- ضريح لينين في موسكو : صنم من - لحم و دم

إبراهيم إستنبولي
2005 / 10 / 19 - 11:21     

تتناقل وسائل الإعلام الروسية في الآونة الأخيرة خبراً حول محاولة بعض الجهات السياسية و الشعبية الروسية الحصول دفع الحكومة على نقل جثمان لينين من الساحة الحمراء و دفنه في التراب كغيره من البشر .. و قد لفت نظري من بين الردود المختلفة حول هذا الموضوع بيان منسوب إلى أوليغ شينين ، رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي !
و قد لفت نظري في البيان بعض العبارات الغريبة على العقل و اللغة السياسية :
1. النظام البرجوازي – البيروقراطي الفاشي ؟ فهذه التسمية تسعى وسائل الإعلام ، الغربية عموماً و الأمريكية خصوصاً ، و بكل الجهود سبغها على نظام الدولة القائم في روسيا حالياً .. و الحمد لك ، أيها التاريخ ، أن التقى الشيوعيون " السوفييت "! مع الأمريكان . في حين لم يكن الأمريكيون يطلقون هذه التسمية على نظام ما بعد غورباتشوف – نظام يلتسين و بيريزوفسكي و تشيرنوميردين .. بل كانوا يهللون لنجاحاتهم الباهرة في نشر " الحرية و الديموقراطية " – حرية نهب الدولة و الشعب و ديموقراطية تحويل الشعب الروسي إلى عبيد . بينما اليوم نجد أن روسيا بوتين ، و بغض النظر عن تحفظات لنا كثيرة على الكثير من عملها و نشاطها ، قد استعادت بعض مقومات الدولة و بعض الهيبة و كثيراً من الاستقرار .. دون أن يعني ذلك أنهم باتوا بألف خير . و لذلك كان الأحرى بالشيوعيين " السوفييت " الحاليين أن لا يطلقوا هكذا توصيفات لا أعتقد أنها ستجذب أحداً من الشارع الروسي إلى صفوفهم ..
2. دفن جثمان .. عبقري البشرية التقدمية ... ؟؟!! قولوا لي بالله عليكم ما الفرق بين أوليغ شينين و بين مصعب الزرقاوي أو جورج بوش ؟ ثم ما هذه البشرية التقدمية ؟ و أين هي ، حينذاك ، البشرية غير التقدمية ؟ ثم من هذا عبقري البشرية كلها ؟ هل هو لينين، الذي قام بأول انقلاب عسكري في القرن العشرين فقطع الطريق بذلك أمام التطور الطبيعي للثورة البرجوازية الديموقراطية في روسيا ؟ أم هو لينين ، الذي تسبب بحرب أهلية كارثية في روسيا أدت إلى قتل مئات آلاف المواطنين و تشريد مئات الآلاف الآخرين و تدمير ما كان قائماً في الاقتصاد و الصناعة و الثقافة ، و كل ذلك في سبيل تحقيق فكرة هوسية مسيطرة على عقله ألا و هي إمكانية بناء الاشتراكية في روسيا على الرغم من مخالفتها لتعاليم ماركس و رغم اعتراض العقلاء من المفكرين الروس بدءاً من بليخانوف و انتهاء بتروتسكي لصالح مجموعة من الرومانسيين الثائرين ؟

و إذا ما نظرنا بشكل موضوعي و عقلاني ، بعيداً عن العاطفة المزمنة لدينا ، فسنجد أن بقاء جثمان لينين ليس سوى حاجة إيمانية " للشيوعيين السلفيين " من أمثال شينين و جماعة قاسيون في سوريا ، حاجة يمكنها أن تعبر عن موقف ديني تجاه الرمز و تجاه الصنم . هذا الصنم ، الذي يكلف الاهتمام به و الحفاظ على " ألقه و نضارته " الدولة الروسية أموالاً هائلة لا أعتقد أنها تتحصل من واردات زوار الضريح بل تكلف دافع الضرائب الروسي الفقير و المثقل مبلغاً معيناً من المال .. ثم ، هل يعقل أن يبقى الشيوعيون يطالبون ببقاء الجثة - الرمز رغم كل ما للغز من معنى في كلمة الجثة سواء من الناحية المعرفية أو الأخلاقية ؟ و طالما أن الشيوعيين كانوا دوماً يبيحون لأنفسهم أن يعتبروا الله و ملائكته سخافة و خرافة حتى و لو كانوا ، الله و ملائكته ، مجرد عناصر في منظومة الإيمان عند البشر " غير التقدميين " حسب شينين أو أمثاله ؟ فإذا كان يحق للشيوعيين إسقاط الله – الرمز بكل جبروته و بكل سطوته على مدى آلاف السنين ، فلماذا يجب على " البشر غير التقدميين " في روسيا أن يؤمنوا بإله شيوعي من " لحم و دم " مشكوك بمدى صلاحية " لحمه و دمه " و أثبت التاريخ عقم ذريته ؟
ثم ، لماذا كل هذا التمسك بالرجل ، و قد مات ثم " عاش " ميتاً أكثر مما عاش حياً ، طالما أن تلامذته النجباء كانوا يلقنوننا صبح مساء أنه كان في حياته يرفض أي تكريم فكيف و الأمر يكاد يلامس ، بل حقاً يلامس التقديس ؟! و هنا أخاف أن أعبّر عن شك يصل حدَّ اليقين بأن اوليغ شينين ، أقول ربما ، يتلقى دعماً ( مالياً ) من قبل جهة ما قد لا تكون بعيدة عن بيريزوفسكي أو عمن يمثلهم بيريزوفسكي أو أمثاله .
أخيراً . إذا كان هناك من تفسير لطريقة تفكير الشيوعيين " السوفييت " الحاليين ، فلا يمكن أن يكون سوى أنهم في طريقهم نحو الانقراض كلياً طبقاً لقانون الاصطفاء العلمي تماماً ، الذي كان يجب عليهم أن يتقنوا قرءاته .. فالبقاء للأقوى ، للأذكى .. و ليس لصنم من لحم و دم .