البورجوازية الوضيعة تستعر في محاربة الشيوعية 3


فؤاد النمري
2015 / 11 / 11 - 18:10     

الأمين العام للحزب الشيوعي الأمريكي صموئيل ويب كان أمينا مع الذات فرفض الترشيح لاشغال مركز الأمين العام للحزب مرة أخرى في المؤتمر العام الثلاثين للحزب 2014، وفضل الجلوس على مقاعد الإنتظار في الحزب وذلك لأنه .." تحقق من أن مستقبل الحزب ليس فيما مضى بل في عالم القرن الحادي والعشرين الذي سيطرح تحدياته الفريدة الخاصة على البشرية في المستقبل "، ويواصل القول .. " ليس منا من يمتلك الإجابات الصحيحة لتلك التحديات المخيفة " .
أربعون عاما من عمره ضيعها رفيقنا الشيوعي صموئيل ويب (Samuel Webb) مناضلاً في أصعب الظروف ليصل في النهاية إلى حالة من الضياع لا يعلم ما يخبئه المستقبل له ولحزبة وكيف له أن يواجه التحديات المخيفة التي يخبئها له المستقبل . وكيلا يفقد كل شيء تنازل ويب عن قضية الشيوعية الأولى ورأى أن يتوحد حزبه الشيوعي مع من يسمون باليسار والإكتفاء بإقامة "العدالة الإجتاعية" و "الاشتراكية" من الطراز اليساري المزور .

ما على الشيوعيين الأصلاء الوقوف عنده طويلاً وبالتحليل العميق هو انهيار الأحزاب الشيوعية من الأممية الثالثة عقب تفكك الاتحاد السوفياتي وإعلان موت المشروع اللينيني في الثورة الاشتراكية العالمية . لا يمكن تعليل مثل هذا الانهيار سوى أن هذه الأحزاب في طور الانهيار والاضمحلال إنما كانت مرتعاً للمفلسين من البورجوازية الوضيعة . الطلائعيون في طبقة البورجوازية الوضيعة تحققوا من أن رهاناتهم على طبقتهم هي رهانات خاسرة بالضرورة طالما أن طبقتهم هي بالتالي طبقة وضيعة ودورها في الانتاج القومي دور وضيع فكان أن راهنوا على مستقبل طبقة البروليتاريا علهم يربحون بعض الجوائز . من هنا كنت أكدت لنائب الأمين العام للحزب في آخر لقاء لي معه في مايو أيار 1965 أن ثلثي الذين استنكروا الشيوعية كي يخرجوا من السجن كانوا شيوعيين أكثر عمقاً ونقاءً من ثلثي الذين صمدوا ولم يستنكروا حيث كانوا من المراهنين الأقوياء، وهو ما كان موضع شجبه الشديد آنذاك، لكنه تحقق من صحته بعد خمس سنوات حين تم طرده من القاعة في أول مؤتمر عام للحزب . ليس من تحليل آخر لانهيار الاحزاب الشيوعية، إنهار المشروع اللينيني فسرعان ما راح شيوعيو البورجوازية الوضيعة يبحثون عن رهانات أخرى، غالباً ما تكون وطنية وشعبوية .

القراءة الدقيقة والموضوعية للتاريخ تقول أن الثورة الشيوعية التي أكد نجاحها لينين باكراً في 6 مارس 1919 لم ينطفِ أوارها وقد تجلوز السماكين في منتصف الخمسينيات وهي ما زالت محور الرحى الذي يدور حوله العالم، كل العالم . لن يكف العالم عن الدوران ويستقر قبل أن يبني نمطاً ثابتاً ومستقراً للإنتاج، وليس من نمط آخر متاح بعد انهيار النظام الرأسمالي في السبعينيات سوى العبور إلى الاشتراكية . عندما انقلبت البورجوازية الوضيعة السوفياتية على الاشتراكية في العام 1953 كان بديلها عن نمط الإنتاج الاشتراكي المدني هو إنتاج الأسلحة بادعاء ملفق وهو العدوانية الأمريكية بينما ما هو مؤكد أن أمريكا لم تتجرأ يوما على التفكير، مجرد التفكير، بالإعتداء على الاتحاد السوفياتي نظراً لاختلال ميزان القوى، فاليابان كانت قادرة في صيف 1945 على إحتلال الولايات المتحدة لولا أن ستالين اخترق معاهدة عدم الاعتداء مع اليابان وقام بتحطيم كل جيوش اليابان في منشوريا في الأسابيع الثلاثة الأخيرة من شعر أغسطس آب قبل استسلام اليابان في الثاني من سبتمبر ايلول 1945 . ومثل هذا الواقع لا يتلاءم مع الاعتقاد العام الخاطئ وهو أن اليابان استسلمت بأثر القنبلتين الذرينين في السادس والتاسع من اغسطس آب .
إنتاج الأسلحة هو عقبة حقيقية كبرى على مسار الاشتراكية كما اعتبره ستالين في العام 1936، فالأسلحة ليست منتوجاً إشتراكياً، كما أنها ليست منتوجاً رأسمالياً حيث ينحرف النظام الرأسمالي لانتاج الأسلحة حين يحتاج تنفيس أزمته الناجمة عن فيض الإنتاج . الإستغراق في إنتاج الأسلحة وهو ما أخذ به الاتحاد السوفياتي منذ العام 1953 وحتى اليوم إنما هو عملية مانعة حكماً ليس لكل تقدم اشتراكي فقط بل ولأي توجه رأسمالي أيضاً، خلافاً لما يزعم أنصاف الماركسيين حول تقدم الرأسمالية في روسيا، أو حتى بناء أي نظام ثابت للإنتاج ينتظم المجتمع . إنتاج الأسلحة جهد ضائع لا يعود على المجتمع إلا بالموت وبالدمار .

أنا إن أندم على شيء فلا أندم على أكثر من موالاتي للحزب الشيوعي السوفياتي منذ العام 1954 حين صعود خروشتشوف إلى سدة السلطة وحتى العام 1963 حين أكدت للحزب الشيوعي الأردني في رسالة خطية أن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي في الكرملين اليوم ليسوا أقل من أعداء للشيوعية ؛ ومع ذلك خضت أقسى المعارك فيما بين 1963 و 1967 في مواجهة الحزب من جهة والدولة من جهة أخرى .
السيد صموئيل ويب إنضم إلى الحزب الشيوعي مع بداية السبعينيات وبعد الانقلاب العسكري على خروشتشوف في أكتوبر 1964 حين حاول التمرد على سادته العسكر حيث لم يبق أي أثر للفكر الشيوعي في قيادة الكرملين . فإذا كان الشيوعي صموئيل ويب يسترشد بالقيادة السوفياتية فمن الطبيعي بعد سقوط تلك القيادة سقوطاً مدوّياً أن يجد نفسه في حيرة فيما عليه أن يفعل ؛ معلموه بريجينيف وأندروبوف وغورباتشوف لم يعرفوا ماذا كان عليهم أن يفعلوا بغير تعليمات العسكر لهم، فكيف له أن يعلم ما عليه أن يفعل ولات معلماً .
الشيوعي الأصيل، الشيوعي الماركسي اللينيني يعرف تماماً أن قضية العمال الأولى والأخيرة المتمثلة بتحرير العمل لم تنتهِ بتفكك الاتحاد السوفياتي بل باتت لازبة أكثر وهو ما يقتضي تطوير العمل الشيوعي لمجابهة الأعداء الذين ازدادوا توحشاً وفككوا الاتحاد السوفياتي وهم هم رفاق صموئيل ويب الذين كانوا قد ألغوا الخطة الخمسية الخامسة في العام 1953 ، قبل أن ينضم الرفيق ويب إلى الحزب الشيوعي، وحولوا معظم الإنتاج المدني لخير العمال إلى الانتاج العسكري الأغرب بطبيعته على العمال .

نحن هنا نحاكم الأمين العام السابق للحزب الشيوعب الأميركي، صموئيل ويب، ومعه كل شيوعيي البورجوازية الوضيعة الذين غيروا رهاناتهم بقصد التربح على درجتين ..
الدرجة الأولى وهي أن قضية العمال الأولى والأخيرة وهي تحرير العمل لم تنتهِ بعد ولن تنتهي قبل تشكيل دولة دكتاتورية البروليتاريا . شيوعيو البورجوازية الوضيعة الذين سرعان من قلبوا رهاناتهم على أحصنة أخرى غير حصان الطبقة العاملة، هؤلاء "الشيوعيون" لا يمكنهم الإدعاء بأنه لم يعد هناك قضية للعمال تقضي بتحرير العمل وأنهم لم يعودوا يدركون أهميتها بل وأنها ليست قضية إنسانية جامعة تفوق كل القضايا . كانوا يدركون أهميتها لعشرات السنين فما الذي استدعى سقوط تلك الأهمية اليوم غير الرهانات البورجوازية المدانة في مختلف الحالات أو أنه تهيأ لهم أن الماركسية قد سقطت نهائياً ولن تعود فاعلة في التاريخ وقد غاب عنهم العدو الرئيس داخل المجتمع السوفياتي كما كان لينين قد حدده في العام 1921 وهو البورجوازية الوضيعة .
الدرجة الثانية وهي فائقة الأهمية . كان لينين قد صرح في مارس آذار 1919 أن الثورة الشيوعية قد غدت مؤكدة النجاح، فهل أخطأ لينين في ذلك التصريح ؟ من يقل بخطأ التصريح فما ذلك إلا بسبب فقره في علم الاقتصاد الماركسي إن لم يكن بسبب الأصول البورجوازية الوضيعة .
في الفصل الأول من المانيفيستو الشيوعي حذر ماركس وإنجلز من خطر البورجوازية الوضيعة على الثورة وأكدا رجعية هذه الطبقة حتى وهي تناضل إلى جانب الطبقة العاملة ضد الطبقة الرأسمالية . وراح لينين إلى أبعد من ذلك فاشترط على الأحزاب الشيوعية من حين لآخر تطهير الحزب من عناصر البورجوازية الوضيعة التي تكون قد نجحت في التسلل بين صفوف الحزب . وفي بحثه في "الضريبة العينية" 1921 أعطى لينين أهمية قصوى لأن يعي الشيوعيون خطأهم في عدم اعتبار البورجوازية الوضيعة العدو الرئيسي للبروليتاريا ـ مؤكدا على كلمة الرئيسي . كان ستالين في غاية الحرص على تطبيق هذا المبدأ اللينيني ولذلك وجدنا البورجوازية ملأت الفضاء زعيقاً تشجب تطهير الحزب بين عامي 1937 و 38 ولولا ذلك لما استطاع الاتحاد السوفياتي الانتصار على النازية كما أكد ستالين . وصل الأمر بستالين تطبيقاً لمبدأ التطهير أن يطالب مندوبي المؤتمر العام التاسع عشر للحزب في نوفمبر 1952 ألا ينتخبوا كافة أعضاء المكتب السياسي للحزب بمن في ذلك ستالين نفسه بسبب التقدم في السن الذي لم يعد يسمح لهم بالقيام بوظائفهم الصعبة والضرورية لتقدم الثورة الاشتراكية .
ليس لدي أدنى شك في أنه لو استجاب المندوبون في مؤتمر الحزب لنصيحة ستالين ولم يعيدوا انتخاب نفس أعضاء المكتب السياسي لما انهار المعسكر الاشتراكي كل هذا الانهيار المروّع حتى بتنا نرى الأمين العام لحزب شيوعي عريق هو صموئل ويب لا يعرف ما عليه أن يفعل كشيوعي، ولما رأينا العالم يتخلف كل هذا التخلف الماثل اليوم . القادة العجزة فقط هم الذين يخضعون لمطالب المارشالات والجنرالات في الجيش الذي لم يعد أحمرَ