بوخارين..كوبا/الهرطوقي الرجيم والمفتش الاعظم!!!(9-12)


ماجد الشمري
2015 / 8 / 18 - 21:54     

"من بين رسل المسيح الاثني عشر،كان يهوذا الخائن الوحيد.لكن لو انه استولى على السلطة،لاعلن الاحد عشر رسولا خونه،ومعهم الرسل الاقل اهمية وهم وفقا للوقا سبعون".
-تروتسكي-


من المناسب ان نذكر،ان نخبة الحزب ونواته القيادية بعد موت لينين،كانت تضم كل من:تروتسكي،وزينوفييف،وكامينيف،وسفردلوف ،وبياتاكوف،وبوخارين،ودزيرجنسكي،وكالينين،وسيملغا،واورجينكيدزه،وفرونزه،وبتروفسكي،وتومسكي،ورادك،وكويبيشيف،ومولوتوف،وستالين.وكان لكل واحد من هؤلاء،شخصيته المتفردة،وتاريخه الثوري،واخلاقه،وآرائه ورؤيته الخاصة،وتباين مستوياتهم الفكرية والسياسية.فقد قضى اكثر من نصفهم،سنوات عديدة في المنفى خارج روسيا،وشارك قسم كبير منهم في اغلب الاجتماعات والمؤتمرات والكونفرنسات الاشتراكية،والاشتراكية الديمقراطية،وغيرها من نشاطات سياسية وتنظيمية وفكرية اخرى.ستالين من بينهم هو الوحيد الذي لم يكن جزءا من تلك الفعاليات،او مشاركا بتلك الممارسات في الخارج.في حين كان بوخارين واحدا من تلك النخبة اللامعةالتي تصدرت قيادات الحزب في المنفى._في عام1924 وبعد وفاة لينين،نشر تروتسكي مقالا عن القائد الراحل،تضمن حوارا دار بينهما:"هل تعتقد_سألني فلاديمير اليتش ذات مرة بعد25اكتوبربقليل_اننا اذا قتلنا،ان سفردلوف وبوخارين يستطيعان تدبر الامور؟اجبته مبتسما_لن نقتل"ان شاء الله".قال لينين ضاحكا_ومن يعلم"_(لم يذكر لينين ضمن خلفائه المحتملين في حالة تعرضه للقتل هو وتروتسكي،لاستالين ولاغيره!!بل ذكر سفردلوف وبوخارين وهذا له دلالة لافتة،فقد كان لينين يعول كثيرا على بوخارين كبلشفي كفء ومتميز).والاكثر من ذلك ،كان بوخارين واحدا من اولئك القيادين الستة الذين ذكرهم لينين في رسالته الاخيرة الى المؤتمر،وهم كل من:تروتسكي،وبوخارين،وبياتاكوف،وزينوفييف،وكامينيف،وستالين.ومن المعروف انه تمت تصفية خمسة من قبل سادسهم_وليس ذلك صدفة!_السادس الذي حذر منه لينين وطالب بتنحيته من منصب الامانة العامة للحزب،وهو جنكيز خان البلاشفة!ستالين لاغيره!.
في تلك الرسالة وصف لينين بوخارين قائلا:بوخارين ليس فقط اكبرواثمن منظر للحزب،فهو يعتبر كذلك بحق_محبوب الحزب كله_ولكن آراءه النظرية يمكن التشكيك بماركسيتها،فهي تتميز بشيء من"السكولاستية"(هو لم يدرس ابدا،واعتقد انه لم يفهم جوهر الديالكتيك حتى النهاية"..
_وهذا الرأي الاخير للينين في بوخارين،كان السلاح الذي استخمه ستالين بذكاء وتمويه،كدليل اتهام وادانة بعدم ماركسية بوخارين ومعاداته للاشتراكية!!_..
هذا المنظر البارز ومحبوب الحزب كله،تحول بقدرة كوبا ورغبته الى(عدوا للشعب)!.
كان بوخارين هو واحد من الشخصيات التي جذبت واثارت انتباه ستالين،الى جانب:ريكوف،وتومسكي،الذين كانوا الاكفأ والابرع في التصدي لقضايا الاقتصاد والصناعة ومشاكل الريف والمساهمة في وضع الحلول لتلك المشاكل والمعوقات.ولكن بعد تمركز سلطة ستالين وتسلطه في الثلاثينات،لم يعد بحاجة اليهم،ولن يكون لهؤلاء اي دور او مكان في صنع القرارات وستهمش آرائهم ومقترحاتهم.فقد احتل مكانهم البيروقراطيون،من:انتهازيين وتابعين وموالين لستالين،امثال:كاغانوفيتش،ومالينكوف،ومكويان،ومولوتوف،ودعم مسوخ الشرطة السرية،في(مفوضية الشعب للشؤون الداخلية)المرعبة.
فقد ساد نظام عبودية العمل،والتعليمات والاوامر الفوقية والارادوية الخانقة،والتخبط في التخطيط،والاعتباطية في كثير من الاعمال والمشاريع،والتي لم تكن تنجز وفق القوانين الاقتصادية الموضوعية التي تحددها الظروف والامكانات،بل رغما عنها،وبنفس الاسلوب البيروقراطي المتصلب والمتعفن.
في تلك الفترة وقبل وصم بوخارين بلعنة وعار(العداء للاشتراكية)كان ستالين كما ذكرنا معجبا ومنجذبا جدا لبوخارين،ويتابعه بأنتباه،ففي اجتماعات اللجنة المركزية والمكتب السياسي،واثناء التصويت على القرارات،حريصا على معرفة موقف بوخارين من التصويت،ويسأل :هل بوخارين مع او ضد؟!ويصوت تبعا لتصويت بوخارين!!.ولم يكن هناك مايعكر صفو علاقتهما،فقد كانا جارين بالكرملين،ويبدوان كصديقين حميمين،وخاصة بعد تحالفهما ضد زينوفييف وكامينيف..
وفي الوقت الذي اهتم فيه بوخاريت وريكوف بمصير الفلاحين،كان تروتسكي يعتبر الفلاحين"مادة التغييرات الثورية"(كان ستالين مؤمنا ومتفقا في قرارة نفسه مع طروحات تروتسكي،وان لم يصرح بذلك!وقد نفذ الكثير من مقترحات ومشاريع تروتسكي في مجال التصنيع،دون اشارة لمصدرها)..
فثقافة الامين العام السياسية والاقتصادية والفكرية تتسم بالضحالة والسذاجة والبدائية!.وكان لايعرف سوى الوجه العنفي والمبتذل والدوغماتي لديكتاتورية البروليتاريا!!.ففي احد اجتماعات اللجنة المركزية صرح ستالين بأنه:"كلما كبرت اهدافنا كلما كبرت المصاعب في طريقنا".وهذا ماترجم لاحقا،بصيغة تلك المعادلة السقيمة والحمقاء،والتي عممت كقانون ستاليني متخشب،وهي:"الصراع الطبقي يحتد كلما تسارع الاقتراب من الاشتراكية"!.
في منتصف العشرينات لم يكن ذلك واضحا ومتبلورا لدى ستالين.ولكن الاسلوب الثابت والمنهج المتحجر كان موجودا دائماومؤكدا دون شك،وهو:العنف،والقسوة،والفظاظة،والاوامر،والتعليمات الصارمة،والوصايا الملزمة،الخ..اما الحرية،والديمقراطية،ةالاختلاف،وتداول الاراء،والنقد،فكل ذلك هو مجرد هراء وقيح ليبرالي لايعترف به ستالين،بل يجرمه ويدينه ويقمعه دون رحمة!.العنف وحده هو ما سيسود ويغرق دولة العمال الفتية بوجات من التطير والارهاب وحمامات الدم!والتي سهلت لاحقا من الانهيار السريع والسهل والمدوي للاتحاد السوفييتي،حيث كان العمال والفلاحون والمثقفون،مجرد خراف ودواجن صامتة وخاملة!!.فهل كان ذلك يتفق او يتناقض مع ديكتاتوريا البروليتاريا؟!.ام كان الامر هو ديكتاتورية سافرة (على)البروليتاريا؟!.
درك ستالين وهو يقرأ اعمالا لقادة الحزب ان هناك هوة عميقة بين آرائهم ومواقفهم النظرية والسياسية والايديولوجية،حول مستقبل(الاشتراكية)في الاتحاد السوفييتي،وبين الواقع المادي الاكثر تعقيدا بكثير مما تصوره اولئك البلاشفة الحالمون.
ربما كان بوخارين محقا عندما كتب في ال"بلشفيك"قائلا:"كنا نعتقد ان الامور ستسير هكذا،نستولي على السلطة ويصبح كل شيء بين ايدينا،نعمم الاقتصاد المنهاجي،وهو امر بسيط لدرجة التفاهة،ونقلب الامور رأسا على عقب،ونجتاز بعض المصاعب واخرى نؤجلها،اما الان فأصبح من الواضح ان الامور لن تسير هكذا"..
ورغم ان علاقة ستالين بزينوفييف لم تتعكر عندما كانا متحالفين_ومعهما كامينيف_كثلاثي ضد تروتسكي!.الا انه شعر ان نفوذه المتزايد وهيمنته على الحزب بات لايروق لل"الثنائي"_زينوفييف وكامينيف_وانه حان الاوان للتصدي لهما بعد هزيمة تروتسكي،وخاصة بعد المؤتمر الثالث عشر للحزب.
ففي كلمة له امام كوادر الامانة العامة انتقد فيها ستالين كامينيف على تصريحه بوجود (ديكتاتورية حزبية)وانهى ستالين كلمته قائلا:"اجل توجد ديكتاتورية،ولكنها ليست ديكتاتورية الحزب،بل ديكتاتورية البروليتاريا".
_ما اسهل لوي عنق الحقائق وتزييف الواقع من خلال الكلمات!_
ف"البروليتاريا"اصبحت ك(وزرة الحمام)التي يرتديها الجميع عند الاستحمام!!.
شارك بوخارين كامينيف رأيه ايضا بوحود ديكتاتورية حقا داخل الحزب مع تحفظه وتحذيره من خطر الديمقراطية!!.فقد صرح بوخارين في الاجتماع العام للجنة المركزية في كانون الثاني(يناير)عام1924 قائلا:"مهمتنا الان ان نرى خطرين:الخطر الاول الذي ينتج عن مركزة نظامنا،والخطر الثاني هو خطر الديمقراطية السياسية التي قد تنتج اذا زادت الديمقراطية عن حدها.اما المعارضة فترى خطرا واحدا فقط ناتجا عن البيروقراطية،وهي لاترى وراء الخطر البيروقراطي خطر الديمقراطية السياسية،وهذا خط منشفي،فمن يؤيد ديكتاتورية البروليتاريا عليه ان يؤيد ديكتاتورية الحزب"
واضاف رادك على هذا القول :"نحن حزب ديكتاتوري في بلد برجوازي صغير"._وهكذا جرى التماهي بين الحزب والبروليتاريا،وحل الحزب بديلا عن الطبقة العاملة!_
ساند موقف بوخارين هذا سلطة ستالين وعززها،فبحجة خطر الديمقراطية السياسية المزعوم!اخرست كل الاصوات المعارضة!ومن اجل الحفاظ على وحدة الحزب اطل الوجه البشع لديكتاتورية بلا ضفاف او سدود!.
وما كان يخشاه البلاشفة (الديمقراطية)التي كانت في صالح الحزب ككل وللتجربة الجديدة الوليدة قادهم لحفر قبورهم بأيديهم عندما ايدوا ديكتاتورية البروليتاريا المزعومة!ليدفنهم بعدها ذلك"القوقازي الفظ"ببرود وخسة واحدا تلو الاخر!!!.
...................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...