داعش ترفع الصّراع أعلى من سقف التنافس الديمقراي الجمهوري على البيت الأبيض


محمد نجيب وهيبي
2015 / 8 / 5 - 22:55     

مُحاولة للتفكير !!

داعش تغيُّرُ نسق العلاقات الدولية وترفع السّقف اعلى من الصراع الديمقراطي الجمهوري على البيت الأبيض.

دونالد تريب ، هيلاري كلينتون ، جيب بوش ، هي أسماء سطع إسمُها في الفضاء السياسي الأمريكي وعلى المستوى الدولي أكثر في إطار السّباق نحو البيت الأبيض وما يحمله معه من صراعات اللوبيات المالية حول السِّيادة الدولية ومشاريع إقتسام الثروة على مستوى العالم ، حيث الرئيس الديمقراطي "اليساري" الاستثنائي "الثورة " الحالي ، الأسود ، ذو الاصول الافريقية المُسلمة ، أوباما يَخُطُّ مع تخبُّط خطاه في رقصته الوداعية ، مُستقبل سياسات الشُّرطي العالمي المُسمّى أمريكا .
بعد عاصفة الاتفاق الملغوم مع إيران حول ملف القرن ، وبعيدا عن مسألة السلاح النووي الشعوبية ، وماصاحبها من انشطة إعلامية إستهلاكية ، مُؤدلجة أو ذات طابع إقليمي ، رافضة ومستبشرة ، يتوجَّه أوباما في زيارته الاستثنائية للقرن الافريقي ، نابشا في رماد جبهة جديدة ، راكدة ، أو مؤجّلة ، دافعا إيّاها الى ساحة التسويات والصّراعات الدوليّة ، سعيا لإسترجاع دعم جزء من لوبيات اليهود و الأقليات السوداء من ناحية ، وفارضا على الساحة السياسية الأمريكية في المقبل من الايام تسوية شاملة لملفات إقليمية شائكة ، مُقايضة لملفات إيران-العراق ومعها الشرق الأدنى وروسيا ، وملفات شمال إفريقيا والصحراء وإفريقيا الوسطى ومعها أوروبا من ناحية والصين من الأخرى .
رسائل بالجملة تفتحها ادارة أوباما الديمقراطي ، "اليساري" في وجه العالم الرأسمالي في رقصته الهادئة الأخيرة على أنغام شرقية وإفريقية ، سعيا منه الى إنهاء ما علق بالنظام العالمي الجديد من مُعيقات تقدُّمه نحو سياسات إقتصادية وتقسيم عالمي للعمل يرفع نسق الإستهلاك والربح ومراكمة رأسالمال وما يُصاحبه من علاقات التبادل البضاعي ودورة المال على مستوى العالم ، بما يتطابق مع نمو الانتاج على مستوى العالم ، حماية لاتجاهات تركّز وتمركز رأسالمال المُظطردة والمتضادّة مع مُتطلّبات انتاج وإعادة إنتاج قوّة العمل ، وبلغة أخرى كبح جماح التطلُّع الثوري لقوى الانتاج الاجتماعي لقلب علاقات الانتاج الاجتماعية ، عبر فرض أنساق سياسية وإجتماعية دولية تُعيد توزيع العلاقات والأدوار على مستوى العالم تُجبر الشُّعوب والطبقات المُنتجة للثروة ، العمل من أجل تحسين العلاقات الحالية والقبول بسيادتها وشموليتها لإخراج النظام من أزمته ، إنَُّ الوجه الثّاني للاهوت الفلسفي المثالي الرأسمالي الذي يحمل الحلول الجاهزة للعالم والبشر ، حلولا محفوظة منذ الأزل (بداية الرأسمالية) تحمل الجنّة بيدٍ والنار بالأخرى ، ومنها تتناسخ مشاريع التكتلات الدولية والإقليمية وأهمها بالنسبة لنا " الشرق الاوسط الكبير وشمال إفريقيا " .
لا يختلف إثنان أن السّاحة الدولية تحكُمُها موازين القوى بين الاطراف المتنافسة فيها ، ولا يُنكرُ عاقل أنّ المصالح تُحدِّدُ ، تجمعُ وتُفرِّقُ هذه القوى وتلك ، كما لا يُمكِنُ أن نتجاهل أنَّ تلك المصالح إقتصادية بالأساس تتحرَّكُ وفق قانون الربح وتطلب حريّة حركة الرأسمال ومراكمته في كلِّ أشكاله وعبر كل ركن من أركان المعمورة دون قيد أو شرط ، ومعه نشر البؤس ومزيدا لتفقير قوى الانتاج وإستنزافها في كل أصقاع الأرض بلا قيود أيضا ، وفي كل هذا تُعتبر الشركات العالمية العابرة للقارات شرقا وغربا إمبراطورية العالم الحديث ، وتُمثِّلُ أمريكا مديرها التنفيذي الأكثر شراية والأعلى مرتبة دون منازع وهي لذلك تُلخِّصُ في سياساتها كل هذه المصالح وتناقضاتها ، شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا .
الاستراتيجيات الأمريكية ثابتة في عمومها .

رغم الصِّراع الجمهوري الديمقراطي الدّائم (وآخره النقد اللاذع لجون كيري في لجنة الكونجرز حول الملف الايراني ) ورغم تحول وتغيُّر السياسات الامريكية من إدارة لأخرى ، من منطقة لأخرى ... الخ ، الّا أنّها تقوم على ثوابت لا محيد عنها للجميع تتعلَّقُ بمصالح الرأسمال العالمي في شكله المُعَولم والذي تحملت أمريكا مسؤولية ادارته منذ حطت الحرب العالمية الثانية رحالها ، هذه الثوابت تُتَرجمُ بكل بساطة سعي الشركات العابرة للقارات لمراكمة الربح وتقنين إستغلال أخلاقي للسواد الأعظم من "المُستخلفين في الأرض " . جملة هذه الثوابت تتلخَّصُ في :
- فرض حرية تدفق الرأسمال في شكل المالي والبضاعي ، مع سياساته وأفكاره وأخلاقه ، من طرف الأرض الى طرفها .
-ضمان تقييد النزوع الطبيعي لقوى الانتاج ، للثورة ، للرفض لتحطيم قيود العلاقات الاجتماعية القائمة ، وتحقيق تطويعهم لأمثلة سياسية وإجتماعية تجعل من واقع الاستغلال امتحانا لاهوتيا مقبولا وتُغيِّبُ الوعي به .
- ضمان تدفُّق الطاقات الناضبة في آخر عهدنا بها ، بتكلفة تُحقق أعلى أنساق الربح .
- خلق أسواق إستهلاكية عالمية مفتوحة ، مرنة ومضبوطة ، تَكفل تطابق طاقة الانتاج المُمركزة على مستوى العالم مع قدرة إستهلاكية ممركزة أيضا ، أو ما يُعبَّرُ عنه بسياسة الأقطاب .
- تحقيق إستتباب السيادة الأمريكية ومن خلفها التجمعات المالية العالمية الداعمة لها على القرار السياسي العالمي .
ومهما يكن من أمر التنافس الجمهوري-الديمقراطي حول الادارة الأمريكية ، تظلُّ المصالح الجوهرية لسادة الولايات المُتّحدة ولوبيات الأموال الدولي التي تُحرِّكُها محلَّ إجماع تتناقله الحمائم والصقور سواءا بسواء .
أذرع النظام العالمي الجديد : ليست سوى ادواة لتنفيذ المهام القذرة لسادة العالم .

في الحربين العالميتين الأولى والثانية ، تدخّلت الدول بثقلها ، رموزها ، وآلتها العسكرية ، مُباشرة وبشكل فاضح في تحديد أنساق السياسة والسيادة العالمية وتقسيم العالم ، ليس بشكل جغرافي ميكانيكي من قبيل تقسيم ألمانيا أو مشروع سايكس-بيكو الخاص بالجنوب ومنه المنطقة العربية ...الخ ، ولكنَّه تقسيمٌ يظمن دائما وأبدا حقوق التصرف في خيرات العالم وثروته ، أو بمعنى آخر التحكم في التقسيم العالمي للعمل وعائداته بما يعنيه ذلك من حرية لحركة رأسالمال والتحكم في ميول الرفض والانتفاض ضدها (بما يتضمنه من اتفاقيات التجارة الحرة ، والغاء الحدود الڨ-;-مرقية ...الخ ) ، حينها كانت الدولة الوطنية فتيّة وفي عنفوانها وتحتكم على زاد إيديولوجي وحضاري يُمكّنُها من تجييش الناس وتوجيههم والتحكُّم في رغائبهم وطموحاتهم .
فلمّا إستقرَّ الامر لحالة "اللاحرب واللاسلم العالمية " وإنحصر إشعاع مقولة الدولة الوطنية أمام سياسة التكتلات والانتماءات الدولية بعضها إقليمي "قومجي" والآخر إيديولوجي "عقائدي" ، وإعترضتها مُشكلات مواطنية تتعلَّقُ بالحريّة والعدالة والمساواة ...الخ ، تحوّلت سياسات الدوائر المالية العالمية ومُمَثِّليها وشُرطيييها الى إنتهاج خيار الحرب بالوكالة ، تصدير النزاعات المُسلّحة ، تهجير الحقد والقتل ..الخ ليتناسب مع تصدير مخرجات الصناعات العسكرية ، وإنتاجات أجهزة الاستخبارات ... فكانت حرب الخليج الأولى ، ثُمّ الثانية ، وصُنِعت القاعدة ، وخُلِّقت جماعات جيش الرب (روندا : جماعات مسيحية إرهابية ) من عدم ، وأخترق مُناضلي جبهة البوليزاريو بالمغرب، والحركة الشعبية بجنوب السُّدان ومُنظّمة التحرير بفلسطين ... الخ وصُدِّرت نماذج مُربكة تربط حركات التحرُّر الوطني بالمولود البرجوازي الأخطبوطي الدولي المُسمّى " إرهابا " ، فكانت القاعدة وبن لادن أولى مواليده بتطويع وتمويل وصناعة دولية مُشتركة ، صينية ، روسية ، ألمانية ، فرنسية ... الخ وبطبيعة الحال أمريكية مع شرط تحكم الادارة الأمريكية في سياستها توجيها وتأطيرا وإستثمارا ، سيادة وخدمة للمصالح الدولية المُتفق عليها ، شريطة إعادة بناء الدولة الوطنية القمعية المرنة دون قيود وطنية ودون حدود تُعيقُ حرية نشاط وتدفُّق الربح ورأسالمال .
فكانت القاعدة ، صناعة أمريكية خالصة ، حققت لادارتها مكاسب خارجية تُساوي أو تفوق مكاسبها الدولية والخارجية ، ومنها إسقاط نظام صدّام الدموي (حليف الجمهوريين التقليدي في البيت الابيض ) ، وفرض قيود على الحريات داخل أمريكا ...الخ ، وفرض قيود على إيران وإجبار كل من فرنسا وألمانيا على مراجعة عقود الاستثمار في تسليح دول الجنوب ودول الطوق (الصراع العربي الصهيوني ) وفق أولويات تُراعي مصلحة الشركات العابرة للقارات التي إتضح من ضمنها شركات روسية وصينية (شيوعية !!) بوكالة إيرانية (شيعية !!!) بأموال يهودية (صهيونة !!) .
ثُمَّ تفقّت عن هذا العقل ، جبهة النُّصرة ، وأنقار الشريعة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ... الخ وهي تعبيرة عن خلل في وهم القدرة على مركزة الصناعة المُخابراتية والتحكُّم في الاذرعة ، لدى الادارة الأمريكية ، هذه الادارة التي أوصلنا غرورها وعجزها لما نواجهه اليوم ، أطلقت غولا ، سلّحته ، وفّرت له مداخل التمويل والنّشاط ، فلَمّا إنفلت من عُقاله وإمتدّت أذرعه لمن يقومون بحاله دونها ، خرج هذا الديمقراطي الأسود"الاوباما" ليُعلنها حربا عليهم تفوق حرب أمريكا على القاعدة بعد أحداث 2001
، ويذهبُ في مسعاه الى تجنيد شيعة إيران ونظامها الرجعي المُساند لبشّار في سوريا ، بِهدف تحجيم تأثير "داعش" وقد قبل في هذا بوساطة روسية مُطلقة ، ولوم من الكونجرس الأمريكي ، وتمكين تركيا وأردوغان من ورقة خضراء لإعادة توزيعٍ للملف الكردي فيها وفي العراق ، الى جانب خلق إستياء سياسي عام لدى حُلفائها التقليديين من قُطعان بترول جزيرة العرب ... الخ .
في المُحصِّلة جُملة من الخيارات السياسية ، إرتكزت على الوساطة ، في خوض حروب إعادة تقسيم العالم ، أنتجت هذا الذي يُحاربُ بعضهم بعضا به ،ونحمل نحن تبعاته ، ندفعها من قوتنا وإقتصادياتنا وحُرياتنا المُتهاوية ، لتتمكّن الادارة الأمريكية من تصدير وتسوية تبعات أزمتها الاقتصادية الداخلية ، وتتمكّن روسيا الكُليانية من إنهاء آخر عهود التسلّط الاقليمي والداخلي لنظامها ، وتنجح الصين "النازية" الكُلينالية من كسر حصارها والالتحاق بالعالم المُتمدن والنظام العالمي الجديد ، أمّا أوروبا العجوز والحبيبة فتكفيها اليونان ، إسبانيا ، وأزمة العقارات والدين ... الخ والتبعية المقيتة لادارة البيت الأبيض .
داعش تَسود رغما عنهم .
لن أسترسل كثيرا في رصد إلتقاءات وصراعات المجموعة الدولية ودورها في صياغة العلاقات الدولية ، كما أجد أنّ التنوير حول علاقات القاعدة وتمويلها ، يُعتبر من قبيل التكرار لحقائق يُدركها القاصي والداني . أمَّا "الداعش" فقد كانت صنيعتهم التي إنفلت عِقالها ، غول مُشتركٌ خُلِّقَ في مخابر عِدّة ، لا سيَّدَ لَهُ ، لأنَّهُم كُثُرٌ ، يُمَوِّلُهُ الجميع شرقا وغربا ، في موسكو وبيكين وواشنطن ولبرلين أيضا فيه نصيب .
بعد تقويض النِّظام في ليبيا ،وفبركة الصِّراع في مصر ، وخلق عدم الاستقرار في الجزائر ، وٱ-;-شعال الحرب الدائمة في سوريا ( تونس والمغرب إستثناءات ظرفية خلقتها قواها ال الداخلية وهذا موضوع آخر ، موريطانيا جزء من المشروع ، الاردن لها عودة ، اليمن صراع حول البقايا مهما كان غلافه ..) .
بعد كلِّ هذا وأثناءه ، وفي مسعاه للقضاء على القاعدة ، سمح النظام العالمي الجديد لسادة الريع الخليجي بأن يخلقوا مجموعات مُقاتلة تابعة لهم ، تضمن من ناحية مشروعية عقود الحماية الإمبريالية ، وتَظمن من الأخرى لِأُمراء البترول صياغة جزءٍ من العلاقات الإقليمية ، بما فيها من تحديد للدور التركي في أوروبا والدور الايراني في الشرق الأدنى ، لكن يبدوا أنّ داعش و صُنّاعها تعلّمو من درس 2001 أكثر مما تعلّمه صُناع القاعد آنذاك ، إنَّهُم يُربكون كلّ الحسابات ، حتى أنَّهُم دفعوا الرئيس الأقوى في العالم "أوبام" في أكثر لحظات ظُعفهِ ، أن يُعلن حربا في حالة اللاحرب وأن يُسلِّم رقبة إدارته لأعدائه من الجمهوريين ، يُعمِلونا فيها ما في جُعبتهم من أسلحة مرنة وثقيلة .
دفعت " داعش" الادارة الأمريكة الحالية ، إدارة الحمائم والديبلوماسية الهادئة ، لتلغيم ملفاتها للادارة القادمة والتخلي عن حذرها ، أوباما السّلس وسّع حربه وصدّرها للإدارة القائمة ، حينما تعثّر في رقصته الوداعية ، لأنَّ قادة داعش لم يلتزموا بما قدّمته القاعدة ، ودفعوه الى تسليم جزءٍ من الصفقة والدور السيادي الأمريكي لروسيا .
وما محاولة الرئيس الأسمر للبيت الأبيض "أوباما" زيارة أثيوبيا المُقنّعة بزايرة إفريقية ، والاتفاق الايراني الملغوم الذي قيّدَهُ بتسويات سياسية داخلية ، الَّا سعيا لترضيات داخلية لغلق الملفّ الاجتماعي الذي فشل في إدارته ، وتسليما لمشعل العلاقات الدولية للجمهوريين ومن ورائهم إمبراطوريات الصناعات العسكرية لترويج بضاعتها وتشكيل العلاقات الدولية وفق مصالحها المباشرة ، بعدما أفشلت داعش خيار السياسة الهادئة والتغيير من داخل المنظومة .