معركة الثروات الطبيعية... من أجل فهم أعمق


منظمة العمل الشيوعي - تونس
2015 / 7 / 30 - 13:54     

مقال نشر في العدد الأول من جريدة "الشيوعي" الصادرة عن منظمة العمل الشيوعي _تونس
--------------------------------------------
يعتبر قطاع الطاقة من أكثر القطاعات تأثيرا وتأثرا في منظومة رأس المال وهو من المحددات الرئيسية في سعر السلعة حيث يتدخل في كل مراحل الإنتاج من التصنيع (الآلة) حتى التسويق (كلفة النقل) وهذا ما يفسر تكالب القوى الإمبريالية للسيطرة على مصادر الطاقة في العالم عبر الاستعمار المباشر و الغير المباشر للأقطار المالكة لهذه الثروة. وتعتبر الإمبريالية الأمريكية رائدة في مجال السيطرة على الطاقة من حيث تصدَر شركاتها النفطية للمراتب الأولى عالميا وعبر نشر جيوش من المرتزقة والوكلاء لمزيد إحكام السيطرة على مقدرات الشعوب و بث الأوهام و الوعي الزائف من مثيل أن الشعوب المخلَفة غير قادرة على استخراج ثرواتها وتحويلها بدون الاعتماد على الشركات الناهبة وهي مغالطات سنتكفل في كتابات أخرى أكثر تفصيلا بتعريتها وفضح أصحابها.
إنّ طرح معركة الثروات الطبيعية عبر استرجاعها وتأميمها بهدف بناء الاقتصاد الوطني (حيث تستحيل هذه المهمة في ظل هيمنة الإمبريالية على الثروة الطبيعية) يعتبر من المهام الرئيسية لبرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية وإن تفجير هذه المعركة يتطلب حتما جيشا من الثوريين والمقاومين المنتظمين والقادرين على قيادة الجماهير والدفاع عنها (أدواة الثورة) حيث ستسعى قوى الاستعمار الجديد لسحق أصحاب هذا المطلب. ولكن هل يعني هذا أن غياب الحزب الثوري (بكل أجهزته) يجعل من القوى الثورية عاجزة عن خوض معركة سيادة الشعب على ثرواته الطبيعية ؟
إن الإجابة عن هذا التساؤل يحمل إجابة ضمنية عن سؤال جوهري ومحوري آخر وهو تقييم أداء وممارسة قوى اليسار الثوري (باعتبار أن اليمين بشقيه الديني والحداثوي يتموقع ضمن معسكر أعداء الشعب رغم كل الحملات الفلكلورية التي لا تخرج عن دائرة المهاترات الشعبوية والسياسوية الضيقة) في خوض المعارك الكبرى.
يعتبر الشق المتكلس الجامد (جمود الموت أو الذي يسبق حالة النهاية) أنّ خوض معركة السيادة الوطنية على مقدراته تتطلب حزبا ثوريا وجيشا شعبيا (و نقطة إلى السطر) وتصبح مهمة الثوريين التفرغ (عدم إضاعة الوقت في النضال اليومي والمعارك التي لا تنتهي بإسقاط النظام) لبناء الحزب الثوري وتتحول نضالات الجماهير إلى معرقل للمهمة الرئيسية ؟؟؟
أمّا الشقّ الإصلاحي الانتهازي فقد اعتبر مسألة نهب الثروات مسألة تقنية بامتياز أو ربما سعى في الأقصى إلى تضمينها في برنامجه الانتخابي وهو ليس استثناء في ذالك (اليمين الرجعي ضمن هذه المسائل في برامجه الانتخابية). وقد دافع ممثلو هذا الشقّ في أحسن الأحوال -حيث جرم أحدهم تحركات الجماهير التي طالبت بفتح ملف البترول في تونس- عن تشديد الرقابة في علاقة بالعقود و كيفية الاستغلال متجنبين ربط هذا الملف بهيمنة الإمبريالية على ثروات القطر وتبعية وخضوع نظام العمالة والفساد والاستبداد لهم.
انطلقت مند أسابيع حملة "وينوا البترول" التي تصدرت عديد المواقع الاجتماعية والبرامج التلفزية والإذاعية والتي وجدت تفاعلا جيدا من فئات واسعة من جماهير شعبنا رغم سعي العديدين لإلصاقها "بحراك شعب المواطنين" ومن ثم تقزيمها وحتى تجريمها ونسوق بصددها الملاحظات الآتية:
- سرعة انتشار هذه الحملة خاصة لدى الشباب مع تفاعل دينامكي يعكس استبطان أطياف واسعة من جماهير شعبنا لمسألة نهب الثروة وربطها بالسيادة الوطنية واستعدادها للدفاع عن مقدراتها.
- ردة فعل نظام العمالة كانت أيضا سريعة ومنظمة تعكس خشيته من تطور الحركات الاحتجاجية ونضج شعاراتها التي ستتحول بحكم الظرورة (بسبب طبيعة نظام العمالة و الفساد وعلاقته العدائية بمصالح الجماهير) إلى الشعار الذي زلزل أركان النظام البائد "الشعب يريد إسقاط النظام"
- التعاطي المرتبك لعديد فصائل اليسار من هذه الحملة وهذا ما يعكس فهما خاطئا لطبيعة المرحلة يزيد في عزلتها وابتعادها عن واقع الجماهير.
- اشتداد حدة التناقضات في معسكر الأعداء (بين الأحزاب نداء و نهضة /حراك شعب المواطنين وبين أباطرة رأس المال عائلة بوشماوي لطيف/الجزء الذي لم يحصل على صفقات بعد مسرحية الحوار الوطني)
يشير إسم الحملة "وينوا البترول" ( رغم ما يحمله من تجديد وطرافة في مستوى الشكل وابتعاده عن التسميات الجامدة مما ساهم في سرعة انتشاره) إلى توجه سياسي يميني لبوصلة هذه الحملة توضح خاصة من طبيعة الخطاب الذي رافق الحملة الذي غلب عليه الخطاب الشعبوي الغير دقيق من مثيل أن تونس تسبح فوق أنهار من النفط أو أن ثروتنا النفطية قادرة على تحويل تونس إلى دولة نفطية ثرية ....و كثير من هذه "الشعبويات" التي يهدف أصحابها لتحريف بوصلة المعركة من أجل بعض المكاسب السياسوية وتحسين شروط التفاوض مع النظام عبر كسب أكبر عدد من المؤيدين.
ما يمكن تأكيده هو أن قطاع النفط والغاز (الطاقة عموما) هو من أكثر القطاعات التي ينخرها الفساد ونهب المال العام حيث تتحكم في دواليبه القوى الإمبريالية إما مباشرة أو عبر وكلائها. والمؤكد أيضا أنّ نظام العمالة والفساد والاستبداد متورط حدّ النخاع في التفريط في ثرواتنا للمستعمر بهدف الحصول على تزكيته ومن ثم نيل بعض القروض الخيانية (خيانة للسيادة الوطنية) إذن إنّ استمرار حكمه يصبح من قبل المستحيل بدون الحصول على هذه القروض.
إنّ الخاسر الأكبر من نهب الثروة والتفريط فيها هم أبناء شعبنا من مفقرين وكادحين الذين يدفعون من دمائهم ومن قوتهم فاتورة الخيانة غالية الثمن. إنّ الفهم الصحيح والعلمي هي المرحلة التي تسبق الفعل فماذا يطرح الثوريون من مهام أمام هذه الوضعية الراهنة؟؟
- ضرورة تعميم معركة الثروات الطبيعية (فسفاط ،اورانيوم ، ملح...) والأراضي الدولية وكل المكاسب (و لو الجزئية) التي يمكن للجماهير افتكاكها من أجل أن تتعلم كيفية افتكاك حقها واستعدادا لأم المعارك (إسقاط النظام).
- فضح واسع لخيارات النظام الرجعية والعميلة والدعاية لبرنامج الشيوعيين في السيادة على الثروات والموارد.
- القيام بحملات واسعة ونشر عرائض ضد المتورطين في الفساد والتعبئة الجماهيرية ضد الشركات المتمتعة بامتيازات قمرقية وجبائية خيالية ومن اجل مراجعة العقود الممضاة معها من قبل النظام.
- ربط معركة السيادة على الثروات والموارد بمعركة البطالة باعتبار تلازم المعركتين فالسيادة على القرار والموارد هو بوابة بناء اقتصاد منتج وبوابة للقضاء على البطالة.