يقظة جديدة- البلشفية طريق الثورة


آلان وودز
2015 / 11 / 3 - 09:12     

البلشفية طريق الثورة

الفصل الأول: ميلاد الحركة الماركسية الروسية

يقظة جديدة



آلان وودز
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

شهدت بداية القرن العشرين في روسيا مرحلة نمو صناعي سريع، ساهم في المزيد من تقوية الطبقة العاملة التي وصل عددها حينها إلى حوالي ثلاثة ملايين. ما بين سنة 1894 و1902 ارتفعت نسبة العمال المشتغلين في مصانع تضم ما بين 100 و150 عامل إلى 52,8%، بينما ارتفعت نسبة العمال الذين يشتغلون في مصانع تضم ما بين 500 عامل وألف عامل إلى 72%. أما الزيادة الأهم فقد كانت تلك التي شهدتها المصانع الأكبر التي تشغل أكثر من ألف عامل، والتي سجلت ما لا يقل عن 141%. في تلك الفترة كان 1.155.000 عامل يشتغلون في 458 معملا. وقد عكس التكوين الطبقي للحركة الثورية هذا التغير العميق في العلاقات الاجتماعية، فبين سنة 1884 و1890، كان العمال يمثلون فقط 15% من عدد المعتقلين لأسباب سياسية، لكن نسبة العمال بين المعتقلين لأسباب سياسية وصلت ما بين 1901 و1903، إلى 46%، أي حوالي النصف. وتكشف إحصائيات حركة الإضرابات السيرورة السريعة لموجة التسييس بين صفوف الطبقة العاملة:

1903 1902 1901 السنوات
53,2% 20,4% 22,1% الإضرابات السياسية
46,8% 79,6% 77,9% الإضرابات الاقتصادية

(المصدر: Istoriya KPSS, vol. 1, p: 357. )

تزامن إصدار الإيسكرا مع بداية حراك ثوري جديد. وكانت المظاهرات الحاشدة التي نظمها عمال خاركوف في 01 ماي 1900 إشارة انطلاق لمرحلة عاصفة من مظاهرات الشوارع. كتب قائد الدرك الجنرال سبيريدوفيش قائلا: «لقد استوعبت الحركة الاشتراكية الديمقراطية المعنى التحريضي الهائل للخروج إلى الشوارع. ومنذ تلك اللحظة أخذت على عاتقها المبادرة في الدعوة إلى المظاهرات، وتمكنت من أن تستقطب إلى صفوفها أعدادا متزايدة باستمرار من العمال. وفي العديد من المرات كانت تلك المظاهرات ناتجة عن الإضرابات».[1]

كان المزاج الكفاحي الذي اكتسح المصانع يعكس تصاعد التوتر الاجتماعي نتيجة الأزمة الصناعية لسنوات 1900 و1903، عندما قام 3000 مصنع بإغلاق أبوابه وتسريح حوالي 100.000 عامل. قام أرباب العمل بتخفيض الأجور في محاولة لحل الأزمة وضرب المكتسبات التي تحققت بفضل إضرابات عقد التسعينيات. ونتيجة لذلك سرعان ما تسيست الحركة وصارت أكثر جذرية. تحول إضراب دفاعي، في مصنع أوبوخوف للأسلحة بسان بيترسبورغ، في ماي 1901، إلى اصطدام دموي مع قوات القمع، عندما رد العمال الهجوم باستعمال الحجارة والقضبان الحديدية. وقد صارت هذه المعركة البطولية التي خاضها العمال تعرف باسم "دفاع أوبوخوف". وقد تعرضت لانتقام وحشي حيث تم اعتقال 800 عامل حكم على العديد منهم بالأشغال الشاقة. إلا أنها كانت دليلا واضحا على أن الحركة قد بلغت مرحلة جديدة، حيث صار العمال مستعدين للانتقال نحو الهجوم والاصطدام بالدولة. وهكذا ذهب العمال، بتجربتهم النضالية الخاصة، أبعد بكثير من حدود "نظرية المراحل" الاقتصادوية التافهة.

سنة 1902 اندلع إضراب عام في روستوف- نا- دونو مع مظاهرات حاشدة ضمت عشرات الآلاف من عمال المصانع والسكك الحديدية. أرسلت الدولة قوات البوليس والقوزاق التي قتلت العديد من العمال. وقد تحولت جنازات هؤلاء العمال إلى مظاهرات سياسية. وصلت الحركة الاضطرابية إلى أوجها سنة 1903، عندما اكتسحت موجة من الإضرابات السياسية المنطقة الجنوبية، ووصل تأثيرها إلى تيفليس وباكو وأوديسا وكييف وييكاتيرينوسلاف. لقد أعطت حركة الطبقة العاملة دفعة هائلة لنضالات الفلاحين، حيث اندلعت انتفاضات فلاحية في إقليم بولتافا وخاركوف. أرسلت الدولة 10.000 جندي لقمع الانتفاضات، لكن الحركة امتدت إلى منطقة الأرض السوداء الوسطى والفولغا وجورجيا. وتعرضت قصور الملاكين العقاريين للإحراق عندما نهض الفلاحون وناضلوا ضد مضطهديهم، وفي هذا السياق كتب أحد الملاكين العقاريين من فورونيزه سنة 1901: «الجو مليء بالأخطار، ترى في كل يوم الحرائق في الأفق: سحابة دموية تزحف على الأرض»[2]

وسرعان ما انتشر المزاج الثوري بين الطلاب. وفي ظل تلك الظروف اتخذ مطلب يبدو ظاهريا مطلبا محدودا، من قبيل استقلالية الجامعة، طابعا ديمقراطيا ثوريا. ولسحق كفاحية الطلاب لجأت السلطات القيصرية إلى إجراءات قمعية من قبيل فرض الخدمة العسكرية على الطلاب، على سبيل المثال. تم اعتقال عشرات الآلاف في المظاهرات الجماهيرية، لكن هذا لم يؤد إلا إلى المزيد من صب الزيت على النار. وعلى الرغم من أن الأغلبية الساحقة من الطلاب كانوا ينحدرون من الطبقات الغنية وكانوا قريبين من اللبراليين في مواقفهم السياسية، فإنهم صاروا يرون في الطبقة العاملة حليفا لهم في النضال ضد الاستبداد. وانتهى الأمر بالعديد منهم في صفوف الحركة الاشتراكية الديمقراطية. في شتاء 1901- 1902 شارك ما يقارب 30.000 طالب في إضراب عام ضد الحكومة. في عددها الثاني أرسلت الإيسكرا دعوة إلى العمال لـ "مد يد المساعدة للطلاب". وعلى عكس الاقتصادويين المتصلبين، الذين كانوا ينظرون بارتياب إلى الحركة الطلابية أو أي شيء آخر يسير أبعد من حدود المطالب النقابية، فهم لينين الإمكانية الثورية للحركة الطلابية بالرغم من تكوينها غير العمالي. كتب زينوفييف: «في نفس الوقت الذي دافع فيه لينين وأنصاره عن سيادة البروليتاريا، دافعوا عن موقف يقول إذا ما كانت الطبقة العاملة هي العامل الرئيسي وإذا كانت القوة الأساسية والجوهرية للثورة، فإنه عليها أن تستعين بجميع أولئك الذين يريدون النضال بأي قدر كان ضد الاستبداد».[3]

ساعدت حركة الجماهير الثورية في إخراج الانتلجنسيا من تشاؤمهم العميق. أدى تأسيس الحزب الاشتراكي الثوري، سنة 1902، إلى عودة الحياة إلى الحركة البرجوازية الصغيرة الثورية تحت راية النارودنية والإرهاب الفردي. قام الطالب كاربوفيش بإطلاق النار على وزير التعليم بوغوبليبوف، كما قام لاغوفسكي بإطلاق النار على بوبيدونوستسيف. كان المزاج الإرهابي بين صفوف الطلاب دليلا على الأزمة الثورية التي كانت تتطور. وفي الوقت الذي عبر فيه الماركسيون الروس عن تعاطفهم مع الطلاب فإنهم لم يخفوا انتقاداتهم للطريق المسدود الذي كان تكتيك الإرهاب الفردي يمثله. لقد تم تعويض وزير رجعي بآخر، وبقيت الدولة سليمة، بل في الواقع ازدادت قوة. بينما تعرضت الحركة لقمع شديد.

شقاء الجماهير أعطى قدرا من الشجاعة للبراليين الذين بدأوا يستعملون السلطات المحدودة التي كانت توفرها لهم سلطات الزيمستفو. في بداية القرن كانت العديد من الزيميستفوات تحت سيطرة اللبراليين الذين حاولوا استعمالها منبرا يمكنهم من خلاله التقدم بمطالبهم إلى الحكومة. وبدأ الممثلون السياسيون للبرجوازية الروسية، الذين أحسوا بأن الأرض قد بدأت تهتز تحت أقدامهم، ينتظمون بتردد. كان إصدار جريدة غير شرعية في المنفى، أوسفوبوجديني، (التحرير)، سنة 1902، هو الخطوة الخجولة الأولى نحو تأسيس الحزب اللبرالي لاحقا. شكل هذا الحدث القطيعة النهائية مع الماركسية للتيار الماركسي الشرعي بزعامة بيتر ستروفه، الذي صار رئيس تحرير أوسفوبوجديني. حاولت البرجوازية اللبرالية، بالرغم من كل شعاراتها حول الديمقراطية، التوصل إلى مساومة مع النظام الاستبدادي من أجل طرح دستور محدود. كانت المشكلة هي أن النظام كان يفضل الاكتفاء بالاعتماد على سوط القوزاق على الاعتماد على اللبراليين، الذين كانوا عاجزين عن التحكم في الجماهير. لكن قسما من الحكومة، ممثلا في وزير الاقتصاد وايت، حاول الاستناد على الزيميستفوات من أجل الحصول على قاعدة الدعم. ومع بداية سنة 1901، كتب وايت مذكرة سرية تحت عنوان: "الاستبداد والزيميستفو"، والذي نشر بشكل غير شرعي في المنفى بمقدمة لم يكتبها سوى بيتر ستروفه شخصيا.

في مقدمته أوضح بيتر ستروفه قطيعته النهائية مع الماركسية، وتقمص دور مستشار للحكومة. كتب ستروفه: «لا شك في انه يوجد أشخاص بين صفوف الموظفين الكبار لا يتعاطفون (!) مع السياسة الرجعية (...) عليها [الحكومة] أن تنتبه، قبل فوات الأوان، للخطر المميت لدفاعها الدائم عن النظام الارستقراطي. عليها، حتى قبل أن تواجه الثورة، أن تتوقف عن الوقوف ضد التطور الطبيعي والضروري تاريخيا (!) للحرية وتقلص من "سياستها المتشددة".»، الخ الخ.

هوامش:

[1] الاستشهاد مذكور في كتاب تروتسكي: Stalin, vol 1. p: 50.

[2] N. Levin, op. cit. p : 282.

[3] Zinoviev, History of the Bolshevik Party, p: 66.