البورجوازية الوضيعة تستعر في محاربة الشيوعية 2


فؤاد النمري
2015 / 11 / 7 - 19:55     

البورجوازية الوضيعة تستعر في محاربة الشيوعية ـ 2
في الثالث من فبراير 2011 نشر الأمين العام للحزب الشيوعي الأمريكي في حينه السيد صموئيل ويب (Samuel Webb) مقالة في مجلة الحزب "شؤون سياسية" (Political Affairs) تحت عنوان "حزب للإشتراكية في القرن الواحد والعشرون.. ما شكله ؟ وماذا يقول ؟ وماذا يفعل ؟ " ـ مجلة الحزب نشرت مقال الأمين العام للحزب تحت تنبيه يقول .. أن المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه ـ وهو ما يعني أن مقال الأمين العام للحزب لا يعبر عن وجهة نظر الحزب، وقد فعل حسناً عضو الحزب "أرك بروكس" (Eric Brooks) أن فنّد آراء الأمين العام في نفس المجلة . كنت علقت سريعاً على ترجمة مقالة السيد ويب في "الحوار المتمدن" في العدد 4965 ووعدت أن أكتب نقداً وافياً لتلك المقالة لما فيها من انحرافات خطيرة غدت عامة يتبناها ويدافع عنها ما يسمى باليسار، وهو الإسم الذي ينتحله شيوعيو البورجوازية الوضيعة وهم الأعداء الأشد بغضاً وكراهية للشيوعية والشيوعيين بهدف إخفاء مقاصدهم الشريرة .
قدم ويب مقالته بالقول .. "ظروف الحياة اليوم متقلبة فلا يعرف المرء ما سيأتي به الغد ليمكن الحزب الشيوعي واليسار عموماً من النضال من أجل إقامة العدالة الاجتماعية والاشتراكية" . الفكرة الأولى التي تدهم المرء حال قراءة هذا القرار الحائر هي .. كيف لمن هو حائر لا يعرف ماذا سيكون في الغد أن يكون عضواً في الحزب الشيوعي عداك عن أن يكون أمينه العام !!؟ الحق أن الرجل صموئيل ويب هو نفسه كان قد تساءل مثل هذا التساؤل فكان أن رفض أن يشغل مركز الأمين العام مرة أخرى وفضل الجلوس على مقاعد الإنتظار في الحزب - لئن كنت يا صموئيل لا تعرف ما سيأتي به الغد فما تفسيرك لكونك شيوعياً ؟ الأمين العام للحزب صموئيل ويب رأى الحزب كشركة قابضة لا تعرف بماذا تتاجر وظروف السوق ستحدد مادة تجارتها !!
الحزب الشيوعي ليس شركة قابضة . أنه طليعة البروليتاريا الواعية التي تعمل على تحرير البروليتاريا . يتقرر برنامج الحزب الشيوعي حتى قبل أن يتشكل الحزب، ويعرف ما عليه أن يقوم به في الغد وبعد الغد . كارل ماركس وفردريك إنجلز كانا في العام 1847 قد خطا برنامج الحزب الشيوعي "مانيفيستو الحزب الشيوعي" قبل أن يكون هناك حزب شيوعي في العالم .
الأمين العام للحزب الشيوعي الأميركي لا يعرف المهام التي على حزبه أن يقوم بها بل ولا يعرف طبيعة وظيفته فيتآلف مع ما يسمى باليسار مع أن هذا اليسار يستخدم كل قواه الديماغوجية ضد البروليتاريا وضد الاشتراكية التي لا تقوم إلا بظل دولة دكتاتورية البروليتاريا وهي موضع شجب مطلق من قبل اليسار . اليسار هو بالنتيجة العدو الأخطر للبروليتاريا، وهو الجيوش المجندة في خدمة البورجوازية الوضيعة في حربها ضد البروليتاريا وإن ببزات مختلفة الألوان .
يبدو أن الأمين العام للحزب الشيوعي الأميركي، صموئيل ويب، لا يجهل هذا الأمر، أمر عداء اليسار للشيوعية، لذلك وجدناه يتنازل عن القضية الرئيسية للشيوعيين وهي تحرير البروليتاريا ليكتفي بشعارات اليسار الزائفة عن العدالة الاجتماعية والاشتراكية التي تحرّم دكتاتورية البروليتاريا والتي لا علاقة لها بالاشتراكية العلمية الماركسية .
شيوعيو البورجوازية الوضيعة لا يدركون أن شعار "العدالة الاجتماعية" هو الوجه الآخر للعداء للاشتراكية، بل لعلهم يدركون ذلك وأثره الكبير في مقاومة الشيوعية . وهنا نسأل شيوعيي البورجوازية الوضيعة قبل ديماغوجي اليسار .. أية سلطة تلك التي ستقيم العدالة بين الطبقات الاجتماعية المتصارعة ؟ هل تلك السلطة منبثقة عن الصراع الطبقي أم هي مستوردة من خارج المجتمع ؟ شعار العدالة الاجمتاعية إنما هو فرية تستخدم في تضليل الطبقة العاملة وفي العداء للشيوعية . هل يدرك أصحاب فكرة العدالة الاجتماعية أن هذه الفكرة التي هي ليست من بنات الواقع تعني أول ما تعني تجاوز الحقوق البورجوازية . في المجتمع البورجوازي، ما قبل الاشتراكية، تترتب الحقوق في السوق الحرة وبمعامل الصراع الطبقي . فكيف يمكن تجاوز تلك الحقوق ؟ وما هي تلك السلطة التي تستطيع تجاوز تلك الحقوق ؟ بأي حق يمكن سلب البعض لبعض الحقوق لإحقاقها لمن ليس له حقوق بداعي إقامة العدل الاجتماعي ؟ هل للدولة البورجوازية أن تدعي الحق بالإعتداء على الحقوق ؟ المبرر الشرعي الوحيد للدولة البورجوازية هو إقامة الحقوق، والحقوق بشتى أصنافها ذات طبيعة بورجوازية ؟
على العكس من الدولة البورجوازية تقوم الدولة البروليتارية ؛ دولة البروليتاريا لا تعترف بأية حقوق وأولها حق الملكية، أصل كل الحقوق . ولهذا السبب تحديداً قال ماركس بدولة دكتاتورية البروليتاريا التي تعصف بمختلف منظومات الحقوق كي تحرر الإنسان من سلطان الحقوق الذي يتسلط أساساً لا لسبب إلا لسبب القصور الاجتماعي .
اليسار المتأنسن خداعاً وهو الممثل الحقيقي للبورجوازية الوضيعة الرجعية أبداً والعدو الأخير الأكثر شراسة ومكراً من سائر أعداء البروليتاريا، هذا اليسار المستكلب في عدائه للشيوعية عليه أن يختار بين الدولة البورجوازية التي دستورها الحفاظ على الحقوق حيث ينتفي مفهوم "العدالة الإجتاعية" وبين دولة دكتاتورية البروليتاريا التي لا تعترف بأية حقوق . ولئن كان لدى هؤلاء القوم دولة من طراز آخر فليفصحوا عنه !!

الأمين العام للحزب الشيوعي الأميركي صموئيل ويب وهو يرنو إلى الإئتلاف مع اليسار ينتقل من صفوف البروليتاريا إلى صفوف البورجوازية الوضيعة العدو الشرس والماكر للبروليتاريا ودولتها الدكتاتورية ليقيم مع اليسار الدولة البورجوازية التي تحافظ على الحقوق وتنتفي بذلك فكرة العدالة الاجتماعية، أكذوبة اليسار السمجة . ما دفع بالسيد ويب لأن يرنو إلى الإئتلاف مع اليسار هو تخوفه من أن يأتي الغد لغير صالح الحزب الشيوعي في أميركا ؛ لكن أن يأتي الغد لغير صالح الحزب الشيوعي فهل لذلك أن يغير من طبيعة الحزب كرئاسة أركان الطبقة العاملة في صراعها الطبقي وهو اليوم بصورة رئيسية ضد طبقة البورجوازية الوضيعة التي يمثلها اليسار بمختلف تلاوينه تمثيلاً حقيقياً والذي يرنو السيد ويب إلى الإئتلاف معه !! هل إذا ما خسرت رئاسة أركان الطبقة العاملة إحدى المعارك ترتب عليها أن تستسلم للعدو !؟ خسر الشيوعيون معركة كبرى في كومونة باريس في العام 1871 وحلوا أمميتهم الأولى في العام 1873 ، لكنهم عادوا ونهضوا في العام 1889 وشكلوا الأممية الثانية ؛ وخسر الشيوعيو الروس ثورة 1905 لكنهم عادوا بقيادة لينين الحزب الأقوى في روسيا خلال سنوات قليلة ؛ وخسر البلاشفة في الاجتماع العام للأممية الثانية في بازل 1912 وقد انشق البلاشفة بقيادة لينين لمعارضتهم الاشتراك في الحرب كما شرعته الأممية الثانية بقيادة كاوتسكي وبليخانوف لكنهم بعد خمس سنوات قاموا بالثورة الاشتراكية العالمية ونهضوا بأول دولة للعمال قبضت على زمام الأمور في العالم . انتهزت البورجوازية الوضيعة السوفياتية بقياد العسكر تراجع سلطات البروليتاريا الدكتاتورية بفعل خسائرها الجسيمة في الحرب العظمى فانقلبوا عليها في الخمسينيات لكنهم لن ينجحوا إطلاقاً حيث طبيعة الأمور بما في ذلك طبيعة البورجوازية الوضيعة نفسها تحرم الرجوع إلى النظام الرأسمالي أو إقامة أي نظام للإنتاج مستقر . مسار التطور الوحيد أما الشعوب السوفياتية هو العودة إلى الإشتراكية . صناعة الأسلحة التي لا تعود بأية فائدة على قوى الانتاج لن تشكل نظاما للإنتاج قابلاً للحياة . العودة إلى الإنتاج المدني في روسيا إنما هو بالضبط عودة إلى الخطة الخماسية الخامسة التي خططها ستالين لاستعادة البروليتاريا كل سلطاتها الدكتاتورية وإنجاز العبور الاشتراكي وألغاها لذلك العسكر وعصابة خروشتشوف المتواطئة معهم في سبتمبر ايلول 1953 كبداية للردة على الاشتراكية .

لئن كانت البورجوازية الوضيعة السوفياتية هربت من الاستحقاق الاشتراكي عن طريق تعميم إنتاج الأسلحة، فإن الرأسماليين وقد سُدّت كل السبل لتصريف فائض الإنتاج لديهم، بما في ذلك إفاضة القروض السهلة على الدول المحيطية سابقاً، لم تجد سبيلا غير تعميم إنتاج الخدمات للهروب من الاستحقاق الاشتراكي، التحول من نمط إنتاج يثري المجتمع وهو النمط الرأسمالي إلى نمط آخر يفقره هو إنتاج الخدمات .
لئن كان للآسلحة في أحايين مصادفة قيمة تبادلية فالخدمات تفتقد دائماً وأبداً كل قيمة تبادلية . لن ينقذ أميركا، والعالم كله بالتبعية، من الكارثة الكونية التي لم تعرف البشرية مثيلاً لها عبر التاريخ سوى العودة إلى الإنتاج البضاعي وهو العلاج الوحيد الذي أكده الرئيس الأميركي باراك أوباما في أزمة الرهن العقاري في خريف 2008 .
العودة إلى الإنتاج البضاعي يعني بالضرورة إزاحة البورجوازية الوضيعة عن مسرح العمل السياسي لتحل محلها البروليتاريا طبقة الاشتراكية .
ألا يعني ذلك أن الرئيس الأميركي في العام 2008 باراك أوباما كان أقرب للبروليتاريا ومتقدماً على الأمين العام للحزب الشيوعي في العام 2011 صموئيل ويب !!؟