الاقتصاد في العراق : القادم أسوء!


احمد عبد الستار
2015 / 11 / 14 - 01:22     

يمر العراق منذ اعوام بأزمة اقتصادية خانقة تلقي بظلالها القاتمة على كل مفاصل وتفاصيل الحياة لجماهير العراق وبمقدمهم العمال ومختلف الشرائح العمالية الكادحة والموظفين، وميزان التدهور يؤشر باستمرار نحو التراجع والهبوط ومظاهر البؤس تنتشر والفقر يتعمق والانفاق على الحرب على داعش وسوء الادارة والفساد يأخذ كل شيء ولا يعطي .
الاقتصاد في العراق يعاني ازمة بنيوية اصلا، للتعارض الحاد بين سعي الحكومة لخصخصة القطاع الصناعي العام تلبية لنصائح الراعي الامريكي وصندوق النقد الدولي وبين تمسك العمال بمصانعهم ومؤسساتهم الصناعية المختلفة، التي هي مصدر خبزهم لا يمكن المساومة على التفريط به رغم الخناق الذي تفرضه الحكومة وسياسة اللامبالاة، ولازال الوضع مشلولا لا الحكومة قادرة على الخصخصة بسبب مقاومة العمال وبين عدم قدرتها وعدم رغبتها بتفعيل الصناعة والزراعة بخطط شاملة تنهض بالبلد بسبب حيائها من امريكا وصندوق النقد الدولي.
وهذا الوضع حتمي نتيجة لسياسة امريكا المدروسة على بلد تابع تماما، فهي لم تجبر الحكومة العراقية على الخصخصة ولم تسمح لها باعتماد التصنيع في القطاع الصناعي أو الزراعي كي تبقي البلد معتمدا على انتاج النفط فقط.

وعندما اهتز الاقتصاد العالمي باسره بسبب الازمة الاقتصادية العالمية تعرض العراق كباقي البلدان الاخرى ولاسيما وهو بلد تابع الى انتكاسة كبيرة بسبب تراجع اسعار النفط الذي يعتمد على انتاجه كليا.

ونلاحظ إلى أي نفق مظلم يتجه العراق بظل ادارة احزابه غير المسؤولة فالاقتصاد العالمي لا زال يعاني من الجراح البليغة التي خلفتها ازمته التي خلقتها الرأسمالية العالمية وتديرها غير معنية بما يحصل بالعراق من موت وجوع, لقد حذر صندوق النقد الدولي من استمرار الازمة وتفاقمها معلنا حسب لغته (خفض التوقع حول نمو الاقتصاد العالمي للعام الحالي والقادم أيضا) و(جاء تراجع التوقعات على الرغم من الدفعة الهامة للاقتصاد العالمي، والمتمثلة في التراجع الحاد في أسعار النفط، والذي يمثل حدثا ايجابيا للكثير من البلدان) لكنه يمثل حدثا سلبيا جدا على العراق المعتمد على انتاج النفط فقط وبنفس الوقت لم يملك سلطة على ادارة انتاجه وهذا واضح بشكل جلي من خلال تصريح وزير النفط عادل عبد المهدي بأن الحكومة تسعى لإيجاد اتفاقية وخطط لتقليص الميزانية الانفاقية لتطوير الانتاج لعام 2016 نتيجة تدهور اسعار النفط، وبالمقابل كشفت شركة ( برتش بتروليوم ) العاملة في حقل الرميلة الكبير ( وهو من هدايا السيد الشهرستاني لهذه الشركة سيئة الصيت )، انها قد قدمت مقترحات للحكومة العراقية بأن تقوم الاخيرة بتغيير عقودهم النفطية من عقود خدمات الى صيغة اخرى اقرب من اتفاقيات شراكة بالإنتاج!! واضاف المدير التنفيذي لهذه الشركة تاونسهيند ان "الشركات تتسلم اجورها الان على شكل رسوم اما بالتسديد النقدي او ببراميل نفط، وذلك استنادا لتلبيتها للسقوف الانتاجية المرسومة"، مبيناً ان "اتفاقيات الشراكة الانتاجية ستتيح للشركات الحصول على حصة مباشرة من النفط الخام المنتج". يعني بعبارة اخرى ان انتاج النفط ستستمر الشركة بإنتاجه وترفع من انتاجه رغم انخفاض سعره فهي غير معنية بذلك وما يهمها هو حصتها على شكل براميل نفط لها ولشركائها في اوربا وامريكا حتى لو تراجعت اسعار النفط الى الصفر دولار فهي تقبض حصتها من النفط واصحابه يتسلمون الصفر دولار.

وفي مزيد من التخبط توجه خبراء من وزارات المالية والنفط والتخطيط والبنك المركزي العراقي لاستحصال قرض من صندوق النقد الدولي وجرت مباحثات شارك فيها وزير المالية هوشيار زيباري وعلي العلاق محافظ البنك المركزي ومظهر محمد صالح مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية قيمة هذا القرض الجديد سيكون أكبر «عدة مرات» من التمويل الطارئ البالغ 1.24 مليار دولار الذي وافق الصندوق على تقديمه في تموز، لكن لصندوق النقد الدولي شروطه المتمثلة بكبح الانفاق العام وخفض العجز في ميزانية وخفض دعم اسعار الطاقة وإصلاح المشاريع المملوكة للدولة اي تحويلها وبيعها للقطاع الخاص .

نرى من كل ما سلف ان ما يدور الآن بالعراق هو المزيد من التدهور بسب تبعية الاحزاب البرجوازية الحاكمة بالعراق للرأسمالية العالمية بمؤسساتها وشركاتها ولا ضوء بنهاية هذا النفق المظلم سوى ارادة اصحاب المصلحة ببناء اقتصاد يكفل كرامة الانسان العراقي ومشروع شامل ينهض بارتقاء العراق كبلد ينعم الجميع تحت ظله بالرخاء والمساواة يدوره العمال وملايين الكادحين لا غيرهم.