إنهيار سوق الأوراق المالية فى الصين : هكذا هي الرأسمالية


شادي الشماوي
2015 / 9 / 18 - 00:26     

إنهيار سوق الأوراق المالية فى الصين : هكذا هي الرأسمالية
جريدة " الثورة " عدد 402 ، 31 أوت 2015
Revolution Newspaper | revcom.us
http://revcom.us/a/402/china-stock-market-plummets-en.html
فى 24 و 25 أوت 2015 ، عرفت سوق الأوراق الماليّة / البورصة بالصين إنهيارا هائلا يعدّ الأكبر خلال الثماني سنوات الأخيرة . و قد أرسل هذا الإنهيار موجات إرتداديّة حول العالم ما جعل أسواق الأوراق المالية فى الولايات المتّحدة و عبر أوروربا و آسيا تسجّل كذلك إنهيارات كبرى . و أبعد من أزمة البورصة هذه ، ثمّة مؤشّرات كبرى على تباطئ كبير و مشاكل أخرى فى الإقتصاد الصيني الذى ان ينمو بأسرع نسق من أي إقتصاد كبير آخر وال العقد الماضى وهو حاليّا ثانى أكبر إقتصاد عالمي ، بعد الولايات المتّحدة .
ما نسمعه فى الأخبار الواردة فى وسائل إعلام الطبقة الحاكمة هو أنّ ما يحدث بالصين نتيجة " الإشتراكية " و أنّ المشكل هو أنّ فى الصين الحكومة تلعب دورا كبيرا أكثر من اللازم فى الإقصاد و أنّها تتدخّل فى السير " الطبيعي " للسوق .
بيد أنّ الصين بلد رأسمالي . و تدخّل الحكومة فى الإقتصاد و ملكيّة الدولة للمصانع و أجزءا أخرى كبيرة من الإقتصاد لا يجعل من المجتمع الصيني مجتمعا إشتراكيّا . فالإقتصاد الرأسمالي يقوم على أشكال مختلفة – فى الصين الإقتصاد منظّم أكثر حول مكاتب الحكومة و وكالاتها و بنوك الدولة فى حين أن فى الولايات المتّحدة ، الإقتصاد أكثر بيد المؤسسات الخاصة . إلاّ أنّ هذه مجرّد إختلافات شكلية .
ينهض الإقتصاد الصيني على نظام يقوده الربح الأقصى – فكلّ رأسمالي أو مجموعة رأسماليين ( مهما كان الشكل ) يتنافسون م الآخرين كي ينمّوا بإستمرار الأرباح من خلال حتّى مزيد الإستغلال بلا رحمة للبشر ، أو يواجهوا الإنهيار .فى ظلّ هذه الديناميكيّة الفوضويّة للتوسّع أو الموت ، لا حساب لحاجيات الشعب و بيئة الأرض ببساطة مصدر للإستغلال الأعمى دون مراعاة مستقبل الكوكب و الحياة عليه . هذا النظام تنهشه تكرارا الأزمة بما يتسبب حتّى ببؤس و عذاب أشدّ للجماهير الشعبيّة .
سوق الوراق الماليّة فى الصين فى أزمة ؛ لكن ما هو هذا السوق ؟
فى مشهد " ما هي الرأسمالية ؟ " من دي فى دي خطاب الثورة ، تحدّث بوب أفاكيان عن هذا الموضوع فقال : " ما الذى يتاجرون فيه فى سوق الأوراق المالية ؟ من أين تأتى الثروة التى يتاجرون فيها عندما يشترون أسهما و سندات من مختلف المؤسّسات ؟ إنهم يتاجرون فى لحمالبشر . إنّهم يتاجرون فى ما يعتصرونه من أولئك الأطفال و من عظامهم المكسّرة تماما و جلدهم الذى يذهب تماما مع الأشياء المصنوعة. هناك تخلق الثروة قبل أن يستحوذ عليها رأس المال و يقول " إنّها لى " . هذا ما يتاجرون فيه فى سوق الأوراق الماليّة . إنّهم يتاجرون فى إستغلال البشر و إهانته عبر العالم قاطبة بما فى ذلك عشرات الملايين بل مئات الملايين من الأطفال . "
إنّ الثروة التى يتاجرون فيها فى البورصة فى الصين تنبع من أرباح الإستغلال الذى يقف وراءه الحكّام الرأسماليّون هناك الذين جلبوا سيلا من الإستثمارات الأجنبيّة بتوفير تكاليف متدنّية وأجور منخفضة . و ما يعنيه هذا بالمعنى الإنساني هو إستعباد ملايين الناس فى مصانع ضخمة يشتغلون 60 و 70 و حتّى 80 ساعة أسبوعيّا فى ظلّ ظروف رهيبة – ما يدفع الشباب إلى الإنتحار فى المصانع التى تتدفّق منها الهواتف الجوّالة إلى السوق العالميّة ، و تستنشق النساء دخان سام فتخسر الجنين أثناء العمل فى خطوط تجميع مصانع الألعاب و تسحق حياة ملايين العبيد المأجورين فى ظلّ الرأسماليّة المدفوعة دفعا بالربح فوق كلّ إعتبار .
إنّ الناس فى حاجة لمعرفة الحقيقة بشأن الثورة الشيوعية . الحقيقة الفعليّة . فى زمن ينهض فيه الناس فى عديد الأماكن عبر العالم بأسره ويبحثون عن مخارج ، يتمّ فسخ هذا البديل من جدول الأعمال . و فى زمن يتألّم فيه أكثر الناس و يثيرون قضايا كبرى بصدد المستقبل ، يتعرّض هذا البديل الشيوعي إلى التشويه و الطعن فيه و التشنيع به و الإفتراء عليه ، بينما لا يوفّر مجال للردّ للمدافعين عنه.
يمثّل التطوّر الرأسمالي القاصم للظهر و الفوضوي فى الصين كابوسا بيئيّا فأكثر مدن العالم تلوّثا توجد بالصين – و يموت أكثر من 1,6 مليون إنسان قبل الأوان كلّ سنة جرّاء تلوّث الهواء و الماء و أشكال أخرى من التلوّث .
و تعنى الرأسمالية و النظرة التى تفرزها و تشجّع عليها الفظائع بالنسبة لنسائ الصين اليوم . و من أسوأ مظاهر هذاأنّ فى الصين الآن تضطرّ ملايين النساء و الكثير منهنّ قادمات من المناطق الريفيّة ، إلى البغاء فى " صناعة الجنس " فى المراكز الصناعية الممتدّة أو فى المراكز التجارية . ويؤدّى قانون الغاب المميّز للرأسمالية إلى إنهيار الإقتصاد و هو شيء لا يمكن التخطيط له تخطيطا عقلانيّا أو على نحو يقوم على الحاجة الإنسانيّة عندما يكون الربح فى مصاف القيادة .
و لم يكن الأمر كذلك دائما فى الصين . فمن 1949 إى 1976 ، كانت الصين مجتمعا إشتراكيا ثوريّا . لقد إفتكّ " معذّبو الأرض " بقيادة ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي السلطة من الإمبرياليين والرجعيين. و قد أرسى المجتمع الثوري إقتصادا لا يعتمد على إملاءات الربح الرأسمالي و إنّما على حاجيات المضطهَدين سابقا و المجتمع ككلّ ، كجزء من النضالالثوري عبر العالم .
لقد أوضح ماو تسى تونغ و شدّد على أنّ ملكيّة الدولة لأهمّ المؤسسات فى الإقتصاد بحدّ ذاتها لا تجعل المجتمع مجتمعا إشتراكيّا . و أنّ القوى البرجوازية الجديدة التى تنهض من التناقضات الباقية صلب المجتمع الإشتراكي و المتركّزة داخل الحزب الشيوعي نفسه ، يمكن أن تستولي على السطة و تعيد تركيز الرأسمالية فى ظلّ الإطار الرسمي . و قد بيّنت الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى ، 1966 إلى 1976 ، أنّ مئات ملايين الناس ساهموا فى النقاش السياسي و فى النضال لمعارضة عودة الصين إلى الرأسمالية . و قد وُجد تغيير تحريري و جذري فى كافة المجالات الإجتماعية من الإقتصاد إلى التعيلم إلى الثقافة إلى الفنون – وهو شيء لم يشهد له مثيل من قبل أبدا فى العالم . لكن إثر وفاة ماو تسى تونغ فى 1976 ، نفّذت قيادات تمثّل الرأسماليين الجدد فى الصين إنقلابا عسكريّا لإيقاف القيادة الثوريّة و لقمع المعارضة قمعا عنيفا . وقد عمل الإنقلابيّون على الإطاحة بالدولة الإشتراكية و إعادة تركيز الرأمالية . و بالتالى ، هناك بقة رأسمالية جديدة تحكم الصين اليوم . و حفاظا على نوع من المصداقيّة ، أبقت على نعت " الشيوعي " إلاّ أنّ كلّ شيء فى المجتمع الصيني اليوم يدفعه المنطق الجنوني للرأسمالية .
هناك الكثير و الكثير للتحليل و الفهم بشأن تداعى سوق الأوراق الماليّة فى الصين و الوضع الإقتصادي العام فى تلك البلاد و كافة تداعياته العالميّة – و كيف سيتطوّر كلّ هذا ليس أمرا محدّدا . بيد أنّه يمكن قول شيء واضح و نهائي هو إنّ ما نشاهده فى الصين راهنا ليس أومة إشتراكية و إنّما هو أزمة رأسمالية .
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
للتعمّق فى نقاش عدّة مواضيع متّصلة بصين ماو تسى تونغ الإشتراكية و صين دنك سياو بينغ الرأسمالية ، نقترح عليكم :
1- باللغة العربية : كتاب شادى الشماوي " الصين الماوية : حقائق و مكاسب و دروس " ( مكتبة الحوار المتمدّن ) .
2- باللغة الأنجليزية : موقع إنترنت
www.thisiscommunism.org
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++