مؤامرة 24 أبريل والمنعطف محكم الاغلاق نحو اليمين


مناضلون شيوعيون مغاربة
2015 / 11 / 10 - 21:20     

"...تردد صوتي قويا ثابتا في الغرفة الخالية وأنا أقول:
"لقد ارتكبت -منذ البداية- خطأ لا يغتفر. فقد كان من واجبي لا أن أقف أمامكم، وإنما أن أقف ضدكم. ذلك أن كل مسعى نبيل على هذه الأرض يجب ان يتجه للقضاء عليكم".
صنع الله ابراهيم – رواية "اللجنة" ص 119.

تأتي المقالة هذه في زمن صار النقد فيه جريمة، والتسليم بظاهر الأشياء حنكة وتعقلا و"سياسة". زمن لا يستغرب فيه انقلاب الأضداد أضدادها، وتزاحم فيه عناصر المخاض متسابقة لتولد في كل لحظة عفونة وقيحا، ما دام يتحدد بواقع أزمة الحركة الثورية فيه، حيث تصير الأحداث اليومية قشور موز عليها يتم الانزلاق من النقيض إلى النقيض، وتكون المواقف قشرة هشة لمبادئ ممارسة سياسية لا سياسة فيها ولا مبدأ، وليس فيها من الممارسة غير ارتكاسات شوكية بئيسة ضد هذا أو ذاك، في هذه اللحظة أو تلك. ومن رحم هذا الواقع وضده، تنبني الضرورة في وعي الضرورة، عبر ادراك جذر الأزمة والنضال ضده باستمرار، في رسم للخطوط الفاصلة، في "مواجهة الكل" من اليمين إلى اليمين حتى في رؤوس الثوريين أنفسهم، فيكونون قساة في النقد، أقسى في النقد الذاتي، في جدلية دائمة عنيفة بها ينفتح طريق المستقبل الوحيد، ويدشن زمن جديد هو زمن الخروج من مدن الملح.
ونهدف بهذه المساهمة القاء الضوء على بعض التطورات المميزة داخل الساحة السياسية المغربية والتي ترافدت والجزر الذي تعرفه الحركة الجماهيرية بعد 20 فبراير، والتي سنتناول منها احدى هجمات النظام القائم الأكثر ضراوة وشراسة على الحركة الطلابية ألا وهي مؤامرة 24 أبريل 2014 بموقع ظهر المهراز – فاس، وخاصة من حيث التطورات التي عرفتها فيما بعد الحكم على المعتقلين السياسيين القابعين بعين قادوس بمائة واحدى عشرة سنة من السجن النافذ بتاريخ 18 يونيو 2015، وصولا إلى حدث تأسيس ما يسمى "اللجنة الوطنية للدفاع عن طلبة فاس ضحايا مؤامرة 24 أبريل" من طرف حزب الأصالة والمعاصرة الرجعي، والذي هو بمثابة حلقة جديدة اضافية في المؤامرة وجزءا لا يتجزأ منها، وذلك من حيث محتواها وأبعادها، ومختلف ردود الفعل التي أثارتها في وسط مناضلات ومناضلي الحركة الشيوعية المغربية فعكست – بصورة كارثية – واقع الأزمة صلب هذه الحركة. فمساهمتنا اذن تنصب في اتجاه رصد هذه الاختلالات والنضال ضدها وضد ما عرته، من انحرافات انتهازية خطيرة نحو اليمين، وهذا وحده يمكن أن يدفع بمسار هذه الحركة أماما. أما "أن يتغاضى المرء عن كل أمر يرى أنه لا يهمه شخصيا، أن يحرص على قلة الكلام في الأمور التي يعلم بكل وضوح أنها خاطئة، ولا يبتغي أكثر من تجنب الوقوع في هفوة، عملا بقول بعضهم: العاقل من حفظ نفسه..." فان هذا هو بتعبير ماو، الشكل الثالث من الليبرالية.

1- مؤامرة 24 أبريل، السياق والأهداف والمتطلبات النضالية للحركة الجماهيرية :
شكل تراجع النضالات الشعبية على الصعيد العربي العام، فرصة مواتية للنظام القائم بالمغرب لشن هجماته على الحركة الجماهيرية بكل قطاعاتها. فاعادة ترتيب الامبريالية والأنظمة العربية الرجعية لأوراقها باتجاه قمع واحتواء الانتفاضات الشعبية بطرق وأشكال شتى، فمن اللعب على ثنائية نداء تونس / النهضة والجيش / الاخوان بكل من تونس ومصر، إلى تدخل حلف الناتو الامبريالي في ليبيا وتفجر التناقضات البينية للامبريالية العالمية في سوريا والتي كانت لها آثارها في اليمن ولا تزال جرائم العدوان الرجعي السعودي ومؤامرات الرجعية الايرانية شواهد حية على ضراوتها وعنفها، فضلا عن القمع الشرس الذي جوبهت به الانتفاضة الشعبية بالبحرين وجرائم تنظيم "داعش" الفاشي في العراق والتي تنذر بتقسيم طائفي. ان كل هذه الشروط كان لها أثرها في خلق وضع من الجزر العام للحركة الجماهيرية بالمغرب أتاح للنظام أخذ زمام مبادرة هجوم مضاد شرس عليها تجلى في أشكال شتى، فعمل على تنزيل المزيد من المخططات الطبقية الرامية للامعان في افقار وتجويع شعبنا لصالح الدوائر الامبريالية من جهة، ومواجهة أي تحرك احتجاجي بالقمع المسعور من جهة أخرى.
وقد كان للحركة الطلابية كجزء من الحركة الجماهيرية ورافد من روافد حركة التحرر الوطني نصيبها من هذا الهجوم، بل انه يجدر الانتباه، باعتبار ديناميتها وتراكماتها المميزين بالمقارنة مع القطاعات الأخرى للحركة الجماهيرية حاليا، ولعبها لدور لا يستهان به في فترة صعود نضالات حركة 20 فبراير، إلى أنها قد نالت النصيب الأوفر. وفي الوقت نفسه الذي اغتنم النظام الفرصة لتنزيل بنود ما يسمى ب"المخطط الرباعي / الاستراتيجي" الهادف، شأنه شأن المخططات التي سبقته ("الاصلاح الجامعي"، "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"...) إلى مزيد من خوصصة التعليم وضرب حق أبناء الجماهير الشعبية فيه، وهو ما يعني أيضا، على المستوى السياسي، ضرب الأساس المادي للمحتوى الكفاحي والثوري للحركة الطلابية نفسها. وذلك مترافدا مع القمع والاعتقالات في صفوف مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وفي هذا السياق كان اغتيال محمد الفيزازي بموقع فاس - سايس، ثم نور الدين عبد الوهاب بورززات، واغتيال أحمد بنعمار بمراكش مع هجوم البلطجية على الحي الجامعي بالموقع، والاعتقالات التي طالت مناضلي الحركة الطلابية بأكادير اثر أشكال نضالية تضامنية مع الجماهير الشعبية بزاكورة، والمتابعات والاعتقالات في حق المناضلين بموقع وجدة، بالاضافة إلى القمع الشرس الذي تعرضت له نضالات الجماهير الطلابية بالقنيطرة وتازة، والأحكام الثقيلة في حق المعتقلين السياسيين بمكناس، والمتابعات التي تم تحريكها ضد المناضلين بالرشيدية...في خضم هذا الهجوم الشرس، من طرف النظام بأجهزته القمعية والايديولوجية وكذا عملائه من القوى الظلامية والقوى الشوفينية الرجعية، وبتواطؤ الأحزاب الاصلاحية، شكلت مؤامرة 24 أبريل بموقع ظهر المهراز – فاس جزءا من مخططات النظام الرامية إلى ضرب الحركة الطلابية والحركة الجماهيرية ككل.
ان جامعة ظهر المهراز وبحكم تاريخها النضالي المجيد الضارب بجذوره في الزمن قد شكلت قلعة تاريخية بامتياز لنضالات الحركة الطلابية، مما جعلها باستمرار عرضة للقمع الشرس من طرف النظام القائم وأذنابه، قمع لا زالت دماء الشهداء عادل الأجراوي وزبيدة خليفة وآيت الجيد بنعيسى وحفيظ بوعبيد ومصطفى مزياني شاهدة عليه بقوة. ان مؤامرة الندوة الوهمية للقوى الظلامية بظهر المهراز يوم الخميس 24 أبريل 2014، وما أعقبها من اعتقالات مسعورة في الموقع تحت يافطة مقتل الظلامي "عبد الرحيم الحسناوي"، انما كانت حلقة متقدمة من حلقات هجوم النظام على الحركة الطلابية والحركة الجماهيرية، وقد عرفت من طرف الجماهير الطلابية بالموقع مقاومة مستميتة تجسدت في عديد النضالات التي خاضتها دفاعا عن حرمة الجامعة وللتشهير بقضية المعتقلين السياسيين بعين قادوس، وكذا في الاضراب عن الطعام الذي خاضه الشهيد مصطفى مزياني واستشهد بعد 72 يوما من بدئه، وذلك تحت وطأة هجمة ايديولوجية واعلامية للقوى الرجعية بمختلف تلاوينها والتواطؤ المخزي للأحزاب الاصلاحية، وبهذا المعنى تحديدا، كانت مؤامرة دنيئة حاكها النظام القائم لأجل توجيه ضربة جديدة للحركة الطلابية والحركة الجماهيرية.
في ظل هذه الشروط من الهجوم الحاد للنظام على الحركة الجماهيرية والذي كان منه هجومه على الحركة الطلابية، والذي منه هجومه على موقع ظهر المهراز ممثلا في مؤامرة 24 أبريل، قد طرح أمام الشيوعيين مهام نضالية جسيمة، نحو قيادة النضال الدفاعي للحركة الجماهيرية في واجهات عدة وحقول شتى (اقتصادية، سياسية...) ومنها، واجهة الاعتقال السياسي والتشهير بالنظام القائم في ملف المعتقلين السياسيين القابعين بسجون العار في مختلف ربوع البلاد، ومنهم المعتقلون السياسيون لحركة 20 فبراير والحركة الطلابية – ومن ضمنهم المعتقلون على خلفية مؤامرة 24 أبريل – ومختلف الحركات الاجتماعية والنضالات العمالية والشعبية. الا أن الاضطلاع بهذه المهمات، وكما كان عليه الحال في فترة حركة 20 فبراير، قد اصطدم بواقع أزمة الحركة الشيوعية المغربية وغياب تنظيم ثوري قادر على انجازها، وبالتالي وضعية التبعثر التنظيمي التي تعكس الضبابية الفكرية والسياسية صلب الحركة الشيوعية. بل أن هذه الأخيرة – الضبابية الفكرية والسياسية – قد وقفت سدا منيعا أمام قراءة علمية سليمة للهجوم والمؤامرة وبالتالي للمهام المطروحة، وكشفت بالمقابل عن أوهام وانحرافات يمينية خطيرة.

2- واجهة الاعتقال السياسي وأضرار النهج اليميني :
لقد راجت منذ البدء أفكار من قبيل أن مؤامرة 24 أبريل انما تستهدف "القضاء على القاعديين" أو "اجتثاث الخط الماركسي-اللينيني" أو "اعدام الحركة الطلابية المغربية" وغير ذلك من أفكار مشابهة ينظمها نسق تفسير واحد، وقد كان يبدو، لأي ملاحظ سطحي للأحداث، أن هذا هو التفسير الممكن، أو الأقرب إلى الصحة، وسواء كان هذا التفسير يتخذ منحى الدعاية السياسية والاعلامية لطرف محدد في الحركة الطلابية هو تيار "التحاق الشجعان..." المعروف بوجهة نظر 1996 – والذي كان، طبعا، أول من روج لهذه القراءة - أو منحى الهجوم عليه من موقع التبرؤ، أي القول باستغلال النظام لما وقع بظهر المهراز لأجل تشويه من هم خارجها وكمقدمة للهجوم عليهم، وهو زعيق التيارات التحريفية المتجللبة بدورها بجلباب القاعديين و"النابذة للعنف" مبدئيا حتى ضد أعداء الحركة الطلابية، بل قل انها تنبذه بالتحديد والحصر ضدهم. قلنا انه سواء كان ذاك التفسير يتخذ هذا المنحى أو ذاك، فانه في الحالتين كليهما يقوم بتقزيم حجم المؤامرة باعتبارها جزءا من هجوم كاسح للنظام ضد الحركة الطلابية، في ظل شروط سياسية دقيقة تمر منها الحركة الجماهيرية ككل.
ففيما يتعلق بالمنحى الثاني فانه لا ينجم عنه من مهام أمام أصحابه الا التبرؤ من "العنف الجامعي" ومرتباته وطلب صكوك الغفران من النظام شأنه في ذلك شأن مسار الأحزاب الاصلاحية نفسها. أما الأول فهو بالعكس يطرح مهاما في فضح المؤامرة والدفاع عن المعتقلين السياسيين الذين أودعوا سجن عين قادوس على خلفيتها، وقد يبدو أن تقزيمه لحجم المؤامرة بذلك الشكل الانتهازي غير ذي ضرر بالغ ما دام يطرح أمام أصحابه المهام هاته، ولكن المصيبة تبدأ بالكشف عن ذاتها رويدا حينما نشرع في تناول مضمون هذه المهام في علاقتها بتلك القراءة الغيبية، والتي يتبين عبرها حجم البلبلة النظرية والضبابية السياسية المتفشية في أوساط الشيوعيين المغاربة حاليا.
ان تحديد مؤامرة 24 أبريل بمثابة محاولة للنظام من أجل "اغتيال الخط الماركسي-اللينيني" و"اعدام خط الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" و"الاجهاز على النهج الديمقراطي القاعدي" وما يلحق ذلك انما قد يبدو كتقييم ذاتي ماقبلي ينطلق من نتائج مرجوة (تقديم الاشعاع السياسي والاعلامي لطرف محدد) وبالتالي لا يظهر رفضه الا كتنعت في مواجهة هذا الاشعاع وهذه النتائج المرجوة، أي كتحامل على الطرف السياسي المقصود. في حين أن الأمر غير ذلك، فلهذه القراءة لطبيعة مؤامرة 24 أبريل جذور ممتدة في الزمن – منذ 2011 - ومقدمات عريقة في منطق هذا الطرف نفسه، أي وجهة نظر 96. وذلك ما تجلى في بيان 11 مارس 2011 ثم ندوة 13/14 ماي من السنة نفسها، والمنظمة بظهر المهراز. والتي بينت أن هذا الخط لم يعد يقبل حتى الشك في فكرة أن القاعديين طرف سياسي من داخل 20 فبراير، وأنهم تنظيم داخل وخارج الجامعة يقود نضالات الجماهير الطلابية والشعبية في آن. ولن نغوص في تفاصيل هذه الرؤية ودقائقها لنشير بأن نتيجتها الطبيعية هي هذه القراءة المغلوطة للمؤامرة وطبيعتها، والمقزمة لحجمها أصلا، والتي كانت لها بدورها، عدة نتائج بالغة الخطورة.
أولها هي أن النظام يستهدف تجريم المعتقلين واظهارهم مظهر المجرمين والقتلة، وما دام الحال هكذا، وعملا بمنطق معارضة ما يؤيده العدو وتأييد ما يعارضه العدو، فان عملنا يجب أن ينصب في الحيلولة دون تجريمهم. وهذا ما عبرت عنه شعارات من قبيل "تضحيات الجماهير لن تذهب سدى...وتجريم الرفاق لن يكون أبدا" و"لا لتجريم المناضل، المعركة سنواصل" وغيرها. وقد عكست مثل هذه الشعارات، حتى في عفويتها وطابعها التحريضي، قصر نظر في فهم حجم المؤامرة والأهداف التي تتغياها الأنظمة الرجعية من الاعتقال و"التجريم" نفسه، الذي هو توجيه ضربة لنضالات الجماهير ككل وليست الادانة أو التجريم أهدافا في ذاتها – بل ان مناضلين قد يمضون مددا طويلة في السجن الاحتياطي فيحكم عليهم بالبراءة فيما بعد أو بمدة سجنية موقوفة التنفيذ في الوقت نفسه الذي يكون الهدف من الاعتقال قد تم بلوغه – أبدا وعلى الاطلاق. وقد كانت هذه النتيجة ذات عمق اصلاحي خالص اذ بدل أن تطرح على المناضلين ضرورة الدفاع عن الهوية السياسية للمعتقلين والتشهير بالنظام القائم وكذلك الفاشية الدينية باعتبارها الأداة الضاربة في يده وفي يد الامبريالية، فانها قد طرحت أمامهم ضرورة الدفاع القانوني-الحقوقي عن المعتقلين باعتبارهم أبرياء مما ينسب اليهم من تهم وركزت في هذا على نقاش الأحداث والوقائع واعتبرت اطلاق سراح المعتقلين هدفا في ذاته يجب جعله محور أي عمل نضالي على واجهة الاعتقال السياسي.
وقد وجدت هذه الرؤية موضوعيا أرضية انتشار خصبة صلب الحركة الشيوعية المغربية بحكم الضبابية الإيديولوجية المهولة في أوساطها والتي تجلت خاصة في بعض الاتجاهات والتيارات التي طلقت الماركسية طلاقا ثلاثا في مسألة الموقف من العمل الحقوقي وايديولوجية حقوق الانسان، وأخرى يشكل بناء الذات في الجامعة محورا هوسيا لتفكيرها واشتغالها اذ اعتبرت الحركة الطلابية مدخلا لأي عمل ثوري، وأخرى تنهل من هذا الانحراف وذاك، فتؤسس لنزعة هروبية ليس فقط من المعالجة الجدية لمختلف الإشكالات النظرية والتنظيمية للحركة الشيوعية وانما أيضا من العمل داخل القطاعات الأساسية للحركة الجماهيرية، أي الارتباط بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء. فطفقت من جهة تحصر مجال اشتغالها في ملف معتقلي مؤامرة 24 أبريل فتعزلهم عن باقي المعتقلين السياسيين للحركة الطلابية وللحركة الجماهيرية ككل. وما تقوم بالربط بينهم الا شكليا ولتوفير الدعم "الكمي" للملف الأول، وتركز فيه جوهريا عن الدفاع الحقوقي والقانوني فلا تستحضر القوى الظلامية الا كعامل في "توجيه مجرى المحاكمة"، وقد تولدت في هذه البيئة أوهام من قبيل أن المحاكمة السياسية هي نقيض المحاكمة القانونية، وأن انحراف المحاكمة عن مسارها القانوني هو ما يحولها إلى محاكمة سياسية. وهكذا حولت هذه الرؤية القوانين إلى جوهر متعال عن البنية الاجتماعية ومصالح التحالف الطبقي المسيطر كما فعلت سابقا بالنسبة لحقوق الانسان "في كونيتها وشموليتها"، وفي هذا السياق ظهرت نقاشات من قبيل "الخروقات القانونية التي عرفها الملف".و هذا وضع لم يكن بامكان المبررات السخيفة حجبه – من قبيل أن القانوني والحقوقي في خدمة اثباث هوية المعتقلين السياسية وعدم عزلهم عن الشعب – لأنه لم يعزل فقط مؤامرة 24 أبريل عن الهجوم على الحركة الطلابية وعلى الحركة الجماهيرية، بل عزل أيضا القوى الظلامية نفسها عن النظام القائم والامبريالية وقزم المهام المطروحة أمام المناضلين. وبالتالي كانت حتى الدعوات لاعتبار الصراع قائما ضد القوى الظلامية لا تهدف الا لصرف النظر عن صانع القوى الظلامية وفتح الباب لكل "الديمقراطيين" و"الحداثيين" و"التقدميين" أي للقوى الاصلاحية بعد انكشاف العجز السياسي والتنظيمي عن خوض المعركة بدونها، وقد أدى كل هذا إلى سوء تقدير خطير للأحكام المتوقعة اذ جرى الحديث أنها لن تتجاوز خمس سنوات على الأكثر – بالنظر، قانونيا، إلى التهم والمحاضر- ولكن الأحكام جاءت مخيبة للتوقعات، وعندما أعلن أن أغلب المعتقلين قد حكم عليهم ب15 سنة – وهو ما سمي انسجاما والقراءة المغلوطة ب"المقصلة السياسية" - كان هنالك قسم واسع من المناضلين لم يعد لديه أدنى شك أنها نهاية العالم.
هذا هو "الفراغ" الذي وجده النظام القائم ليواصل عبر حزب "الأصالة والمعاصرة" الرجعي حلقات مؤامرته ليطمس الهوية السياسية للمعتقلين عن طريق "اللجنة الوطنية للمطالبة باطلاق سراح طلبة فاس ضحايا مؤامرة 24 أبريل" وليقدم صك براءة لأسياده الرجعيين والامبرياليين من هجومهم الشرس على الحركة الطلابية والحركة الجماهيرية. فهذا "الفراغ" لم يكن نتيجة ارادة ذاتية أو تقاعس للمناضلين الأفراد بقدر ما كان نتاجا لوضع الحركة الشيوعية المتردي نفسه على الأصعدة الفكرية والسياسية والتنظيمية، وعلى الصعيد الفكري بالأساس، والذي هيأ التربة لاستقبال أطروحات خاطئة فيما يتعلق بطبيعة المؤامرة وأهدافها، وهو ما بلور نهجا يمينيا خطيرا كانت له آثاره الوخيمة في فتح الثغرات للنظام من أجل تنفيذ حلقة جديدة من حلقات مؤامرته، أي تصفية الهوية السياسية للمعتقلين عبر لجنة حزب الأصالة والمعاصرة. واعتبارهم مجرد "طلبة أبرياء"، يدافعون عن "الأمن" و"الاستقرار" في مواجهة القوى الظلامية مثلما ردد المريزق غير ما مرة في مقالاته "التصالحية" مع "الحركة القاعدية" كما أسماها، وقد ووجهت "مبادرة" الأصالة والمعاصرة هاته بالصمت.
ان "الفراغ" لا يبرر الصمت على جرائم أعداء الشعب أو التعامل معهم. ولكن فهم محتوى هذا "الفراغ" علميا هو الذي يمكن من ادراك جذور هذا الصمت في الرؤى الخاطئة المنتشرة صلب الحركة والمعشعشة في شروط الضبابية الفكرية والسياسية داخلها. فاذا كان التجريم هدف النظام – أو/ و القوى الظلامية – والتبرئة واطلاق السراح هدفنا الأوحد، فليس هنالك من ضير أن يناضل على أرضية ذلك حتى حزب "الليكود" الصهيوني نفسه.


3- المسار من الرد بالصمت إلى الصمت بالرد :
ليس هنالك شك بأن الصمت كان الاجابة الوحيدة لقسم واسع من المناضلين لدى تأسيس "اللجنة الوطنية للمطالبة باطلاق سراح...." من طرف حزب الاصالة والمعاصرة، والتي شرعت أشغال تأسيسها منذ ندوة 26 يوليوز 2015 بالمضيق حول "العنف الديني"، وبالتالي فان البداية لتأريخ وضعية الصمت هي ذلك التاريخ بالضبط، وقد تعمق هذا الوضع مع الاعلان عن تأسيس اللجنة رسميا في مطلع أكتوبر من السنة نفسها. وقد كان هذا الصمت مغلفا بمبررات واهية، من قبيل أنه لا يجدر تقديم موقف من كل ما يستجد على الساحة السياسية، أو أن حجم اللجنة ووزنها أصلا ضئيل فلا يجدر أن نضخمها اعلاميا وننفخ فيها، أو أنه في وضعية الفراغ وغياب البديل لا يصح تقديم أي موقف أو لا يصح الجهر به على الأقل (موقف سري !)، أو أن تيارا سياسيا محددا لديه مصلحة في الضغط باتجاه اعطاء موقف حازم وتوريط الطلبة في معارك هامشية، او أنه يجب أن ننتظر جمع المعطيات الكافية لتتضح لنا الصورة...وغير ذلك من تبريرات هنالك من ذهب بعيدا بها ليؤطر نظريا وسياسيا حتى ضرورة التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة باعتبار المرحلة الراهنة تفترض رص أوسع جبهة في مواجهة القوى الظلامية ! واذا كانت الفكرة الأخيرة غاية من الخيانة والاستسلام لا غاية وراءها، فانها ليست بدورها الا نتاجا "معمقا" و"مطورا" للتبريرات السابقة، والتي بدورها ليست غير نتائج منطقية للنهج اليميني ذي البعد الحقوقي-القانوني في الدفاع عن المعتقلين السياسيين، والذي تغذيه القراءة المغلوطة لطبيعة مؤامرة 24 أبريل وسوء التقدير الفاضح لحجم الاستهدافات التي تتعرض لها الحركة الطلابية والحركة الجماهيرية. فوضعية الضبابية الفكرية والسياسية هي التي جعلت هذه القراءات والأفكار المغلوطة تسود صلب الشيوعيين والشيوعيات وترسم بين قسم منهم، مسارا خطيرا هو منعطف محكم الاغلاق نحو اليمين.
ان جوهر موقف الصمت كان "انتظار شيء ما" من اللجنة، عدم انتقادها أو الهجوم عليها لعلها تثمر بشيء هو في صالح المعتقلين، أي في اتجاه عدم تجريمهم أو اطلاق سراحهم، وهي نتيجة طبيعية اذا ما تمعنا في كل ما سبق. وقد أثار هذا الموقف وهذا الوضع عدة انتقادات ونقاشات صلب الحركة، اتجهت نحو فضح طبيعة اللجنة كحلقة جديدة من حلقات المؤامرة من جهة – وان كان ذلك في أغلب الأحيان على أرضية فهمها المغلوط نفسه – والتنديد بالصمت تجاهها. الا أن هنالك فرقا بين الرد بالصمت، أي أن يكون الصمت هو الرد الوحيد الكائن تجاه تأسيس اللجنة، وبين الصمت بالرد، أي اعادة انتاج موقف الصمت وتكريسه عبر رد محدد، للتملص من سيل الانتقادات الحاصلة وتعطيل النقاشات الدائرة بصدد اللجنة والموقف منها. وهذا ما اتجه نحوه تيار 1996 في بيانه الأخير بتاريخ 29 أكتوبر 2015.
اذ في البداية لا تفوته الفرصة لاعادة انتاج نفس القراءة المغلوطة لطبيعة مؤامرة 24 أبريل قائلا : وفي سياق تراجع المد الثوري الذي عرفته المنطقة منذ سنوات خلت، وخفوت حدة نضالات حركة 20 فبراير ببلادنا وتراجع زخمها الجماهيري، ولأن النهج الديمقراطي القاعدي، ظل صامدا ومناضلا ووفيا لمبادئه ومواقفه ومشروعه، لمسار تحرر وانعتاق الشعب المغربي، وللشعار السياسي التاريخي الذي أنتجته الشعوب الثائرة والمنتفضة، شعار " الشعب يريد إسقاط النظام"، جاءت مؤامرة 24 أبريل الإجرامية الهادفة إلى اجتثاثه..." ولن نناقش عما اذا كان من السليم الحديث عن "مد ثوري" أو اعتبار شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" شعارا "سياسيا تاريخيا" مؤطرا للنضال الثوري في المرحلة. فانه لا يهمنا من هذا المقطع سوى الاشارة إلى جوهر الفهم المثالي لطبيعة مؤامرة 24 أبريل وأهدافها، وهو ما يعني عمليا، استصغارا لحجم الاستهدافات وجسامة المهام المطروحة يجعل الغلاف "اليساري" الظاهري في اللغة، غير قادر على اخفاء المضمون الانتهازي اليميني في النظرية والسياسة.
أما الجزء الذي يشكل جوهر البيان، فهو التالي : وفي ظل وضع موبوء يشكل فيه النهج الديمقراطي القاعدي، الاستثناء، ويواصل مسيرته النضالية، بعنوان المقاومة والصمود والالتحام بالجماهير، قائدا لنضالات الحركة الطلابية في مواجهة المخططات السياسية والطبقية للنظام الرجعي، رغم وجود ركود مهول تعرفه التعفنات البرجوازية، جارفة معها كل المترددين، للاسترزاق على تضحيات المعتقلين السياسيين، تحت شعارات معسولة من قبيل "الدفاع عن المعتقلين السياسيين"، مستغلين في ذلك واقع الفراغ المهول الذي تعرفه الساحة السياسية. إن كل لجنة شكلت أو قد تشكل في المستقبل، هي ملزمة لأصحابها، الذين شكلوها باسمهم، ولا تلزم لا النهج الديمقراطي القاعدي ولا معتقليه، وللأسف الشديد نجد هواة الصيد في المياه العكرة، عوض أن يسائلوا أنفسهم عن سر تقاعسهم وتخلفهم ومسؤولياتهم في ترك الفراغ، حتى يملئه الآخرون، بادروا إلى تصعيد حملات التسميم ضد النهج الديمقراطي القاعدي وتخوين المعتقلين السياسيين، هذه الحملة وبطريقة مشبوهة لم تسلم منها حتى عائلة شهيدنا الغالي مصطفى مزياني"(نهاية الاقتباس). والمشكل ليس حتى في عدم اعطاء موقف واضح من "اللجنة الوطنية للدفاع عن طلبة فاس ضحايا مؤامرة 24 أبريل" باعتبارها أداة للنظام الرجعي ولحزب الأصالة المعاصرة الذي هو منه مشتق، بل تم الحديث عن "الاسترزاق" بشكل عام الذي قد تمارسه حتى الأحزاب الاصلاحية والتحريفية دون أن يكون لها بالضرورة المضمون نفسه لما يفعله النظام، وعن "أي لجنة ملزمة لأصحابها" بشكل عام وكأن هنالك من يقول بأن لجنة تشكل باسم حزب أو طرف سياسي ستلزم غيره. لحد الآن لا يوجد أي موقف من لجنة الأصالة والمعاصرة، ولكن يوجد موقف آخر.
انه الموقف من الذين "عوض أن يسائلوا أنفسهم عن سر تقاعسهم وتخلفهم ومسؤوليتهم في ترك الفراغ حتى يملئه الآخرون...بادروا إلى تصعيد حملات التسميم." أي أن الحديث عن "الاسترزاق" و"كل لجنة ملزمة لأصحابها" انما هو استحضار لتحصيل حاصل يجري على أرضيته الاستغراب من أمثال هؤلاء. أي هم بالضبط المناضلون الذين وقفوا موقفا حازما من اللجنة ودعوا إلى فضحها ونددوا بموقف الصمت. أما غياب عمل ثوري منظم على واجهة الاعتقال السياسي فلا يفسر بوضعية الحركة الشيوعية المتردية في علاقتها بجزر الحركة الجماهيرية، بل بتقاعس وتخلف للأفراد في ترك الفراغ ل"الآخرين"...فمن هم "الآخرون" ؟ هذا سؤال واضح جوابه. وأوضح مافيه أن البيان لم يكن موقفا من اللجنة أو تنديدا بها، بل تنديدا بالدعوة إلى اتخاذ موقف منها وبالتنديد بها نفسه. فليس اذن "موقفا غير واضح" أو خطوة باتجاه تقديم الموقف لا زالت غير كافية، بل هي خطوة تراجعية حتى عن وضعية الصمت نفسها، انه الانتقال من الرد بالصمت إلى الصمت بالرد، أي عمليا، من عدم الرد بالصمت إلى عدم الرد بالرد.
ان الوضع الراهن يبدو مغلق المنافذ اليوم، متعفنا، بئيسا، قوامه البلبلة الفكرية و الصراعات "اللامبدئية" والهجومات الرخيصة والمشاحنات الحقيرة، ولكن تقييما دقيقا لوضع الحركة الشيوعية المغربية، يرصد مكامن الأزمة والخلل والانحراف فيها، بموضوعية النقد التي منها قسوة النقد الذاتي، بالنضال ضد الأفكار الخاطئة والاتجاهات التحريفية والانتهازية المعشعشة صلب الحركة، بطرح الإشكالات الحقيقية على صعيد مبدئي، بالنضال لأجل بناء الخط الفكري والسياسي السديد للشيوعيين. هو المدخل الوحيد الممكن لأي عمل ثوري قادر على القيام بالمهام المطلوبة تجاه الحركة الجماهيرية وعلى الواجهات جميعها، والتي من ضمنها، واجهة الاعتقال السياسي نفسها. وهي عملية غير سهلة، بل شاقة شاقة، لها طابع الجد لا طابع الهزل، فيها تتصلب المواقف وتتمايز الخطوط وتتطهر الشوائب وتدحر نزعات اليأس والاستسلام والمغامرة، ان الطيور لا يمكن لها أن تلد التماسيح، ولكن الشيوعيين قادرون على اقتحام العقبة.

مناضلون شيوعيون مغاربة - في 5 نونبر 2015