بوخارين..كوبا/الهرطوقي الرجيم والمفتش الاعظم!!!(10-12)


ماجد الشمري
2015 / 8 / 25 - 20:11     

"لايوجد طريق للاشتراكية الا عبر الديمقراطية والحرية السياسية"
- لينين-

"ستالين رجل دولة من الطراز الشرقي الآسيوي"
-ن.بيرديايف-



ارتفعت حدة الجدل وتبادل وتراشق الاتهامات بين بوخارين وستالين.بعد ان ابدى بوخارين ومعه ريكوف وتومسكي،موقفا معارضا لنهج ستالين المتصلب والمتسلط داخل المكتب السياسي.فلم تكن تلك الزمرة"يمينية"كما نعتها ستالين لاحقا!.بل كانت مجموعة رصينة من قادة الحزب.لها رؤى ووجهات نظر خاصة ومختلفة،واكثر ميلا للاعتدال والوسطية،وتفهما واقعيا للمسألة الزراعية،وبالضد مما كان يصر عليه ستالين.ومثلما اتهم ستالين تروتسكي بأنه عدوا للموجيك،في فترة صراعهما.كذلك ايضا اعتبر بوخارين عدوا للبروليتاريا،لتمرير خطته الجماعية.
وكان هذا ديدن ستالين المتأرجح يمينا ويسارا!والمتذبذب تبعا لميزان القوى والتحالفات.
فستالين لم يكن لاماركسيا ولا حتى لينينيا!ماكان يحركه هو ارادويته وبرغماتيته الفاقعة،ورغباته ومصلحته في السيطرة على الحزب!.
في يوم28ايار(مايو)1928اختير بوخارين عضوا بالمجمع العلمي،ليصبح اول قائد حزبي ينال تلك العضوية وذلك اللقب.وفي تلك المناسبة القى ستالين كلمة في الاكاديمية الحمراء،والتي سعى من خلالها لهز مكانة بوخارين،واظهار قصوره التظري،والتشكيك بدوره الفكري الفاعل،والغمز عليه ك"نصير للكولاك"في طروحاته بشأن الفلاحين.فقد وجه نقدا لاذعا ومتحاملا،وبشكل غير مباشر،الا ان الجميع ادرك ببساطة:من هو المقصود بتلك الانتقادات وذاك والهجاء!.
فقد قال:"هناك اشخاص يرون حل المشكلة_يقصد الزراعية،م.ا_في العودة الى الوراء،والاعتماد على مزارع الكولاك،في تطويرها ونشرها،هولاء الاشخاص يعتقدون ان السلطة السوفيتية يكنها الارتكاز على طبقتين متناقضتين،في الوقت نفسه،هما طبقة الكولاك وطبقة العمال".وقال ايضا:"يعتبر البعض ان حركة انشاء الكولخوزات تتعارض مع انشاء التعاونيات.لاحاجة لنا للتأكيد ان هذا الاعتقاد لاعلاقة له بالحقيقة".-وطبعا هذا فهم فج وسطحي للمسألة!-.
ومن جانبه كان بوخارين يوجه نقده الشديد لتلك الاساليب الادارية البيروقراطية(الامرية)في تسيير الاقتصاد.وايضا بشكل غير مباشر ودون تحديد المقصود بالاسم.
كان المنظر الاول في المكتب السياسي_بوخارين_يكرر دائما وبألحاح:انه لايمكن لعملية التصنيع الثقيل ان تنجح وتتطور مادام الاقتصاد الزراعي متخلفا.ولا يجوز قطعا اسلوب الضغط القسري،والاجراءات الامرية الاكراهية في عملية التسريع في انشاء واقامة الكولخوزات بأي شكل من الاشكال_وهذه هي رؤية لينين لانشاء التعاونيات_.
لاحقا وبعد مضي ستالين في مشروعه الاكثر عنفا وقسوة،والذي دفع فيه الفلاحون ثمنا باهضا من اجل التصنيع السريع،مزيدا من الدم والدموع!.
في بداية عام1928 لم تكن قضية الصراع الايديولوجي والسياسي بين بوخارين وستالين بذلك الوضوح والحسم لارجحية ونتائج ذلك الصراع.
فمن جهة يقف ستالين واتباعه المؤيدون الخانعون:مولوتوف،وفورشيلوف،وكاغانوفيتش.وعلى الجانب الاخر كان يصطف مع بوخارين كل من:ريكوف،وتومسكي.اما :كويبشيف،وكالينين،وميكويان،ورودزوتاك.فكانوا يقفون في الوسط،مترددين،ويبذلون جهدا للتوفيق بين زعيمي المكتب السياسي المتنافرين والمتصارعين!.وكان انتصار احدهما على الاخر في تلك المعركة هو مسألة وقت لااكثر.
وكالعادة،ولتمرس ستالين من تجاربه السابقة،وخبرته التي اكتسبها من صراعاته مع:تروتسكي،وزينوفييف،وكامينيف.كان هوالاخبث والادهى والاقوى،خاصة في معارك القصر القذرة،وباعه الطويل في حبك الدسائس والتآمر خلف الكواليس وبعيدا عن الانظار!!.وكان انتصار ستالين حتميا،بعد ان رفضت اللجنة المركزية،ولجنة المراقبة للحزب في اجتماعاتها في نيسان(ابريل)وتموز(يوليو)وتشرين الثاني(نوفمبر)عام1928 وبتأثير وحشد من قبل ستالين!منهج بوخارين المرن لحل المسألة الزراعية الاكثر تعقيدا.
فقد رمى ستالين بثقله مستميتا في محاولته لجعل خطه هو الاكثر قبولا وترحيبا في تعميم الاقتصاد الزراعي،والسير قدما في "الجماعية"درب الآلام!.وجعله متطابقا مع مباديء"شيوعية الحرب"او الشيوعية العسكرية،بعودة الى الوراء!!._تلك السياسة الاقتصادية التي مورست وطبقت من قبل الحكومة البلشفية اثناء الحرب الاهلية1918-1920والتي اعتمدت على تعميم وسائل الانتاج الزراعية والصناعية والتي اجبر فيها الفلاحون على تسليم محاصيلهم كلها الى الدولة،م.ا_ولكن شتان مابينعام1918 وعام1929وما كان صالحا بالامس لايعني انه يلائم اليوم!وتلك كانت واحدة من مظاهر التعفن البيروقرطي المميتة!.
كان بوخارين وكما ذكرنا من قبل،والذي رفضت خطته من قبل الحزب،يرى ان الاصلاح الزراعي الصبور والطويل الامد هو الاسلوب الصائب كمنهج اقتصادي واقعي يجب اعتماده.فبعد-لاقبل-ان تثبت التعاونيات الزراعية الكبرى جدارتها وكفاءتها كمشروع ناجح،عند ذلك فقط يمكن ان تحل محل المزارع الفردية بالتدريج والقبول الطوعي والاقتناع من قبل الفلاحين.
كان نضال بوخارين ضد الظلم والتعسف الذي حاق بملايين الفلاحين نتيجة حملة ستالين المسعورة في قسريتها وتدابيرها البيروقراطية،موقفا مطلوبا وضروريا سياسيا واخلاقيا.وبرفض ستالين لخطة بوخارين ،والشروع في تكريس خطه،حل زمن الارهاب والتنكيل والعذاب،والذي جاوز بكارثيته احداث عام1937-1938
ويبقى العنف مدانا وجريمة بكل اشكاله بحق الانسان.وحتى العنف الثوري غير المبرر او المستساغ وغير مقبول الا في حدوده الدنيا التي تفرضها الضرورة القصوى والقاهرة.
منحت عملية"سحق الكولاك"لستالين ثقة مفرطة بنفسه وارادته وسيطرته وارتقى سلم القداسة!فقد فتحت له ابواب الديكاتورية والاستبداد على مصراعيها!.ولم يعد يعرف التردد او التوقف في قمع وسحق كل من يقف او يعترض طريقه،فقد بلغ مرتبة العصمة كمفتش اكبر ضد جميع الهراطقة!!.
وهذا هو الحال الذي ساد في حقبة الاخ الكبير وخلفاءه من بعده.
وبدلا من انشاء التعاونيات الزراعية على اسس طوعية نابعة من القناعة والفهم والقبول،وابقاء حق الاختيار لنوع الملكية للفلاحين مفتوحا،حل استبداد ستالين ولجنته المركزية الكاريكاتورية الخاضعة له بالكامل!.فهو الذي يقرر كل شيء دون اعتراض او نقد،واتباعه من الجلاوزة هم المنفذون!.
وما عاد الفلاح(السوفيتي)سوى قنا جديدا او عبدا في مزرعة تابعة لدولة بيروقراطية!كما هو حال العامل المستغل ببشاعة داخل المصنع والمنجم!!وجرى امتصاص عرق ودم العمال والفلاحين من صنم التراكم الرأسمالي(الاشتراكي)!!. فلم يعد الكولخوز تعاونية بأدارة وملكية الفلاح،وهو من يقرر مصيرها وشؤونها بنفسه!.وكذلك حال الطبقة العاملة!.
وطبقة الفلاحين كانت واحدة من ضحايا (القيصر الجديد)فهم تلقوا اعنف واشرس واسوء الضربات،والتي تركت آثارا لم ولن تمحى حتى بعد انهيار دولة السوفييت البائسة..
وهكذا:الغيت "السياسة الاقتصادية الجديدة"ذات الافق الواعد،والتي وضع اسسها لينين الخالد كنهج وسياسة اقتصادية تمتد لعقود كما افترض.
وايضا غاب الاعتدال والواقعية والاقناع والتدرج في سياسة وقيادة المكتب السياسي،وفرضت التشاركية بالاكراه،كسوق الناس من قبل الكهنوت الى الجنة بالسلاسل!!وايضا اندثرت القيادة الجماعية للحزب وتداول الاراء المختلفة،والديمقراطية في اشراك العمال والفلاحين في اتخاذ القرارات والادارة الذاتية ،وبناء المجتمع الجديد بسلطة السوفييت حقا لاشكلا!
وهكذا صنع الوليد الجديد:الاخ الاكبر والمفتش الاعظم والاوحد ولوياثانه المرعب!!!.
.................................................................................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...