أن نَكون جُزءًا مِنَ المُعادلَة


شادي محمد نصار
2015 / 11 / 9 - 15:21     

أَن نَكون جُزءًا مِنَ المُعادلَة

92 عامًا مَرّوا عَلى حَياة مَجموعةٍ فذة وغريبة الأطوار, هَيكلَت نَفسها بنَفسِها وخاضَت عبر هذه المُدّة الطويلة الكثير من الأزمات والكثير من الحروب والكثير من الابتسامات ولكن وما ميّزها عن غيرها بأنها سقطَت تَنفيذيًا في العديد من المرّات ولكن كانت النظريّة تنهض بها من جديد لتُكمِلَ المَسيرة .
ان الفلسفة الصعبَة التي تصادم الانسان منذ ولادته تكمنُ في سؤالٍ محوري - " ما الهدَف !؟ " , لست بصدد الاجابة عن هذا السؤال من خلال هذا المقال ولكن سأحاول ايضاح بعض النُقاط المُبهمَة .
انّ الحياة القائمة هنا وبمعاييرها التي اشتركت البشرية في اقامتها وفي اكتشافها من الزمان الى المكان الى الحياة القائمة بفضل الاحياء والجماد والفراغ أيضًا تُكوّن سويّةً عجلةً ضخمة يملأ مُحيطها الكثير من الركائز المُهمّة, منها ما ذكرنا أعلاه ومنها ما تشمله المجموعة الثانية من المعايير الا وهي المعايير العلمية والادبية والفلسفية بكل أصنافها التي تُعتبر نتاج الانسان بشكلٍ بحت, اذًا ما هيَ هذه العجلة وماهي أهميتها وهل من الممكن الصعود على متنها أو البقاء بعيدًا عنها !؟ .
انّ هذه العجلة وبتحليلٍ بسيط يَعتمدُ على فلسفتي البَسيطَة , تُشكّل المنبع الأوّل والأخير للحياة الدُنيا ولكن سأتجنب بدايةً وَصفها بالدُنيا لأنني بذلك وبشكلٍ غير تلقائي سأعترفُ بوجود الحياة العُليا (الآخرة) وهذا ما لا يتوافقُ معي في صدد هذا المقال , انَّ الحياة القائمة هنا تتركز حول شيءٍ أولي ألا وهو قيمة الحضور والغياب للأشياء الملموسة والغير ملموسة فبذلك تتحدد تقاسيم الحياة ومجرياتها حول التقسيم النسبي ما بين الوجود والغيب للأشياء الملموسة والغير ملموسة ولكن علينا أن نفهم أن هذا التقسيم النسبي لَم ينبع من العبث اذ انه يرتبط ارتباطً جذري مع جدول المَكان والزمان ومع التأثير الناتج من المعاملات الطبيعية التي تحدث ازاء تفاعلات طبيعية بين الحي والحي أو بين الحي والساكن أو بين الساكن والساكن , سأعطي مثالًا بسيط لتوضيح الصورة حول ما يحدد مجريات الحياة في مكان معين وفي زمان معين :-
فلنفترض أنّ صحراء سيناء هي أرض مليئة بالديناميت المدفون ( هذا هو المكان وايضا الديناميت هو اشارة للتفاعل بين الساكن والساكن وهو الملموس ايضا ) , الافتراض يقع في سنة 2020 ( هذا هو الزمان ) , يعيش في صحراء سيناء قبائل بدوية غير حضارية يعيشون على تربية الماشية (تفاعل الحي مع الحي ) ,يتنقلون بشكل دائم من زاوية الى زاوية للاحتياجات الطبيعية من الماء والغذاء الخاص بالماشية (تفاعل الحي مع الساكن ) بسبب قلة الخبرة العلمية الموجودة لدى هذه القبائل لم يجري هناك تنقيب جدي للبحث عن الديناميت (الخبرة العلمية هي اشارة للغير الملموس واشارة للنتاج البشري البحت )
نستخلص من هنا ونظرا للركائز التي كونت الافتراض من الزمان والمكان والتفاعلات الطبيعية والملموس والغير ملموس هي التي كونت المرحلة التي نتج من خلالها عدم التنقيب عن الديناميت رغم وجوده , ولكن فلننظر جيدا للنتيجة ولنعيد الافتراض مع تغيير واحد أو أكثر من معطيات الركائز فسينتج وبكل تأكيد نتيجة مختلفة اختلافا جذريا ,مما يدعم أيضا صحة المذكور أعلاه حول نسبية الوجود والغيب في تفاصيل كل الركائز- هي النسبية المُقررة , هذه الركائز هي ما أُسميها ركائز العجلة المُقدسة أو المُعادلة الصعبة التي بدورها قادرة على تَحديد كُل شيء يخطر في الذهن البشري ومنها أيضا ينبع التفسير المنطقي لكل النقاط المُبهمة في الحياة القائمة .
أعود للسؤال المطروح في نهاية الفقرة الثالثة لأجاوب على النصف الثاني بعد أن أجبت على النصف الأول في الفقرات السابقة ,نَعَم نَستطيع أن نصعد على متن هذه العجلة عبر السيطرة الكاملة من قِبَلِنا على كل العوامل والركائز الخاصة بنا والتي تشملنا بداية وهي في النهاية جزءا من العجلة , سأشير الى معنى السيطرة عبر العودة الى المثال السابق :-
ان الركائز الموجودة في مثال صحراء سيناء كثيرة ولكن قسم كبير منها تقع تحت سيطرة الانسان ومنها : تحديد المكان وتحديد التفاعل بينك كحي وبين الاحياء الاخرى وتحديد نسبة الحضور في كمية الغير ملموس الناتجة من العمل الذهني ومن النشاط العلمي ومن العمل الفلسفي والأدبي النابع من اجتهاد شخصي بحت , اذًا ومن الواضح أنّ الانسان يقود في الافتراضية غالبيّة الركائز المُأثرة على دوران العجلة ولكن يقع كل ذلك في حيز الوعي واللاوعي الكامن عند الانسان نفسه مما يصدر قراره النهائي بالسيطرة على الركائز الواقعة تحت نفوذه أو تركها للفوضى الكونيّة .
نَعم , نَستطيع البقاء بعيدًا عنها والعيش بدونها وعدم اعطائها الاهتمام الكافي عبر عدم استعمال السيطرة على الركائز القابعة تحت نفوذ البشريين ولكن ماذا سينتج ازاء ذلك !؟
انّ العجلة الدائرة باستمرار لا يمكن ايقافها ولو اعلنتَ السيطرة العظمى على ركائزها ففي النهاية هي الهدف الأول والأخير وهي المركزيّة التي تشملك كانسان مع كل التفاصيل الاخرى التي لا شأن لك بها , اذًا كم بالحري لو أنّك لم تقترب عنها وتركتها تسير من دونك ولم تعنى حتى بشراء تذكرة سفر للصعود على متنها , في هذه الحالة سيبقى الانسان في سكونٍ خطير فان الانزواء عن العجلة المقدسة هو عبارة عن انتحار كَوني يخالف بكل عنفوان السيرورة الطبيعية للوجود , انَّ محاربة الوجود سيتصادم مع ردٍ عنيف من قبل الحياة القائمة نفسها بأسلحة لا يُمكن صدها أو ردعها لأنها تهاجم العناصر الأكثر أهمية في حضور الانسان (المُواكبة والتأقلم والسيطرة ) وهذا سيعود على الانسان بمصائب وخيمة اذ انه وفي هذه الحرب سيفقد مواكبة المُحيط بكل عناصره الملموسة والغير ملموسة , الحيّة والساكنة مما سيسبب صعوبة التأقلم مَع المُحيط بكل عناصره وبذلك يفقد الانسان السيطرة عَلى مُحيطه مما ينتج فورًا عدم سيطرته على نفسه وبهذا يعلن الانسان انتحاره .
أعود الآن للإجابة عن السؤال المطروح في الفقرة الثانية , انّ الهدف المركزي غامض للغاية ولا أظن أنني على مقدرة كافية للإجابة عنه بشكل كامل وذلك وحسب تحليلي السابق ناتج من عدم مواكبتي الكاملة عبر سيطرتي الكاملة على ركائز العجلة المقدسة , الركائز الواقعة تحت نفوذي كانسان , ولكن لَن أتراجع عن نظرتي التحليلية التي تُشير الى كون الهدف الأسمى والغامض هو السيطرة النسبية على مسيرة العجلة المقدسة , كُلما وصل الانسان الى سيطرة شبه كاملة أقترب بذلك من اقتناء الهدف الأسمى , أن يستعمل الانسان التراكميّة الكونيّة التي تكونت عنده بفضل تطور وتغيّر كل الركائز من أجل أن يعيش التجربة نفسها بنقاء عملية السيطرة وبإعطاء الفرصة المتساوية لجميع البشر للدخول في هذه التجربة عبر دعوتهم لذلك عبر اقناعهم بكل الوسائل , لا منافسة فيها ولا سباق ولا يمكن للفرد أن يصل لوحده , البشريّة سويّةً أو لا أحد وبهذا فمن البديهي أن نفهم أن الطبقيّة والتقسيم في العالم البشري الذي يعتمد على معايير اختلقها الانسان نفسه هي أسوء ما قد يواجه عملية الوصول للهدف وما يزيد الطين بلّة هو أن يحارب الانسان بكل عنفوانه ليس فقط بعيدًا عن الهدف بل أيضًا باتجاه معاكس .
أعود للفقرة الاولى وللمجموعة الفذّة التي أسميها القبضة المُدرِكَة هي الشبيبة الشيوعية التي ولدت منذ أكثر من تسعين عامًا ولا زالت الى الآن تُحارب كل الظروف من أجل أن تُقنع الانسان بأهميّة الصعود على متن العجلة المُقدّسة , يقظةً في الليلِ كانت وعلى صدرها هُموم الناس وعلى ظهرها ظروف الكون لتقنع البشريّة بأن التقسيم الموجود هو سلاح أسود في وجهنا جَميعا, تُحارب بكل عنفوانها من استغلوا سيطرتهم على العجلة من أجل مصالحهم الضيقة وقد نسوا أن العجلة ستنتقم من مُستغليها فهي في النهاية المركزيّة العظمى .
نعم نحنُ الوحيدون الذين جمعنا في جعبة المقاومة من أجل الصعود على العجلة كُل الركائز , من تفسير الاقتصاد والجدلية الموجودة في حياة الانسان الى صقل انسان أكثر تَماسكً عبر زوايا الهوية من علمٍ وأدبٍ وفلسفة مُعتمدين عَلى نظريّة شُموليّة وغير جامدة , تعتبر نفسها كرّاسة عمل في أيدي الانسان لأنها وبنفسها تعتلي العجلة المقدسة وبذلك تحتم على نفسها أن تتغير مع الظروف , كانَت ولا زالت العمل الأعظم بين أعمال الانسان من أجل ارشاده الى الهدف الذي وعند تحقيقه ستتوقف الحياة القائمة أمام عظمة الانسان وتعلن انتقالها الى مرحلة جَديدة مَع زرع وسام شَرف على صدر البشرية مُدونٌ عليه " أَن نَكون جُزءًا مِنَ المُعادلَة "

9/11/2015
92 عامًا على حياة الكومسمول
شادي نَصّار