البورجوازية والثورة المضادة - 2 - 4 كارل ماركس


سعيد العليمى
2015 / 8 / 25 - 05:19     

البورجوازية والثورة المضادة - 2 – 4 كارل ماركس
كولونيا ، 11 ديسمبر . حينما انحسر فيضان مارس – وهو فيضان مصغر – لم يترك على سطح برلين اطفالا عباقرة ، ولاعمالقة ثوريين ، وانما مخلوقات تقليدية ، اغلظ الشخصيات البورجوازية – ليبراليوا الدايت الاقليمى المتحد ، ممثلوا البورجوازية البروسية الواعية . لقد وفد الممثلون الرئيسيون للوزارات الجديدة من اقليم الراين وسيليزيا ، وهى الولايات التى تمثل البورجوازية الاشد تقدما . وقد تبعهم طابور كامل من المحامين . وبمجرد ان ازيحت البورجوازية خلفا من قبل الارستقراطية الاقطاعية حلت محل اقليم الراين وسيليزيا فى الوزارات الولايات البروسية القديمة . و تقوم الصلة الوحيدة لوزارة براندنبورج مع اقليم الراين من خلال البرفلد تورى بمفرده . ويمثل هانسمان وفون درهيدت ! اى هذان الاسمان الفارق الكامل بين مارس وديسمبر 1848 بالنسبة للبورجوازية البروسية .
لقد بلغت البورجوازية البروسية الذروة السياسية ، لامن خلال صفقة سلمية مع التاج ، كما رغبت ، وانما نتيجة للثورة . وكان عليها الا تدافع عن مصالحها الخاصة ، وانما عن مصالح الشعب – لأن الحركة الشعبية هى التى مهدت الطريق للبورجوازية – ضد التاج ، بمعنى آخر ، ضد نفسها . ولأن البورجوازية قد اعتبرت التاج ببساطة ستارا بعثته النعمة الالهية ، ستارا كان عليه ان يخفى مصالحها الدنيوية ، فقد كانت حرمة مصالحها الخاصة والاشكال السياسية الملائمة لهذه المصالح وقد جرى التعبير عنها فى لغة دستورية ، هى حرمة التاج . من هنا تأتى حماس البورجوازية الالمانية للملكية الدستورية . ورغم ان ثورة فبراير بكل اصداءها فى المانيا قد رحبت بها البورجوازية البروسية ، لأن الثورة قد وضعت ادارة الدولة فى يدها ، فانها ايضا عاكست خطط البورجوازية ، لأن حكمها كان مقيدا بشروط لاتمثل ارادتها كما انها كانت غير قادرة على انجازها .
لم ترفع البورجوازية اصبعا ، غايته انها سمحت للشعب ان يقاتل من اجلها . لذا فإن الحكم الذى دعيت لممارسته لم يكن حكم قائد هزم خصمه ، وانما حكم لجنة للسلامة العامة عهد اليها الشعب المنتصر بحماية مصالحه .
كان كامبهاوزن مايزال مدركا بوضوح هذا الوضع المحرج ، ويرجع ضعف وزراته بشكل كامل لهذا الشعور والظروف التى انتجته . حتى اشد افعال حكومته عارا قد صبغت من ثم بنوع من حمرة الخجل . اما عدم الحياء المكشوف والغطرسة فقد كانت مميزات هانسمان ، والبشرة الحمراء هى كل مايميز هذين الفنانين الواحد عن الآخر .
ولايجب ان نخلط ثورة مارس فى بروسيا مع اى من الثورة الانجليزية لعام 1648 او مع الثورة الفرنسية لعام 1789 .
لقد تحالفت البورجوازية عام 1648 مع الارستقراطية الحديثة ضد الملكية ، والارستقراطية الاقطاعية والكنيسة القائمة .
وتحالفت البورجوازية عام 1789 مع الشعب ضد الملكية ، والارستقراطية والكنيسة القائمة .
ان نموذج ثورة 1789 ( على الاقل فى اوروبا ) مثلته فقط ثورة 1648 ، ونموذج ثورة 1648 مثلته ثورة هولندا ضد الاسبان . ( 1 ) والثورتان معا تقدمتا بقرن على نموذجهما ليس فقط فى الزمان وانما ايضا فى المضمون .
وفى الثورتين جميعا كانت البورجوازية هى الطبقة التى تزعمت الحركة . ولم تكن البروليتاريا والشريحة غير البورجوازية من الطبقة الوسطى قد طورت مصالح متمايزة عن مصالح البورجوازية او انهما لم تشكلا بعد طبقات مستقلة او اقساما من طبقات . وعلى ذلك ، حيثما عارضوا البورجوازية ، كما فعلوا فى فرنسا عام 1793 و 1794 ، فقد قاتلوا لتحقيق اهداف البورجوازية ، وان يكن بطريقة غير بورجوازية . لقد كان الارهاب الفرنسي بكامله بمثابة طريقة عامية فى التعامل مع اعداء البورجوازية ، الحكم المطلق ، الاقطاع و مايمثل القديم .
لم تكن ثورتى 1648 و1789 ثورتان انجليزية وفرنسية ، لقد كانتا ثورتان على الطراز الاوروبى . وهما لم تمثلا انتصار طبقة اجتماعية خاصة على النظام السياسي القديم ، لقد اعلنتا النظام السياسي للمجتمع الاروبى الجديد . لقد انتصرت البورجوازية فى هاتين الثورتين ، ولكن كان انتصار البورجوازية فى هذا الزمان انتصارا لنظام اجتماعى جديد ، انتصار الملكية البورجوازية على الملكية الاقطاعية ، للقومية على الاقليمية ، للمنافسة على الطائفة الحرفية ، للتقسيم ( فيما يخص الارض ) على حق البكورة ، لحكم مالك الارض على هيمنة المالك بواسطة الارض ، للتنوير على الخرافة ، وللعائلة على اسم العائلة ، وللصناعة على الكسل البطولى ، وللقانون البورجوازى على امتيازات القرون الوسطى . لقد كانت ثورة 1648 انتصارا للقرن السابع عشر على القرن السادس عشر ، كما كان انتصار ثورة 1789 انتصار القرن الثامن عشر على القرن السابع عشر . لقد عكست هاتان الثورتان احتياجات العالم فى هذا الزمان وليس احتياجات تلك الاقسام من العالم التى جرت فيها ، اى انجلترا وفرنسا .
لم يكن هناك شئ من ذلك فى ثورة مارس البروسية .
لقد ازالت ثورة فبراير الملكية الدستورية من الناحية الفعلية غير انها ازالت حكم البورجوازية من الناحية الاسمية . لقد كان يتعين على ثورة مارس البروسية ان تؤسس اسميا الملكية الدستورية وتؤسس فعليا حكم البورجوازية . لقد كانت ابعد من ان تكون ثورة اوروبية ، غير انها مثلت صدى ضعيفا لثورة اوروبية فى بلد متخلف . وبدلا من ان تكون متقدمة قرنا من الزمان ، فقد كانت متأخرة نصف قرن عن زمنها . لقد كانت منذ البداية الاولى ظاهرة ثانوية ، ومن المعروف ان الامراض الثانوية اصعب فى الشفاء ، ويمكن لها ان تسبب اضرارا اشد مما يمكن ان تسببه الامراض الاولية . لم تكن المسألة مسألة تأسيس مجتمع جديد ، وانما بعث مجتمع فى برلين كانت قد انتهت صلاحيته فى باريس . لم تكن ثورة مارس البروسية حتى ثورة قومية المانية ، لقد كانت منذ البداية ثورة اقليمية بروسية . فى فيينا ، كاسل ، ميونيخ وفى مدن اقليمية متنوعة جرت انتفاضات اقليمية بموزاتها ونافستها .
بينما احرزت ثورتا عام 1648 و 1789 ثقة فى الذات لاحدود لها انطلاقا من معرفة انهما كانتا تقودان الكوكب ، فقد كان طموح ( ثورة ) برلين لعام 1848 ينطوى على مفارقة تاريخية . كان ضوءها مثل ضوء النجوم التى تصلنا ، نحن سكان الارض ، فقط بعد ان تكون الاجسام التى انبثق عنها قد همدت منذ مئات الاف الاعوام . كانت ثورة مارس فى بروسيا ، على نطاق ضيق – مثلما فعلت كل شئ على نطاق ضيق – هذا النجم بالنسبة لاوروبا . لقد كان ضوءها ضوء جسم اجتماعى تحلل منذ زمن بعيد .
لقد تطورت البورجوازية الالمانية بشكل غاية فى البلادة ، بجبن وببطء حتى انها فى اللحظة التى واجهت فيها الاقطاع والحكم المطلق متوعدة اثارت ضدها البروليتاريا المعرضة للخطر ومعها كل اقسام الطبقة الوسطى التى ارتبطت مصالحها وافكارها بمصالح وافكار البروليتاريا . لم تجد البورجوازية الالمانية طبقة واحدة فقط خلفها ، ولكنها وجدت كل اوروبا تواجهها بعداوة . وبخلاف البورجوازية الفرنسية فى عام 1789 ، لم تكن البورجوازية البروسية ، حينما واجهت الملكية والارستقراطية ، ممثلتى المجتمع القديم ، طبقة تتحدث لصالح كل المجتمع الحديث . لقد اختزلت الى نوع من طائفة متميزة بوضوح عن التاج بقدر ماهى متميزة عن الشعب ، مع ميل قوى لمعارضة الخصمين ومترددة ازاء كل منهما منفردين لانها رأتهما دائما اما فى مقدمتها او خلفها . وكانت تميل منذ البداية لأن تخون الشعب وان تساوم مع الممثلين المتوجين للمجتمع القديم ، وقد جعلت انتماءها بالفعل للمجتمع القديم ، وهى لم تدفع قدما مصالح مجتمع جديد ضد المجتمع القديم ، وانما قدمت مصالح مجددة داخل مجتمع عتيق . ولم تتولى قيادة الثورة لأن الشعب قد اصطف وراءها وانما لأن الشعب قد ساقها امامه ، لقد تصدرت لانها مثلت فحسب حقد حقبة اجتماعية قديمة وليس مبادرات حقبة جديدة . طبقة من الدولة القديمة اخفقت ان تنجز وتحقق ، القى بها على سطح الدولة الجديدة بقوة الزلزال ، بدون ثقة فى نفسها ، وبدون ثقة فى الشعب ، تتذمر من هؤلاء الذين فوق ، مرتعبة من هؤلاء الذين تحت ، انانية ازاءهما ومدركة لأنانيتها ، ثورية بالقياس الى المحافظين ومحافظة بالقياس الى الثوريين . وهى لم تثق فى شعاراتها الخاصة ، واستخدمت الفاظا بدلا من ان تستخدم افكارا ، وارتعبت من عاصفة العالم واستغلتها من اجل غاياتها الخاصة ،ولم تبد اية طاقة فى اى مكان ، غير انها لجأت للانتحال فى كل مكان ، لقد كانت مبتذلة لانها غير اصيلة ، لكنها اصيلة فى ابتذالها ، تساوم على مطالبها الخاصة ، تفتقر للمبادرة ، وبدون ثقة فى نفسها ، بدون ثقة فى الشعب ، وليست لها مهمة تاريخية ، مخرفة بغيضة تجد نفسها منذورة لأن تقود وتضلل النبض الفتى الاول لشعب قوى، وهكذا تجعله يخدم مصالحها الخرفة الخاصة – بدون عين ، بدون اذن ، بدون اسنان – بدون اى شئ – هكذا كانت البورجوازية الروسية التى وجدت نفسها فى قيادة الدولة البروسية بعد ثورة مارس .
(1 ) اشارة الى الثورة التى حدثت فى هولندا من 1566 الى 1609 .
المصدر : الجريدة الراينانية الجديدة ، العدد 169 ، ديسمبر 1848 . ارشيف ماركسيست اورج على النت . ِ