ثوريون أم خونة ؟ .. الإشتراكيين الثوريين مرة أخري


راجي مهدي
2015 / 7 / 26 - 17:10     

يوم الأحد 19 يوليو الماضي ، أصدر الفصيل المسمي "الإشتراكيين الثوريين " بيانا بعنوان ( مرة أخري حول الإرهاب والإصطفاف الوطني ) ، ثم تلاه تعقيبا يعزف علي نفس النغمة والسياق لشرح النقاط المبهمة في البيان سالف الذكر . و يبدو أن البيان و ما تلاه من تعقيب سيكونان موضوع السطور القادمة .
بادئ ذي بدء دعونا نسرد عدة ملحوظات مهمة ، أولها أن لغة الإشتراكيين الثوريين تميل دوما للتطابق مع لغة إخوتهم المنحدرين من مكتب الإرشاد المحترق هناك في جبال المقطم . فقاطني شارع مراد - مقر الإشتراكيين الثوريين في 7 شارع مراد بالدقي - يلعبون لعبة الإخوان برد كل ما يرتكبونه إلي تدبير المخابرات ، فعبدالناصر أمر بأن تطلق المخابرات النار عليه في المنشية ، و القوات المسلحة المصرية باعت دماء جنودها للشيطان . "رواية المخابرات للأحداث" هكذا تقرأ في البيان ثم تصعد بنظرك لتتأكد من أنك لا تقرأ بيانا للإخوان . التطابق في المنهج ليس صدفة بالطبع .
الملحوظة الثانية ، أن الإشتراكيين الثوريين - المنحدرين من القبيح تروتسكي - يضعون الجيش علي رأس أولوياتهم ، كانوا ولا يزالون و سيظلوا حتي ينتهي وجودهم علي هذه الأرض ، فالعداء " للديكتاتورية العسكرية " مقدم علي العداء لإسرائيل - إن كانوا يعادونها أصلا - و هم كما يقولون في التعقيب "إذا استخدمنا اللغة القديمة التي كان يستخدمها أجيال سابقة من اليسار، يجب تحديد “التناقض الرئيسي” والتناقض الثانوي! ما نطرحه في البيان بتلك اللغة أو المنهج القديم هو أن عدونا الرئيسي اليوم بعد عامين من الانقلاب هو الديكتاتورية العسكرية" . في هذه الفقرة يتنكرون للفسلفة الماركسية و يتهكمون علي أدوات تحليلها بدعوي المزامنة طبعا ومواكبة روح العصر الإمبريالي ، بالإضافة إلي أنهم يؤكدون أن المعركة بالأساس هي ضد الدولة ولا حياد . ألم يقولوا منذ زمن " مع الإسلاميين أحيانا ، ضد الدولة دائما " ؟! و بالتالي ، هذه هي الملحوظة الثالثة ، يشرح البيان أن الحياد بين الإخوان والديكتاتورية يعد خيانة للثورة - أي ثورة ؟!! - و هم يرون أن هذا الحياد هو دعم للديكتاتورية صريح . يا له من منطق ؟!! ولا يستوي لديهم الذي يهاجم اكمنة الجيش في سيناء بالذي ينظم مظاهرة سلمية !! في ناهيا . فالإسلاميين ليسوا سواء ، إن فيهم الصالح والطالح فأبو بكر البغدادي لا يمكن مقارنته بمحمد بديع أو سيد قطب .
الملحوظة الرابعة أنهم يتهكمون علي تعاطف الناس مع الجيش و شهدائه الذين هم شهداء هذا الوطن "تأتي العمليات الإرهابية الأخيرة لتحدث تآكل حتى لصفوف ذلك الطريق الثالث وتجد الكثير منهم على قلب رجل واحد مع الدولة ضد خطر ووحشية عدونا الحقيقي داعش! وتجده يفقد فجأة حالة الحياد حتى الشكلي بين إرهاب الدولة وبين إرهاب الجماعات الإسلامية ويعلن “بشجاعة” عن ضرورة الاصطفاف الوطني وأننا بالفعل في حالة حرب! أي يردد كالبغبغاء ما يقوله النظام وأبواقه الإعلامية. فيبكي بحرارة عندما يقتل الجنود في سيناء على يد “الفاشية الدينية” الغادرة ويصمت كالحجر عندما يقتل متظاهرين سلميين بعد صلاة العيد!" و يتساوي لديهم جندي الجيش الشهيد بالمرتزق الذي يرتدي حزاما ناسفا ليقتحم به كمينا للجيش . ثم " نحن نرفض العمليات الإرهابية لأنها تزيد من قوة عدونا الرئيسي الديكتاتورية " يرفضون الإرهاب فقط لأنه يعزز قوة السلطة ، لو أنه يقوض هذه السلطة وهذه الدولة وهذا الوطن ما رفضوه . تلك كانت أبرز النقاط في البيان .
إذا إنتقلنا للتعقيب فهو لا يقل دناءة عن البيان ، يقولون مثلا في النقطة الرابعة من التعقيب " هذا لا يعني على الإطلاق أننا نطرح اليوم ضرورة أو إمكانية أو صحة التحالف مع الإخوان المسلمين. بل أنه على أي كيان ثوري أن يوضح بما لا يدعو للشك أن معركته اليوم هي في مواجهة الديكتاتورية العسكرية الحاكمة. هذا بشكل مستقل تماماً عن الإخوان المسلمين، وواعي تماماً لطبيعتهم غير الثورية بل ولخيانتهم التاريخية للثورة المصرية " ألا ترون أن المنطق يحتضر ؟؟! لا تكونوا محايدين في المعركة بين الإخوان والديكتانورية ، حاربوا الديكتاتورية لكن ذلك لا يعد تحالفا مع الإخوان . يا لها من براعة !! حقا إنه ليس تحالفا بل زواج متعة . الإخوان يقاتلون بالدم ضد من أسقط سلطتهم فلننضم اليهم في قتالهم حتي نهزم الديكتاتورية ، ثم ماذا ؟ طبعا سوف يتسلم الإخوان السلطة ، إنها نفس ذات المعركة التي خاضوها ضد المجلس العسكري الطنطاوي الخائن بلا شك . فقد خاضوا المعركة ضد المجلس لصالح الإخوان والإخوان فقط ، وها هم الآن يعاودون الكرة من جديد ، يبيعون الوهم " هذا بشكل مستقل تماماً عن الإخوان المسلمين، وواعي تماماً لطبيعتهم غير الثورية بل ولخيانتهم التاريخية للثورة المصرية " ليس استقلالا بل ذيلية كالعادة . ويتواصل التأكيد علي تلك الخدعة في نقاط التعقيب حتي نصل إلي النقطة الثامنة . وفيها نكتشف ، أو يكتشف لنا العباقرة الأفذاذ القاطنين في شارع مراد والمقيم منهم علي مقاهي وسط القاهرة ، أن التيار الإسلامي ليس فاشيا . "نحن نرفض بالطبع ذلك التحليل الذي يبدو أنه أصبح مهيمناً لدى الكثيرين (يا فرحة رفعت السعيد) والذي يصف الحركة الإسلامية عموما وبما فيها الإخوان المسلمين كحركة فاشية " و يشرحون أن مصطلح الفاشية لا ينطبق علي الإخوان ، فقد ظهر في سياق تاريخي مختلف !! ولكن سيرد في نقطة تالية أن السطة الجديدة هي التي يمكن وصفها بالفاشية .. يبدو أنهم نسوا فجأة موضوع السياق التاريخي المختلف !! ."تنظيرة أن الإخوان نوع من الفاشية الدينية كانت ومازالت مجرد تبرير فكري سطحي " وددت لو قابلت هذا العبقري كاتب تلك الفقرات المدهشة . أليست الفاشية هي الإيمان بتفوق مجموعة دينية أو قومية أو عرقية ، و ممارسة هذا الإيمان بشكل عدواني علي المجموعات الأخري و بشكل يتعارض مع مصالحها ؟؟ أليست تلك هي الفاشية في أبسط تعريفاتها ؟؟ ألم يقل سيد قطب أن الإخوان هم الفرقة الناجية ؟ ألا يؤمنون أن المجتمع جاهلي وضال ؟ ألم يديروا آلة العنف علي هذا الأساس منذ التأسيس الفعلي ؟؟
ثم ننتقل الي النقطتين 11 ، 12 وتتناولان الموقف من هؤلاء الذين يرون أنه يجب القتال ضد الديكتاتورية والإخوان في آن واحد "نرى خطورة شديدة في موقفهم هذا تؤدي في نهاية المطاف للاصطفاف الضمني مع الديكتاتورية العسكرية سواء بالعجز والشلل وبالتالي الوقوف كالمتفرج على المعركة، أو القبول بالواقع وانتظار نتيجة المعركة "
إنهم لا يقبلون بأقل من تحالف غير مشروط مع الفاشية ضد الجيش والدولة . " وبالتالي فالسكوت عن قمع الإخوان، أو عدم اعتبار الدفاع عنهم في مواجهة بطش الديكتاتورية جزء لا يتجزء من النضال من أجل الديمقراطية ومن أجل استعادة الثورة المصرية هو خطأ استراتيجي " نفس الفكرة وبأكثر من صياغة .. التحالف التحالف التحالف .
ثم ينتقلون في النقطة التالية للتحليل الطبقي للإخوان المسلمين ، "عندما نصف نحن حركة الإخوان المسلمين كحركة إصلاحية، فنحن لا نرجع ذلك لمعايير الحركات الإصلاحية في الغرب الرأسمالي كالأحزاب الاشتراكية الديمقراطية على سبيل المثال. فالسياق التاريخي مختلف كما في حالة الفاشية " ما هذا الهراء !! كيف تختلف المعايير ؟ أليس الإصلاحي هو من يعادي التغيير الجذري ؟ الإخوان وغيرهم إصلاحيون لانهم من جهة يعادون التغيير الجذري للنظام الرأسمالي ، يعادون هدمه ، وفي نفس الوقت يطالبون بإصلاحات تضمن إدماجهم في بنية السلطة . أم أن الخلط وتشويش المفاهيم أصبح متعمدا ؟ ألم تكن صنعة تروتسكي هي الخطابة والسفسطة الخالية من اي معني والتلاعب بالألفاظ ؟ اللطيف في التحليل أنهم يستخدمون مصطلح " الطبقات الوسطي " وهو مصطلح فضفاض وغير علمي علي الإطلاق ، فالذي علمنا التحليل الطبقي - ماركس - كان واضحا . المجتمع الرأسمالي ينقسم الي طبقة عاملة وبرجوازية ، تلك البرجوازية غير متجانسة ، و تختلف حسب حجم الملكية . قواعد الإخوان المسلمين تبدأ دوما من فئات البرجوازية الصغيرة والمتوسطة - السلوك السياسي للإشتراكيين الثوريين ليس صدفة ، فهم أيضا ينحدرون من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة - أما قيادة الإخوان فهي من البرجوازية الكبيرة - التجارية بصفة خاصة - ولم يكن للإخوان أي نفوذ في صفوف الطبقة العاملة ولن يكون ، فالذي قبلته واشنطن وتل أبيب سيظل دوما عدو العمال . إن غالبية قطاعات البرجوازية الصغيرة لا تميل إلي الإصطدام الجذري مع النظام الرأسمالي مالم تكن خاضعة لنفوذ ماركسي كبير ، وبالتالي ليس صحيحا أن قواعد الإخوان تميل إلي صدام جذري مع النظام ، هي تميل لصدام جذري مع السلطة - ليس النظام - فقط بتأثير خضوعها لقياداتها البرجوازية الكبيرة التي شكلت قيادات الإخوان دوما جزءا منها عكس ما يقول التروتسك في النقطة 15 من البيان ، وهم يقصدون بذلك أنه لا تناقض رئيسي معهم .
النقطة 19 تضرب مثالا جيدا لحجم الإختلال في المنظومة الفكرية لكاتب التعقيب " لا يعني كل ما سبق الدعوة للتحالف مع الإخوان المسلمين. ولكنه يعني بالتأكيد الدفاع عن كوادرهم ومؤيديهم من بطش الثورة المضادة. ويعني بالتأكيد الوضوح الدعائي والعملي أن عدو الحركة الثورية في مصر هو النظام العسكري الديكتاتوري الحاكم. ويعني بالتأكيد أننا بحاجة لبناء جبهة ثورية جديدة متجاوزة لفوبيا الإسلاميين ومستعدة لتجاوز هستيريا المجابهة العلمانية الإسلامية المجردة " كل ما سبق لا يعني الدعوة للتحالف ، ثم ، اننا بحاجة الي جبهة ثورية جديدة متجاوزة لفوبيا الإسلاميين ، بمعني أنها جبهة تضم الإسلاميين !!! ما هذا التناقض ، الضياع الذي يعانيه هؤلاء ، العته الفكري الذي تحتويه تلك السطور ؟

إن التروتسك يلعبون في التاريخ دورا قميئا يليق بمجموعة وظيفية تم خلقها لخدمة مصالح من خلقها ومولها . لم يعد في مصر من يجهل إرباطهم بشبكة تمويل ضخمة تصب أموالها في عدة مؤسسات مرتبطة بالإشتراكيين الثوريين ، فبخلاف التمويل الذي يصلهم مباشرة من حزب العمالي الاشتراكي البريطاني و مؤسسة فورد ، هناك عدة مراكز حقوقية تابعة لهم تتلقي تمويلا اوروبيا كذلك . والحقيقة أن من ظن أنهم فصيلا ماركسيا حقا ويسعي للسلطة من أجل الإشتراكية فقد باع نفسه للشيطان . إننا هنا بصدد بؤرة للبرجوازية الصغيرة خلطت ماركسية مشوهة بالفوضوية بالإقتصادوية بالجرامشية ، و يعادون كل تكوين وطني بدعوي الأممية رغم أنه لا تناقض علي الإطلاق بين ما هو وطني وما هو أممي . و هم حتي في تلك الرؤية المشوهة يتفقون مع الإخوان المعادين أيضا للوطنية باعتبارها مفهوما جاهليا و يستبدلونه بالأمة الدينية التي يقاتلون من أجل تحقيقها جنبا الي جنب مع الإشتراكيين الثوريين .
ان البيان وما تلاه من تعقيب يؤكد ما قد تم استنتاجه من قبل ، نحن أمام حفنة مأجورين متنكرين في زي ماركسي والماركسية بريئة منهم ، و هم الي جانب النخبة بكل اطيافها جنود الغرب في المعركة ضد بقاء هذا الوطن .

يسقط الفاشست وحلفاؤهم .