اي نوع من الشيوعية نحتاجه اليوم؟


عادل احمد
2015 / 9 / 13 - 22:13     

ان ما يميز شيوعية ماركس عن بقية الشيوعيات طوال تاريخ المجتمع الرأسمالي هي الحاجة لوجوب التغيير الجذري في كل علاقات المجتمع والانقلاب الكامل على وسائل الانتاج الاجتماعية للمجتمع البرجوازي. ويتم هذا التغيير فقط عن طريق ثورة القوة المنتجة الرئيسية في هذا النظام وهي الطبقة العاملة.
ان طوال تاريخ الرأسمالية هناك انواع واشكال من الحركات والاحزاب تدعوا الى الاشتراكية والعدالة الاجتماعية قبل وبعد ماركس وامتدت حتى يومنا هذا. وانتقد كارل ماركس كل انواع الاشتراكيات غير العمالية في زمنه وحلل اسسها الطبقية والاجتماعية ومصالح ما وراء هذه الانواع من الاشتراكية للطبقات غير العمالية والتي تتسم عادة في احسن احوالها بالتغير الطفيف في المجتمع لصالح الطبقات الحاكمة. بأمكان المرء ان يجد هذه الانتقادات للاشتراكة غير العمالية في كتابات كارل ماركس وفريدرك انجلز "الايدولوجية الالمانية" و"بيان الحزب الشيوعي".
واليوم نجد انواع من الحركات والاحزاب تدعوا الى الاشتراكية في جميع انحاء العالم. ونجد القسم منها يدعي بالماركسية ايضا، ولكن في الحقيقة هم يفرغون الماركسية من محتواها الثوري وهو التغيير الجذري في المجتمع. لنرى ربط كل انواع هذه الحركات بما يسمى بالشيوعية والاشتراكية بالواقع العمالي والتغيير الجذري. لنرى الحلول والبدائل لهذه الحركات والاحزاب حول همجية وبربرية النظام الرأسمالي المعاصر. ان النظام الرأسمالي العالمي الحالي الغارق في الازمة الاقتصادية والسياسية العميقة. من الناحية السياسية نجد بوادر بربريته ووحشيته في صراعاته وتقسيم العالم مجددا بين اقطابه المتصارعة، ونجدها في تدنيس كل القيم الانسانية في اتون صراعاته وفتح اسواقه في المعادلات السياسية العالمية. ونجدها من الناحية الاقتصادية وفي ظل تطور العلم والتكنولوجيا وفي ظل الفيض في انتاج السلع والمواد الغذائية منذ اوائل القرن الواحد والعشرين، ورغم ذلك لا يزال يموت الانسان جوعا ولا تزال الكوارث والامراض تقتل الملايين من البشر يوميا، ولا يزال العامل العبد لا يعيش بغير بيع قوة عمله، ولا يزال مصير ملايين من البشر مرهون بصدقة الاغنياء ومنظماتهم. الم تكن الرأسمالية في اعلى مراحلها البربرية في يومنا هذا؟! الم تكن الرأسمالية قد بينت عفونتها وحقيقتها امام البشرية، وبأنها وصل الى نهايتها ولا تتحمل البشرية اعبائها؟! الم تصل الرأسمالية الى الدرجة التي أصبحت فيها عائقا امام تطور البشرية وطموحاتها الانسانية؟! الم يحن وقت دفن الرأسمالية الى الابد؟!
ان الجميع يعرف هذه الحقائق عن الرأسمالية ومصائبها، ولكن المشكلة تكمن في البديل لانهاء هذه المصائب ولانهاء مشاكل الرأسمالية. ان جميع الحركات الاشتركية والشيوعية في يوما هذا لم تخرج من التحليل فقط للنظام الرأسمالي ومشاكله! لم تخرج بغير تفسير العالم بطرق مختلفة ومتنوعة. وحتى اكثر الشيوعيات راديكالية وثورية لم تخرج من نطاق تفسير للعالم والنظام الرأسمالي.. ان هذا ليس بشيء جديد في الحقيقة، فأن طوال تأريخ الرأسمالية هناك عبقريين كثيرين قاموا بتفسير العالم وحتى أنهم كانوا أكثر صراحة لبيان الحقائق والامور، ولكن هذا ليس مهما ولا يغير من الامور شيئا بتفسيراتهم وتحليلاتهم ولا تتغير حياة مئات الملايين من البشر.. بهذه التفسيرات والتحليلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا يتغير شيء من مسار حركة التاريخ الاجتماعية ابدا.. ان كل هذه الانواع من الشيوعية والاشتراكية لا ربط لها بالشيوعية الماركسية وهي الشيوعية العمالية من اجل تغير العالم الرأسمالي من جذوره.
ان عالم اليوم بحاجة الى شيوعية ماركس، شيوعية التغيير اكثر من اي وقت اخر. وان هذه الشيوعية لا يمكن ايجادها في عقول المفكرين ولا يمكن ايجادها في المدارس والجامعات، ولا في المؤسسات الثقافية والفكرية ولا يمكن ايجادها في الحلقات الثقافية والاحزاب الاصلاحية ولا في في الاحزاب البرجوازية في ثوب الاشتراكية والعمالية و..الخ. وانما تجدها داخل اشتراكية الطبقة العاملة فقط، اي داخل طيف من القادة العماليين الشيوعيين الميدانيين داخل الطبقة العاملة.اي نفس اشتراكية كمونة باريس وثورة اكتوبر. ان اي حركة شيوعية أو حزب شيوعي لا يولد من هذه الموقعية العمالية، واذا لم يولد من اماني وتطلعات القادة الميدانيين لا يصلح تسميته بالشيوعية الماركسية او شوعية الطبقة العاملة. ان اي شيوعية خارجة عن الطبقة لعاملة وافاقها لا تستحق تسميتها بالشيوعية مهما كانت راديكالية وثورية ، لانها لا تقوم بالتغيير العمالي في المجتمع. مهما يكون نفوذ وقوة هذه الاحزاب الشيوعية غير العمالية، فانها لن تستطيع ان تقوم بالتغيير الجذري في المجتمع والتي هي اساس الشيوعية الماركسية.
يجب علينا ان لا نريح ظمائرنا فقط بأن نبقى شيوعيين حتى اخر ايامنا. ان هذه ليس دلائل على شيوعيتنا. وانما يجب ان لا نكون مرتاحين عندما نجد باننا لا يمكن ان نغير العالم بأفق اشتراكي. ويجب ان لا يغفل بالنا لحظة واحدة عن تغيير العالم، ان كل اشتراكيتنا يجب ان تكون من اجل طريق التغيير والا نقع في خانة الاشتراكيين غير العماليين المقتصرين على التفسير والتحليل فقط للوضع الحالي، وانما يجب ان تكون مهمتنا الرئيسية هي في تغييره. ان هذا هي الاشتراكية العمالية وهذا هي الاشتراكية الماركسية وهذه هي الاشتراكية التي نحتاجها اليوم من اجل قلب النظام الرأسمالي وبناء عالم افضل.