توخاتشيفسكي..المجزرة العسكرية وموسم قطاف الرؤوس!(5)


ماجد الشمري
2015 / 10 / 24 - 21:40     

"سوف تخرج الملائكة وتفرز الاشرار من الابرار"
متى


لقد كانت الاحكام التي ادانت المتهمين الابرياء،وكماذكرنا،مقررة سلفا،ومخطط ومبيت لها وتم تنظيمها بشكل سريع،وليس هناك من حيثيات طارئة او مستجدات،او مفاجأت جديدة.
فستالين كان قد شد عزمه لتصفية جميع من شك بهم،او اعتبرهم مخالفين او مختلفين معه!.وبدلا من حل العقدة الغوردية،من الافضل والاسهل قطعها!.
وهذا ماجرى..ربط اورليخ _المنشفي السابق والمتبلشف مع راكبي عربة المنتصرين!_خيوط تلك المؤامرة العسكرية"الفاشية"!وبشكل اساسي:الاتصالات المزعومة بين المتهمين والعسكريين الالمان!.وبأثر رجعي يعود لسنوات خلت!.
ففي عام1926ترأس توخاتشيفسكي وفدا عسكريا سوفيتيا الى برلين،وياكير اشترك بدورة اركان عامة في المانيا عام1929،وعمل كورك ملحقا عسكريا في السفارة السوفيتية في العاصمة الالمانية برلين.هؤلاء وغيرهم من الضباط،كان من الطبيعي والحتمي ان يلتقوا بعسكريين المان،خلال حفلات الاستقبال الدبلوماسية الرسمية،والمناورات العسكرية،والمحادثات واللقاءات في ظروف مهنية واجتماعية عادية وتحصل عادة في اجواء تفرض ذلك.كل ذلك تحول بالمقاييس الستالينية الريبية والمشككة لحد المرض!الى واحدة من الادلة الساطعة-قراءة النوايا والدواخل!-والتي شكلت دعما وتأكيدا لتهم التخريب والجاسوسية ضد توخاتشيفسكي ورفاقه!
اضافة لفكرة توخاتشيفسكي بضرورة الاسراع في انشاء تشكيلات للدبابات والآليات على حساب تقليص تشكيلات الفرسان(الخيالة)المتخلفة التي كان فورشيلوف متمسكا بها!.فهل تلك الدعوة العقلانية والمنطقية والضرورية لتحديث الجيش الاحمر وادخال التقنيات الحديثة المتطورة،تعد دليلا دامغا على على التآمر والتخريب؟!.يبدو الامر كذلك بمعايير ستالين الغبية والمتكلسة!!.
رفض المتهمون الاعتراف بما نسب اليهم في التحقيق قبل المحاكمة،الا ان بوديني الذي كان يساعد اورليخ في التحقيق محاولا اجبارهم على تأكيد الاعترافات المفبركة ضدهم قبل المحاكمة،في تسلسلها المتوالي من معترف لآخر!.فقد سألهم:_هل تؤكدون الاعترافات التي ادليتم بها في مفوضية الشعب للشؤون الداخلية؟.ووجه لهم اتهاما آخر،وهو انه في حالة نجاح المؤامرة سيتم ازاحة فورشيلوف".توخاتشيفسكي،وكورك،وبوتنا،واوبوريفيتش،قالوا بانهم مع غامارنيك،ارادوا طرح مسألة اقصاء مفوض الشعب للدفاع من الحكومة لعدم كفاءته وعجزه عن تطوير الجيش وتسليحه،ولانه مقصر في القيام بمسؤولياته وواجباته.تلك الرغبة المهنية الجماعية،والمطلب السديد والضروري الذي عبروا عنه في العلن،وعلى رؤوس الاشهاد في اجتماعات عامة ومفتوحة،وبشكل صريح وواضح في عزمه على التحديث في المؤسسة العسكرية،وبلا مخاتلة او سرية،انقلبت تلك الرغبة رأسا على عقب،وفسرت،وبتأويل مقصود وخبيث،على انه "عمل تآمري"خطير!!..-فيالبراعة التأويل وذكاء التفسير عندما يوظف في خدمة الارادة السياسية في التضليل والتخوين والادانة!!-...
فهل من المنطق الجائز ان يفسر كلام حق يقال وفي وضح النهار وعلى اسماع الملأ وبشكل علني،فيغدو وبقدرة قادر مؤامرة سرية دبرت بليل لازاحة فورشيلوف؟!.عجبي!.
دحض المتهمون ظلما وانكروا تلك الافتراءات الشنيعة والخطيرة مثل:"التجسس لمصلحة المانيا الفاشية،والتحضير لانقلاب مضاد للثورة"!!.-المانيا الفاشية التي ستصبح بعد عام ونيف الصديق والحليف،في معاهدة تعاون!.الامر الذي بلبل وحير جميع الشيوعيين داخل وخارج الاتحاد السوفييتي،والذين كانوا يثقفون قواعدهم وجماهيرهم بالعداء المطلق والرئيسي للفاشية،فبات عليهم ان ينكروا ذلك بحياء،ويتمحلون في تبريره غير المقنع،فجمعوا الصيف والشتاء تحت سقف واحد!!-
(توخاتشيفسكي،وياكير،وابوريفيتش)عبروا بكلماتهم الاخيرة وبصدق واضح وقناعة عن اخلاصهم الذي لاغبار عليه للوطن والشعب والجيش،واكدوا ولائهم الحقيقي بشكل خاص للرفيق ستالين،وكان رجائهم ان يسامحوا على الاخطاء والتقصير في العمل ان وجدت..
في تلك المحاكمة(المهزلة)كانت الكلمة الفصل والاخيرة للمتهم بريماكوف،والتي ذكر فيها،مجبرا بعد حفلات التعذيب الاكثر وحشية!._ان الاتهامات الرئيسية صحيحة،واعلن مكررا نشيد الاعتراف الذي وحد جميع المعترفين!!.حيث قال:"ان جميع المتآمرين وحدتهم راية تروتسكي وموالاتهم للفاشية"!.وسمى اكثر من70شخصا من الذين عرفهم شخصيا،وقال انهم:"اعضاء في المؤامرة العسكرية الفاشية"!.واضاف ان لدى :"قيادات المؤامرة"وطن ثان!.:"لبوتنا وابوريفيتش وايدمان اقارب في ليتوانيا،اما ياكير فله اقارب في بيساربيا"!!هذه الاعترافات الهزيلة السقيمة،والتي ليس فيها اي ادلة او وقائع ملموسة ادلى بها بريماكوف المسكين المحطم جسدا ونفسا والمنهار كليا من التعذيب البشع الذي تعرض له خلال عام!.ردد بطاعة آلية ما املاه عليه جلاوزة المحققون الغلاض،وما طلبوا منه ان يقوله حرفيا!!.
بريماكوف هذا البلشفي القديم،والذي مسخه التعذيب اليوجوفي الستاليني طيلة شهور في قعر الجحيم وفي ظروف بالغة القسوة والبربرية!وتحول الى حطام انسان!كان بطلا ثوريا في الحرب الاهلية،وقائدا باسلا للفيلق السابع!وبلا وعي ولاتفكير نطق بتلك التهم الجزافية بحق رفاقه،والتي لقنوه اياها في اقبية الغيبيو الرهيبة في تلك الحقبة التي عمل فيها داخل مفوضية(الشعب)للشؤون الداخلية محققون من طراز خاص واعداد محدد،فقدوا كل سمات البشر،فقد كانوا مسوخا،قساة،غلاض القلوب،وساديون بلا ضمير،امثال:فرينوفسكي،وزاكوفسكي،وبيرمان،واخرون من زبانية يوجوف المرعب !اولئك الملائكة ،ملائكة بابا الكرملين هم من كان يفرز الاخيار من الابرار!!.
في اعترافاته امام لجنة المؤتمر العشرين الخاصة برد الاعتبار للضحايا الابرياء في قضية توخاتشيفسكي،قال المحقق في القضايا ذات الاهمية الاستثنائية:اوشاكوف:"المعتقل الاول كان فيلدمان،كان قد اقر نفي اي مشاركة له في اي عمل تآمري وخاصة ضد فورشيلوف.لقد استلمت ملف قضية فيلدمان،وبعد دراسته وصلت الى نتيجة انه صديق توخاتشيفسكي وياكير وآخرون من القادة العسكريين،واستدعيت فيلدمان في19ايار الى مكتبي على انفراد،وما ان جاء المساء حتى كان قد كتب اعترافا بالمؤامرة،وبمشاركة توخاتشيفسكي،وياكير،وآيدمان،واخرين،بعدها كلفوني بالتحقيق مع توخاتشيفسكي،والذي ما ان جاء اليوم الثاني حتى اعترف ايضا تقريبا.لم انم حتى انتزعت منهم حقائق اكثر واسماء متآمرين اخرين حتى يوم المحاكمة،وفي الصباح الباكر،انتزعت من توخاتشيفسكي اعترافات اضافية عن مشاركة اباناسينكو واخرين"..
اجواء محاكمات موسكو المتعاقبة لم تكن تتسم بالحد الادنى من اجواء التحقيقات والاجراءات القانونية التي تحفظ كرامة وحقوق المتهمين!.فهي لم تكن تتحلى بابسط درجات الالتزام القانوني والانضباط في معاملة المتهمين،والواقعية العقلانية التي تحتكم لمواد ونصوص قانونية بعيدا عن انتزاع الاعترافات بالتعذيب الجسدي والنفسي.نحن اذا امام عبث ولامعقول وغرائبية عالم كافكا وكوابيسه!. فعندما نقرأ رواية كافكا الشهيرة"المحاكمة"حيث يعدم جوزيف. ك دون ان يعرف جريمته التي حكم عليه بالاعدام بسببها!!!نرى مدى واقعية محاكمات ستالين التي تصلح لمسرح العبث الشهير الذي تحول الى مسرح الواقع الاكثر قتامة!!.
.................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...