توخاتشيفسكي..المجزرة العسكرية وموسم قطاف الرؤوس!(3)


ماجد الشمري
2015 / 10 / 8 - 20:18     

"الديمقراطية التي لاتنحرف عن مبادئها حتى النهاية"!.
"مبادئنا لاتسمح لنا بأراقة دماء قدماء الحزب مهما تكن الخطايا المحسوبة عليهم"!.
-ستالين-


كان ستالين يضمر شعورا سلبيا تجاه توخاتشيفسكي،ومنذ الحرب الاهلية،وذلك لنزعة الاخير للاستقلالية الشخصية،وجرأته في المناقشة،وعدم تهيبه في الاعتراض في المواقف المناسبة.وهذا طبعا كان يثير نفور وحفيظة ستالين،ليس من توخاتشيفسكي فقط،بل من كل شخص يلمس لديه ميلا لتكوين رأي خاص او رؤية مختلفه عن"القائد"!.
وقد لعب ستالين على حبل الخلافات،والعلاقة المتوترة بين توخاتشيفسكي وفورشيلوف،ووظفها لتصب في صالحه،وكنوع من التشتيت للقوى التي يعتقد انها تنافسه على السلطة!.
وقبل ان يتخذ"القائد"قراره باعتقال توخاتشيفسكي ورفاقه"المتآمرين"حاول ان يجس نبض معاونيه وتبين موقفهم ورأيهم ومايدور في دواخلهم بهذا الشأن -رغم تأكده من وقوفهم معه وتأييده في كل قرار-.مولوتوف،وفورشيلوف،ويوجوف.
مولوتوف:وكالعادة كان ك"ماتي"يتبع سيده"بونتيلا"عفوا..ستالين،الذي كان يتطابق مع زعيمه في كل قراراته الجازمة الحازمة!وصدق دون شك او تمحيص كل المعلومات والتقارير التي وردت من الخارج.
اما فورشيلوف:والذي كانت علاقته متعكرة،بل وسيئة بتوخاتشيفسكي،ولم يكن يخفي كرهه القديم له،فليس هناك من حاجة لتوقع انحيازه المطلق لقائده ضد غريمه اللدود!.
اما بالنسبة ليوجوف:وما ادراك مايوجوف المسخ؟!الساعد الايمن لستالين في مجال الامن والقمع والوشاية والدس وصنع الاعداء الوهميين!فقد كانت فرصة سانحة له،مع هذه القضية الكبيرة،وصيده الدسم الوفير!ليتقدم مرتقيا،ولتعلو مكانته واهميته في عين وقلب"القائد العظيم"لذا كان من الطبيعي جدا وبلا نقاش ان يقف هذا الثلاثي"المزمر" بصخب،مع رغبة وارادة محبوبهم،ولتتوحد مواقفهم معه في الموافقة الكاملة على اعتقال هذا"المتآمر"وعصابته!-وهذه هي"مغراطية"حنون الحزبية والا فلا!!!..
في24مايو(آيار)1937خطى ستالين خطوته الحاسمة بأتجاه الشروع ببدء مجزرته العسكرية،ولتصفية"المتآمرين"!.فقد وجه لاعضاء اللجنة المركزية،والمرشحين،في مسرح العرائس!،عفوا اقصد في الحزب الشيوعي السوفياتي!وثيقة للتصويت عليها بالاستفتاء،جاء فيها:"بناءا على المعطيات التي تكشف عن مشاركة عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي رودزوتاك،والمرشح لعضوية اللجنة المركزية توخاتشيفسكي في تكتل متآمرين من اليمين التروتسكي المعادي للسوفييت وفي العمل التجسسي ضد الاتحاد السوفيتي لمصلحة المانيا الفاشية.(المانيا الفاشية التي سيتحالف معها ستالين بعد عام ونصف بمعاهدة صداقة وتعاون!.م.ا)
المكتب السياسي للجنة المركزية يطرح للتصويت اقتراحا(يقصد امرا ملزما!.م.أ)
بطردهما من الحزب وتحويل قضيتهما الى مفوضية الشعب للشؤون الداخلية(مفوضية هادس لشؤون الجحيم!.م.ا)
سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي
ستالين
-من المعروف جدا ان كل قضية تحول الى مفوضية(الشعب)للشؤون الداخلية تعني نهاية دورة حياة تعيس الحظ الذي يحول الى تلك المفوضية لشؤون السلخ!!!.
ومن البديهي جدا ان يكون تصويت الجميع وبلا استثناء_اجماع ديمقراطي!_ هو:"مع"_فمن ذلك الحمار الشجاع الذي يجروء على مخالفة او معارضة رب الحزب؟!_
لم يشكك او يدافع او يعترض احد من دمى اللجنة المركزية!وحتى القادة العسكريون الذين عرفوا توخاتشيفسكي جيدا ومنذ الحرب الاهلية،صدقوا تلك التهم،بل كانوا مجبرين على تصديقها نتيجة الخوف والمصلحة في السكوت الاسلم!.وجرفهم تيار الطغيان الستاليني الكاسح،ومعلومات العملاء،ولم يحاول احد منهم الاستماع للماريشال نفسه.ولم تبدر منهم ذرة من شجاعة او او تساؤل او ضمير،كي يتأملوا ويفهموا تلك العبارة السقيمة الغامضة كدليل ادانة وهي:"بناءا على المعطيات التي تكشف"!اي معطيات؟!..وماذا تكشف؟!.
البعض ممن ادلى بصوته كان اكثر ستالينية من ستالين نفسه!فلم يكتفي بما قدم ستالين من مقترح،فزايد عليه!كبوديني مثلا،والذي كتب على ورقته:"دون شك.مع.
يجب اعدام هؤلاء السفلة"!.وميخليس وضع عدة خطوط تحت كلمة"مع".لكن لافورشيلوف ولايغوروف رفاق توخاتشيفسكي في الجيش،وايضا لاخروشيف ولا ميكويان(اللذان حكما لاحقا بعد موت ستالين على تلك الجرائم البشعة من اعدامات وتنكيل كاختراق فاضح ومشين واجرامي للقانون!).لم يجد احد منهم الحد الادنى من الجرأه الادبية كي لايكتب تلك الكلمة القاتلة:"مع"فالضمير كان قد حنط مع لينين!
من الجدير بالذكر ان رودزوتاك عضو اللجنة المركزية كان قد كتب قبل اعدامه بعام مقالا يدين "العصابة التروتسكية"ويمجد محبوب الشعب،والذي قال فيه:"بواسطة عملائه-يقصد تروتسكي.م.ا-وعصابته من الفاشيين يحاول عن طريق التخريب،هدم اقتصادنا.
بأيديهم ارادوا قتل افضل الناس في البلاد،عقل وقلب وطننا-الرفيق ستالين".
اعدمه ستالين بتهمة العمل مع تلك العصابة التروتسكية الفاشية!!ولم يشفع ذلك الهتاف المنافق هذا الرفيق البائس!!.
عرف ستالين توخاتشيفسكي عن كثب منذ الحرب الاهلية،وعرف ايضا كيف قاد توخاتشيفسكي الجيش الاحمر الخامس بحنكة وشجاعة واقتدار،وطبعا يتذكر ستالين قرار المجلس العسكري الثوري للجمهورية السوفيتية في28/12/1919والذي ورد فيه:"يمنح سلاح فخري لقائد الجيش الخامس،الرفيق توخاتشيفسكي تقديرا لشجاعته الشخصية ومبادراته وحسن تدبيره ومعرفته بالعمل،والتي اظهرها في النصر الشجاع للجيش الاحمر على الجبهة الشرقية،والذي انتهى بأستعادة مدينة اومسك"._هذه واحدة من الصفحات المجيدة من تاريخ هذا "المتآمر"و"الجاسوس"و"العميل الفاشي"توخاتشيفسكي!!.
كان توخاتشيفسكي هو الجنرال الاصغر سنا بين ابرز ماريشالات الاتحاد السوفيتاتي الخمسة:هو ،وفورشيلوف،وبلوخير،ويغوروف،وبوديني.وكان مستواه المهني المتميز ومواهبه النظرية والاستراتيجية في الفنون العسكرية،استثنائية لايدانيها مستوى مفوض الشعب للدفاع،فورشيلوف،فذهنية نائب مفوض الشعب للدفاع،توخاتشيفسكي،كانت ارقى بكثير من رئيسه فورشيلوف،الذي كان يدرك ذلك جيدا،ويعي مدى تخلفه عن نائبه.ففورشيلوف كان عسكريا من الطراز الكلاسيكي المحافظ،فقد وقف ضد التسلح التقني المتطور واستخدام التجهيزات الحديثة.وستالين يتذكر ايضا كيف ايد غامارنيك في رفضه لاقتراح توخاتشيفسكي:على ابقاء المجالس العسكرية للمناطق،مع استبعاد المفوضين السياسيين منها.ويتذكر ايضا كيف انحاز الى جانب فورشيلوف عندما رفض هذا الاخير طروحات توخاتشيفسكي النظرية التجديدية لتحديث الجيش!.
وكما هو متوقع فقد نقل توخاتشيفسكي من قبل فورشيلوف،وبأيحاء من القائد الى وظيفة ادنى لاهانته واذلاله!.فقد عين قائدا لمنطقة حوض الفولغا العسكرية لفترة قصيرة قبل اعتقاله!..
في بداية حزيران عام1937 وقبل المحاكمة جرت جلسة استماع لمعلومات من يوجوف،وفورشيلوف،من قبل المجلس العسكري،(بعد اقل من نصف عام،اغلب اعضاء ذلك المجلس سيعدمون،فمن مجموع50 بقى8على قيد الحياة،وهم الموالون للحزب والثورة!.م.ا)استمعوا ل"معطيات"تلك المؤامرة!و"الكشف"عن:"منظمة خسيسة عسكرية فاشية معادية للثورة"!.
وفي تقريره الدوري النهائي ذكر يوجوف،ان:"المتآمرين اعترفوا"وذكر ايضا:"ان المتآمرين كانوا يعملون،ومنذ فترة طويلة،ويعدون العدة للقضاء على قيادات الحزب والجيش،كما اكد يوجوف على ارتباط تلك الزمرة بالدوائر العسكرية والمخابراتية الالمانية،وبتعاونهم،وبمساعدة المانيا الفاشية،كانوا يهيئون للاستيلاء على السلطة!!.
بات مصير توخاتشيفسكي معروفا،فقد نضجت السنابل وحان موسم الحصاد!!!!.
.................................
وعلى الاخاء نلتقي...