أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم) 4


فؤاد النمري
2015 / 9 / 18 - 19:12     





أسانيد (المانيفيستو الشيوعي اليوم) ـ 4

كنت حسبت أن أحداً من الماركسيين العرب أو المتمركسين لم يعترض على ما جاء في "المانيفيستو الشيوعي اليوم" بعد انقضاء أكثر من ثلاثة أسابيع على نشره في 25 أغسطس الماضي وهو أهم البيانات في تطور الفكر الماركسي الحديث، حسبت ذلك أنه بسبب قوة البيان وتماسكه معتمداً على الوقائع التاريخية ودلالاتها وفقاً للتحليل الماركسي .
نبهني الرفيق البولشفي عبد المطلب العلمي إلى أن احتسابي لم يكن سليماً وأن أعيد النظر في أهم نقطة وردت في البيان وهي النقطة المركزية التي يتأسس عليها " المانيفيستو الشيوعي اليوم " وبغيابها تنهار كل مداميكه حتى القاع، وهي استحالة بناء نظام اجتماعي مستقر في روسيا بل وفي مختلف بلدان العالم حيث كل السلطة في قبضة البورجوازية الوضيعة .
الرفيق المطلب وهو يعيش في أوكرانيا قريباً جداً من النظام الاجتماعي في روسيا وله إطلاع واسع على مختلف مفاصل النظام يؤكد في مقالته الإعتراضية بالأمس (16/9) في الحوار المتمدن على أن افتراضي استحالة بناء نظام رأسمالي في روسيا ليس صحيحا ويورد العديد من الأرقام والإحصاءات التي يستدل منها على أن النظام القائم اليوم في روسيا إنما هو النظام الرأسمالي بقضه وقضيضه .

بداية أود أن أعبر عن ترحيبي الحار باعتراض الرفيق مطلب على أهم نقطة في المانيفيستو فمن شأن ذلك أن يجعل منه موضوع الساعة بل أهم مواضيعها وأنا أدعو الماركسيين العرب وغير العرب إلى نقده كما فعل مطلب مشكوراً
ليس لدي دالات الإحصاءات الروسية التي لدى مطلب ولا أستطيع أن أوافق على أن الدالات التي استدل بها الرفيق مطلب على أن النظام في روسيا هو النظام الرأسمالي بعينه . بعيداً عن طعن خروشتشوف في مذكراته بصدقية دائرة الاحصاءات السوفياتية، فإن صناعة الأسلحة التي دمرت الاتحاد السوفياتي وما زالت راسخة حتى اليوم، أضف إليها صناعات الفضاء، فهي ليست من الصناعات الرأسمالية . التقدير المتواضع لهاتين الصناعتين هو أكثر من 20% من مجمل الانتاج القومي في روسيا، وما يتبقي من حصة الصناعة هو أقل من 14.6% وتشمل فيما تشمل صناعة التفط والغاز غير الرأسمالية التي قد تتجاوز حصتها 10% وتملك الدولة أكثر من نصفها . لاستغرابي ادعى الرفيق مطلب أن الإنتاج الصناعي في الولايات المتحدة هو 20% من مجمل الإنتاج القومي ومع ذلك فهي دولة رأسمالية فلماذا لا تكون روسيا دولة رأسمالية والإنتاج الصناعي فيها يصل إلى 34.6%، يتساءل الرفيق مطلب . يخطئ الرفيق مطلب في اعتبار الولايات المتحدة دولة رأسمالية، كما يخطئ في احتساب صناعة الأسلحة وصناعة الفضاء من الصناعات الرأسمالية، ويخطئ من جهة ثالثة حيث احتلت الصناعات في الاقتصاد السوفياتي أكثر من نسبة 60% من مجمل الانتاج القومي ومع ذلك كان النظام اشتراكياً .
مع كل ذلك فإنني لا أستدل بهذه الأرقام التي جاء بها الرفيق مطلب على النظام القائم اليوم لا يمكن أن يكون رأسمالياً أم غير رأسمالي، نظاماً مستقراً ذا هوية محددة . بل أعتمد في مثل هذا السياق على القوانين العلمية التي اكتشفها ماركس .
أعيد القول أن المجتمع السوفياتي تشكل من طبقتين وهما البروليتاريا والبورجوازية الوضيعة التي تضم الفلاحين والعسكر والانتلجنسيا . هل طبقة البورجوازية الوضيعة، أو شريحة من شرائحها الثلاث، هي التي قامت بثورة مضادة بورجوازية ضد الإشتراكية لصالح الرأسمالية ؟
للبورجوازية الوضيعة قضية واحدة لا غير وهي الاحتفاظ بوسيلة إنتاجها البورجوازية وألا يجري تحويلها إلى بروليتاريا كما حدد ماركس قضيتها في المانيفيستو . يتم تحويلها إلى بروليتاريا في ظل الرأسمالية كما في ظل الاشتراكية سيّان وهي لذلك تناضل بلا كلل أو ملل ضد الرأسمالية كما ضد الاشتراكية . فكيف يمكن الإفتراض أن البورجوازية الوضيعة السوفياتية ناضلت ضد الإشتراكية كيلا تتحول إلى بروليتاريا ثم لتبني الرأسمالية لتتحول إلى بروليتاريا أيضاً !؟ هذا ما لا يجوز إفتراضه . هذا عن القانون الأول .

أما عن القانون الثاني فالبنية الرأسمالية هي بنية خلوية ذات مركز وأطراف . مع انتهاء الامبريالية في العام 1972 تحولت تجارة الأسواق المغلقة إلى تجارة حرة بحيث لا تسمح بتصدير فائض القيمة المتحقق في المركز الرأسمالي إلى أي بلد آخر على حساب ميزانه التجاري . الإنتاج شبه الرأسمالي في الصين ودول جنوب شرق آسيا ليس إنتاجاً رأسماليا بالمعنى الكامل للكلمة وعمره مؤقت وقصير حيث يجري ذلك بموجب اتفاق أحمق تقبله إدارة أميركية حمقاء وهو استيراد كل إنتاج هذه الدول على حساب الميزان التجاري حيث يصل العجز في الميزان التجاري للولايات المتحدة لحوالي ترليون دولار كل عام وهو ما انعكس في الإنهيار الكلي للنظام الرأسمالي في أميركا . وما يدعو للإشتباه برأسمالية الصين وأمثالها هو أنها لا تستطيع تدوير الأموال بدل بضائعها فيصل الاحتياطي في الصين إلى خمس ترليونات دولاراً الأمر الذي يقطع في أن النظام في الصين ليس رأسمالياً .

وفي القانون الثالث فإن التاريخ لا يتكرر إلا بصورة هزلية كما لاحظ ماركس، فالنظام الرأسمالي الذي انهار في السبعينيات بفعل حركة التحرر الوطني تحميها القوى السوفياتية الجبارة لن يظهر من جديد إلا بصورة هزلية كما في الصين وكوريا وستغافورة . أما روسيا فلن تصل إلى مستوى هذه الدول شبه الرأسمالية، وليست رأسمالية، إذ ليس هناك من فائض إنتاج يمكن تصديره إلى دولة أخرى دون احتساب لميزان التجارة . لو كان هناك أدنى فرصة لبقاء النظام الرأسمالي لما انتهى في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة حصن الرأسمالية الأخير .

نعود أخيراً إلى نقطة البداية المركزية وهي أنه لن يقوم في روسيا أي نظام اجتماعي مستقر والسبب القاطع في ذلك هو أن البورجوازية الوضيعة هي دائماً ضد النظام الرأسمالي كما ضد الاشتراكية ولا تنتج سبباً من أسباب الحياة وهي لذلك سرعان ما تنهار وتزول لتخلفها دولة العمال غير العنيفة وغير الدكتاتورية
وهنا وفي هذا القام يُستوجب مني القول أن كل أطروحة لا تبدأ من نقد هذا المانيفيستو الشيوعي هي ليست أطروحة ماركسية أو شيوعية على الإطلاق مهمن يكن صاحبها .