أسطورة الحزب الاشتراكى العام


محمد مجدى عبدالهادى
2005 / 10 / 24 - 07:57     

يحاول البعض الترويج لتصور تنظيمى عن حزب اشتراكى عام يجمع كل التيارات الاشتراكية ، متصورين أو مدعين ان هذا التصور يخدم القضية ، و يدعم موقف الحزب و الاشتراكيين ؛ انطلاقا من ضرورة الوحدة و فوائدها ، و ما تضفيه من قوة على المتحدين ، الخ...من الفوائد المعروفة للوحدة غير واعين الى ان هذا الحزب -الحزب الاشتراكى العام -هو حزب اصلاحى بالضرورة
و الحق ان بعض دعاة هذا التصور يصدرون فى دعوتهم عن انبل البواعث و النوايا ، غير واعين لسذاجة فهمهم للمبدا الذى ينطلقون منه ، -والشكل الذى يجب ان يتجلى به فى حزب ثورى -، اى المبدا القائل بان الاتحاد قوة
اما باقى دعاة هذا التصور ، فلا يمكن فصل دعوتهم هذه عن حقيقة انتمائهم الاصلاحى، فاغلب دعاة هذا التصور ينتمون لليسار الاصلاحى ، و لا شك فى ان لهذه الظاهرة اسبابا وجيهة اول هذه الاسباب و اهمها على الاطلاق ، هو ان اليسار الاصلاحى لايتضرر باى حال من الاحوال من انضواءه و اليسار الثورى تحت لواء حزب واحد ، خصوصا ، وانه غالبا ما ينعقد له لواء القيادة فى هذا الحزب، والسبب فى هذا واضح و جلى ،هو ان الوضع الثورى دائما و بحكم طبيعته وضع استثنائى ، و لهذا تسود التيارات الاصلاحية دائما ، فكما اكد لينين ، تسود التيارات الاصلاحية فى الظروف العادية ، و هذه قاعدة عامة ، يمكن تطبيقها على القوى داخل الحزب ، كما تطبق على قوى الشارع السياسى عموما ، و اذا حدث خلاف ذلك ، و تمكن اليسار الثورى من الاخذ بزمام الحزب ،فهذا غالبا ما يكون وضعا استثنانيا ، لا يستمر طويلا ، و اذا استمر ، فان الحزب لا يستمر بصورته نفسها ، و على حالته ذاتها ، بل يتحول الحزب ، فاما يتطهر الحزب ذاتيا بخروج الاصلاحيين الغير قادرين على تحمل سياسته الثورية ، او يقوم الجناح الثورى بتطهير الحزب ليصبح حزبا ثوريا نقيا ، او تفقد قيادة الحزب تدفقها الثورى ، و تصبح مجرد بيروقراطية تمثل عبئا على الحزب ، لا دافعا له -؛ و ذلك نتيجة لأنه سيحاول التصالح او التكيف مع الجناح الاصلاحى الذى لم يخرج او يخرج من الحزب-،مثلها مثل القيادة الاصلاحية ، منتهية بالحزب ذات النهاية التى يريدها له الاصلاحيون
اضافة الى الجناح الاصلاحى يفضل احتواء الجناح الثورى ، واحيانا استغلاله كاداة ضغط عند الضرورة ، فيعمد الى دفعه للمواجهة مع النظام القائم ؛ لتخويفه و دفعه الى قبوله -الجناح الاصلاحى- و التعاون معه ، مقدما نفسه باعتباره البديل اليسارى -المقبول رسميا-الذى يمكن تقديمه للجماهير و القادر على تصفية اى اضطرابات قد تهدد بقاء النظام الاجتماعىالقائم ، و الذى يدين له اليسار الاصلاحى بالولاء
لهذا فاليسار الاصلاحى لا يتضرر باى حال من الاحوال من دعوة الحزب العام ، الذى يجمع كل التيارات الاشتراكية ، الاصلاحية منها و الثورية ، شريطة بقاء هذا الحزب تحت قيادته
اما اولئك الثوريون اصحاب النوايا الطيبة الذين ينادون بالوحدة ، فهم و ان كانوا على حق فيما يخص فوائد الوحدة ، فانهم مخطئين فيما يخص فهمهم لمعنى الوحدة ذاتها
فالوحدة ليست تلك الوحدة الكمية لمجموعة من المفردات ، حتى و ان كانت متنافرة و غير متجانسة -اذ تصبح فى هذه لحالة مجرد وهم و صورة زاهية لجوهر فارغ و واقع بائس ، تتجلى كارثيته فى ساعات الحسم-، بل الوحدة -بالاساس و فى الحقيقة- وحدة نوعية لمفردات متجانسة و متوافقة ، تؤدى وحدتها الى حاصل عام ايجابى نوعيا اكبر فى حجمه و قيمته من الاحجام و القيم المفردة لمفرداته
فالوحدة التى ينشدها الاشتراكيون-والتى يجب ان تكون كذلك-هى اساسا وحدة المواقف و الاستراتيجيات ، الوحدة الفعلية التى تخدم القضية و لا تضرها ، لا الوحدة الميكانيكية الشكلية ، فهذه الوحدة ليست مطلوبة لذاتها ،بل لخدمة القضية ،و ذلك بدعم المناضلين من اجلها ؛ لهذا فليس لهذه الوحدة من قيمة الا فى الحدود و الشكل الذى يساعد فى تحقيق هذا الغرض
فاذا كان هؤلاء الاشتراكيون ، ثوريون ، اى اصحاب رؤية ثورية ، و استراتيجية ثورية ، فيجب ان تقوم الوحدة التى ينشدونها على اساس هذه الرؤية و تلك الاستراتيجية ، فوحدة استراتيجية الحزب وحدها تكفل الوحدة الحقيقية لمجمل كفاحه و مواقفه ؛و ذلك بما يؤدى الى زيادة قوته ،و صلابة مواقفه فى لحظات الحسم
و لهذا ففكرة الحزب العام الذى يجمع كل التيارات الاشتراكية ، انما هى مجرد اسطورة ، فهذا الحزب - الذى سيكون له بالضرورة استراتيجية واحدة-و نقصد بالطبع الاستراتيجية الفعلية ، و ليس المرسومة على الورق- لن يعبر بالطبع عن كل هذه التيارات المنضوية تحت لواءه ، بل سيعبر فقط عن الاستراتيجية الخاصة باحد هذه التيارات ، و الذى يتسلط على الحزب بباقى تياراته ، او فى احسن الاحوال سيعبر عن استرلتيجية توافقية عامة ، لا تكفل وضوح الرؤية و بالتالى تحدد المواقف
و اذا قلنا ان جميع التيارات يمكن تصنيفها و تمييزها بصفة عامة الى تيارين كبيرين هما الثورى و الاصلاحى ، فالذى نجده فى الواقع هو سيطرة احد هذين الحزب- وبالتالى سيادة استراتيجيته-،و هو غالبا التيار الاصلاحى و ذلك للاسباب التى سبق و ذكرناها ، وهذا الوضع لا يستمر كثيرا-خصوصا اذا حدثت تطورات فى الوضع السياسى العام،اذ غالبا ما يدفع هذا الوضع التيارات الاخرى للا نصراف عن الحزب ن سواء بالخمول او بالانشقاق و الاتجاه لتكوينات اخرى ن موجودة او يجرى ايجادها
لهذا فدعوى الحزب العام دعوة ايديولوجية تخص اليسار الاصلاحى ؛ لهذا لا نستغرب ان يكون ابرز المدافعين المنافحين من اجلها ، ايديولوجى اصلاحى مثل الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع ن صاحب نظريات الاسقف المنخفضة و الوسطية و التجمعية ن وغيرها من النظريات التى انتهت بالحزب الى ذلك الوضع المذرى الذى هو عليه
و لا شك ان تجربة التجمع كافية لمن يريد التعرف عى مدى صحة هذه النظريات ن التى ادت باحزب الى فقدان قواعده الجماهيرية نو تفكك عضوته و خمولها ؛ ليفقد الحزب وجوده فى الشارع نويصبح مجرد و جودا اعلاميا ، بعد ان هجر الحزب -اليسارى !- الشارع و الجماهير ؛ ليصبح مجرد حزب برلمانى ن يهرول خلف اصوات الانتخابية ، و يعقد الصفقات المشبوهة ، و ذلك كله بالطبع تمشيا مع السياسة الاصلاحية التى تتبناها القيادة الاصلاحية للحزب
كل هذا يؤكد فشل الفكرة و اسطوريتها ن و المؤسف ان نحناج الىالتاكيد على هذا المعنى القديم ن فقد سبق و اكد انجلز و من بعده لينين على ضرورة و ضع و تحديد الحدود و بكل دقة داخل الحزب ،مؤكدا ان كل انشقاق داخل الحزب ن اذا كان مبعثه الخلافات الايديولوجية بشان المسائل الاستراتيجية ، و ختى بعض المسائل التكتيكية ذات الاهمية ن نقول مؤكدا ان كل انشقاق يحدث لهذا السبب ن انا يدعم الحزب و يقويه ؛لنه يدعم وحدة استراتيجيته نو بالتالى تكتيكاته و مواقفه ، وذلك عبر تطهيره من الخلافات و التناقضات التى يمكن حلها ن و التى قد تشكل خطرا على مستقبل الحزب كحزب ثورى ن و مدى قدرته على خدمة قضيته ن و كل هذا دون القضاء على حرية الخلاف داخل الحزب فيمادون ذلك
كذلك ن لا ننسى كفاح لينين المرير ضد الانتهازية اليمينية و الطفولية اليسارية داخل الحزب ،و تطهيره المستمر للحزب ؛ حفاظا على ثبات استراتيجية الحزب و وحدة صفوفه ن دون القضاء على الديموقراطية الداخلية ، و فى حدود التزام -هذه الديموقراطية - بضرورات المركزية ؛ انطلاقا من مبداالمركزية الديموقراطية
و لهذا فالمبدأ الذى يجب ان يستند اليه فى بناء و وجود الحزب ن، هو مبدأ "وحدة الاستراتيجية" من حيث ثوريتها و اصلاحيتها فى كل مدى زمنى (قصير-نسبيا-متوسط-طويل) ، و ذلك بالاساس ن دون تناسى التفاصيل
اما عن المواقف و التكتيكات ، فلا حاجة بنا للتاكيد على امانية التنسيق بشأنها بين قوى اليسار-بل وغير اليسار-المختلفة ن ثورية و اصلاحية ، دون التنازل او التسامح فيما يخص الاستراتيجيات و ثوابتها
و لهذا ن فعلى اليسار الثورى بناء حزبه الثورى النقى المستقل ن الثابت الاستراتيجية =دون تناسى ضرورات التكيف العملى مع الظروف -،المبدأى الواقف ،فهذا وحده يكفل قوة الحزب و صلابته فى لحظات الحسم ؛و ذلك بما يحقق علة وجوده ن كطليعة للجماهير الشعبية على طريق الثورة الاجتماعية