أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم) 6


فؤاد النمري
2015 / 10 / 11 - 16:02     

أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم) ـ 6
لو لم ينجح كارل ماركس في كتابة مخطوطاته في الاقتصاد والفلسفة في العام 1844 (Economic & Philosophic Manu-script-s) لما أصبح شيوعيا ؛ ومن هنا نود التوكيد على أن الشرط الأول للشيوعي هو الإحاطة الأولية بالمبادئ الأساسية في علم الإقتصاد والإقتصاد الرأسمالي بصورة خاصة وإلا كان مناصراً للشيوعية وليس شيوعياً حقيقياً كما يجب أو ربما كما يعتقد .

جميع الذين يعتقدون أنهم ماركسيون وهم ليسوا كذلك طالما أنهم لا يدركون المبادئ الأولية في علم الإقتصاد، جميع هؤلاء ينكرون انهيار النظام الرأسمالي في سبعينيات القرن الماضي بل ويعاندون بالإدعاء أن النظام الرأسمالي لم يمت بل إزداد توحشاً وحجتهم الصبيانية في ذلك هي أن الرأسمالية لا تنتهي إلا إذا أعقبتها الإشتراكية والاشتراكية لا أثر لها في عالمنا اليوم . الوقائع التي تخالف مثل هذه الإفتراضات الصبيانية تقول أن النظام الرأسمالي الإملريالي إنتهى على أيدي الثورة الاشتراكية التي أطلقها لينين في العام 1919 وغيرت وجة العالم قبل أن تبدأ بالتراجع على أيدي خلفاء ستالين ـ طبعاً يضطر هؤلاء الصبية إلى مثل هذا الإدعاء الأجوف لإخفاء فشلهم السياسي . نقول لهم أن الإنتاج الرأسمالي يتمركز حصراً في إنتاج البضاعة ولذلك عبر ماركس عن دورة الإنتاج الرأسمالي بالمعادلة الثلاثية الحدود (نقد ـ بضاعة ـ نقد) أي وجوب تحويل النقد بداية إلى بضاعة وإلا انعدم النظام الرأسمالي كما في مضاربات البورصة . ولهذا السبب تحديداً فإن الدول العريقة في الرأسمالية الإمبريالية عندما لا تعود تنتج بضاعة تكفي أسواقها المحلية فذلك يعني أنها لم تعد رأسمالية إمبريالية . الولايات المتحدة الموصوفة على أنها الحصن الأخير للرأسمالية الإمبريالية تستورد سنويا من البضائع الأجنبية ما قيمته زهاء ألف مليار دولار كما تستورد سنوياً من رؤوس الأموال مئات المليارات من الدولارات فكيف لهولاء اللاماركسيين أن يبرروا إدعاءهم حول أميركا الرأسمالية الإمبريالية !!؟
هؤلاء القوم لم ينبسوا ببنت شفة في مواجهة (المانيفيسنو الشيوعي اليوم) الذي أعلنته في 25 أغسطس آب الأخير وذلك لأنهم يعتقدون أن النظام الرأسمالي ما زال حيّاً يحكم العالم وما زال المانيفيستو الشيوعي لعام 1848 هو المانيفيستو النافذ ولا حاجة لأي مانيفيستو جديد ومختلف رغم أنهم يعلمون تماماً أن مساحة الطبقة العاملة في المجتمعات الرأسمالية الكلاسيكية التي كانت عماد الثورة الإشتراكية في مشروع ماركس قد انكمشت إلى حدودها الدنيا .
مع أننا نستعجب الخرس في هؤلاء القوم من إدعياء الماركسية طالما أن بياننا حول انهيار النظام الرأسمالي لا تشوبه شائبة ولا يعتريه شك إلا أننا مع ذلك نقبل أن نتجاوزه لنشرح كيف أن أول مؤتمر للخمسة الكبار (G. 5) في قلعة رامبوييه في باريس في 16 نوفمبر 1975 قد أعلن تخليه عن النظام الرأسمالي بعد أن لم يعد هذا التظام قادراً على الاستمرار وقد فكت كافة الدول المحيطية التي كانت تمتص فائض الانتاج الرأسمالي ارتباطها بمراكز الرأسمالية فكان أن غرق النظام الرأسمالي في فيض إنتاجه في مراكزه كما وجد ماركس في تحليله للإقتصاد الرأسمالي .

من الواضح أن هؤلاء القوم من أدعياء الماركسية ومن الليبراليين لا يعرفون حقيقة بالغة الأثر في التبادل السلعي ؛ لا يعرفون أن النقود لا قيمة لها (Abstract Value) قبل دخولها السوق ومبادلتها بالسلع ليكون لها قيمة تبادلية (Exchange Value) . النقود لها قيمة تبادلية فقط وليس لها أية قيمة خارج السوق ـ باستثناء قيمة المعادن التي تسك منها النقود المعدنية ـ وقيمتها التبادلية تحددها قيمة البضائع التي تجري مبادلتها بها ؛ ويتوقف ذلك على مقدار الثقة بالجهة المصدرة لتلك النقود والموقعة عليها كفالة لمبادلتها بالذهب كلما شاء حاملها . يذكر في هذا السياق أن الرئيس الفرنسي الجنرال ديجول وقد رأى أن الولايات المتحدة على وشك الافلاس في نهاية الستينيات بسبب الانفاق الهائل على حربها في فيتنام طالب الولايات المتحدة أن تبدل الاحتياطي الفرنسي من الدولارات بالذهب ؛ وبالفعل فما إن انقضت فترة وجيزة حتى أعلنت إدارة نكسون في العام 1971 انسحابها من معاهدة بريتون وودز (Britton woods) 1944 التي تشترط كفالة العملة الوطنية بالذهب وهي المعاهدة التي عملت الولايات المتحدة نفسها على عقدها في مواجهة سياسة هتلر النقدية حيث كان يطبع ماركات دون حساب لينفق على حروبه المجنونة .
في العام 1971 حين انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة الغطاء الذهبي كان سعر أونصة الذهب 40 دولاراً وبعد عشر سنوات فقط أي في العام 1981 إرتفع سعرها أحد عشر ضعفا ونصف حتى غدا 460 دولاراً أي أن قيمة الدولار في العام 1981 أضحت 9 سنتات من سنتات 1971 .
فلماذا انخفض الدولار كل هذا الانخفاض المريع وانسحق كل هذا الانسحاق الفظيع خلال عشر سنوات فقط !!؟
لا يمكن تفسير مثل هذا الانسحاق الفظيع بغير أن الولايات المتحدة لم يعد نظام الإنتاج فيها يحول قوى العمل(Labour power) المتاحة إلى بضائع تخلق ثروة ليست موجودة من قبل بخلاف ميّزة النظام الرأسمالي الذي يضيف كل يوم ثروة جديدة لم تتواجد في اليوم السابق عن طريق تحويل قوى العمل يومياً إلى بضائع كما يفعل النظام الرأسمالي، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة لم تعد دولة رأسمالية وبالتالي إمبرياليىة .
من لديه أي تفسير آخر من أدعياء الماركسيية ومن الليبراليين فليأتِ به كي يجترح لنفسه عذراً مناسباً وإلا فليراجع نفسه في مسألة رأسمالية وإمبريالية الولايات المتحدة الأميركية .
بعض الأفاقين يدّعون أن في مثل هذا الإستدلال دفاعاً عن الإمبريالية الأميركية !! أقول لهؤلاء الإفاقين النفاخين أن من يعرف العدو على حقيقته هو المحارب الحقيقي وليس النفاخين .

عندما أغلقت ثورة التحرر الوطني العالمية كافة المنافذ لتصريف فائض الانتاج في مراكز الرأسمالية لم يكن من خيار آخر أمام الرأسماليين سوى الإقلاع عن إنتاج البضاعة رغم أنه الأسلوب الوحيد الذي يغنيهم يومياً . كي يدّري قادة الرأسمالية العالمية الكبار الخمسة هول المأساة التي حلّت بهم اجتمعوا في رامبوييه واتخذوا قراراً فنتازياً هو قرار المهزومين المفلسين، قرروا أن القيمة (Abstract Value) في النقود وليس في البضاعة وسحبوا نقودهم المتهاوية من السوق بحجة حمايتها من المضاربات وبذلك أنكروا القيمة التبادلية للنقد وادعوا بقيمة له خارج السوق هم يحددونها .
لم ينفعهم مثل ذلك القرار الفنتازي المعاكس للقانون الأولي للنقد فكان أن هبطت نقودهم خلال أربعين عاماً خمسين ضعفاً، فكان سعر أونصة الذهب 40 دولاراً في العام 1971 وقفزت إلى 1922 دولاراً في العام 2011، أي أن دولار العام 2011 لا يساوي أكثر من سنتين من دولار 1971 .
نعود لنؤكد مرة أخرى أن قرار ال (G 5) الفنتازي بنقل القيمة من البضاعة إلى النقود وكانت خزائنهم مترعة بالنقود لم يفدهم بشيء وقد تحول كل دولار في خزائنهم إلى سنتين، سنتين فقط .
هل كان ذلك ليحدث لو أن الدورة الرأسمالية ظلت تدور: نقد ـ بضاعة ـ نقد !!؟
الجواب لدى أدعياء الماركسية قبل الليبراليين .