دستور اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية الجديد - ليون تروتسكى ( 1936


سعيد العليمى
2015 / 10 / 25 - 09:58     

دستور اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية الجديد - ليون تروتسكى
( 1936 )
الغاء السوفييتات
يجرى العمل ماوراء اسوار الكرملين على استبدال الدستور السوفييتى بآخر جديد ، وهو حسب اعلانات ستالين ، ومولوتوف وآخرين ، سوف يكون الدستور " الاكثر ديموقراطية فى العالم ". ومما لاريب فيه ، انه قد تثار شكوك بصدد الاجراءات التى يجرى بها اعداد الدستور. فحتى وقت قريب ، لم يرد ذكر لهذا الاصلاح الكبير ، سواء فى الصحافة او فى الاجتماعات . ومامن احد قد اطلع على مسودة الدستور حتى الآن . فى نفس الوقت قال ستالين لمحاوره الصحفى روى هوارد ، فى 1 مارس ، 1936 انه " من المحتمل ان نصادق على دستورنا الجديد فى نهاية هذا العام " . وهكذا يتبين ان ستالين مطلع على التاريخ الدقيق للمصادقة على هذا الدستور ، الذى لاتوجد لدى الشعب معلومات عنه عمليا . ومن المستحيل الا نستنتج من ذلك ان " الدستور الاكثر ديموقراطية فى العالم " قد اعد وقدم بطريقة ليست ديموقراطية بالمرة .
وقد اكد ستالين لهوارد ، ومن خلاله لشعوب اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية انه " وفقا للدستور الجديد سوف يكون حق الانتخاب عاما ، متساويا ، مباشرا ، وسريا " .
ان عدم المساواة فى حقوق الانتخاب التى انحازت للعمال فى مواجهة الفلاحين سوف تلغى . وعلى ذلك ، من الواضح ، ان المواطنين وليس المصانع هم من سيصوتون ، كل واحد لنفسه . وحالما يقال انه " لم تعد هناك طبقات " آنئذ يتساوى كل اعضاء المجتمع . ويمكن حرمان الافراد من حقهم الانتخابى عن طريق المحاكم فقط . كل هذه المبادئ مأخوذة كليا من نفس برامج الديموقراطية البورجوازية بعينها التى حلت محلها السوفييتات فى وقتها . لقد تبنى الحزب دائما فكرة ان النظام السوفييتى هو شكل اعلى من الديموقراطية . وكان على النظام السوفييتى ان يضمحل مع دكتاتورية البروليتاريا ، الذى كان تعبيرا عنها . تسفر مسألة الدستور الجديد من ثم عن مسألة اخرى اشد جوهرية : هل ستتواصل الديكتاتورية فى ان تصبح " اقوى " بدءا من الآن ، كما تتطلبه كل الخطب الرسمية والمقالات ، ام انها ستبدأ فى التخفف ، وتضعف ، ثم " تضمحل " ؟ يمكن تقويم معنى الدستور الجديد بصواب على ضوء هذا المنظور فقط . ودعونا نضيف هنا على الفور ان المنظور ذاته لايعتمد على الاطلاق على معيار الليبرالية الستالينية وانما على البنية الفعلية للمجتمع السوفييتى الانتقالى .
فى تبيان الاصلاح ، تشير جريدة البرافدا بغموض وبدون فطنة على الاطلاق الى برنامج الحزب الذى كتبه لينين فى 1919 الذى ينص بالفعل على ان " ... الحرمان من حق الانتخاب واية قيود اخرى على الحرية ايا ماكانت هى ضرورية فقط كاجراءات مؤقتة فى سياق الصراع ضد محاولات المستغلين لابقاء او استعادة امتيازاتهم . بقدر مايختفى الامكان الموضوعى لاستغلال الانسان للانسان ، بقدر ماستزول ضرورة هذه الاجراءات المؤقتة بالمثل ، وسوف يكافح الحزب من اجل تضييقها ، ثم يجنح لازالتها كليا " ( التشديد لنا ) . يمكن ان تخدم هذه التوجهات بلا شك فى تبرير رفض " الحرمان من حق الانتخاب " فى مجتمع اختفى فيه امكان الاستغلال . ولكن ارتباطا بهذا يتطلب البرنامج الغاءا مماثلا ل " اية قيود اخرى على الحرية ايا ماكانت ". لأن مايسم ولوج المجتمع الاشتراكى ليس جعل الفلاحين مساوون للعمال ، وليس اعادة حق الانتخاب ل 3 -5 فى المائة من المواطنين ذوى الاصول البورجوازية ، ولكن بتأسيس حرية حقيقية ل 100 فى المائة من السكان . مع ازالة الطبقات ، وفقا للينين ، وطبقا لماركس ، لن تضمحل الديكتاتورية فقط وانما الدولة ذاتها ايضا . لم يقل ستالين شيئا بعد ، على اى حال ، عن " القيود على الحرية " سواء للصحفى هوارد ام لشعوب اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية .
سارع مولوتوف لمساعدة ستالين ، ومن المحزن القول ، ليس على نحو ملائم . عند الرد على سؤال رئيس تحرير جريدة الطان ، قال مولوتوف ، " الآن كثيرا مالاتكون (؟) هناك حاجة لتلك الاجراءات الادارية التى استخدمناها سابقا ،" ولكن " يجب ان تكون السلطة السوفييتية قوية بالطبع وثابتة فى صراعها ضد الارهابيين ومخربى الملكية العامة ... " اذن "سلطة سوفييتية " – بدون سوفييتات ، ديكتاتورية بروليتاريا ، واضافة الى ذلك ، ديكتاتورية ليست ضد البورجوازية وانما ضد ... الارهابيين واللصوص . فى كل الاحوال لم يستشرف ابدا برنامج الحزب هذا النمط من الدولة .
ان وعد مولوتوف بعدم اللجوء " كثيرا " لهذه المعايير القصوى الامر الذى قد يبرهن على عدم ضرورتها لايساوى شيئا فى حد ذاته ، بل انه يفقد كل قيمته عند الاشارة لاعداء القانون والنظام ، وهم من يجعلون من المستحيل تحديدا رفض الاجراءات الطارئة .
لذلك ، على اى حال ، ينهض اعداء القانون والنظام هؤلاء ، هؤلاء الارهابيون واللصوص ، واضف الى ذلك بمثل هذه الاعداد المهددة بشكل يبرر الاحتفاظ بالديكتاتورية فى مجتمع لاطبقى ؟ هنا لابد ان نهب لمساعدة مولوتوف . كانت الاعمال الارهابية فى فجر السلطة السوفييتية تتواصل وتستديم من قبل الاشتراكيين الثوريين والبيض فى جو لم تنته فيه بعد الحرب الاهلية .حينما فقدت الطبقات السائدة السابقة كل آمالها ، اختفى الارهاب كذلك . كان ارهاب الكولاك ، الذى تتبدى آثاره حتى الان ، دائما محليا فى طابعه ، وقد رفد حرب الانصار ضد النظام السوفييتى . لم يكن هذا ماخامر عقل مولوتوف . فالارهاب الجديد لايعتمد لاعلى الطبقات القديمة او الكولاك . ان ارهابيي السنوات الحالية يجندون حصرا من صفوف الشباب السوفييتى ، من مراتب الشيوعيين الشباب والحزب . بينما الارهاب الفردى عاجز كليا عن حل تلك المهام التى تطرح نفسها ، فله ، على اى حال ، اهمية عظمى نظرا لاعراضه لأنه يشخص التناقض العدائى بين البيروقراطية وجماهير الشعب العريضة ، وخاصة الجيل الاكثر شبابا . الارهاب هو المكمل التراجيدى للبونابرتية . كل بيروقراطى فرد يخشى من الارهاب ، ولكن البيروقراطية ككل تستغله لتبرير احتكارها السياسى . لم يكتشف ستالين ومولوتوف اى بارود فى هذا الحقل ايضا .
وأسوأ شئ ، على اى حال ، هو حقيقة انه من المستحيل مطلقا ان نلم ، سواء من التحقيقات الصحفية او من التعليقات الطبيعة الاجتماعية للدولة التى يعد من اجلها الدستور الجديد . لقد اعتاد النظام السوفييتى ان يعتبر رسميا تعبيرا عن دكتاتورية البروليتاريا . ولكن اذا كانت الطبقات قد قوضت ، اذن بسبب هذه الحقيقة بالذات فإن الاساس الاجتماعى للديكتاتورية يكون قد تقوض ايضا . من اذن هو حاملها الآن ؟ من الواضح السكان ككل . ولكن حينما يصبح كامل الشعب ، المتحرر من التناقضات الطبقية ، حامل الديكتاتورية ، فهذا لايعنى شيئا سوى انحلال الديكتاتورية داخل المجتمع الاشتراكى ، ومن ثم تصفية الدولة . ان منطق الماركسية منيع . تبدأ تصفية الدولة بدورها مع تصفية البيروقراطية . هل يتضمن الدستور الجديد ، ربما ، على الاقل تصفية الشرطة السرية ؟هل يمكن لاحد ان يغامر بالتعبير عن هذه الفكرة فى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية ، سوف تجد الشرطة السرية على الفور ادلة مضادة مقنعة . لقد قضى على الطبقات ، وقضى على السوفييتات ، وتمخضت النظرية الطبقية عن المجتمع الى لاشئ ، ولكن تبقى البيروقراطية . وهو المطلوب اثباته .
سوف نعود لاحقا الى مسألة الى اى مدى يتوافق الانتخاب الشامل ، المتساوى ، المباشر مع مزاعم المساواة الاجتماعية التى يتمتع بها كل المواطنين . ولكن اذا قبلنا بهذه الفرضية عن ايمان ، فسوف يربكنا اكثر السؤال التالى : لماذا ، اذا كان هذا هو واقع الحال ، يتعين ان تكون الانتخابات سرية ؟ ممن يخاف السكان هنا بالضبط فى البلد الاشتراكى ؟ ضد محاولات من بصفة خاصة هناك ما يستلزم اجراء دفاعيا ؟ ان خوف الطفل من الظلام له اسس بيولوجية محضة ، ولكن حين لايجرؤ الكبار على التعبير عن آرائهم علنا ، فمعنى ذلك ان لخوفهم طابع سياسى . وبالنسبة للماركسى ، فان السياسة هى دائما وظيفة الصراع الطبقى . فى المجتمعات الراسمالية يهدفون بالتصويت السرى تقديم حماية للمستغلين فى مواجهة ارهاب المستغلين .واذا كانت البورجوازية قد وافقت اخيرا على اصلاح كهذا – بالطبع تحت ضغط الجماهير – فقد كان بسبب ان البورجوازية نفسها كانت مهتمة بحماية دولتها على الاقل جزئيا ضد ارباك من صنعها . ولكن فى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية من الواضح انه لايمكن ان يكون هناك اى ضغط من قبل المستغلين على الكادحين . ضد من اذن ، هل من الضرورى حماية المواطنين السوفييت بواسطة التصويت السرى ؟
فى ظل الدستور الروسى القديم ، جرى تبنى التصويت برفع الايدى كسلاح فى يد الطبقة الثورية ضد الاعداء من البورجوازية والبورجوازية الصغيرة . وقد خدم نفس الغرض بالقيود الموضوعة على حق الانتخاب نفسه . الان ، فى نهاية العقد الثانى بعد الثورة لم يعد هناك اعداء طبقيون ولكن الكادحين انفسهم فى غاية الخوف من انهم لايستطيعون ان يصوتوا الا تحت غطاء السرية . وهذا يعنى تحديدا جماهير الشعب ، الاغلبية العظمى ، لأنه من المستحيل السماح بتبنى التصويت السرى بصفة خاصة مراعاة للأقلية المناهضة للثورة !
ولكن من يرهب الشعب ؟ الاجابة واضحة – انها البيروقراطية . انها تسعى لحماية الكادحين ضد نفسها بواسطة التصويت السرى . لقد ادلى ستالين بهذا الاعتراف بصراحة . ردا على سؤال ، "لماذا التصويت السرى " كانت اجابته حرفيا كما يلى : "لاننا نريد ان نعطى الشعب السوفييتى الحرية الكاملة لأن يصوت لهؤلاء الذين يريد ان ينتخبهم " وهكذا فاننا نعرف من ستالين ان " الشعب السوفييتى" لايستطيع اليوم ان يصوت لمن يريد ان ينتخبهم . " نحن " نستعد فقط لاعطائهم هذه الفرصة . من هى " نحن " هذه التى يمكن ان تمنح او تمنع حرية التصويت ؟ انها الفئة التى يتحدث ويعمل باسمها ستالين : البيروقراطية . لقد كان ستالين فى حاجة لان يضيف ان اعترافه الهام ينطبق بنفس القدر على الحزب مثلما انطبق على الدولة ، وانه ، بصفة خاصة هو نفسه يحتل منصب السكرتير العام من خلال نظام لايسمح لاعضاء الحزب بأن ينتخب من يرغبهم . ان جملة " اننا نريد ان نعطى الشعب السوفييتى " هى فى حد ذاتها وبلا حدود اكثر اهمية من كل الدساتير التى لم يكتبها ستالين بعد ، لأن هذ الجملة القصيرة هى دستور جاهز الصنع ، فضلا عن انها ، حقيقية للغاية ، وليست اسطورة .
مثل البورجوازية الاوروبية فى زمانها ، فإن البيروقراطية السوفييتية مضطرة اليوم لأن تلجأ للتصويت السرى من اجل ان تطهرجهاز دولتها جزئيا على الاقل ، الذى تستغله بوصفها " المالك الشرعى " من الفساد الذى صنعته . كان ستالين مضطرا الى ان يعطى تلميحا عن هذا الدافع للاصلاح . فقد قال للصحفى هوارد ، " هناك مؤسسات ليست بالقليلة فى بلادنا تعمل بشكل ردئ ... سوف يكون الانتخاب السرى بمثابة سوط فى يد السكان ضد اجهزة الحكومة ، التى تعمل على نحو ردئ " . اعتراف ثان جدير بالملاحظة ! بعد ان خلقت البيروقراطية بايديها المجتمع الاشتراكى ، فانها تشعر انها فى حاجة ... الى سوط - ليس فقط لان اجهزة الحكومة " تعمل بشكل ردئ " ، وانما قبل كل شئ لانها فاسدة تماما ولها رذائل العصب التى لارقابة عليها .
منذ زمن يعود الى عام 1928 كتب راكوفسكى مايلى بصدد حالات التدهورالمعنوى الفظيعة للبيروقراطية التى تكشفت علنا : " ان اشد الملامح خطرا وتميزا فى موجة مد الفضائح هى سلبية الجماهير ، وهى اكثر فى اوساط الشيوعيين منها فى الناس غير الحزبيين ، ازاء مظاهر التحكم التى لم يسمع عنها ، والتى كان العمال انفسهم شهودها نتيجة للخوف من هؤلاء الذين يديرون السلطة ، او ببساطة بسبب اللامبالاة السياسية ، فقد مرت بدون احتجاج ، او اكتفوا بالتذمر فحسب . " لقد مضى اكثر من ثمانى سنوات منذا هذا الوقت ، واصبح الوضح اسوأ بما لاحد له . ان حكم ستالين الاوتوقراطى قد اسس لمحاباة الاقارب ، التحكم ، التبذير ، النهب ، والرشوة فى نظام الادارة . ان انحلال الجهازالذى يتجلى فى كل لحظة ، قد بدأ فى ان يهدد وجود الدولة ذاتها كمصدر للسلطة ، والدخل ، ولامتيازات الفئة الحاكمة . ومن ثم بات الاصلاح ضروريا . واذ ارتعبوا مما جنت ايديهم فقد توجه رؤساء الكرملين الى السكان بنداء لمساعدتهم على تطهير وتقويم الجهاز الادارى .
تضع البيروقراطية ، على اى حال ، بتوجهها الى الشعب حتى يكون سوطا مفيدا ، شرطا واحدا مطلقا وهو : ألا تكون هناك سياسة . فلابد ان تظل هذه الوظيفة المقدسة حتى آنئذ من احتكار " القائد " . بالنسبة للسؤال الحساس الموجه من المحاور الامريكى االذى يتعلق بامكان وجود احزاب الاخرى فقد اجاب ستالين : " مادام ليست هناك طبقات ، ومادامت الخطوط الفاصلة بين الطبقات قد ازيلت ( " ليست هناك طبقات" – " الخطوط الفاصلة بين الطبقات ( التى لاتوجد! ) قد ازيلت " – ل . ت ) يبقى هناك اختلافا طفيفا فقط وليس جوهريا بين الفئات المتعددة فى المجتمع الاشتراكى ، لكن لايمكن ان تكون هناك ارض خصبة لانشاء احزاب متصارعة . مادام ليست هناك طبقات متعددة فلايمكن ان يكون هناك احزاب متعددة ، لأن الحزب هو جزء من طبقة " . هناك اخطاء بعدد الكلمات واحيانا ضعفها !
وفقا لستالين ، يبدو ان الخطوط الفاصلة بين الطبقات ترسم بصرامة ، وانه فى كل فترة معينة فإن حزبا واحدا فقط هو الذى يتوافق مع كل طبقة . لقد تحول المذهب الماركسى حول الطبيعة الطبقية للاحزاب الى كاريكاتور بيروقراطى سخيف : الديناميكيات السياسية مستبعدة تماما من العملية التاريخية – من اجل مصالح النظام الادارى . ومن منظور الواقع ليست هناك حالة واحدة يمكن ان نصادفها عبر كامل مدى التاريخ السياسى لحزب واحد فقط يتوافق مع طبقة واحدة . ليست الطبقات متجانسة، وانما تمزقها التطاحنات الداخلية ،وهى تصل حتى الى حل للمهام المشتركة من خلال صراع داخلى بين الاتجاهات فقط ،التجمع ،والاحزاب .وفى حدود معينة ربما يسمح بالقول بأن " الحزب جزء من طبقة " ولكن بقدر مايكون للطبقة " اجزاء " متعددة – بعضها يتجه للمستقبل ، وبعضها يتجه للماضى – يمكن لنفس الطبقة الواحدة ان تتمخض عن عدة احزاب . ولنفس السبب ، فإن حزبا واحدا يمكن له ان يرتكز على اجزاء من عدة طبقات .
من الملاحظ تماما ، ان هذا الخطأ المشين منعدم النزاهة مطلقا فى طابعه ، لأنه كما ترون ، فى علاقته باتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية ينطلق من التأكيد بأنه لاتوجد هناك طبقات مطلقا . اى جزء من طبقة يمثل الحزب الشيوعى للاتحاد السوفييتى اذن – بعد القضاء على الطبقات جميعا ؟ حين يضل ستالين بلامبالاة فى حقل النظرية ، فانه يبرهن على اكثر مما قصد . يترتب على تعليله ليس عدم امكان ان توجد احزاب مختلفة فى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية ، بل ان يوجد حتى حزب واحد . حيث لاتوجد طبقات فلامجال للسياسة بصفة عامة . ستالين على اى حال يضع استثناء كريما من هذا القانون فى حالة الحزب الذى هو سكرتيره العام .
يكشف تاريخ الطبقة العاملة افضل من اى شئ آخر افلاس نظرية الاحزاب الستالينية . رغم حقيقة ان الطبقة العاملة فى بنيتها الاجتماعية ، وهذا مما لاشك فيه ، هى الاقل من منظور عدم التجانس من بين كل طبقات المجتمع الراسمالى ، ووجود " فئة " مثل الارستقراطية العمالية والبيروقراطية العمالية التى ترتبط بها يؤدى الى خلق احزاب اصلاحية ، تتحول بشكل حتمى الى واحدة من ادوات الحكم البورجوازى . ولايعنى شيئا من وجهة نظر السوسيولوجيا الستالينية مااذا كان الاختلاف بين الارستقراطية العمالية والجمهور البروليتارى " جوهريا" ام " طفيفا " فقط ، ولكن تحديدا بسبب هذا الاختلاف نشأت ضرورة تأسيس الاممية الثالثة فى حينها . من ناحية اخرى ، فمن الثابت ان بنية المجتمع السوفييتى غير متجانسة ومعقدة بمالاحد له من بنية البروليتاريا فى البلدان الرأسمالية . لهذا السبب بالذات يمكن ان تكون هناكتربة خصبة كافية لقيام عدة احزاب .
ستالين مهتم فى الحقيقة ، ليس بسوسيولوجيا ماركس وانما باحتكار البيروقراطية . وهذان شيئان مختلفان كليا . كل بيروقراطية عمالية ، حتى تلك التى لاتدير الدولة ، تميل الى النظرة القائلة بانه لاتوجد " تربة خصبة " داخل الطبقة العاملة للمعارضة . ان قادة حزب العمال البريطانى يطردون الثوريين من النقابات تأسيسا على انه لامكان لصراع الاحزاب داخل اطار طبقة عاملة " متحدة " . يتصرف السادة فاندرفلده ، ليون بلوم ، جوهو ، الخ بطريقة مشابهة . ومايملى عليهم تصرفهم ليس ميتافيزيقا الوحدة وانما المصالح الانانية للعصب ذات الامتيازات . البيروقراطية السوفييتية اكثر قوة بمالايقاس ، ثرية ، وتعتمد على ذاتها اكثر من البيروقراطية العمالية فى البلدان الراسمالية . يتمتع العمال المهرة فى الاتحاد السوفييتى بامتيازات غير معروفة للفئات العليا من العمال فى اوروبا وامريكا . هذه الفئة المزدوجة – البيروقراطية التى تعتمد على الارستقراطية العمالية – هى حاكم البلاد . ان الحزب الحاكم حاليا فى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية ليس شيئا سوى الآلة السياسية لفئة مميزة .هناك مايمكن ان تخسره البيروقراطية الستالينية ولاشئ آخر تكسبه . وهى لاتميل للمشاركة فيما تحوزه . وبالنسبة للمستقبل ايضا فهى تنوى ان تحتفظ ب " التربة الخصبة " لنفسها .
مما لاريب فيه ، فإن الحزب البلشفى قد شغل ايضا مركزا احتكاريا فى الدولة خلال الفترة الاولى من العهد السوفييتى . على اى حال ، ان مطابقة هاتين الظاهرتين الواحدة بالاخرى يعنى الخطأ فى اعتبار المظاهر واقعا . خلال سنوات الحرب ، وفى ظل ظروف تاريخية غاية فى الصعوبة ، وجد الحزب البلشفى نفسه مضطرا بشكل مؤقت ان يحظر وجود احزاب اخرى ، ليس لأن الاخيرة افتقرت الى " التربة الخصبة " – ففى هذه الحالة لم تك تظهر هناك حاجة حتى لمنعها – وانما على النقيض ، وانما تحديدا لانه كانت هناك تربة خصبة موجودة : هذا هو ماجعلها خطرة . لقد اوضح الحزب علنا للجماهير مغزى ماكان يفعل ، لأنه كان من الواضح لكل واحد ان المناط كان الدفاع عن ثورة معزولة ضد اخطار مميتة . اليوم ، كلما زينت البيروقراطية الواقع الاجتماعى اكثر ، كلما استغلته بلاحياء لصالحها . اذا كان من الحقيقى ان مملكة الاشتراكية قد اتت بالفعل ، واختفت التربة الخصبة للاحزاب السياسية فما من حاجة لمنعها . قد يبقى فقط بالتوافق مع البرنامج الغاء " اية قيود على الحرية " . ولكن البيروقراطية لن تسمح بالكثير من الهمهمة عن دستور كهذا . ان الزيف الداخلى لكامل البناء جلى بما لايدع مجالا لالتباس .
وفى سعيه لتبديد الشكوك العادية من قبل محاوره ، قدم ستالين فكرة جديدة : " لن يتقدم المرشحين من الحزب الشيوعى فقط وانما من كل ضروب المنظمات العامة غير الحزبية . ولدينا المئات من هؤلاء ... قد يكون لكل فئة ( فى المجتمع السوفييتى ) مصالحها الخاصة وتعبر عنها من خلال منظماتنا القائمة المتعددة ." من الواضح ، انه لهذا السبب ، سيكون الدستور الروسى الجديد " اكثر الدساتير ديموقراطية فى العالم " .
هذه النتفة من السوفسطائية ليست افضل من البقية . تتمثل اهم "فئات" المجتمع السوفييتى فى : قمم البيروقراطية ومراتبها الوسطى والدنيا ، الارستقراطية العمالية ، ارستقراطية الكولخوز ( المزارع الجماعية ) ، جماعات العمال العادية ،المراتب الوسطى من الكولخوز ، الفلاحين الملاك ، فئات الكدح من العمال والفلاحين ، وماوراءهم من البروليتاريا الرثة ، المشردون ، والعاهرات وماالى ذلك . اما بالنسبة للمنظمات العامة السوفييتية – النقابات ، التعاونيات ، الثقافية ، الرياضية ، الخ فهى لاتمثل ابدا مصالح "فئات" مختلفة لان لها جميعا نفس البنية المراتبية الواحدة . حتى فى هذه الحالات حينما تكون المنظمات مؤسسة على دوائر ذات امتيازات ، كما هو الحال على سبيل المثال بالنسبة للنقابات والتعاونيات ، حيث يلعب الدور الفاعل فيها على وجه الحصر ممثلى القمم ذوى الامتياز ، بينما "الحزب" ، اى المنظمة السياسية للفئة الحاكمة ، فله الكلمة الاخيرة . ان اشتراك المنظمات غير السياسية فى الصراع الانتخابى سوف يؤدى ترتيبا على ذلك الى لاشئ سوى منافسة بين العصب المختلفة من البيروقراطية ضمن الحدود التى وضعها الكريملين .تحسب القمم الحاكمة ان تتعلم بهذه الطريقة بعض الاسرار الخفية عنها وان تعيد طلاء جهازها ، دون ان تسمح فى ذات الوقت بصراع سياسي لابد وان يتجه اليها بشكل حتمى .
المغزى التاريخى للدستور الجديد
تكشف البيروقراطية مرة اخرى فى شخص قائدها الاشد سلطوية ، بأى ضآلة تفهم الاتجاهات التاريخية التى تحدد حركتها . حين يلاحظ ستالين ان الاختلاف بين الفئات المتعددة فى المجتمع السوفييتى "طفيف وليس جوهريا" ، فمن الواضح ان مايتراءى له حصريا هم الملاك الفلاحون الافراد ، الكثيرون بمافيه الكفاية حتى اليوم بمافيها سكان تشيكوسلوفاكيا ، وكل الفئات الاخرى تعتمد على وسائل انتاج الدولة او الجماعية . هذا مما لاجدال فيه . ولكن يبقى هناك اختلافا "جوهريا "بين الجماعى ، اى ، ملكية الجماعة فى الزراعة والملكية المؤممة فى الصناعة ، ومازال من الممكن الاحساس به فى المستقبل . نحن لن ندخل ، على اى حال ، فى مناقشة لهذه المسألة الهامة . وماله اهمية معتبرة اكثر مباشرة هو الاختلاف بين " الفئات" التى تتحدد ليس بعلاقتها بوسائل الانتاج وانما بمواد الاستهلاك . ان مجال التوزيع ، هو بالطبع ، " بناء فوقى " فقط فى علاقته بمجال الانتاج . على اى حال ، ان مجال التوزيع تحديدا هو الذى يمتلك اهمية حاسمة فى الحياة اليومية للشعب . من منظور ملكية وسائل الانتاج ، الاختلاف بين الماريشال وعامل النظافة ، بين رئيس التروست والعامل غير الماهر ، بين ابن مفوض الشعب ومشرد لامأوى له ليس " جوهريا" . ولكن البعض يشغل شققا فاخرة ، ويستمتع بعدة داتشات ( بيوت صيفية ) فى عدة مناطق بالبلاد ، تحت تصرفهم افضل السيارات ، وقد نسوا كيف يلمعون احذيتهم منذ وقت طويل ، بينما يعيش آخرون وليس ذلك نادرا فى ثكنات ، دون حواجز توفرقدرا من الخصوصية ، ويحيون فى نصف مجاعة ، ولاينظفون احذيتهم فقط بسبب انهم حفاة . لاصحاب المقامات العليا يبدو هذا الاختلاف "طفيفا" فقط ، اى ، لايستحق الانتباه . بالنسبة للعامل غير الماهر يبدو ، وليس ذلك بلاسبب ، " جوهريا ".
بالاضافة الى الارهابيين ، وفقا لمولوتوف ، فإن موضوع الديكتاتورية فى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية هو اللص . ولكن هذه الوفرة فى اناس يمارسون هذه المهنة هى علامة مؤكدة على العوزالذى يخيم على المجتمع . وحيث ان المستوى المادى للاغلبية الساحقة غاية فى التدنى لدرجة ان ملكية الخبز والاحذية لابد ان تحمى بفرق اطلاق النار ، تبدو الاحاديث عن انجازات الاشتراكية المزعومة وكأنها سخرية مشينة من البشر !
فى مجتمع متجانس حقا ، تلبى فيه الحاجات الطبيعية للمواطنين دون شجار او ضغينة لايمكن ان نتصور فيه ليس فقط البونابرتية المطلقة وانما البيروقراطية ايضا . ليست البيروقراطية فئة فنية وانما اجتماعية . تظهر كل بيروقراطية وتحافظ على نفسها فى / ومستندة على الطبيعة المتنافرة للمجتمع ، على تضاد المصالح والصراع الداخلى . وهى تنظم التضادات الاجتماعية فى مصالح الطبقات او الشرائح المميزة ، وتنتزع جزية ضخمة لهذا من الكادحين . هذه الوظيفة عينها ، رغم الثورة الكبرى فى علاقات الملكية ، يجرى انجازها ، بسخرية وليس بغير نجاح ، من قبل البيروقراطية السوفييتية .
لقد نشأت الاخيرة مرتكزة على السياسة الاقتصادية الجديدة ، من ناحية ، والفلاحين والعمال ، من ناحية اخرى . حينما اصبح الكولاك قويا ، ورفع يده ضد البيروقراطية نفسها ، فإن الاخيرة ، فى صالح الدفاع عن النفس ، كانت مضطرة لأن تستند على جمهور القاعدة . كانت البيروقراطية اضعف الجميع خلال سنوات الصراع ضد الكولاك ( 1929 – 32 ) . تحديدا لهذا السبب ، شرعت بحمية فى تكوين ارستقراطية عمالية وكولخوزية ، مؤسسة فروقا صادمة فى هياكل الاجور ، والحوافز ، وشارات التكريم واجراءات اخرى مماثلة استدعت ثلثها الضرورة الاقتصادية وثلثيها المصالح السياسية للبيروقراطية . على هذا التضاد الاجتماعى الجديد الذى يزداد عمقا ، رفعت الفئة الحاكمة نفسها الى ذراها البونابرتية الراهنة .
فى بلد لم تبرد فيه حمم الثورة بعد ، غالبا مايخاف اصحاب الامتيازات كثيرا من امتيازاتهم ، خاصة فى مواجهة العوز الاجتماعى . ان الفئة السوفييتية العليا مرعوبة من الجماهير، حيث يراودها خوف بورجوازى خالص . ويقدم ستالين للامتيازات النامية للفئة الحاكمة تبريرا " نظريا " بواسطة الكومنترن ، وهو يدافع عن الارستقراطية السوفييتية ضد السخط الموجه ضدها بمعسكرات الاعتقال . ستالين هو القائد الذى لايجادل للبيروقراطية والارستقراطية العمالية وهو يحتفظ بصلة دائمة فقط مع هاتين " الفئتين " . وتنبثق " عبادة " مخلصة للزعيم من هذه الدوائر فقط . هذا هو جوهر النظام السياسي الحالى .
ولكن للابقاء على هذه الآلية ، فإن ستالين مضطر لأن يساند " الشعب" ضد البيروقراطية من وقت الى آخر، وبالطبع مع الاذعان الصامت للاخيرة . وهو مضطر حتى لأن يجد سوطا من اسفل فى مواجهة الانتهاكات التى تأتى من اعلى . وكما قلنا سلفا ، فإن هذا هو احد دوافع الاصلاح الدستورى . وهناك دافع آخر ليس اقل اهمية .
يلغى الدستور الجديد السوفييتات ، ويذيب العمال فى كتلة السكان العامة . من الحقيقى ان السوفييتات قد فقدت منذ وقت طويل دلالتها السياسية . ولكن ربما عادت للحياة مع نمو التناقضات الاجتماعية ومع استيقاظ الجيل الجديد . وفوق كل شئ ، بالطبع ، يخشى من سوفييتات المدن مع المشاركة النامية للشيوعيين الشباب الطازجين المتطلبين .فى المدن يسطع التضاد بين الترف والحاجة الملحة لحد بعيد . واول مايعنى الارستقراطية السوفييتية هو التخلص من سوفييتات العمال واالجيش الاحمر .
برغم الجماعية ، فإن التناقض المادى والثقافى بين المدينة والقرية قد مسوه بالكاد . مازال الفلاحون متخلفون ومذررون للغاية . توجد التناقضات الاجتماعية ايضا داخل الكولخوزات وبين الكولخوزات . تجد البيروقراطية انه من الاسهل التلاؤم مع السخط فى القرية . وهى قادرة ايضا على ان تستغل الكولخوزات بقدر من النجاح ضد عمال المدن . ان تخفف من احتجاج العمال ضد عدم المساواة الاجتماعية المتزايدة بثقل الجماهير الاشد تخلفا فى القرية –هذا هو الغرض الرئيسى من الدستور الجديد ، الذى لم يوصل لاستالين ولامولوتوف اى شئ بصدده للعالم بالطبع . ونشير عرضا ، الى ان البونابرتية تعتمد دائما على القرية ضد المدينة . ويظل ستالين فى هذ ايضا امينا للتراث .
لقد اخفق عالمان محافظان مثل آل ويب ( سيدنى وبياتريس ويب – المترجم ) فى ان يريا اى اختلاف كبير بين البلشفية والقيصرية قبل عام 1923 ، ولكن بالمقابل ، اعترفا تماما ب "ديموقرطية " نظام ستالين . ولاعجب : فقد كان هذان الانسانان طوال حياتهما ايديولوجيى البيرقراطية العمالية . وكمسألة حقيقة ، تحمل البونابرتية السوفييتية نفس العلاقة بالديموقراطية البورجوازية التى تحملها البونابرتية البورجوازية او التى تحملها حتى الفاشية للديموقراطية البورجوازية . كلاهما تنشآن بشكل متساو من الهزائم المرعبة للبروليتاريا العالمية . وسوف يتحطمان مع انتصارها الاول .
البونابرتية ، كما يشهد التاريخ ، قادرة على ان تتلائم تماما مع حق الانتخاب العام وحتى السرى . والطقس الديموقراطى للبونابرتية هو الاستفتاء . من وقت الى آخر يطرح السؤال على المواطنين : مع او ضد القائد ؟ والقائد ، من جانبه ، يتخذ الاحتياطات حتى يشعر المواطن بأن فوهة المدفع مصوبة الى معبده . منذ ايام نابليون الثالث ، الذى يبدو الآن كهاو ريفى ، فإن هذا التكنيك قد اكتسب تطورا غير مسبوق ، كشاهد ، قل ، المشهد الاخير من جوبلز . يقصد بالدستور الجديد اذن ان يصفى قانونيا النظام السوفييتى البالى ، مستبدلا اياه بالبونابرتية على اساس استفتائى .
مهام الطليعة
استخلاص استنتاجات اعمق مما قاله ستالين ومولوتوف لمحرر جريدة الطان من ان مسألة الاحزاب فى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية ليست " مسألة حيوية حيث اننا نقترب حثيثا من التصفية الكاملة ل ... الطبقات " اى دقة فى المفاهيم والمصطلحات ! فى عام 1931 ، صفوا ال " الطبقة الراسمالية الاخيرة ، وهى طبقة الكولاك " ، وفى عام 1936 هم " يقتربون حثيثا " من تصفية الطبقات . فى مختلف الاحوال والظروف ، ليست مسألة الاحزاب مسألة " حيوية " بالنسبة لمولوتوف . وتختلف كليا ، على اية حال ، وجهات النظر التى يتبناها حول هذا الامر هؤلاء العمال الذين يعرفون ان البيروقراطية ، بينما تقمع الطبقات المستغلة من ناحية ، تعد لمولدها الجديد من ناحية أخرى . اما بالنسبة لهؤلاء العمال المتقدمين فأظن أن مسألة حزبهم الخاص ، المستقل عن البيروقراطية ، هو اشد المسائل حيوية . وستالين ومولوتوف يفهمان ذلك جيدا جدا بالفعل : لم يكن بدون سبب انهم طردوا مما يسمى الحزب الشيوعى للاتحاد السوفييتى خلال الشهور القليلة الاخيرة عشرات الألآف من البلاشفة الليننيين ، اى ، فى الواقع حزب ثورى كامل .
حينما طرح محرر الطان بشكل مهذب مسألة التكتلات وامكان تحولها الى احزاب مستقلة ، اجاب مولوتوف بفطنته المعهودة : فى الحزب ... جرت محاولات لخلق تكتلات خاصة ... ولكن مضت عدة سنوات منذ ان تغير الوضع فى هذا الصدد جوهريا والحزب الشيوعى متحد حقا " . كان من الافضل ان يضيف ، وهذا ثابت بالتطهيرات اللامتناهية ومعسكرات الاعتقال .على اى حال ، الوجود غير الشرعى لحزب معارض ليس عدم وجود وانما شكل صعب فقط من الوجود . قد تبرهن عمليات القبض على فعاليتها الشديدة ضد احزاب طبقة تغادر المسرح التاريخى : لقد برهنت الديكتاتورية الثورية لسنوات 1917 -23 على هذا تماما . ولكن عمليات القبض التى تتجه ضد الطليعة الثورية لن تنقذ البيروقراطية الشائخة ، التى تتطلب وفقا لاعترافه الخاص " سوطا" .
انها اكذوبة بل اكذوبة ثلاثية الادعاء بأن الاشتراكية قد تحققت فى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية . ان ازدهار البيروقراطية هو دليل بربرى على ان الاشتراكية التى كانت هدفا مازالت بعيدة . مادامت انتاجية العمل فى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية ادنى بضع مرات من الموجودة فى البلدان الراسمالية المتقدمة ، مادام الناس لم يتحرروا بعد من اسر الحاجة ، مادام الصراع القاسى يستمر فى التواصل من اجل مواد الاستهلاك ، مادامت البيروقراطية الفردية تتلاعب بحصانتها على التناقضات الاجتماعية – سيظل قائما تماما خطر العودة البورجوازية محتفظا بكامل قوته . وفى الوقت الراهن ، ومع تنامى عدم المساواة على اساس النجاحات الاقتصادية ، فقد تزايد الخطر . يكمن فى هذا وفى هذا فقط تبرير الحاجة لسلطة الدولة . ولكن الدولة المتحللة بيرقراطيا قد اصبحت هى ذاتها الخطر الرئيسى على المستقبل الاشتراكى . يمكن التقليل من عدم المساواة لمستوياتها الاقتصادية المحتومة فى مرحلة معينة ، ويمكن قطع طريق نحو العدالة الاشتراكية ، فقط من خلال السيطرة السياسية الفاعلة للكادحين ، بدءا بطليعتهم . ان اعادة احياء حزب البلاشفة بموقع مضاد لحزب البونابرتيين هو مفتاح كل الصعوبات والمهام الاخرى .
فى الطريق نحو الهدف ، يتعين علينا ان نوظف الامكانات الفعلية التى تظهر فى كل مرحلة . واى اوهام حول الدستور الستالينى لن يكون لها موضع بالطبع . ولكن من غير المسموح به ايضا ان ننحيه جانبا بوصفه شئ تافه لامغزى له .
تنهض البيروقراطية بمخاطرة الاصلاح ليس وفق رغبتها وانما بحكم الضرورة . يحدثنا التاريخ عن عدة حالات لديكتاتورية بيروقراطية تلوذ من اجل خلاصها باصلاحات " ليبرالية " ، وتواصل اضعاف نفسها . بطرح البونابرتية عارية ، يخلق الدستور الجديد غطاءا شبه قانونى للصراع ضده . يمكن ان يكون التنافس بين العصب البيروقراطية هو الثغرة التى يمر منها الصراع السياسى الاعرض . يمكن للسوط ضد " مؤسسات الحكومة التى تعمل بشكل ردئ " ان يتحول الى سوط ضد البونابرتية . وكل شئ يعتمد على درجة نشاط العناصر المتقدمة فى الطبقة العاملة .
يتعين على البلاشفة اللينينيون من ثم ان يتابعوا بانتباه انعطافات وتحولات الاصلاح الدستورى ، ويضعوا فى اعتبارهم باجتهاد تجربة الانتخابات الاولى المقبلة . يجب ان نتعلم كيف نوظف التنافس بين مختلف " المنظمات العامة " فى صالح الاشتراكية . يجب ان نتعلم كيف ننخرط فى معارك حول موضوع الاستفتاء كذلك . البيروقراطية خائفة من العمال ، يجب ان نكشف عملنا وسطهم بجرأة اكثر وعلى نطاق اشد توسعا . البونابرتية خائفة من الشباب ،يجب ان نحشده حول راية ماركس ولينين . يجب ان نقود طليعة الجيل الشاب من مغامرات الارهاب الفردى ، وهو نهج هؤلاء الذين يأسوا ، الى الطريق الرحب للثورة العالمية . من الضرورى تدريب كادر بلشفى جديد وهو الذى سيأتى بديلا للنظام البيروقراطى المنحل .
*كتب المقال فى 16 ابريل 1936 – ونشر فى جريدة المناضل الجديد ( نيويورك) 9 مايو 1936 – مصدر الترجمة : ارشيف الانترنت – ليون تروتسكى
https://www.marxists.org/archive/trotsky/1936/04/ussrconst.htm