البورجوازية والثورة المضادة - 3 - 4 كارل ماركس


سعيد العليمى
2015 / 8 / 27 - 00:15     

البورجوازية والثورة المضادة - 3 – 4 كارل ماركس
كولونيا ، 15 ديسمبر . ان نظرية الاتفاق ، التى نشرتها البورجوازية مباشرة عندما احرزت السلطة ممثلة فى وزارة كامبهاوزن بوصفها الاساس " الاعرض " للعقد البروسي الاجتماعى ، لم تكن بأى حال نظرية فارغة ، فعلى النقيض من ذلك فقد نمت على شجرة الحياة " الذهبية " .
لم تقهر ثورة مارس وسيادة الشعب العاهل بفضل الله . كان التاج ، ومعه الدولة المطلقة ، مضطران فحسب للوصول الى اتفاق مع منافسهما القديم .
وقدم التاج الارستقراطية كأضحية للبورجوازية ، وقدمت البورجوازية الشعب كأضحية للتاج . وفى ظل هذه الظروف تصبح الملكية بورجوازية والبورجوازية ملكية .
هاتان القوتان فقط هما اللتان توجدان منذ ثورة مارس . وهما تستغلان بعضهما البعض كنوع من الضوء المرشد ضد الثورة . ودائما ، بالطبع على " اعرض الاسس الديموقراطية " .
وهنا يكمن سر نظرية الاتفاق .
لقد اسعد تجار الزيت والصوف ( 1 ) الذين شكلوا الوزارة الاولى بعد ثورة مارس حماية التاج المفضوح باجنحتهم العامية . وقد كانوا فرحين للغاية بأن باتوا على اتصال بالتاج وبعد ممانعة حفزتهم شهامتهم الخالصة ليهجروا وضعهم الرومانى الصارم ، اى ، الوضع الرومانى للدايت الاقليمى المتحد ، وان يستخدموا جثة شعبيتهم السابقة ليملأوا الهوة التى هددت بأن تبتلع العرش . لقد تباهى كامبهاوزن بأنه كان ( قابلة ) مولد العرش الدستورى . كان الرجل القيم متأثرا بوضوح بما فعله ، أى بشهامته الخاصة .عانى التاج واتباعه معارضين هذه الحماية المذلة وقاموا بزخم من الافعال الرديئة ، آملين فى ان تأتى ايام مقبلة افضل .
كان السيد البورجوازى المهذب قد خدع ببعض المجاملات الكلمات المعسولة من الجيش المتحلل جزئيا ، والبيروقراطية التى ارتعدت من اجل مراكزها واجورها ، والاقطاعيون المذلون ، الذين كان قائدهم منهمكا فى رحلة تعليمية دستورية .
لقد كانت البورجوازية البروسية اسميا فى موضع السيطرة ولم تشك فى لحظة ان سلطات الدولة القديمة قد وضعت نفسها بدون تحفظ تحت تصرفها وانها اصبحت امتدادا لقدرتها الكلية .
كانت البورجوازية قد تسممت بهذا الوهم ليس فقط فى الوزارة وانما على اتساع النظام الملكي .
الم يتصرف الجيش ، والبيروقراطية وحتى امراء الاقطاع بوصفهم شركاء منصاعين ومطيعين فى الافعال البطولية الوحيدة التى انجزتها البورجوازية البروسية بعد ثورة مارس ، اى ، المكائد الدموية غالبا التى قام بها الحرس المدنى ضد البروليتاريا غير المسلحة ؟ الم ينصت حكام المقاطعات الخاضعين والجنرالات الكبار التائبين باعجاب للتحذيرات الابوية الصارمة التى وجهها المستشارون المحليون الى الشعب – الجهود الوحيدة ، الافعال البطولية الوحيدة التى كان هؤلاء المستشارون المحليون ، الممثلون المحليون للبورجوازية ( الذين كان ابتذالهم العبودى الطفيلى قد رد فيما بعد بضربات اتباع وينديشجراتس ويللاشى وولدينس ) قادرون عليها بعد ثورة مارس ؟ هل كان يمكن للبورجوازية البروسية ان تشك بعد هذا ان حقد الجيش السابق ، والبيروقراطية والارستقراطية الاقطاعية قد تحول الى ولاء محترم للبورجوازية ، المنتصر الشهم الذى وضع كابحا على نفسه وعلى الفوضى ؟
من الواضح ان البورجوازية البروسية كان عليها الآن واجب واحد – وهو ان تستقر بارتياح فى السلطة ، وان تتخلص من الفوضويين المزعجين ، وأن تستعيد " القانون والنظام " وان تسترد الارباح التى خسرتها خلال عواصف مارس . لقد بات الامر الآن هو مسألة تخفيض نفقات حكمها الى الحد الادنى فحسب ، ومعها تبعات ثورة مارس التى اتت بها . والم تكن الاسلحة التى كانت البورجوازية البروسية قد اضطرت لطلبها باسم الشعب فى مواجهة المجتمع الاقطاعى والتاج ، مثل حق تشكيل الجمعيات ، وحرية الصحافة ، مقدرا لها ان تكسر فى ايدى شعب مضلل لم يعد بحاجة لاستخدامها للقتال من اجل البورجوازية والذى كشف عن ميل خطير لاستخدامها ضد البورجوازية ؟
لقد كانت البورجوازية مقتنعة بوضوح بأن هناك عقبة واحدة تقف فى طريق اتفاقها مع التاج ، فى صفقتها مع الدولة القديمة ، التى تركت لمصيرها ، وقد كانت هذه العقبة هى الشعب – قوى لكنه رفيق حقود ( 2 ) ، كما يقول هوبز .
الشعب والثورة !
كانت الثورة هى الحق الشرعى للشعب ، وكانت دعاوى الشعب المتقدة مؤسسة على الثورة . لقد كانت الثورة هى الكمبيالة التى سحبها الشعب على البورجوازية . لقد اتت البورجوازية للسلطة من خلال الثورة . وكان اليوم الذى اتت فيه الى السلطة هو موعد استحقاق الكمبيالة . وكان على البورجوازية ان ترفض دفعها .
لقد عنت الثورة عند الشعب : انتم ، ايها البورجوازيون ، تمثلون لجنة السلامة العامة التى عهدنا لها بالحكم حتى تدافعوا عن مصالحنا ، مصالح الشعب ، فى مواجهة التاج ، ولكن ليس من اجل ان تتوصلوا لاتفاق مع التاج دفاعا عن مصالحكم الخاصة .
لقد كانت الثورة هى احتجاج الشعب ضد الاتفاق بين البورجوازية والتاج . ومن ثم كان على البورجوازية التى كانت تسعى لاتفاقات مع التاج ان تحتج ضد الثورة .
وقد تم هذا فى ظل كامبهاوزن العظيم . لم يعترف بثورة مارس . جعل الممثلون القوميون فى برلين من انفسهم ممثلى البورجوازية البروسية ، جمعية مساومين ، برفض اجراء الاعتراف بثورة مارس .
لقد سعت الجمعية لتفكيك ماسبق عمله . فأعلنت للشعب البروسي بصخب ان الشعب لم يتوصل لاتفاق مع البورجوازية لعمل ثورة ضد التاج ، وانما كان هدف الثورة هو تحقيق اتفاق بين التاج والبورجوازية ضد الشعب ! وهكذ قضى على الحق الشرعى للشعب الثورى وتأمن اساس قانونى للبورجوازية المحافظة .
الاساس القانونى !
بروجمان ، ومن خلاله جريدة كولونيا ، انقسمت ، اخترفت ، وتأوهت كثيرا على " الاساس القانونى " ولطالما فقدت واستعادت هذا " الاساس القانونى " المثقوب ورتقته وتقاذفته من برلين الى فرانكفورت ومن فرانكفورت الى برلين ، ضيقته ووسعته ، وحولت الاساس البسيط الى ارضية مزخرفة والارضية المزخرفة الى قاع زائف ( وهو كما نعلم ، الاداة الرئيسية للقيام بشعوذات ، والقاع الزائف الى باب سحرى لاقاع له ، الى الحد الذى تحول فيه الاساس القانونى لقراءنا فى النهاية الى اساس جريدة كولونيا ، وهكذا يمكن ان يخلطوا لهجة البورجوازية البروسية مع اللهجة الخاصة للسيد جوزيف دومونت ، وهو اختراع ضرورى للتاريخ العالمى البروسي تلوكه بشكل اعتباطى جريدة كولونيا ، وتعتبر الاساس القانونى ببساطة وكأنه هو الذى قامت عليه جريدة كولونيا .
الاساس القانونى ، اى ، الاساس القانونى البروسي !
والاساس القانونى الذى استند اليه كامبهاوزن ، بطل المناظرة العظيمة ، الشبح المنبعث من الدايت الاقليمى المتحد وجمعية المساومين ، تحرك بعد ثورة مارس – هل هو القانون الدستورى لعام 1815 ( 3 ) او قانون 1820 الخاص بالدايت الاقليمى ( 4 ) ام مرسوم عام 1847 ( 5 ) ام قانون الانتخاب والاتفاقيات الصادر فى 8 ابريل لعام 1848 . ( 6 )
لاشئ من هذه .
لقد عنى " الاساس القانونى " ان الثورة اخفقت فى تحقيق ارض صلبة وأن المجتمع القديم لم يفقد ارضه ، وأن ثورة مارس كانت " حدثا " مارس تأثيره بوصفه "حافزا " فحسب لانجاز اتفاق بين العرش والبورجوازية ، وهو ماجرى الاعداد له طويلا داخل الدولة البروسية القديمة ، والحاجة التى عبر عنها العرش نفسه فى مراسيمه ، غير انه لم يعتبرها "ملحة " قبل مارس . لقد عنى " الاساس القانونى " باختصار ، ان البورجوازية ارادت بعد ثورة مارس ان تفاوض العرش على قدم المساواة كما كان الحال قبل احداث مارس ، كما لو أن ثورة لم تحدث وان الدايت الاقليمى المتحد قد حقق غرضه بدون ثورة . عنى الاساس القانونى ان الثورة ، الحق الشرعى للشعب ، قد تم تجاهله فى العقد الاجتماعى بين الحكومة والبورجوازية . لقد استنبطت البورجوازية دعاواها من التشريع البروسى القديم حتى لايستنبط الشعب اى دعاوى من الثورة البروسية الجديدة .
ومن الطبيعى ، ان تمرر بلاهات البورجوازية الايديولوجية ، وصحفييها ، ومن ماثلهم ، هذه المصالح البورجوازية المخففة بوصفها المصالح الحقيقية للبورجوازية ، ويغوون انفسهم والاخرين باعتقاد ذلك . وقد اكتسبت الجملة التى دارت حول الاساس القانونى جوهرا حقيقيا فى عقل بروجمان .
لقد انجزت حكومة كامبهاوزن مهمتها ، مهمة ان تكون رابطا وسيطا ومرحلة انتقالية . لقد كانت الرابط الوسيط بين البورجوازية التى نهضت على اكتاف الشعب والبورجوازية التى لم تعد تتطلب اكتاف الشعب ، بين البورجوازية التى مثلت بوضوح الشعب فى مواجهة التاج والبورجوازية التى مثلت واقعيا التاج فى مواجهة الشعب ، بين البورجوازية المنبثقة من الثورة والبورجوازية التى انبثقت بوصفها جوهر الثورة .
قصرت حكومة كامبهاوزن نفسها بحياء على المقاومة السلبية ضد الثورة حتى تتسق مع دورها بانسجام .
ورغم انها رفضت الثورة نظريا ، الا انها فى المارسة قاومت تعدياتها فقط وتسامحت فقط مع اعادة تأسيس السلطات السياسية القديمة .
لقد اعتقدت البورجوازية فى نفس الوقت انها قد بلغت الحد الذى كان فيه على المقاومة السلبية ان تتحول الى هجوم ايجابى . وقد استقالت حكومة كامبهاوزن لا لأنها ارتكبت خطأ فادحا او آخر ، وانما ببساطة لانها كانت اول وزارة تلت ثورة مارس ، لانها كانت وزارة ثورة مارس وبسبب اصلها كان عليها ان تخفى انها مثلت البورجوازية تحت رداء ديكتاتورية الشعب . ان بداياتها الملتبسة وطابعها الغامض مايزال يفرض عليها بعض المواثيق ، والقيود والاعتبارات بصدد سيادة الشعب التى كانت مضجرة بالنسبة للبورجوازية ، وقد كان لوزارة ثانية نابعة مباشرة من جمعية المساومين الا تحسب لها حسابا بعد ذلك .
لذلك حيرت استقالتها سياسيي الغرف . وقد تلتها حكومة هانسمان ، حكومة الاعمال ، حيث نوت البورجوازية ان تنطلق من الفترة التى خدعت فيها الشعب لصالح التاج الى فترة الاخضاع الايجابى للشعب لحكمها بالاتفاق مع التاج . لقد كانت حكومة الاعمال هى الحكومة الثانية بعد ثورة مارس ، وقد كان هذا هو كامل سرها .
هوامش :
1 – اشارة الى كامبهاوزن الذى تاجر قبلا فى الزيت والذرة والى هانسمان الذى بدأ كتاجر صوف .
2 – مقتطف معدل عن مقدمة توماس هوبز لكتاب المواطن .
3- مرسوم حول تأسيس هيئة تمثيلية قومية صدر فى 22 مايو ، 1815 . وقد وعد الملك فيه باقامة دايتات اقليمية ، وان يدعوا للانعقاد هيئة لكل ممثلى بروسيا ، واصدار دستور . ولكن دايتات اقليمية ذات وظائف استشارية محدودة قد انشئت وفق قانون صدر فى 5 يونيو ، 1823 .
4 – فى ظل قانون الدين القومى الصادر فى 17 ، 1820 لابد من موافقة الدايتالاقليمى على قروض الدولة .
5 - دعا مرسوم 3 فبراير 1847 لانعقاد دايت اقليمى متحد .
6 – القانون الانتخابى الصادر فى 8 ابريل 1848 .ِِِِِ
المصدر : الجريدة الراينانية الجديدة ، العدد 170 ، ديسمبر 1848 . ارشيف ماركسيست اورج على النت . ِ