اشتراكيتنا .... التي كانت يوما


جاسم محمد كاظم
2015 / 9 / 3 - 13:35     

لا أريد في هذا المقالة من ولوج الكراسات واثبات صحة الفروض والمقدمات وما قال هذا ومقال ذاك واعرف مقدما كلمات النقد المر والتفنيد من الآخرين لكن هذا لا يهمني بشي ..
لأنني سأستعين بواقع معاش لا أكثر نشنا علية يوميا . ولازال ذاك الزمن حلو المذاق في ألسنتنا التي تذوقت مرارة غيرة .
لا يعرف الإنسان طعم الشي إلا حين يفتقده لكنة يبقى أسير الذاكرة التي تأبى التبديل بالآخر بنظام المقارنة حين يختلط عمل المقاييس .
إن الذي يعنينا هنا وجود عالم آخر عشنا على ترابه أثمر كشجرة يانعة وسايرناه من لحظة المولد حتى صرخة الممات .
فالكل يعرف ثروات العراق .حكامه . أنظمته السياسية وعدد سكانه وكم تعاقب علية من الحكام وكيف عاش العراقيون على الكفاف قبل ثورة الزعيم عبد الكريم قاسم بدفق نفط كانت وارداته تنام بسلام في رفوف المصارف الأجنبية بينما كان السكان يفترشون المزابل كما وصفهم الواصفون .
وبالطبع كان النظام الاقتصادي العراقي آنذاك يعتمد على عمل الفلاحين المجاني الشبيه بالسخرة بمقاطعات هائلة مملوكة للإقطاع والأعيان ودفق النفط والنظام الضرائبي الشديد على كل من لدية مهنة .
واحتكرت الإعمال المكتبية ونظام التوظيف والتعليم حصرا بأبناء الأعيان والسلطة وأبناء الشيوخ المتنفذين وأصبحت بعض الكليات مثل الكلية العسكرية وكلية الشرطة والطيران حكرا خاصا لأبناء االذوات والشيوخ ومحرمة نهائيا على أبناء الفقراء من أمثالنا نحن .
لذلك لم يجد أجدادي بدا من أن يزرعوا الأرض بالسخرة للإقطاعي القذر ويعملوا مثل الأقتان .
جدي أبي وأمي لا يعرفون الكتابة والقراءة وفك شفرة الحرف أبدا بقيت أقدامهم خارج أسوار المدارس وخضعوا لقانون العشائر سي الصيت حين منعوا من تغيير أماكن نزولهم و العمل لإقطاعي حقير آخر و إلا لماتوا جوعا .
حتى كان فجر الرابع عشر من تموز الخالد حين تملك الجد قطعة ارض ودخل الأب سلك الجندية متطوعا وأكمل العم دراسة متباعدة ليصبح معلما أشبة بالملك آنذاك بعد أن سنت حكومة الزعيم قاسم أول قوانينها "الاشتراكية" بتعيين العراقيين في مراكز العمل وفق التخطيط المركزي للتعليم والتوظيف وربط التعليم بالعمل والصناعة فكانت المعاهد الفنية والكليات المتخصصة يقابلها على الطرف الآخر المؤسسات التي فتحت أبوابها لإنتاج البضاعة العراقية وبقيت سياسة الدولة تسير على سكة الاشتراكية وان وصفها البعض بالنظام العسكري التوتاليتاري ورأسمالية الدولة التي كانت تعطي ولا تأخذ شيئا .
وخرجنا للوجود في ظل هذه الاشتراكية لم نصدق كل أحاديث الماضي وحكايات الأجداد بوصف عالم نوري سعيد الرأسمالي وحفنة الإقطاع الحقير لأنها شبيهة بأحاديث (الخرافة) لان وجدنا كل شي في دولة احمد حسن البكر ينطق بفم المجانية بدئا بالتعليم من أول مراحله حتى آخر درجاته العلمية بإنسان عراقي مكفول التعليم والنظام الصحي وخدمات بريدية . كهرباء .ماء. نقل ومواد غذائية متوفرة بقيت أسعارها زمنا تقارب اللا شي .
أكملنا التعليم بعد أن غادرنا ارض الريف وبيت الطين نحو بيت الطابوق المنار بالكهرباء وخدمات الماء والصرف الصحي في منتصف السبعينات وبأول سنة تعيين وجدنا رفيقة العمر وحصلنا على قطعة الأرض المجانية التوزيع وسلفه الزواج التي تعادل "عشرين راتب شهري" اسقط في النهاية كل أقساطها أطفالنا المتعاقبين لان قانون المالية العراقي"الاشتراكي " آنذاك يسقط أقساط سلفه الزواج مهما كان حجمها المالي حين يصبح عدد الأطفال أربعة لتكون في النهاية منحة مجانية .
وأصبح الإخوة الأصغر مهندسين اختصاص ووصل الصغير منهم إلى أخصائي القلب والشرايين ولم ندفع فلسا واحدا مقابل كل هذا التعليم .
وصل التعليم العراقي في منتصف السبعينات إلى ثالث ارقي تعليم في العالم وأصبحت كل الخدمات مجانا .
لم نعاني كما عانى الأجداد حتى فقدنا اشتراكيتنا الخالدة بعد أن عاد صدام حسين ببيع مؤسسات القطاع الاشتراكي الصناعية للمتنفذين من جديد وظهور قوانين المساطحة والقطاع الخاص وحرق السوق بظهور طبقة التجار الكبار والمرابين وإلغاء قوانين الخدمات المجانية حتى عرفنا في آخر العمر مكنون صدق حكايات الأجداد وعذابهم بعد دخول "العم سام" ارض العراق وعودة حكومة نوري سعيد الجديدة لتجهز نهائيا على كل قوانين الاشتراكية بعد احتكار كل عوائد النفط لصالح طبقة الحكام .كبار الضباط . المتنفذين وأذيال السلطة من البرجوازية الحقيرة ووقف العمل بكل قانون "اشتراكي" كان يساوي بين العبد والسيد حتى وصلنا إلى نقطة البداية حيث عصر الأجداد العبيد من جديد بعد توقف تعيين الفقير في مؤسسات الدولة التي أصبحت حكرا على المتنفذين وأبناء الأعيان الجدد والشيوخ وتحولت أسعار التعليم نارا حارقة يكتوي بها كل من لدية أبناء يريد لهم أن يكونوا في المستقبل من أصحاب الشهادات حين قتلت الاشتراكية وذبحت بقوانين الاستثمار والرأسمال النقدي القادم لأرض العراق .
أن أثبات صحة فروض النظرية هو ارض الواقع ولا احسب أن دمائنا تكذب واقعها المعاش كما يقول الشاعر .
قد تكذب العينان ... قد يخطى الفمُ
لكنما لن يكذب الدمُ...هذا الدم العرمرمُ

لان كل نبضة فيها كانت دفقه "اشتراكية" وان قال بعض اليساريين إن كل ذلك كان "قشرا اشتراكيا" مما أرادت له أكتوبر الخالدة أن يكون فكيف يكون الحال لو كانت اشتراكية حقيقية علمية واترك لكم الجواب .

//////////////////////////////////////////////////////
جاسم محمد كاظم