بوخارين..كوبا/الهرطوقي الرجيم والمفتش الاعظم!!!(8-12)


ماجد الشمري
2015 / 8 / 11 - 22:50     

"يصل الانسان الى الطغيان بمساعدة المحتالين..الى اين يصل من يناضل ضدهم؟.الى القبر والخلود".
-روبسبير-


اثناء محاكمة زينوفييف،وكامينيف،وال14الاخرين،جرى تحويل قضية بوخارين الى المحكمة.(فقد ذكر المتهمون واشاروااثناء التحقيق -واي تحقيق؟!- الى بوخارين وريكوف)-وياله من تحقيق محبوك بحرفية ومهارة (ونزاهة)!!-..
اكتشف بوخارين بعد عودته من اسيا الوسطى-حيث كان يقضي اجازته-ان فيشنسكي-المنشفي المتبلشف!-بدأ تحقيقا في قضيته!.فأثار الموضوع استنفار بوخارين(محبوب الحزب)سابقاو(عدو الشعب)حاليا!.وجلس فورا ليكتب رسالة الى ستالين-لم يعثر عليها!-وكتب رسالتين الى فورشيلوف عبرتا عن محنة "ودراما"وضع بوخارين الذي كان يمضي حثيثا نحو"التراجيديا"!.
كتب قائلا:"عزيزي بيفريموفتش(فورشيلوف)انت على الاغلب استلمت رسالتي الى اعضاء المكتب السياسي وفيشنسكي.لقد كتبتها الليلة وبعثتها الى امانة سر الرفيق ستالين طالبا ارسالها الى الجهات المعنية.دحضت فيها اتهامات كامينيف الوحشية القذرة(اكتب لك وانا في ذهول:هل مايجري واقع ام خيال؟هل هو علم ام سراب او مستشفى مجانين او هلوسة؟كلا انه الواقع)اريد ان اسألك:هل تصدقون جميعا كل هذا؟هل تصدقون بحق؟انني اعتقد بما انني لم اجن بعد،انه من الحماقة،ومن حيث سمعتنا في الخارج.ان نوسع مساحة الاعداء(وهذا يعني ان ننفذ رغبات ذلك السافل كامينيف،فهذا مايريده-ان لايكون وحيدا)ولكنني لن اتحدث عن ذلك كي لاتظنوا انني اطالب بالرحمة تحت مبرر سمعتنا في الخارج.انني اريد الحقيقة،وانها الى جانبي،لقد اخطأت كثيرا في حياتي بحق الحزب وعانيت كثيرا لهذا السبب لكنني اعلن مرة اخرى انني دافعت في السنوات الاخيرة بقناعة تامة عن سياسة الحزب وقيادة كوبا-وان لم اتملق له-قد يكون ما اكتبه لك سخيفا،ولكن لاتغضب،قد تكون رسالتي لك في وقت لاتريد ان تستلم مني رسالة،والله يعلم،كل شيء ممكن.لكنني اؤكد لك"على كل حال"ضميرك يجب ان يكون مرتاحا تماما،لقد كنت دائما طيبا معي وانا لم اخن ثقتكبي:انا فعلا غير مذنب،وعاجلا او آجلا سيتضح ذلك،ومهما حاولوا ان يوسخوا سمعتي...انصحك بقراءة رواية رولان عن الثورة الفرنسية.اعذرني لهذه الرسالة غير المنظمة.في رأسي آلاف الافكار،تجمح كالاحصنة المجنونة وليس لدي كوابح قوية،اعانقك(فأنا نظيف)
1/6/1936/نيكولاي بوخارين"
-من النافل ان نقول كيف انتزعت اعترافات كامينيف منه فهو ايضا واحدا من ضحايا ستالين كبوخارين !-....
بعد ان قرأ فورشيلوف رسالة بوخارين،رد عليها وارسل منها نسخا الى ستالين والمكتب السياسي-والغاية من ذلك هو درأ الشبهة عنه وتبرئة نفسه من اي اتهام مستقبلي محتمل،فقد كانت حمى الخوف والرعب هي الهاجس الاكبر لدى اغلب قيادات الحزب،فقد اقترب زمن التطهير الدموي!-
كم سنرى البون شاسعا بين رسالة بوخارين الرفاقية اليائسة لضحية بريئة،وبين الرد القاسي والبالغ النذالة في رسالة فورشيلوف،ومدى تملقه الحقير لستالين،وقد كان واضحا في الرد،روح الجبن والتراجع والخنوع التي سادت في تلك الايام العصيبة!..
ونص الرسالة هو:"الرفيق بوخارين:اعيد لك رسالتك التي سمحت لنفسك بها بالتهجم الخسيس على قيادة الحزب.ان كنت تريد من خلالها اقناعي ببرائتك الكاملة،فقد اقنعتني بشيء واحد:ان ابتعد عنك قدر الامكان مهما كانت نتيجة التحقيق في قضيتك.وان لم تتخلى كتابيا عن نعوتك الحقيرة تجاه قيادة الحزب ساعتبرك نذلا ايضا.30/8/1936/فورشيلوف".
في هذه الرسالة نلمس بجلاء مدى تملق ومداهنة ونفاق وجبن وخشية فورشيلوف من جنكيز خان البروليتاريا!.ونستطيع ان نتصور مقدار دهشة وذهول وخيبة امل بوخارين من الرد الفظ لفورشيلوف!ولكن بوخارين كان يعي في قرارة نفسه ان الحبل الستاليني كان يضيق على عنقه،ومنذ فترة طويلة!.ربما تذكر كلمات روبسيير الاخيرة قبل ان تقطع الجيلوتين رأسه:"يصل الانسان الى الطغيان بمساعدة المحتالين..الى اين يصل من يناضل ضدهم؟الى القبر والخلود".فهل ناضل بوخارين ضد الطاغية؟!انه هو نفسه لاغيره من قاد نفسه الى هذا المصير،بتحالفه السياسي الطويل ضد المعارضة العمالية اليسارية،وتروتسكي وزينوفييف وكامينيف.وهذه هي ثمار التحالف مع الشيطان!.فهو اخر الخصوم المنافسين لقيصر روسيا الجديد!!..
وجد بوخارين العزم الكافي النابع من قنوطه واحباطه للرد على "مفوض الشعب الستاليني"فكتب الى فورشيلوف قائلا:"الرفيق فورشيلوف.استلمت رسالتك الرهيبة.رسالتي انتهت ب"اعانقك"ورسالتك انتهت ب"نذل".ماذا اكتب بعد ذلك؟.كل انسان عنده او بالاصح يجب ان يكون عنده كبرياءه الخاص،ولكنني اريد ان اصحح سوء الفهم السياسي،ورسالتي لك كانت ذات طابع شخصي(وانا لست نادم على ذلك)وفي ظروف نفسية صعبة،لقد كتبت ببساطة لشخصية هامة،فقد كدت اجن من مجرد التصور ان احدا قد يصدق انني مذنب.كتبت في رسالتي السابقة:"اذا كنتم متأكدين انني غير مخلص ولاتعتقلوني تكونون جبناء"اتعتقد حقا انني قصدت حقا نعت القيادة بالجبن؟ابدا.انما قصدت انني متأكد ان القيادة ليست جبانة،لذلك لايمكن ان تصدقوا انني غير مخلص.الا يتضح ذلك برسالتي؟وان كانت رسالتي مشوشة الى درجة،انها فهمت كتهم فانا-ليس خوفا بل قناعة-اسحب كلماتي خطيا ثلاث مرات.مع تأكدي انني لم اقصد الاهانة ابدا.انني اعتبر قيادة الحزب رائعة.لقد كتبت لك في الرسالة انه"يحصل في التاريخ احيانا ان يرتكب اناسا رائعون وساسة ممتازون هفوات شخصية".الم اكتب ذلك؟وهذا هو موقفي الحقيقي من القيادة،لقد قلت ذلك منذ زمن طويل،ولن اتوقف عن تكراره.اعتبر ان من حقي ان اعتقد انني اثبت ذلك من خلال نشاطي في السنوات الاخيرة.على كل حال،اطلب ان تصححوا سوء الفهم ذاك.اعتذر كثيرا عن الرسالة السابقة.ولن اتعبكم بعد الان برسائل اخرى.انا في حالة توتر عصبية وهذا ما دفعني لكتابة الرسالة.ربما علي الانتظار نتيجة التحقيق بهدوء،فانا متأكد من انه سيثبت براءتي.وهذه هي الحقيقة.وداعا..3/9/1936/بوخارين".
لقد تعمدنا ايراد فقرات طويلة من الرسائل للمقارنة فقط بين طبيعة وخلق بوخارين المتسامح والمنفتح والمتواضع،وحقيقة براءته الفعلية من التهم الملفقة التي الصقت به،وبينلااخلاقية واحدا من قادة البلاشفة،سقط في امتحان الروح والعلاقات الرفاقية،وابدى الكثير من الجمود والتحجر والتابعية في اسلوبه وخلقه.
قال بوخارين:"وداعا".لكن ستالين آثر التريث وتخيف القبضة مؤقتا!..
في10/9/1936نشرت ال"برافدا"ان:النيابة العامة للاتحاد السوفييتي تغلق القضية لعدم وجود ادلة ملموسة"!لكن ذلك كان مجرد"استراحة المحارب"فقط،وستعد الادلة الملموسة بكثرة لاحقا!!.فقد قرر ستالين ان يقضي اولا على بياتاكوف-احد القادة الستة الذين ذكرهم لينين في رسالته الى المؤتمر!-وسيحين دور بوخارين في شباط1937.فأجتماع اللجنة المركزية العام في شباط(فبراير)وآذار(مارس)1937 سيضع الاسس النظرية لبداية حملة التطهير والتنكيل الجماعي للحرس البلشفي القديم وكان مخرج العرض ستالين طبعا!!.
وبدأ صيد السحرة، والمهرطقين واقامة المحارق للمارقين عن العقدية القويمة!.وكان مكان بوخارين جاهزا وشاغرا على منصة الاعدام!.فلكل من رفاق لينين في الكفاح السياسي والانتفاضة دوره الذي سيأتي ليلغ المفتش الاعظم في دمائهم منشيا بنصره عملاقا بين اقزام!!!.
.............................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...