضع حدّ لهذه الدائرة الكابوس اللاإنسانيّة .
قطبان إضطهاديّان رجعيّان :
يصوّر حكّام الولايات المتّحدة أنفسهم على أنّهم " الناس الخيّرون " فى العالم . و يحجبون واقع أنّ نظامهم برمّته لا يستطيع السير إلاّ من خلال الإستغلال المرير و الطاحن لتماما بلايين الناس بواسطة نهب كلّ الطبيعة و بواسطة إضطهاد شعوب بأسرها و النساء ، نصف الإنسانيّة . إنّهم يشدّدون على أنّ ينسى الناس أنّ أسس هذه الإمبرياطوريّة قامت على الإبادة الجماعيّة و العبوديّة و الحروب التى لا تنتهى عبر العالم من أجل الإمبراطوريّة .
و يصوّر الأصوليّون الإسلاميّون مثل داعش أنفسهم على أنّهم المعارضة الوحيدة لهذا فى حين أنّ معارضتهم لا تعدو أن تكون معارضة مضطهِدين لوقت قصير يطمحون لأن يصبحوا مضطهِدين لوقت طويل . و المجتمع الذى يفرضونه مجتمع إضطهاد وحشيّ للنساء و الفرض العنيف للجهل و التطيّر . كلّ من يمتلك ذرّة من العدل يجب أن ينأى بنفسه عن هذا الشيء و فى الواقع يجب أن يعارضه و بقوّة . و الإنسانيّة قادرة عمليّا على شيء أعظم بكثير : مجتمع جديد خالى من الإستغلال و الإضطهاد .
و مثلما نقول على الدوام على موقعنا على الأنترنت و فى جريدتنا :
" هذا النظام هو الذى دفعنا إلى هذا الوضع حيث نحن اليوم و هو الذى يبقينا فيه . و عبر الثورة نتخلّص من هذا النظام و نحن أنفسنا بوسعنا أن ننشأ نظاما أفضل بكثير . و الهدف النهائي للثورة هو الشيوعيّة : عالم أين يعمل الناس و يناضلون معا من أجل الصالح العام ... أين يساهم كلّ إنسان بما يقدر على المساهمة به فى المجتمع و يحصل على ما يحتاجه للحياة عيشة تليق بالبشر ... أين تكفّ عن الوجود الإنقسامات فى صفوف الناس ، الإنقسامات التى تجعل البعض يحكم الآخرين و يضطهدهم ، و يحرمهم ليس فقط وسائل العيش الكريم و لكن أيضا المعرفة و وسائل الفهم الحقيقي للعالم والعمل على تغييره .
و هذه الثورة ضروريّة و ممكنة على حدّ سواء . "
و نقول أيضا : " بفضل بوب أفاكيان و العمل الذى أنجزه طوال عقود عديدة ملخّصا التجربة الإيجابيّة و السلبيّة للثورة الشيوعيّة إلى حدّ الآن ، و مستفيدا من التجربة الإنسانيّة الأوسع نطاقا ، هناك الخلاصة الجديدة للشيوعية – هناك حقّا رؤية وإستراتيجيّا فعاّلتين من أجل مجتمع و عالم جديد راديكاليّا و أفضل بكثير و هناك القيادة الحيويّة التى نحتاج إليها للتقدّم بالنضال فى سبيل ذلك الهدف " .
إن كنتم تقرؤون هذا المقال ، إن كنتم تتألّمون لما حدث فى باريس _ أو م حدث قبل ذلك فى قندوز أو غزّة فى السنة الفارطة أو أي مكان آخر من عشرات و مئات الأماكن – تحتاجون إلى التعمّق فى هذا . هذا طريق للخروج من الجنون ، و يجب على كلّ إنسان من أجل نفسه و من أجل إخوانه و أخواته البشر و من أجل المستقبل أن ينخرط حقّا فى هذا .
و فى نفس الوقت ، الآن على وجه التحديد ، يجب إحداث إختراق فى هذه الدائرة من الإرهاب و الفظائع . هجمات باريس تلك عديمة الضمير و يتعيّن التنديد بها . لكن لا يجب أن نصطفّ خلف بل بالعكس أن نقاوم مساعى حكّامنا الرامية للإستفادة من هذه الهجمات لتبرير هجمات أخرى أسوأ حتّى . علينا أن نقاوم عندما يتحرّكون لفرض المزيد من القمع ( يدّعون أنّه " سيجعلنا فى أمن و سلام " بينما هو عمليّا يفاقم المشكل ) . يجب أن نقاوم عندما يحاولون التصعيد من غزواتهم و هجماتهم بالطائرات دون طيّار و القذف بالقنابل . لنقاوم عندما يأجّجحون المشاعر الوطنيّة و التعصّب بما فى ذلك الهجمات ضد المهاجرين . إنّ الإلتزام بالصمت و التواطؤ إزاء كلّ هذا مساهمة فى الدائرة برمّتها و فى تعزيز كلا الجانبين فى الصدام الرجعي بين الإمبرياليين و الجهاديّين .
فى غياب بديل إيجابي و تحرّري و فى غياب معارضة مصمّمة و واضحة فى " الغرب " ، تدفع جرائم الولايات المتّحدة الناس إلى أحضان الجهاديّين الرجعيّين . ما نحتاجه – و ما هو صحيح أخلاقيّا – هو المعارضة الواضحة و المصمّمة لجرائم "حكومتنا " من جهة الذين هو فى الولايات المتّحدة و فرنسا و البلدان الإمبرياليّة الأخرى . و يتطلّب إحداث إختراق من أجل عالم آخر و كسر الحلقة المفرغة الحاليّة ، أن يشاهد الناس عبر العالم أنّ الحكّام لا يتحدّثون بإسمنا و أنّنا نقف إلى جانب مصالح الإنسانيّة .
----------------------------------------------------------------------------------------------------------